ملخص أهداف إسرائيل من التفتيت الوشيك للسودان مصعب المشرّف:- يبدو أن مسألة تفتيت السودان على يد إسرائيل بدعم أمريكي إلى خمسة دويلات هي : دارفور ، جبال النوبة ، الشرق ، السودان الجديد ، السودان الشمالي ؛ قد خرجت إلى العلن الآن بعد ان كان يجري تداولها في الخفاء .. وأن المسألة باتت مسألة وقت ليس إلا . وأن قدر التفتيت محتوم ولات حين مناص. كشف عن هذه المؤامرة كتاب أصدره مركز دايان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا التابع لجامعة تل أبيب حول "إسرائيل والحركة الشعبية لتحرير السودان" أعده ضابط الموساد السابق العميد المتقاعد "موشى فرجى" . يوضح الكتاب المشار إليه في فقرات منه ؛ أن تفتيت السودان يجري التخطيط له منذ منتصف عقد الخمسينات من القرن الماضي .... وبما يقتضي تفتيت السودان لخمس دويلات .. والهدف النهائي هو حرمان مصر من عمقها الإستراتيجي الكبير ، وحرمان العرب من أحلامهم (مجرد أحلامهم) أن تكون السودان سلة غذائهم . وحصول إسرائيل على ماترغب من مياه النيل رغم أنف مصر . ووفق إطار هذا المخطط نجحت إسرائيل بالفعل في فصل الجنوب عن الشمال (وهو الذي إستخدمت له مصطلح السودان الجديد) ..... وتبقى الآن فصل الأجزاء الأربعة المتبقية في ظل تطور وتسرطن الخلاف والتحزب والتشظي الكبير في جسد السودان بين الفرقاء الذين باتوا مسلحين في جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور والشرق ، وسياسيا في الشمال والخرطوم ، فقد حان أوان التنفيذ ... وعلى عينك ياتاجر. (حاشية : ربما يقودنا هذا المخطط إلى فهم الأسباب الحقيقية الكامنة وراء الإصرار الغير منطقي منذ زمن بعيد على التدمير المتعمد لمشروع الجزيرة كحلقة من ضمن سلسلة طويلة مترابطة). إستخدمت اسرائيل ومن ورائها الولاياتالمتحدة كل السبل والحيل والوسائل ... وما كان عزل نظام الحكم الإسلامي " الواجهة " عن باقي الكرة الأرضية إلا تمهيدا لضربة النهاية التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى .... ولم يكن تعجيل توجيه إتهامات للرئيس السوداني عمر البشير (ثم لحق به وزير دفاعه) بشأن المسئولية عن مجازر وإبادة جماعية وإنتهاك لحقوق الإنسان في دارفور إلا توطئة لعصره وضغطه حتى آخر قطرة ونفس ، لتقديم مايطلب منه أو يؤمر به من تنازلات شتى ، باتت وفود التفاوض الخرطومية تفرقها وتتبرع بها وتشتتها بكرم من لايخاف الفقر ذات اليمين وذات الشمال في أديس ابابا ، وكافة العواصم الأفريقية الأخرى التي تعقد بها مؤتمرات مماثلة بين الخرطوم وجوبا. لقد ذكرت من قبل في مقال لي بعنوان " مريم الصادق المهدي وخيار الحل اليمني" ؛ بما معناه أن عمر البشير لم يعد لديه خيارات سوى في الصمود حتى الموت داخل مكتبه في سراي غوردون وباي ثمن ... فهو في الداخل مهدد بإنتقام مليشيات لاتحمل في يدها سوى السلاح . ولايغلي في راسها سوى مرجل الثار . ولا يشتعل صدرها سوى بنار وحرقة الرغبة في الإنتقام الأطرش الأبكم الأعمى .. وأن البديل الآخر لعمر البشير إذا تنازل وعن طيب خاطر لأحزاب الخرطوم السياسية الليبرالية ونجا تحت حمايتهم