السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    إبراهيم شقلاوي يكتب: يرفعون المصاحف على أسنّة الرماح    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    لماذا نزحوا إلى شمال السودان    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي .. سلام على الفاشر وأهلها وعلى شهدائها الذين كتبوا بالدم معنى البطولة    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأحزاب السياسية: ما لها وما عليها 3-4

تحدثنا في الحلقتين السابقتين عن مفاهيم الحزب السياسي، وتاريخ نشأة الأحزاب السياسية، وأيضاً عن مهام الأحزاب السياسية ثم عن النظم الحزبية ودورها في تطوير الممارسة الديمقراطية. ... نواصل اليوم لنتحدث عن أسس تنظيم الأحزاب، وتاريخ الأحزاب السودانية.
6- أسس تنظيم الأحزاب:
إن حرية تكوين حزب سياسي وإعلان عضويته للملأ ونزاهة خوض حملات الترشيح في الانتخابات وإعتلاء المناصب في الدولة، تعتبر مقياس حقيقي على مدى إلتزام الدولة بالديمقراطية الليبرالية كقيمة سياسية عظيمة. ففي الحكومات الإستبدادية قد تكون مسألة قمع جميع أحزاب المعارضة هي القاعدة الرئيسية لتنظيم الأحزاب في تلك الدول. نموذج حكومة المؤتمر الوطني في السودان مثال حي للحكومات الإستبدادية.
وعلاوة على ذلك، نجد في بعض الحالات التي يهيمن فيها اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف على السلطة، أنها تعمل على تشكيل حواجز غير رسمية ضد الأحزاب التي لا تتعاون معها. لكن وبشكل متزايد تم التخلي عن مثل هذه الممارسات الغير ديمقراطية على مدى العقدين الماضيين في الديمقراطيات الحزبية التعددية، فتبعها عوضاً عنها ضغوط متواصلة لبناء تحالفات واسعة من أجل الفوز في الانتخابات، وقد أدى بالفعل هذه التحالفات إلى دخول العديد من الأحزاب المؤتلفة في حكومات بلادها.
إبتداءً من النصف الثاني من القرن العشرين أدخلت ممارسة الديمقراطيات الحديثة العديد من القواعد لتنظيم تدفق الأموال للأحزاب السياسية، على سبيل المثال قانون الانتخابات الكندي لعام 1976م، وقانون الهيئة التنظيمية العامة للمشتريات Public Procurement Authority Act PPRA في المملكة المتحدة، أو في الولايات المتحدة، القانون الإتحادي للحملة الإنتخابية FECA Federal Election Campaign Act. هذه الإجراءات المنظمة للتمويل السياسي تنص على مجموعة متنوعة من الوسائل لجمع التبرعات وإنفاقها بشفافية تامة، كما أنها تقيد وتحذر أنواع معينة من الأنشطة الغير شريفة. كما تقوم كثير من الدول بتقديم الإعانات العامة للنشاط الحزبي من مال عام الدولة، بما في ذلك الحملات الانتخابية.
على كل حال يبقى المطلب الحقيقي هو أن يقوم تأسيس الأحزاب السياسية على هدى وإرشادات الدستور الوطني للدولة. ففي هذا نستطيع أن نقول أن من النماذج الواضحة التي يمكن الإقتداء بها، هو دستور دولة ألمانيا الإتحادية. فحسب الدستور الألماني فإن مهمة الأحزاب السياسية هي المساهمة في بناء الوعي السياسي للشعب. وهكذا فإن تسمية مرشحين للمناصب السياسية وتنظيم حملات انتخابية ترقيان إلى مرتبة الواجبات الدستورية. ولهذا السبب تحصل الأحزاب على تعويض مادي من الدولة مقابل النفقات التي تتحملها في إطار هذه الحملات الانتخابية. هذا التعويض المادي لأعباء الحملات الانتخابية الذي ابتدعته ألمانيا، أصبح بدعاً متبعاً في معظم ديمقراطيات العالم. وحسب الدستور الألماني أيضاً، وعلى سبيل المثال، فإن تشكيل الأحزاب السياسية يخضع للأسس الديمقراطية (ديمقراطية الأعضاء). وينتظر من هذه الأحزاب إعترافها بالدولة الديمقراطية. أما الأحزاب التي يشكك في ديمقراطيتها فيمكن منعها بناء على طلب للمحكمة الدستورية تتقدم به الحكومة. وعندما تتبين للحكومة أن أحد هذه الأحزاب يشكل خطراً على النظام الديمقراطي وتتشكل لديها القناعة بأن منعه ضروري، حينها تقدم بطلب لحظر هذا الحزب. أما قرار المنع بحد ذاته فهو محصور بالمحكمة الدستورية العليا. ومن جانب آخر يمكن كذلك وعن طريق الدستور تفادي خطورة أن تقوم الأحزاب السياسية الحاكمة بمنع أي حزب يعارضها أو الذي يشكل خطراً سياسياً منافساً لها، الحال المتواجد بقوة في الأحزاب الاستبدادية. وإذا اقتدينا بدستور ألمانيا على سبيل المثال، لمقارنة سماحة وعظمة الديمقراطية الليبرالية عندما تطبق بروح الحرية، نلاحظ أن حزب الجبهة الإسلامية (المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي)، لا يعترف بتاتاً بالدولة الديمقراطية، وإلا كيف يفسر الإنقلاب العسكري الذي خطط له وقاده في العام 1989م في الوقت الذي كان فيه على قمة زعامة المعارضة في فترة ما يسمى بالديمقراطية الثالثة؟ ثم ثانياً منعه لممارسة الديمقراطية وهو في السلطة. كل هذه أدلة كافية تبرهن على أن حزب الجبهة الإسلامية لا يؤمن بالنظام الديمقراطي، لذا يجب حذره بالدستور.
