من الاآخر في أواخر هذا الشهر سينعقد مؤتمر أهل دارفور كجزء من تنفيذ متطلبات وثيقة الدوحة في مدينة الفاشر، ولكن قبل أن يقوم هذا المؤتمر يجب أن أذكر أهل دارفور لعل الذكرى تنفعهم . في شهر ديسمبر من العام 2005 عقد المؤتمر الجامع لأهل دارفور ، ترأس المؤتمر الوالي عثمان كبر بعد إنسحاب جميع المرشحين وحضره 2000 شخص ، وهو ليس هو أول مؤتمر ولن يكون الاخير ، فالفرص التى إتيحت لأهل دارفور أن يوحدوا كلمتهم كثيرة كلها فشلت ، ولذلك المؤتمر قصة عجيبة فحين عقد كان الوالي عثمان كبر لم يتجاوز حكمه الثلاثة أعوام و قد بدأ يضع ألاساس المسلح ليثبت جدارته لحكومة الانقاذ كوالي شاطر ، والحقيقة أن ذلك المؤتمر تم أختطافه من يد اصحاب الفكرة والخبرة الذين كانوا يرغبون في مناقشة مقررات ابوجا بل وتم تهميشهم عمداَ ونفذ على عجل ليحسب كانجاز للوالي ، وحين عرضت الفكرة على المرحوم مجذوب الخليفة الذي كان يمسك بملف دارفور في ذلك الوقت رد أن الحكومة صرفت في دارفور 800 مليار دينار (وما جابت لينا ولا طلقة فشنج ) وهو يقصد ان هناك صرف (تقيل ) مع عدم وجود نتائج فسأل أحد الحضور مستدركا مجذوب تقصد 80 مليارفرد مرة أخرى لا 800 يا محمد ، وذلك المبغ يعادل في ذلك الوقت 4 مليارات جنيه ، وحين سئل كبر في أحد اللقاءات عن تلك الاموال قال أنا وصلتني 68 الباقي دا شوفوا فات وين ما زال الشهود على هذه اللقاءات موجوديين ماذأ فعل كبر بالمبلغ الذي أعترف به ؟ عموما هذا ليس موضوعنا الان وسنعود اليه لاحقاً ففى الكلام بقية، ولكن رغم ذلك وافقت الحكومة على قيام المؤتمر المتعجل تحت رعاية الوالى كبر وصُرفت فيه المليارات ورايت بأم عيني (اللخ والجخ ) في منزل الوالي كبر الذي بنيت فيه صالة في الجزء الشمالي أعتقد كانت لهذا الغرض وحتى لا يعقد اى مؤتمر فيما بعد خارج منزله وفيه ايضا أعد الطعام لاطعام عشرات المئات وربما الالاف من البشر طيلة أيام المؤتمر وكان كل شىء يتم في منزله ، وشهد سماء الفاشر رحلات ماكوكية للطائرة المستأجرة التى تصل الفاشر خمس أوست رحلات أو أكثر في اليوم لم تكن تنقل المؤتمرين فحسب بل كل من أراد السفر الى الفاشر لقضاء اى حاجة وبعض سافر من أجل الملح وكانوا أكثر بكثير من المؤتمرين فقد كان برنامج التفويج في منتهى الفوضى ، كما وصلت الفاشر عدد من العربات الجديدة قيل لخدمة المؤتمرين ، رأيت بذخ لا يشبه الفاشر وحينها كانت كالمريض الذي ما زال طريح الفراش ، فالمدينة كانت تعيش ظلام دامس في الليل الا دار الوالي وحدها التى يغمرها النور، وفي النهار تبدو رمادية شاحبة الا دار الوالي وحدها يغمرها بالبهاء ، احياؤها الوسطية لا ترى مياه المواسير الا مرة في الاسبوع والبعيدة لا تشتهي مياه المواسير ابدا حتى أن احد الظرفاء قال لى أن غسيل الملابس اصبح مثل غسيل الكلى مرة في الاسبوع ، أى شخص سليم النفس رأى ذلك المؤتمر لسأل نفسه مدينة بهذا الشكل والتعب ماذا تفعل بمؤتمر يحمل هذا البذخ السافر ، مع العلم أن توصيات المؤتمر و التى كتبت بالحبر الملون فالبذخ يظهر حتى في كتابة التوصيات و نسخ منها المئات ، تلك التوصيات لم يرى النور منها ولا توصية واحدة، ذاك البذخ أن ذهبت مبالغه لتأسيس محطة كهرباء أو مياه أو أعيد به أعمار مستشفيات الفاشر الثلاثة التاريخية اليتيمة لكان حال الفاشر اليوم يحكي عن قصة أخرى ، السؤال الذي يطرح نفسه بشدة كم ستبلغ قيمة هذا المؤتمرحتى ولوكان ضمن مستحقات الدوحة مؤكد اضعافا مضاعفه مع ظروف الغلاء الطاحن التى تعيشها دارفور والسودان إن لم يضع له القائمون على امره الف حساب ، وماهي التوصيات التى سيصل اليها أهل دارفور؟ ربما نفس التوصيات ؟ وهل سيتم تنفيذها أم أم تلاقي المصير نفسه وما الضمانات ؟ ومن الاشياء التى شهدها المؤتمر نسخة كبر حضر على محمود وزير المالية الحالي وجاء يحمل ملف شارع الانقاذ وقال بالفم المليان أن رئيس الجمهورية قد صدق على الشارع وأمر بتنفيذه ومن ذاك اليوم إنقطع الخبر وكل الكلام الذي قيل في المؤتمر (شالو الهواء). فهمت من ذلك المؤتمر مدى جبن الحق في تلك البقاع وعلمت أن دافور تقتل بيد ابناؤها وأن ما يحدث فيها ليس هو خطأ الحكومة وحدها وانما يشاركها الخطأ الأكبر الكثيرون من ابناء دارفور منهم الذي استضاف المؤتمر وصرف عليه بسخاء يفوق التصور في بلد يقتلها الفقر والصراع والجهل والمرض والتشرد ، حينها فهمت أن دارفور اصبحت منطقة للسمسرة السياسية فقط وان الحكومة لا يهمها أن تذهب تلك المبالغ في مشاريع مفيدة تريحها جذريا من مشاكل دارفور بقدر ما تهتم كثيراً بأن ينشغل عنها أبناء دارفور في الفاضية والمليانة وبالحق وبالباطل . هذا المؤتمر هو ايضاً لاهل دارفور وينعقد في ظروف اقسى وأشد ، صحيح أنه جزء من تنفيذ وثيقة الدوحة و يختلف في أهدافه ومنبع ماله ولكنهما يشتركان في كونهما يجمعان أهل دارفور للتفاكر في مشاكلهم وتوحيد كلمتهم ومعالجة الكثير من القضايا ، ولذلك يجب أن توضع مناقشة توصيات الاول واسباب فشلها هدفا ضمن أهدافه مع إنشاء مجموعات عمل تقوم بمهام المراجعة والتنفيذ وكشف أوجه القصور أياً كانت . مؤتمر أهل دارفور (نسخة كبر) كان غلطة كبيرة بكل المقاييس ، أما تكراره فسيكون جريمة ولذلك هذا المؤتمر (نسخة سيسى ) يجب أن يكون وفق رؤية جديدة عن كل المؤتمرات تلك فالقيمة ليست بالحشد ولا بالبذخ ولا بالدعاية والاعلان وانما في المنفعة التى يخرج بها حتى لا نصل إلى نفس النتيجة ، سنوات تضيع بلا إنجازات ونخسر معها المليارات ودارفور تتراجع كل عام للاسواء . .