ووساطتهم من إنتقام مليشيات الحركة الشعبية قطاع الشمال وعدل ومساواة دارفور ، فإن افضل الأحوال المسارعة بتسليمه على أيديهم إلى المحكمة الجنائية في لاهاي.... مع الوضع في الحسبان أنه لاتلوح في الأفق عاصمة عربية أو أجنبية (بما في ذلك الدوحة) تستطيع توفير ملاذ آمن له ولغيره الثلاثة المطلوبين ؛ تتحدى بهم مجلس الأمن والإرادة الدولية. وأنه لكل هذه الأسباب المشار إليها أعلاه فإن إسرائيل تبدو هي المستفيد الوحيد من كل مايجري من أحداث ، ويتفاعل من أحداثيات على الأرض في السودان عامة والخرطوم خاصة .. ولا مناص لعمر البشير وحكومته من القبول بما يتم فرضه عليهم في الوقت الساري من تنازلات وحتى ينقضي دورهم وتنتفي الحاجة إليهم .. وقتها ستتركهم الولاياتالمتحدة وإسرائيل ولجنة "خبثاء أفريقيا" ليواجهوا مصيرهم على مايشاء الله ؛ سواء على يد شعبهم في الداخل أو المحكمة الجنائية في الخارج .. هذا من جهة إسرائيل .. وأما من جهة عمر البشير وأركان حكومة الإنقاذ فهم بلاشك يعلمون هذا . ولكنهم يرغبون في تأجيل ميعاد أقدارهم ؛ ويرددون في أنفسهم عدة أمثال ولدوا عليها ورضعوها مع حليب الأمهات ؛ وتلقنوها من حجاوي الحبوبات ؛ وترعرعوا وشبوا وشابوا عليها .. ومنها على سبيل المثال لا الحصر :- "حلّك يازول ناس تحيا وناس تموت" ...... و " يا مات البعير يا شالوا الوزير" . لكن الواقع غير ذلك تماما .... فنحن في عصر غير عصر السلطنة الزرقاء وبركات الشيخ فرح ود تكتوك ... ومن ثم فلن يموت بعير الولاياتالمتحدة الألكتروني .. ولن يغير في الأمر شيلان أو حتى موت وزير إسرائيل ؛ لأن إسرائيل تعمل وفق نظام إستراتيجي قومي مؤسساتي لايتغير فيه الحال بتغير الأشخاص الجالسين على الكراسي . لقد كشف الكتاب الذي أصدره مركز دايان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا التابع لجامعة تل أبيب حول "إسرائيل والحركة الشعبية لتحرير السودان" أعده ضابط الموساد السابق العميد المتقاعد "موشى فرجى" عما فعلته إسرائيل لكي تحقق مرادها في إضعاف مصر وتهديدها من الظهر وكيف أنها انتشرت في قلب إفريقيا في الفترة من عام 56 إلى 77 وأقامت علاقات مع 32 دولة إفريقية لكي تحيط بالسودان وتخترق جنوبه وكيف وسعت علاقاتها مع دول حوض النيل للضغط على مصر. وأضاف أن استراتيجية إسرائيل منذ أواخر الخمسينات وبداية الستينات اتجهت إلى محاولة تطويق العالم العربي والانقضاض عليه من الخلف من خلال ما أطلق عليه بن جوريون رئيس وزراء إسرائيل آنذاك سياسة "شد الأطراف " وكشف العميد فرجي أن التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي في التعامل مع العالم العربي ودول الجوار التي تحيط به تتبنى موقف "شد الأطراف ثم بترها " بمعني مد الجسور مع الأقليات وجذبها خارج النطاق الوطني ثم تشجيعها علي الانفصال (وهذا هو المقصود بالبتر) لإضعاف العالم العربي وتفتيته ، وأوضح أن المخابرات الإسرائيلية قامت بفتح خطوط اتصال مع تلك الأقليات ومنها الأكراد في العراق والجنوبيين في السودان ، مشيرا إلى أن الحركة الانفصالية في جنوب السودان كانت من