السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    عيساوي: حركة الأفعى    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفكر والأخلاق في طرح د. النعيم الحلقة العاشرة الأخيرة


بسم الله الرحمن الرحيم
خاتمة
الجنس والتسامي
"هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" صدق الله العظيم
"وفي الحق، ان الدين، سواء كان مسيحية أو إسلاما، إن لم يستوعب كل نشاط المجتمع، ونشاط الأفراد، ويتولى تنظيم كل طاقات الحياة الفردية والجماعية، على رشد وعلى هدى، فإنه ينصل من حياة الناس، ويقل أثره، ويخلي مكانه لأية فلسفة أخرى، مهما كان مبلغها من الضلال "
الأستاذ محمود محمد طه
ما أصبح يسمى بالعلاقة الجنسية، هو في الإسلام، العلاقة بين الرجل والمرأة في إطارها الشرعي، ولا شيء غير ذلك.. وهي أشرف علاقة إنسانية، وأعظمها.. كما أنها أكبر مظاهر الحياة، في تعبيرها عن نفسها.. وهي أكبر، وأخطر، ما اُبتُذِلَ في الحضارة الغربية.. وهي قد اُبتُذِلَت، بالصورة التي تكاد تخرجها من إطارها، بصورة تامة.
يقول الأستاذ محمود: "ومن أجل شرف هذه العلاقة ((الجنسية)) الذي حاولنا أن نبينه في الأسطر السابقات وقع شديد الحرص عليها في الدين .. وهي أكبر مظهر للحياة في مجال تعبيرها عن وجودها .. ومن أجل ذلك قامت على تنظيمها أول ((شريعة)) عرفها الإنسان، ووقع عليها أول ((كبت)) في العقل الباطن .. ومن أجل هذا ((الكبت)) الذي وقع في ((قاع)) العقل شرع الرجم بالحجارة .. تصوب إلى الدماغ، عقوبة على مخالفة الممارسة .. وشدد في أمر عقوبة الزنا على العموم .. أكثر من ذلك!! شددت العقوبة على القاذف به غيره إن لم يستطع أن يثبته عليه .. فكان أدق حدين في الإسلام حد الزنا، وحد القذف .. قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا، وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) بل أكثر من ذلك!! شدد في زجر الخائضين فيه .. فقال: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)..
وقال في وعيده الذين يتهاونون في هذا الخوض: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .. بل أكثر من ذلك!! فإنه توعد، أشد الوعيد، الذين يسمحون لخواطرهم أن تجول في نسبة الزنا للآخرين .. فقال، تبارك، وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .. ولم ينه الله، تبارك، وتعالى، عن مقارفة الزنا نفسه، بل نهى حتى عن مقاربته فقال، عز من قائل: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا، إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) .. ولخطر هذا الجرم عنده شدد في إثباته، تشديداً يجعله في حكم المستحيل.. ويكفي أن يقال أنه لم يقع، في طول تاريخ الإسلام، إثبات شرعي لجريمة الزنا: وما وقع فيه من إقامة الحدود لم يقع إلا بالإعتراف.. ثم يجيء التشديد من جانب المعصوم .. فيقول: (لا يزني الزاني، حين يزني، وهو مؤمن) .. وهذا أمر في غاية الخطورة.. ذلك بأن هذا الحديث إنما يعني أن الإيمان يرفع عن المؤمن، لحظة المقارفة، حتى أنه لو مات فيها مات على غير الإيمان.. ويقول المعصوم، في هذا التشديد أيضا، (يا أمة محمد!! والله ما أحد أغير من الله، أن يزني عبده، أو تزني أمته.. يا أمة محمد!! والله لو تعلمون ما أعلم، لبكيتم كثيرا، ولضحكتم قليلا..) ..
هذا قليل، من كثير، يقال في إحاطة هذه العلاقة الرفيعة، بين الرجل والمرأة، بأسباب الصيانة، والحفظ .. وهي، لمكان كرامتها، وعظيم أثرها في حياتنا، لا يحفظ علينا صونها إلا الله .. قال تعالى في ذلك: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" ..قوله: (فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ..) .. (الفحشاء) هنا الزنا.. (والمنكر) هنا اتهام الآخرين به.. قوله: (ولولا فضل الله عليكم، ورحمته، ما زكى منكم من أحد أبدا، ولكن الله يزكي من يشاء ..)، يعني ما تطهَّر، ولا تصوَّن، ولا تنظَّف من أوحال الممارسة، غير المشروعة أحدٌ أبدا .. قوله (ولكن الله يزكي من يشاء) بشرى بعموم الزكاة .. فإن العباد بها، جميعا، سيتزكون .. وجاءت العبارة الفاصلة بقوله: ((والله سميع عليم))، لتؤكد هذا المعنى الذي ذهبنا إليه .. فهو (سميع) لنداء الفروع التي تطلب الأصول وقد حجبتها عنها الخطيئة .. وهو (عليم) بطريق خلاصها من الخطيئة، لتعود إلى وطنها في الذات: (يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة)".
أين ترهات د. النعيم، من هذا القول؟ إنه اتبع خطوات الشيطان إلى نهايات الدرك الأسفل، في جحر الضب الخرب.
