السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلوك العملي ؛ وغير المكلِف لحاكم في مجتمع ديمقراطي؛ عمدة فولدا Volda Ordfører
نشر في سودانيزاونلاين يوم 10 - 11 - 2012

"القادة الجيدون ؛ ذوي الاخلاق والقيم ؛ والملتزمين بتعهداتهم بتحقيق امال شعوبهم ؛ ومحترمين للدستور هم من ينجزون التغيير نحو الافضل "
اميل كارل كبرال



هذا أولى معلومات مستغربة سمعتها من صديقي ماو ذو المنقراي عن أريلد إيفرسن عمدة بلدية فولدا ؛ حين سالته عن قصر حاكم البلدة في هذا البلد النفطي الغني ومجتمع الرفاه . ضحك ماو وقال " يا صديقي أريلد ليس له قصر ؛ هو إنسانا عاديا يسكن بيتا مثل كل الفولديين ؛ تجده في الأسواق والاماكن العامة ؛ هو صديق كل الناس كما هو صديقي ؛ هذا بلد مختلف ؛ والنظام أيضا مختلفا عما في إفريقيا ؛ وستعرف عما قريب الكثير عن النرويج " إذن هذا ما يعني الدولة الديمقراطية.
" هذا هو أريلد إيفرسن Arild Iversen عمدة فولد Voldaordfører ؛ هو أيضا من رواد كنيستنا " أشار بيده أسقف كنيسة أبن إيزا البير أولا ؛ كان ذلك في 26. أوت كنت في الطريق الى أبن إيزا وسط البلدة سأعرف أوجها أخرى للبلدة التي أسكنها.
كان يسير بأقدامه ؛ لاشئ يميزه على أنه عمدة البلدة ؛ مثل غيره من سكان البلدة ؛ ليس في كنفوي مراسم . طابعته ببصري خلال جلسة الاستماع في أبن إيزا ؛ الجميع يبدون متساوون في لباسهم وهيئاتهم ؛ عاديا بينهم وان هناك من هم في هيئة افضل من الحاكم المحلي في زيهم. ولم يفصح له احد مكانا خاصا في الصف الامامي مثلا أو يحاط بحراسة .
حين بدأ دور جمع التبرعات الأسبوعي قام إيفرسن وقف في صف الخدام ؛ واخذ إبريقا من الحديد ليمر على الجلوس مادا لهم إبريقه وهم يضعون فيه قطع من الكرونة تبرعا لاعمال الخير .
إنتهى الإجتماع ؛ كان إيفرسون يتابع الوقوف مع محدثيه بهدؤ ولا يتجاهل أحد؛ قدمني إليه صديقي البير أولى ؛ فوجدته إنسانا متواضعا في هيئته رغم كونه سياسي عميق التفكير في تعابيره يحتفظ بذكاءه الوقاد؛ يخفي وراء ابتسامته الحكمة ؛ يضع نظارة طبية رفيعة على وجه ؛لا يختلف عن الآلف الثمانية من الفولديين الذين يتولى هو "مسؤولية تأمين الخدمات لهم" كما وصف نفسه.
سالته عن سيارته الليموزين ؛ المارسيدس ؛ عن حرسه ولباسه الخاص صفافيره ؛ على نحو ما لدينا في السودان جين يمر الحاكم ؛ بهدؤ قال "لا نستخدم ذلك في النرويج ؛ النرويج الحاكم ليس حاجة الى كل ذلك " .
ربما عنى ايضا ان لديهم نظام وقانون في النرويج ؛ هو الذي يحكم الاشخاص الممثلين لذلك ؛ وأدركت كيف أن لدينا أشخاص يحكمون مجردين من الاخلاق و كل تلك القيم.
لم يكن سلوكه في المعبد مختلفا عما في مقر عمله في البلدية ؛ التقيته امام مكتبه في احد الايام ؛ في ايام العمل لا شيئ يميزه مطلقا عن بقية الموظفين لا سكرتارية ولا حُجاب ولا زي مميز ؛ ولا حراس مسلحين ولا عصاة للخيلاء وعمام تكبر ؛ ولا يتبع برتكولات خاصة في تعامل الناس معه ؛ استفزني جدا نموذجه غير المكلف عما لدينا في السودان.
بدأ ديبلماسي في كلماته حالة الحديث عن دارفور التي غدت مأساة عالمية اليوم وسيرتها في كل مكان . بالنسبة للسياسيين الناجحين فان الحرب تعني غياب الحكم الرشيد في البلد ؛ ومعاناة الناس تعني فشل الادارة .
