بين السودان ومصر لا توجد علاقات من نوع خاص يمكن وصفها "بأزلية بين بلدين شقيقين" ؛ بل هناك علاقة بين نظام الدولة في مصر الذي يقاد بجهاز المخابرات العامة والنظام الحاكم في الخرطوم؛ ودوما ذلك لا يحقق فائدة لكل الأطراف إذ تتم على حساب السودان ومصالح شعبه تنتهي بنهاية اي النظام في قصر غردون. فالعلاقات بين الدول تبنى على أساس مصالح الشعوب والمبادئ الإنسانية تقررها وتنفذها الحكومات الوطنية التي تمثل شعوبها لكونها جاءت إنتخابا حرا بكامل إرادة الشعوب المستقلة؛ نوعا ما هذا يظهر في مصر ؛ لكن ليسفي السودان بصيغته الحالية . تباين في الأرضية السياسية المعبرة عن قاعدة المصالح المختلفة ينطلق كل نظام في البلدين ؛وتلك تجعل من زيارة هشام قنديل رئيس الوزراء المصري للخرطوم الأسبوع المنصرم في مصلحة مصر دائما ؛ النظام في الخرطوم بكونه معزولا دوليا وإقليميا ويواجه ثورة شعبية داخلية يسعى لتقوية موقفه بمصر وحماية رئيسه من ملاحقة الجنائية الدولية ؛ لتحقيق ذلك هو مستعد لتقديم كل شئ لمصر بلا مقابل ؛ و مصر تشتغل هذا الضعف الذاتي بروح غير مكترثة للمضار الخطرة الناجمة عن هذه العلاقة. زيارة السيد قنديل للخرطوم وفق إستراتيجية المخابرات العامة المصرية تجاه السودان؛ ولكنها تعدإنتكاسة مصرية عن الأدبيات الثورية التي جاءت في تضاعيف ثورة 25 جانفير ؛ العدالة وحقوق الإنسان والديمقراطية وإحترام القانون . نظام القاهرة الجديد وعملا بوصايا مخابراتها يرفض إعمال قراءة متفحصة ودقيقة لحقيق المشكل السوداني ؛ وحقيقة أوضاع السودان الراهنة . فالسودان كدولة بالمفهوم العلمي الحديث لم تتشكل بعد ؛ وهو في طورالتكوين كنظام حكم ديمقراطي فاعل ودستور وحكومة تعي واجباتها ؛ وخطوط واسعة لسياسة خارجية. والسودان وضعه أشبه بنظام الفصل العنصري في دولة جنوب إفريقيا السابقة؛ يتولى القيادة المركزية في نظامه نخب من أقلية عرقية وثقافية منعزلة ؛ تسكن غالبها الإقليم شمال السودان قرب مصر أو هم من ذوي الأصول المصرية. السودان بوضعه الحالي غير مؤهل لبناء علاقات مع اي دولة ؛ ولا تقيم الدولة الديمقراطية علاقاتها مع نظم بهكذا الشكل سوى الدول الأكثر تقدما في اللاأخلاقية في مواقفها. وهكذا تستغل استراتيجية المخابرات المصرية - المؤسسة التي تقف وراء التخطيط الاستراتيجي في مصر- هذه الحالة لتجعل من السودان "حديقة خلفية" و تحقيق به أقصى أغراضها. إنشاء فرع للبنك الأهلي المصري في الخرطوم في ظل هذه الصيغة من العلاقات المشوهة من شانه أن يجعل من السودان دولة تابعة بامتياز ومخزن قوت مضمون لمصر ؛ اذ أن البنك سيفعّل الإتفاقيات الإستثمارية غير المتكافئة ؛ ويمول إنتاج الإحتياجات الإستيرادية الأساسية لمصر باسعار زهيدة. إنشاء منطقتين صناعيتين تعني بالمنتوجات الزراعية في السودان ؛ ومعهد للتدريب العمالة السودانيين في صيغة هذه العلاقات تكشف عن مستوى من الضعف في التبادل التجاري والتعاون الإقتصادي بين البلدين ؛ وتبرز مكنون النظرة النمطية لمصر تجاه السودان كموطن للعمالة الأكثر رخصة لها. الحرب وعدم الاستقرار في السودان لا يشكل بيئة مواتية للاستثمار من أي رأس مال أجنبي في السودان ؛ مصر ستكون مثل الدول التي ستغامر برأس مالها مع نظام غير شرعي وغير مؤهل ؛ حال ما تتغير الأوضاع ؛ لن تكون لدى الحركة الديمقراطية المعارضة لنظام الجنرال البشير أي ضمانات لرأس مال أجنبي مستثمر على حساب مصالح الشعوب. الحركة الديمقراطية المعارضة لنظام الدكتاتور البشير في السودان جد قلقة لهذا التواصل بين النظامين لكونها ستؤثر بقوة على مستقبل العلاقات بين البلدين حالما تنخشع ظلامات الاوضاع في السودان بسقوط نظام حزب المؤتمر الحاكم . بإمكان مصر اليوم أن تلعب دورا محوريا يقود إلى بناء الدولة والسلام والإستقرار في السودان ؛ فقط لو عملت على وقف هذا الشكل من التعاون مع نظام حزب المؤتمر الوطني ذا التوجه العنصري وجمدت جميع الإتفاقات بكافة أشكالها معه ؛ وتعاونت مع المجتمع الدولي في تسليم الجنرال البشير لمحكمة الجزاء الدولية في لاهاي وتعاملت بشكل منصف مع النشاط الثوري السوداني لاسقاط نظام الخرطوم. وعلمت على تبديل سياسيتها النمطية في التعامل مع السودان وقضاياه . فالعلاقات المعاصرة بين الشعوب اليوم بتفهم حاجات كل شعب من الأخر ؛ ولا ينبغي ان لا تتم وفق عقلية مصر القرن التاسع عشر . مركز دراسات السودان المعاصر المدراء التنفيذيين 23. سيتمبر 2012ف .