وبما أن الأحزاب السياسية ليست بشركات ربحية فإن تمويلها المتعارف عليه دولياً يتم من مساهمات الفئات التالية:-
(أ) الإشتراكات الدورية لأعضاء الحزب وغيرهم من أفراد المجتمع الذين يتعاطفون معه، أو
(ب) المنظمات التي تتطابق أفكارها السياسية مع الحزب أو الجهات التي تتوقع أن تستفيد من أنشطة الحزب بعد أن يعلن عنها أو
(ج) بالتمويل العام الحكومي، وهي الحالة التي يكون فيها التمويل متساوِ لكل الأحزاب، مادياً كان أم عينياً.
وكما سبق، إبتداءً من النصف الثاني من القرن العشرين واجهت الأحزاب التي استمرت في الاعتماد على التبرعات مشاكل متصاعدة بإستمرار. ليس فقط إلى التدقيق المتزايد من قبل الحكومات للتبرعات، بل تواجد بشكل متعاظم انكماش في عضوية الأحزاب في معظم الديمقراطيات الغربية والذي قاد بدوره للمزيد من التقلص على تدفق التمويل. فعلى سبيل المثال فإن عضوية الحزبين الرئيسيين في المملكة المتحدة وأستراليا في العام 2006م تقلصت إلى الثمن ( 8/1 ) مما كان عليه في العام 1950م، على الرغم من الزيادات الكبيرة في عدد السكان خلال تلك الفترة. والسبب في ذلك ليس إحجام مقصود من المواطن في الإلتزام بالعملية الديمقراطية، لكن لأنه يريد أن يقَيِم بمطلق حريته الحملات الانتخابية للأحزاب لينحاز للحزب الذي يلبي طموحاته في الفترة التي تلي الانتخابات.
من الأعراف التي كانت سائدة في المملكة المتحدة، منح ألقاب النبلاء للمساهمين في تمويل الأحزاب السياسية، وهؤلاء المحسنين يصبحون أعضاء في مجلس اللوردات وبالتالي يكونون من المشاركين في العملية التشريعية. لكن بعض الذين منحوا لقب النبالة أساءوا لشرف اللقب وقاموا ببيعه، مما إضطر البرلمان أن يصدر قانون (منع الإنتهاكات لسنة 1925م) وذلك لمنع مثل هذا الفساد في المستقبل. مثل هذه الأنشطة إشارة إلى إستغلال النفوذ بصورة مسيئة لحريات الديمقراطية، خاصة في ظل تصاعد تكاليف الدعاية الانتخابية الأمر الذي أدى إلى المطالبة بتنظيم حجم التبرعات. لهذا أصبحت المملكة المتحدة أول دولة تنظم حملة للنفقات الانتخابية في العام 1883م، بعد أن نادى ودافع عن فكرة تنظيم التبرعات للأحزاب بعض السياسيين البريطانيين بأنه ينبغي على الدولة أن تمول الأحزاب في حملاتها الانتخابية. ففي الآونة الأخيرة حذا دول مثل ألمانيا والسويد وفرنسا واليابان والمكسيك وهولندا وبولندا سياسة تمويل الأحزاب من مالية الدولة العامة لأغراض الحملات الانتخابية.
