لست من جماعة الوهابية، ولا أجد نفسي أنتمي لأي جماعة دينية، الدين في نظري شيء مختلف تماما وهو صلة بين الإنسان والخالق وشعائر يمكن ممارستها في أي مكان، وأجد أن الدين أكثر بساطة من كل هذا الاختلاف بين المتدينين، كما وأن كل الأطياف من مسلمين ومسيحيين ويهود وحتى من هم بلا دين جميعهم يتعايشون بسلام ويتقاسمون المهام والواجبات في الدول التي تتنفس الديمقراطية وتصنع الحضارة، المسلمون فقط يختلفون حين يكونون في الدول التي تعارف عليها مزاجها بأنها دول إسلامية سيما العربية منها. الخلاف الدائر اليوم في ليبيا والذي يُحدث ضجة كبيرة حول ظاهرة هدم الأضرحة من قبل جماعات إسلامية متشددة ترى عدم مشروعية وجودها؛ لأنها وبحسب نظرهم تسبب فتنة لدى الناس وتجعل البعض يعتقدون بقدرات خارقة وكرامات لمن يقبع رميم عظامهم تحت هذه الأضرحة، فهؤلاء الصالحين بحسب نظر البعض بل وطائفة كبيرة خاصة كبار السن منهم أنهم لهم المقدرة على جلب الرزق ومنع المرض والقضاء على ظاهرة العنوسة فتجد الناس من ذوي هذه المعتقدات ينظمون زيارات بالعشرات بل بالمئات أحيانا لأضرحة الأسياد مقدمين الأكل والشرب والمال في حالة أشبه ما تكون بعادات الجاهلية. كما هو معروف لدى ذوي الحكمة من الناس أنه وبحسب طبيعة البشر يختلفون وينقسمون ما بين مؤيد لفكرة ما أو معارض، وهذا شيء طبيعي لا يخرج عن المألوف والمنطق، فنحن لا نقرأ المصادر ذاتها وكما هم علمائنا الأجلاء على خلاف ينبغي أن نكون نحن على خلاف؛ لأن كل منا وبحسب ظروف الزمان والمكان يتأثر بطريقة مخالفة للآخر. كل هذا أمر طبيعي، فلنكن على خلاف، لكن الأهم هو أن نتحلى بالأخلاق الحميدة إذ نختلف ونتحاور، فأخلاقنا إن ذهبت ذهبنا معها إلى طريق الفتنة والحيد عن الدرب، فعندما تؤمن بفكرة معينة ندافع عنها بصدق بعيد عن القذف والشتيمة والانحدار، لماذا صار من عاداتنا حين نقرأ كلمات كتبها آخرون ولم توافق هوانا أو معتقدنا يستشيط الغضب فينا وتتطاير الشرور من عيوننا، وأول ما نفكر فيه أننا وبعد الانتهاء من القراءة سوف ننهال بالألفاظ البذيئة على الكاتب، واتهامه بأنه دجال وكاذب ومنافق، وتدميرا لمعنوياته نقوم بخبث بتوجيه النصائح له بضرورة مراجعة الإملاء بل والعودة للدراسة من جديد في صفوف المدرسة الأولى، كل هذا يتم لسبب واحد وهو إسكاته، أما كان من الأولى لنا أن نخوض معه في النقاش وأن نجادله بالتي هي أحسن وأن نحاول أن نكسبه لصفنا إن كنا على ثقة تامة بأننا على الطريق الصحيح، لماذا نصر على معالجة الخطأ بخطأ، هل من أخلاق المسلمين أن نتستر وراء أسماء وهمية ونشتم الآخرين باسم الدين، كيف ستقنعني بأنك على صواب وأنت تشتمني؟ من الآراء التي لاحظتها وأردت التعليق عليها بخصوص هدم ضريح عبد السلام الأسمر أن بعضا ممن يدافعون عنه ويستميتون في الدفاع أنهم يحاولون أن يوهموا العامة بأن الذين حدث لم يكن هدما لضريح بل كان تدميرا لمكتبة نادرة من الكتب الفريدة التي لا يوجد نظيرا لها في بلاد المسلمين، وأنه كان تدميرا لمرافق تعليمية كانت تقدم خدمات جليلة لطلبة العلم وأن هؤلاء الذين قاموا بهذه الأعمال هم أعداء للعلم وللكتب وللحضارة، آخرون قالوا بأن الضريح وكل الأضرحة التي على شاكلته هي آثار تاريخية عظيمة