البداية أداة استخدمتها إسرائيل لتحقيق هدف استراتيجي بعيد المدى هو إضعاف مصر وتهديدها من الخلف. وتابع " بدأت الاتصالات مع الجنوبيين من القنصلية الإسرائيلية في أديس أبابا ، فى البداية ركزت إسرائيل على تقديم المساعدات الإنسانية للجنوبيين (الأدوية والمواد الغذائية والأطباء) واستثمار التباين القبلي بين الجنوبيين أنفسهم وتعميق هوة الصراع بين الجنوبيين والشماليين ثم بدأت صفقات الأسلحة الإسرائيلية تتدفق علي جنوب السودان عبر أوغندا وإثيوبيا وكينيا وقام بعض ضباط القوات الإسرائيلية الخاصة بتدريب الإنفصاليين في مناطق جنوب السودان ، كما قامت إسرائيل بانشاء مدرسة لضباط المشاة لتخريج الكوادر العسكرية لقيادة فصائل التمرد في جنوب السودان وأوفدت بعض خبرائها لوضع الخطط والقتال إلي جانب الانفصاليين تماما مثل مافعلته إسرائيل فى نيكارجوا وأمريكا الجنوبية فى ثمانينات القرن الماضى". واضاف " استخدمت إسرائيل نفوذها لاستمرار التمرد وإثارة الجنوبيين عبر تصوير صراعهم بأنه مصيري بين شمال عربي مسلم وجنوب زنجي إفريقي مسيحي . وتولت إسرائيل دفع مرتبات قادة وضباط الحركة الشعبية لتحرير السودان . وتقدر بعض المصادر الإسرائيلية ما قدمته إسرائيل للحركة الشعبية بحوالى 500 مليون دولار حصلت إسرائيل على القدر الأكبر منها من الولاياتالمتحدة وأغدقت إسرائيل على الانفصاليين المال والسلاح لتعزيز موقف الحركة التفاوضي مع حكومة الشمال حتي أصبح ندا عنيدا لها بل وأقوي منها عسكريا . وفي غياب أي دعم عربى تم استنزاف الحكومة السودانية فاضطرت إلى توقيع اتفاق سلام مع الحركة في عام 2005 ينص على مرحلة انتقالية مدتها 6 سنوات يتم بعدها تحديد مصير الجنوب بالوحدة أو الانفصال عن الشمال" وكشف فرجي أن إسرائيل هي التي أقنعت الجنوبيين في السودان بتعطيل تنفيذ مشروع قناة "جونجلي" الذي تضمن حفر قناة في منطقة أعالي النيل لنقل المياه إلي مجري جديد بين جونجلي وملكال لتخزين 5 ملايين متر مكعب من المياه سنويا لإنعاش اقتصاد شمال السودان والاقتصاد المصري ، وأقنعت إسرائيل حينها الجنوبيين بأنهم أولى بتلك المياه التي سينتفع بها غيرهم وتابع فرجي : إسرائيل ليست بعيدة أيضاً عما يجرى فى إقليم دارفور ، ارييل شارون رئيس وزراء إسرائيل السابق قال في كلمة له ألقاها خلال اجتماع للحكومة الإسرائيلية في العام 2003 : حان الوقت للتدخل في غرب السودان وبالآلية والوسائل نفسها التي نتدخل بها في جنوب السودان. وبالفعل نجحت إسرائيل من خلال وجودها فى جنوب السودان وفى أوغندا وكينيا فى أن تجند عناصر مهمة من سكان دارفور ذوى الأصل الإفريقى لاسيما ممن ينتمون إلى حركة العدل والمساواة ، بعض قادة التمرد فى دارفور كانوا زاروا إسرائيل عدة مرات وتلقوا تدريبات على أيدى قادة الجيش الإسرائيلى ، كما أن إسرائيل أرسلت عشرات الخبراء لمساعدة هذه المليشيات فى اكتساب مهارات القتال والتعامل مع الأسلحة الإسرائيلية، كما قامت إسرائيل بتدريب عناصر من هذه الميليشيات فى معسكرات الحركة الشعبية لتحرير السودان وفي قواعدها العسكرية فى إريتريا بهدف مساعدة