كان كل ما جال برأسي هو أن أعرف كيف تدار البلدية كأدنى مستوى إدراي في البلدان الفدرالية ؛ فهذا ما ينقصنا في السودان. ويبدأ فشل النظام السياسي عادة في أي دولة حين يتحقق الفشل في إدارة الوحدة الادراية الادنى المحلية /البلدية. البلدية اذن مهمة واساسية حيث بالامكان ملابسة إحتياجات الناس عمليا وعن قرب . ومن إدارة البلدية يبدأ النجاح في اي مجتمع.
شاهدت إيفرسين مرة اخرى بعد ذلك ؛ في حدث أكثر استفزازا على كلمة الكاتب عبد الله علقم عن خوسية موخيكا رئيس البرغواي ؛ ففي 10 سبتمبر كانت ابن إيزة تنظم عملا إنسانيا جديدا في صالتها العامة يتعلق بجمع الملابس كتبرعات من المواطنيين لترسل الى دولة لاتفيا في شرق اوربا ؛ وهو نوع من الأعمال الإنسانية التي تقوم بها الكنائس في النرويج لانقاذ الشعوب على حالة دارفور ؛ وتلك قصة اوردناها في الوجه الآخر لفولدا .
كان إبفرسين يرتدي بنطلون جنز وجاكت على فانلة عادية من الصوف ؛ وينتعل كاوتش رياضي؛ وأخذ يحمل أكياس بلاستيك كبيرة مملؤة بالمعدات على عربة ترول يدوية ويدفعها حتى تتم رفعها على الشاحنة على هيئة العمال البجا شغيلة ميناء بورتسودان تنقص اللحظة اغاني الحزن رجال البجا المؤرخ للشقاوة والحرمان. الجميع في ذلك اليوم كان يناديه بإسمه الأول "أريلد " .
بين العمال الكثيرون في ذلك اليوم لا تستطيع أن تميز عمدة البلدة العامل مطلقا عن بقية العمال ؛ ولم يكن عمله للحظة ديكورية إفتتاحية أمام الكاميرا ؛ ولم يكن هناك مهللون او مكبرون ؛ بل بدا العمل واستمر يحمل حتى النهاية ؛ ومسح العرق عن جبينه ثم جلس في ركن ليرتشف القهوة مع موطنيه . لم تك هناك كاميرا يومها لتلتقط لي ذلك المشهد وارسلها الى من هم ولاة ومعتمدين معممين في السودان؛ كان النموذج الاكثر استفزازا للمشاعر الانسانية الحية ؛ مر بذاكرتي سريعا مشهد لوزير التجارة ومحافظ البنك المركزي الكوبي في عام 1962 ف ارنستو تشي جيفارة وهو يشارك شغيلة الكوبيين في ميناء بهافانا. او توماس سنكارا في ملحمة بناء مدرسة في بوبدلاسو في بوركينا فاسوا مارس 1986ف.
أعجبت بسلوك ايفرسين كحاكم محلي قليل التكلف جزء من شعبه ؛ يبدو على انه ذو منهجية في أولوياته الأدارية بحيث يقوم بمسؤولياته كالة و بدقة.
بعكس بيروقراطيتة الحاكمون الممقوتة وكهنوتية حكم الشيخ ؛ افهم ان الديمقراطية الحقيقة هي ميكانيكية القيادة اذ يكون فيه الحاكم نوع من البشر لا يفرض طاعته على الناس ؛ بل أن فاعليته وعمله واخلاصه يدفع الناس لإحترامه . الناس في السودان لا يحترمون الحاكم لانه بالفعل يستحق الاحترام ؛ بل هم يخافون منه لدكتاتورية الطابع الفاسد للحكم ؛ " وكل ما فينا من التبجيل .. ما يوازي خوفنا الأبدي منك... تربَتْ يداك.. " ابكر ادم اسماعيل . أي إنهم يعبرون عن رعبهم بمدحه
ذلك اليوم ؛ التطوعي وفي وقت باكر أتى الى أبن إيزة سبعة سيدات نرويجيات متقدمات في السن وثلاث رجال عجائز ليباشروا عملهم الانساني في تجهيز وترتيب الملابس وتأبأتها في المئات من أكياس البلاستيك ؛وذلك قبل ان ياتي الحمالين المتطوعين والذين بينهم أريلد ايفرسن نفسه .
لم يكن مشهد وجود الحاكم المحلي في فولدا بين العاملين وهو برفع الاكياس ملفتا لانتباه الذي هو مثلي اكثر من اكتشاف ان والدي الحاكم كانا من بين اولائك المسننين الذين اتوا باكرا لمباشرة العمل الانساني !! .