وحين يتم تدميرها نكون قد ساهمنا في القضاء على تاريخنا، والبعض الآخر وهم الأقل تعصبا يعترفون بوجود أناس يتوجهون لهذه الأضرحة بالدعاء والزيارة وطلب الأشياء الدنيوية لكنهم يقولون بأن هؤلاء هم كبار السن فقط وأفعالهم هذه لا يمكن أن تنتشر بين الصغار، وأن الخدمات التي تقدمها المرافق المجاورة لهذه الأضرحة من الأهمية بحيث يمكن التخلي عن أفعال كبار السن الزائرين وغض البصر عنها. أغلب من يدافع عن وجود الأضرحة أراهم لا يتحرون الصدق في دفاعهم، فأنت حين تقدم المتشددين الذين دمروا ضريح عبد السلام الأسمر على أنهم قاموا بهدم جامعة أو حرق مكتبة، هل كنت سترضى لو جاءك هؤلاء وطلبوا منك أن يقوموا بوسيلة سلمية بإزالة الضريح والرفاة كي لا يفتتن به الناس دون المساس بأي من المرافق المجاورة من مكتبة وجامعة؟ لا شك وقتها بأنك ستقف وتقول بأن الضريح دونه الموت ولن تسمح لهم بالمساس به، إذن لماذا لا تقول الآن بأنهم حاولوا تدمير الضريح وطلبوا منا ذلك لكننا رفضنا بكل قوة فقاموا بالرماية عليه من بعيد وقد خلف ذلك أضرار في المكتبة وفي الجامعة المجاورتين للضريح، ألا ترى معي بأنك ستكون أكثر إقناعا للآخرين الذي ليسوا ضمن الحدث حيث تقدم الخبر بمصداقية أكثر. الفريق الذي أوضح لنا بأنه ليس ضد الإزالة على خلفية الدين والمعتقد، إنما هو ضدها لأنها معالم سياحية علينا الاهتمام بها وتقديمها للعالم، أقول لهؤلاء بأنه ليس فخرا لنا كمسلمين أن الأجانب لزيارة ضريح لولي صالح من المسلمين، فهو لم يكن صالحا ليأتي غير المسلمين لزيارة قبره حين يموت، وكما هو معروف فقبر الرسول الذي هو سيد الخلق هو أعظم القبور ولن نسمح يوما لغير مسلم بزيارته بداعي الفضول. فالآثار التي ينبغي أن نفاخر بها لا ينبغي لها أن تكون أضرحة، بل يجب أن تكون أشياء حضارية تدل على الحياة لا على الموت مثل المدن والقلاع والمساجد والسدود وغيرها. لماذا لا يكون المدافعين على شيخهم وزعيمهم عبد السلام الأسمر لديهم صدق الإقناع بحيث يعترفون بأنهم على نهجه الصوفي وأنهم يعتقدون بأن هذا النهج هو الطريق الصحيح، وأن ما يحدث من تبرك وزيارة لهذا الضريح يتم بمباركتهم وتأييدهم، وأنهم هم أيضا يقومون بالزيارة والتبرك وطلب الرزق والمال والشفاء، وأنه يرعى مدينتهم من كل الشرور المحيطة بها، وأنهم على ولائهم له ومستعدين للذود عنه ودفع أغلى ما يملكون كي لا يمس حجر واحد من ضريحه. لو حدث هذا لكانوا أكثر صدقا وأكثر إقناعا ولأجبروا الآخر على احترامهم، فالتضليل ومحاولة كسب تأييد من ليس لهم علم ولا خلفية على ما يحدث طريقه قصير، وإن كانت له بعض النتائج الإيجابية فهي قصيرة الأجل إذ سرعان ما تتجلى الأمور وينكشف المستور. برغم مساوئها فهي ثورة جاءت لأجل الحرية ولأجل استرداد الكرامة ولأجل أن تخرج وتعلن عن نفسك وعن ميولك وعن انتمائك الديني أو السياسي دون خوف أو تردد، لماذا نخشى من أن نقول بأننا وهابيين أو صوفيين أو شيعة أو أخوان مسلمين أو ليبراليين أو حتى علمانيين، لماذا صارت لدينا هواية الاختباء خلف الستار، وخلف الاسم المستعار، لماذا نحن صوفيين ساعة الليل ووسطيين حين يطلع النهار، أليس من ابسط صفات المسلم أن يكون صادقا، ألم يلقب من يجب أن نقتدي به بالصادق الأمين.