هذه الميليشيات على غرار ما حدث فى جنوب السودان سعياً من إسرائيل إلى تكرار سيناريو جنوب السودان فى إقليم دارفور بهدف تمزيق وحدة الدولة السودانية وتفتيتها إلى مجموعة من الدويلات الهشة الضعيفة المتصارعة ". وكشف أن السودان سيتم تقسيمه إلى خمسة دويلات هي : دارفور ، جبال النوبة ، الشرق ، السودان الجديد ، السودان الشمالي ، موضحا أن المقصود بالسودان الجديد جنوب السودان ويهدف هذا المخطط لخدمة إسرائيل أولاً وأخيراً وحرمان العرب من أن يكون السودان الغني بأراضيه الخصبة وموارد المياه "سلة الغذاء العربية" ، ومحاصرة واستهداف مصر بالتحكم في مصدر حياتها أي مياه النيل ودفعها لأن تضطر إلى شراء مياه النيل بعد اقرار اتفاقيات جديدة بتقنين حصص الدول المتشاطئة القديمة والدويلات الجديدة. واختتم فرجي قائلا إن دور إسرائيل بعد "انفصال الجنوب" وتحويل جيشه إلى جيش نظامي سيكون رئيسيا وكبيرا ويكاد يكون تكوينه وتدريبه صناعة كاملة من قبل الإسرائيليين . وسيكون التأثير الإسرائيلي عليه ممتدا حتى الخرطوم . ولن يكون قاصراً على مناطق الجنوب بل سيمتد إلى شمال السودان ليتحقق الحلم الاستراتيجي الإسرائيلي في تطويق مصر. (حاشية: وهذا مايفسر إلحاح حكومة دولة جنوب السودان وبأي ثمن على فرض اتفاق الحريات الأربع . الذي يفهم منه حتى الطفل الرضيع أنه يمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي السوداني) وفي محاضرة رسمية لوزير الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق وعضو الكنيست " آفي ديختر" في 30 أكتوبر 2008 حول أسباب اهتمام إسرائيل بالوضع في السودان . وسعيها لتنفيذ خطة للتدخل في دارفور علي غرار ما فعلته في جنوب السودان ؛ جاء فيها أن استهداف السودان ليس لذاته فقط ولكن ل" كون السودان " يشكل عمقا استراتيجيا لمصر. وهو ما تجسد بعد حرب يونيو 1967 عندما تحول السودان إلى قواعد تدريب وإيواء لسلاح الجو المصري وللقوات البرية هو وليبيا . كما أرسل السودان قوات إلى منطقة القناة أثناء حرب الاستنزاف التي شنتها مصر مابين عامي 1968و 1970م. وتابع ديختر قائلا :" كان لابد أن نعمل على إضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة رغم أنها تعج بالتعددية الإثنية والطائفية لأن هذا المنظور الاستراتيجي الإسرائيلي ضرورة من ضرورات دعم وتعظيم الأمن القومي الإسرائيلي". فماذا نقول بعد هذا ؟؟ ماذا نقول ونحن ندرك أن الولاياتالمتحدة فعالة لما تريد . وأن إسرائيل لاتصغي لعروض النوايا الحسنة والتوسلات بقدر ما تنصت وتسعى وتلهث وراء مصالحها لاغير .... ماذا نقول ونحن نعلم أننا أضعف حالا من فرخ الزرازير ، ومشتتين في الإتجاهات الثمانية قبل الأربعة ... هل نقول "وقعتنا طينة" ؟ أم نتوجه بالدعاء لله أن يجد لنا مخرجا ويرحم ضعفنا وفرقتنا وتشتتنا وهواننا على الناس ؟؟؟؟ .. اللهم لانسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه. ولا حول ولاقوة إلا بالله. المصادر: مصدر الفقرات المقتبسة من مادة كتاب "إسرائيل والحركة الشعبية لتحرير السودان" .. مأخوذة من عدة مصادر على الويب.