طبعا دارفور أبدا ستكون حاضرة في ذهني وفي مثل هذا المحفل الانساني ؛ فمثل هكذا الأعمال في الدول الغربية ؛ ومن خدمات منظمات من هم مختلفون عنا في الدين والعرق ولون البشرة هم من أنقذوا حيوات الملايين من شعوبنا في إفريقيا ؛ على شاكلة أهل دارفور المقيمين في معسكرات ؛ وهم الناجون من من بطش حكام فاسدون جدا .
لم يكن سوى ايام حتى قال لي صديقي أولاف ابو أيزك في حديث عابر في عمل تطوعي انساني جديد عن ان السيدة التي تعمل في تنظيف الحديقة العامة حول أبن إيزة من ساعات ولم تتوقف هي السيدة إيفرسون زوجة العمدة ؛ دونما ان تكون عليها ما يميزها باعتبارها زوجة حاكم محلي .
اذن حتى عائلات المسؤولين في المجتمعات الديمقراطية في دول التضامن لا يشكلون طبقة اجتماعية عليا منعزلة فاحشة الثراء تعيش على عرق ودم ودموع البؤساء كما في الدول غير الديمقراطية ونموذجا السوداني الاكثر ألما وغضبا!.
العمدة ؛ الحاكم ؛ حتى رئيس الوزراء في النرويج ؛ والوزراء ؛ اعضاء البرلمان يعيش كل منهم على راتبه الذي يتقاضاه من وظيفته في الدولة ليس هناك شئ استثنائي . اخر او اضافات مالية دون رقابة الشعب . عائلات الحكام ؛ أقربائهم ؛ اصدقائهم لا ينتفعون بأي حال من خزينة الدولة عبر حاكم فاسد بأي مستوى من مستويات الحكم . الذي يحكم هذا المجتمع هو القانون المنشئ من دستور وطني ناتج هو الاخر عن حوار منطقي على اسس المبادئ المحققة للمصالح العامة للمجتمع بعدالة ومساواة ؛ دون حيف او حرمان لافراد او جماعات .
سالت والد اريلد في يوم الدقنات " العمل التطوعي " لماذا انت تعمل وابنك حاكم البلدة ؟؛ قال " أريلد ابننا صحيح ؛ ولكن كونه عمدة ليس خطأنا ".
مبدأ اخلاقي في الرجل الطاعن في السن ان يرى تولي امور الناس خطيئة ؛ و الرجل لم بنسى ان يشمل في كلمته زوجته حين قال "ليس خطأنا " اي هو ووالدة الحاكم التي بدورها لم تنظر الى مسالة تولي ابنها مسؤولية ادارة البلدة مصدر فخر وبهجة يدفعها الى التظاهر بالتشريف ولبس اسورة الذهب واطلاق العبارات الشاتمة ضد من هم خصوم ابنها السياسيين؛ بل تعرف ان تلك مسؤولية اخلاقية ؛ وبصورة غير مباشرة هو تكليف ستتحملها بالتضامن أفراد الاسرة معنويا وليس لهم شئ ماديا .
فيما تقدم النرويج نموزجا لمجتمع التضامن والرفاه كنتيجة للنظام الديمقراطي الممنهج ؛ يجسد الحاكم إيفرسن قيم المساواة في مجتمع الديمقراطية التي انتجت اوضاع معيشيا افضل للانسان . والناس هنا يقدرون موقعهم وكيف حققوا ذلك الانجاز الحضاري فهم يعملون للحفاظ عليه بالواقعية والصدق.
اذن ايفرسن ما هو الا نموذج لحاكم بلدية في هذا المجتمع والدولة بقيمها التي تحولت الى تقاليد اجتماعية راسخة؛ وتعمقت بفضل فاعلية النظام الديمقراطي في الدولة ؛ الحاكم هو من يعكس تلك القيم في سلوكه .
لا شك ان في كل مرشح ما يحمل الناخبون على إختياره في مقعد المسؤولية بالرغم ان الحزب الفائز في البرلمان النرويجي في اخر انتخابات ليس هو حزب إيفرسن ؛ الحزب المسيحي الديمقراطي ؛وهو الحزب ذاته التي تنتمي اليها هيلدا جونسون وزيرة التعاون النرويجية التي حضرت مفاوضات نيفاشا للسلام السوداني ؛ وأحد اوجه النرويج المعروفة لدى شعبنا السوداني ؛ كانت السيدة جونسون موضوع نقاشي مع الكثير من النرويجيين منهم هوفر استادا.