على العموم هناك نوعان من التمويل، المباشر وهو الذي ينطوي على تحويل مبالغ نقدية للحزب السياسي، وغير المباشر وهو الذي يتضمن مثلاً منح وقت للبث على وسائل إعلام الدولة الرسمية أو استخدام الخدمات البريدية المملوكة للدولة. ووفقاً لبيانات مقارنة من عينة ل180 دولة، نلاحظ أن نسبة 25% فقط من هذه الدول لا تقدم أي تمويل من مال عام الدولة للأحزاب مباشراً كان أو غير مباشر، وفي المقابل هناك نسبة 58% من هذه الدول تقدم تمويل مباشر من المال العام للدولة و60% تقدم تمويل غير المباشر. الجدير بالذكر أن بعض الدول تمنح النوعين من التمويل، أما التمويل الحكومي بحد ذاته فهو نسبة متساوية لكل الأحزاب، كأن يحدد زمن البث الإذاعي لمدة عشرة دقائق لكل حزب مهما كان حجمه.
إضافة للتمويل الداخلي، هناك مساعدات خارجية لأحزاب الدول النامية على وجه الخصوص، وهذه المعونات تخضع لتدقيق قوانين الدول المانحة، تحديداً الدول الديمقراطية. فالمانحين الدوليين يقدمون مثل هذه المنح لأحزاب الدول النامية كوسيلة لتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد. وفي أغلب الأحوال يكون الدعم غير مباشر خاصة ما إذا كان ذلك من الدول الغربية إذ أن الإعلام الحر يتابع بدقة أوجه صرف الأموال العامة. فمن أمثلة التمويل العيني تتمثل في تنمية القدرات البشرية لقيادات الأحزاب أو التدريب على مهارات الحملات الانتخابية أو المساعدة على وضع دستور الحزب. أما الدعم المالي فهو في أغلب الأحيان يأتي من الدول الإستبدادية لغرض تطوير الصلات بين الأطراف المرتبطة عقائدياً، كحزب البعث العربي والتنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين.
7- الأحزاب السياسية السودانية:
بعد أن تعرضنا بشئ من الوضوح لمفاهيم الأحزاب السياسية في العالم المتقدم، ومن ثمّ أهدافها ووظائفها وطرق تنظيمها، حري بنا أن نعرج إلى الأحزاب السودانية، لنرى إن هي مستوفية لمبادئ الديمقراطية الليبرالية أم لا؟ وما مدى تفاعلها لإثراء الحياة السياسية في صورتها الوطنية المرجوة؟ إبتداءً يجدر بنا أن نذكر أن قيام الأحزاب السودانية كان في بداية الأربعينات من القرن الماضي، وهذه البداية مرتبطة تماماً بتصاعد نشاط مؤتمر الخريجين إذ لاحت في الأفق آنذاك بوادر استقلال السودان، مما أدى إلى تعاظم نشاط طائفتي الختمية والأنصار الدينيتين لجذب الخريجين كل إلى جانبها، هذا النشاط المتعاظم من الطائفتين، هو نية مبيتة للمنافسة على ورثة السلطة السياسية ومن بعدها الاقتصادية في البلاد. من هذا النشاط الطائفي تطور الفكر السياسي في اتجاهين أساسيين والذي ساهم بقدر كبير في إستقلال السودان، هما؛ إقامة دولة مستقلة بكامل السيادة في حدودها الجغرافية آنذاك، وهذا الشق من التوجه السياسي رعاه زعيم طائفة الأنصار، الإمام عبد الرحمن المهدي. أما الاتجاه الثاني فهو قائم على أساس نوع من الوحدة مع مصر بدعم من زعيم طائفة الختمية، السيد علي الميرغني. إذاً بداهة قامت الحياة السياسية الحديثة في السودان على رؤيتين أساسيتين، هما الاستقلال أو الوحدة مع مصر. وإنطلاقاً على نصرة وجذب الطائفتين لأعضاء مؤتمر الخريجين، كان تأسيس الأحزاب السودانية قائم على دعم الطوائف الدينية للخريجين، وهذا الدور الطائفي قاد الأحزاب السودانية أن تحمل معها بذور الفرقة الدينية منذ بدايات تأسيسها، أي الإقصاء (الدين الإسلامي مقابل الأديان الأخرى) والطائفية (الأنصارية مقابل الختمية، بل كل واحدة منهما مقابل أية طائفة دينية أخرى). أضف إلى ذلك أن طريقة نشوء الأحزاب السودانية حملت أيضاً بذور وأد الديمقراطية الليبرالية في مهدها، بداهةً وبحكم تركيبتيهما، لا وجود للديمقراطية الليبرالية مع الطائفية. وفيما يلي نشأة وقيام الأحزاب السياسية السودانية.