كتبت هيلدا جونسون والمعروفة للمجتمع السوداني في الجنوب والشمال كتابا عن مفاضوات السلام في كينيا بين النظام والحركة الشعبية اسمته " " وصار الكتاب موضوع حواري مع العديد من النريويجيين ؛ ماريان سولهايم ؛ Mariana Sulheim , هوفر استاد Håvard Strand رونا سيمونسون Rune Simmensen ؛ الحاكم ايفيرسين Arild Ivesen

مقارنة
في بلد وثيق الارتباط بالدكتاتورية والفساد مثل السودان ؛ و 95% من شعبه يعيش تحت خط الفقر ؛ والحرب برناجه ؛ بالرغم من انه بلدا غنيا بموارده وقيمه ولا قانون للمال العام ؛ يتجسد الفساد ليكون هو نفسه الحاكم شخصيا بلد ما اهم صفاته؛ وهكذا تتكون الارقام الخرافية التالية:
يبلغ متوسط الصرف السنوي لمعتمد المحلية نحو500 ألف دولار أمريكى يختلط الشخصي والعام ؛ اولها مصاريف أبنائه وزوجاته -وبلا شك له أكثر من زوجتين - وأقاربه وأقارب زوجاته ؛ ذلك المبلغ شاملا تبرعاته وهباته المجانية غير المضبوطة؛ واحتفالات ومناسبات بلا قيمة غير رقص الحاكم على انغام الموسيقة الدينية. ويضم تكاليف ااستقبالات الضيوف والزوار .
ويتضمن صرفه الشخصي انفاقه على اسرته واقربائه وحرسه تكاليف معاشهم وسكنهم و مواصلاتهم و اتصالاتهم التلفونية في منازلهم (ان وجدت) وانارتها ؛ وصحتهم ؛ وتعليم أطفالهم ؛ وتبرعات للذهاب الى الحج والعمرة للاقارب ؛ وكل ذلك من الخزينة المحلية للبلدية.
وبعد ذلك الحاكم له سيارته الخاصة وسيارتين مرسيدس خاصته بأكثر من سائق خاص ؛ و سيارات الدفع الرباعي (الكروزر) لحراسته ؛ وهناك ثلاث سيارت لخدمة زوجاته و الأولاد و خضار منزله .
بجانب ذلك فان الحاكم له حراسة الشخصيين وحراس منزله ؛ يصرف عليهم ؛ وهو بلا شك شخصية مميزة ؛ فيتم سفره بالطائرة عبر بوابة خاصة بصالة كبار الزوار بالمطار ؛ و يتحمل كل ذلك خزينة المحلية بالنيابة عنه .وبمكتبه سكرتارية ومعاونين وممثلين من عدد من الاشخاص يعيشون على نفقات الدولة.
طبعا منزله مميز من بقية منازل الشعب في تلك المحلية او الولاية ؛ ومزود بأثاث منزلي خاص من طراز الاثاث المكتبي الذي يزخر به مكتبه في رئاسة البلدية التي تبنى هي الاخرى بطريقة خاصة.
ويستمر دائرة الفساد في التوسع ليشمل طرق توظيف وتشغيل العمال من أقاربه واصدقائه ؛ وكتابة تقارير كاذبة حول مشاريع وهمية ؛ ليكون نتيجة عمله في نهاية السنوات كما بداها الرجل ؛ ويكون التغيير الوحيد هو زيادة دخله الشخصي وافراد عائلته واصدقائه على مثل قول الحنرال الاكثر فسادا " الغني غنى والما غنى يمشي من هنا " وكان يشير الى بيده الى تجاه الفقراء .
ويزيد هذا الصرف الفاسد ويتوسع كلما ما اتجهت صوب رئيس الجمهورية في قصر غردون ؛ مرورا بالمؤسسات الوهمية.
جميع ميليشيات الحكومية بقتاتون هم واسرهم على اموال الدولة
381 حاكم بلدية + 10 -17 مع أي منهم .
26حاكم والاية 37-40 مع كل واحد وزير ومعاون.
الرئيس + 2 نائب ، +109 وزير ومساعدين ومستشاريين ، و ممثلين للرئيس )
418 عضو في البرلمان . وفي كل 27 ولاية مجلس يضم مع أكثر من 150 عضو مجلس .
الآن :
176 معتمد ومع كل معتمد 10-15 الأشخاص.
حاكم الولاية 17 مع أي واحد بين 27-37 وزير ومعاون
الرئيس + 2 نائب ، +109، وزير ومساعد، مستشار، ممثل للرئيس .)
351 + أعضاء البرلمان .و 150 عضو في مجلس الوالية . 100 في مجلس المعتمدية ).
جميع اؤلائك المسؤولين نسخ من الصور المصغرة للديكتاتورية والفساد والبزخ المادي . وهذه المؤسسات ديكورية البرلمانات؛ الانتخابات؛ التمثيل ؛ الدستور. و أيضا هناك مجلس للقضاء كامل الزينة و الزخرفية ؛يديره قضاة فاسدين بجدارة.
بجانب وجود هيئات ومفوضيات ولجان ومجالس ومؤسسات ووكالات وبنوك كلها مؤسسات رسمية تنستنسخ كلها من فساد الحكم صورة مصغرة ويقتات المسؤولين فيه على خزينة الدولة التي تجمع من عرق ودموع ودماء المواطنيين .
ليست هناك انتخابات ؛ كل تلك المؤسسات ديكورية ؛ برلمانات؛ إنتخابات ؛ ممثلين ؛ دستور ؛ بل هناك سلطة قضائية في هذه الحقة الديكورية .
وصل الرئيس الى السلطة عن طريق انقلاب عسكري، وقام بتعين جميع هؤلاء المليشية لمساعدته ومع أصدقائه ومجموعته بنوا جميع تلك المؤسسات الزخرفية وهو الذي يعين ميليشيات الحاكمون والمسؤولون.
ببساطة جدا يمكن ايجاد تفسير لماذا ظلت النرويج طوال العشر الاولى من القرن الحادي والعشرين هي الاولى او ضمن ست أولى دول في تقرير برنامج الامم المتحدة الخاص بمستوى المعيشية والرفاهية والديمقراطية في دول العالم؛ فيما ظل السودان ضمن ست دول أخري ؛ هي الدولة الاخيرة في هذا التقرير الاممي السنوي ؟ .
لم تنتهي المفاجأة بعد ؛ في يوم جمع التبرعات لمنظمة العفو الدولية في فولدا يوم الاحد 21 اكتوبر ؛ والذي شاركته بصفة احد من ساعدتهم منظمة العفو الدولية واخراجي من السجن ؛ كان أريلد ايفرسين ونائبه في البلدية ايفان هافدال استاد يقفان في صف طويل ليكونوا ضمن المتطوعين في حملة تي في اكشن لجمع التبرعات لدعم المظمة .
سار ايفرسين على قدميه يطوف بالمنازل طوال ساعات النهار حاملا علبة بلاستيك ؛ يتحدث الى النااس عن دور ومهمة منظمة العفو الدولية في مجال حقوق الانسان؛ والناس في فولدا باخلاقهم وروحهم المتسامح ووعيهم استجابو لهذا الحدث بشكل ملفت ؛ وكذالك فعل نائبه هافدال الذي كنت معه طوال ذلك اليوم وجرى الحديث بيننا عن شكل ادارة البلديات ودور جهاز الدولة الاساسي في الاشراف على الخدمات وتحقيق العدالة في المجتمع .
بشكل اخر المسؤليين الحكوميون في هذه الدول الديمقراطية هم ايضا يقفون ضد الظلم والفساد وضد انتهاكات حقوق الانسان في البلدان غير الديمقراطية وذلك بمساعدتهم لمنظمة العفو التي تساعد هي بدورها المسجونون ظلما في تلك الدول .

وأيضا ؛ لعلى مدهوش برؤية مجتمع انساني مغاير لاول مرة ؛ فبعد نحو اربعة و ثلاثين عاما من عمري عشتها منذ ميلادي في زريبة دكتاتورية خالصة ؛ لم اعرف ما تعنيها الدولة الديمقراطية واحترام حقوق الانسان علميا بها ؛ و الرغم من ان المجتمعات والدول التي كانت محطات مهمة في رحلة وعي المكتسب بحقيق مستوى التخلف الاجتماعي والاقتصادي الذي ارادته لنا في دارفور وحافظت عليها دولة نخبة التجار الجلابة ؛ الا ان تلك الدول : جزر القمر ؛ مدغشقر ؛ اثيوبيا ؛ ليبيا اثيوبيا ؛ مصر و بإستثناء مهم تنزانيا وموزمبيق وجنوب افريقيا كانت تلك الدول غير ديمقراطية لا تختلف عما لدينا في السودان ؛ او تزيد عليها في حالات مصر وليبيا .و هذا بلا شك نقلة جديدة في حياتي؛ سأكتشف المزيد على حد قول صديقي ماو أبمنقراي .
منعم سليمان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.