(ب) الأحزاب الإتحادية: وهي عدد من الأحزاب مختلفة تنظيمياً ولكنها مشتركة في الرؤية السياسية التي تنادى أثناء قيامها بشكل ما بالاتحاد مع مصر منها، (1) حزب الأشقاء، نشأ حزب الأشقاء العام 1943م ولم يصدر الحزب في حينها برنامجاً محدداً، ففي عدم وضوح الرؤية السياسية حصل الحزب في العام 1944م على تأييد السيد علي الميرغني زعيم طائفة الختمية الذي إرتبط تاريخها بالنفوذ المصري على السودان. وفيما بعد أدى عدم وجود برنامج سياسي مكتوب للحزب إلي انقطاع الإتصال بين قيادة الحزب وجماهيره. فالحزب لم يعلن مبادئه لأنه يدعو إلى الوحدة التامة بين مصر والسودان، والسبب المرجح في عدم إعلانه لمبادئه أن تلك الدعوة قد تؤدي إلي خلافات بين المنتمين للحزب. (2) حزب الإتحاديين، تأسس الحزب في سبتمبر 1944م وكانت نواته جماعة من الخريجين جمعت بينهم الصداقة. ذكر الاتحاديون في أدبياتهم أن الاتحاد الذي يريدونه اتحاد مماثل لاتحاد الشعوب البريطانية لأنه في رأيهم أفضل نظام إتحادي يقوم بتحقيق المساواة في الحقوق والواجبات، وقد نصت مبادئ الحزب على نظام حكم ديمقراطي ينبني على تطبيق العدل الاجتماعي المتمثل في المبادئ الإشتراكية التي تنصف الطبقات الكادحة وترفع من مستواها المعيشي والاجتماعي، كما نصت مبادئه أيضاً على ضرورة تطبيق النظم الاقتصادية الحديثة وذلك لتنمية الموارد الطبيعية للبلد وتوزيعها توزيعاً عادلاً علي المجتمع السوداني، كما تحدثت المبادئ عن القومية السودانية وذكرت أنه من أهدافهم المحافظة على الوحدة من الداخل. (3) حزب وحدة وادي النيل، تأسس الحزب في العام 1945م بعد خلاف بين الدرديري أحمد إسماعيل وزعماء حزب الأشقاء ومؤتمر الخريجين حول المبادئ التي عرضت كأساس لإئتلاف الأحزاب السودانية، حيث أن هذه المبادئ تحمل عبارة الاتحاد مع مصر تحت التاج المصري، وكان الحزب من أكثر الأحزاب تطرفاً للدعوة إلى الوحدة بين السودان ومصر، حيث كان يرى أن تكون الوحدة بين مصر والسودان مطلقة تحت تاج واحد مع قيام اللامركزية الإدارية والجلاء التام عن شطري وادي النيل. (4) حزب الأحرار، عرف هذا الحزب منذ نشأته في العام 1944م بإسم الأحرار الاتحاديين وكان ينادي بقيام حكومة سودانية حرة في اتحاد كونفدرالي مع مصر. إنقسم بعدها الحزب إلي جناحين نادى إحداهما بالاستقلال التام وهذا الجناح إندمج في حزب الأمة بعد قيامه، أما الآخر فعرف بإسم الأحرار الاتحاديين وظل متمسك بمبادئه. (5) حزب الجبهة الوطنية، أسس هذا الحزب جماعة من الموظفين المتقاعدين الذين ينتمون إلى طائفة الختمية في العام 1951م وقد نادى مؤسسوه بنوع من الوحدة يتمثل في وحدة رأس الدولة. يذكر إن تأسيس الحزب كان منذ عام 1949م بعد خروج كبار رجال الختمية عن حزب الأشقاء. ولكن الحزب لم يمكث أكثر من عام حيث لم يرد له ذكرٌ بعد ذلك وأما أتباعه فقد إنضموا إلي الحزب الوطني الاتحادي بعد توحيد الأحزاب الاتحادية. (6) الحزب الوطني الاتحادي، يذكر أن الدعوة إلي توحيد الأحزاب الاتحادية جميعها في حزب واحد هي دعوة قديمة، ففي عام 1949م دعا يحي الفضلي سكرتير حزب الأشقاء أحزاب الوحدة أن تندمج في بعضها لكي تحقق نجاحاً. لكن في حقيقة الأمر تأسس الحزب الوطني الاتحادي خارج الوطن في القاهرة في الثاني من نوفمبر العام 1952م بعد ذهاب زعماء الأحزاب الاتحادية إلي مصر تلبية للدعوة التي وجهها لهم الرئيس المصري آنذاك اللواء محمد نجيب للتباحث حول التطورات الدستورية في السودان، ونصح نجيب قادة هذه الأحزاب بأن مصلحتهم ومصلحة الدعوة إلى الاتحاد مع مصر تقتضي أن يتحدوا في حزب واحد، وبعد عدة اجتماعات ومشاورات بينهم أعلن قادة الأحزاب الاتحادية حل أحزابهم وتكوين الحزب الوطني الاتحادي الذي أسندت رئاسته إلى إسماعيل الأزهري وتقلد خضر حمد منصب السكرتير العام للحزب.
نواصل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.