يقول الأستاذ محمود، عن حد الزنا: "الآيات البيقوم عليها القصاص والحدود دي من الآيات المحكمة.. دي أدقّ التشريع.. الحدود والقصاص أدقّ التشريع.. وهي في مسألة المعاملات، توازي العبادة في مسألة القربات!! هي محكمة!! والآية اللي قايم عليها الرجم، زي ما قال الأستاذ أحمد، منسوخة تلاوةً!! يعني ما ها موجودة في المصحف، لكنها ثبتت بالسنة!! أنه النبي رجم.. دخلت في الشريعة مسألة الرجم، ودي لا تنسخ إطلاقا!! لأنه.. نحن حاولنا أن نبيِّن فيها الحكمة هنا.. الحكمة في الرجم بالحجارة أنه إيقاظ الحركة اللي انكبتت في الأول، في العقل الباطن!! وهي أول.. مسألة الزنا أول ما كبت الإنسان.. الإنسان كان كالسايمة مسترسل، يسافد، بغير زواج.. ثم قُيِّد بشريعة الزواج!! فكان أول سيطرة من إرادته على عقله الباطن، أو على شهوته يعني، كانت مسألة كبت الغريزة الجنسية.. أها دي في القاع!! ومن أجل ذلك شُدد في عقوبتها بالرجم بالحجارة!! والرجم بالحجارة أنه الزاني أو الزانية، المحصن والمحصنة، يدفن في التراب لغاية ما يبقى رأسه برة!! فيرجم بالحجارة لغاية ما يتطاير مخه!! أو تدفر عليه الخيل.. يدفّروا فيهو الخيل بالصورة دي!! ودي أشدّ أنواع العقوبات.. مش هي القتل.. يعني في الزنا مش القتل.. الرجم!! القتل بالصورة دي.. دي مؤكدة في طبيعة العلاج!! والحكمة في الحدود حكمة في غاية الضبط!! وهي صورة من المعاوضة!! المعاوضة هي صورة من شريعة الحقيقة.. في الحقيقة الشريعة قايمة على (فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرةٍ شرا يره).. دا قانون الحياة، يمكنك أن تقول.. قانون الحياة!! ما تلاقيه الحياة في صراعها مع البيئة وتنازع البقاء.. القاعدة فيه (فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرةٍ شرا يره).. لمن جات شريعة الإنسان مشت مصاقبة لهذه الشريعة فجات العين بالعين، والسن بالسن.. اللي هي القصاص.. والحدود كأنما هي علاج لمرض!! مثلا: زي قطع يد السارق، دا حد.. والحد أوكد شريعة الله!! حتى قيل عنّها أنها حقّ الله!! والمعنى المقصود هنا أنه الإمام إذا بلغه ما يوجب الحد، وقامت الأركان على من يجب عليه الحد، لا يستطيع أن يعفو!! حتى ولا النبي، لا يستطيع أن يعفي من قامت عليه أركان الحد".
إن الثورة الجنسية في الغرب، هي من أشد وجوه الحضارة الغربية إظلاماً.. وهي دليل صارخ على أن هذه الحضارة، فقدت موازين القيم، كما أنها تعبير عن القلق، الذي أدى إليه الخواء الروحي، في حضارة مادية.. والبشرية، لكي تواصل مسيرتها، في التسامي، نحو الإنسانية، هي في أشد الحاجة لتنجاوز هذه المرحلة من القلق الوجودي، وأشكال التعبير، غير السوية التي أدى اليها.. وقد سبق أن نبه الأستاذ محمود، الدكتور مصطفى محمود، في رده عليه إلى ظاهرة الهيبيز.. ومما جاء في هذا الصدد، قوله: "فأما حاجة هذا العصر فإلى الهداية .. فإن البشرية لم تكن يوما في التيه كما هي اليوم.. وسمة هذا العصر هي القلق، والحيرة، والاضطراب.. هذا عصر الثورات: الثورة الثقافية، والثورة الجنسية، وثورة الشباب، وكلها دليل على القلق، والحيرة، والاضطراب .. هذا عصر (الهيبيز) .. جماعات من الشباب، من الجنسين، يزيد عددهم كل يوم، ويستطير شرهم كل يوم، حتى لقد عم جميع الأقطار .. يقوم مجتمعهم على الرفض، فهم قد وجدوا مجتمع الحضارة الغربية، الآلية، مجتمع إنتاج واستهلاك، فقد الإنسان المعاصر فيه روحه، وقيمته، وحريته، واستحال إلى آلة تنتج وتستهلك، فرفضوه، ورفضوا معه كل عرف، ودين .. وفزعوا إلى صور من مجتمعات الغابة، فهم يلبسون المرقعات، ويسيرون حفاة، ويرسلون شعورهم، ويبيتون على الأرصفة، والطرقات، ويستبيحون بينهم من العلائق الجنسية ما ظلت البشرية على صيانته حريصة خلال تاريخها الطويل .. هم يبحثون عن حريتهم، وعن إنسانيتهم، وعن فرديتهم، فلا يكادون يجدون غير الضياع، وغير القلق، وغير الإضطراب .. فهل عند مصطفى محمود إدراك واسع لهذه الظاهرة، واهتمام بها، وسعي لإيجاد الهداية لها من القرآن ..."؟؟
أما د. النعيم، فبدلاً عن السعي في الهداية والترشيد، يجعل الظاهرة هي المثل الإنساني الأعلى، وهي الحرية نفسها!! فيعمل على تبريرها، وإعطائها فلسفة، كما يعمل على حمايتها ونشرها.. وأخطر من ذلك كله، يجعلها هي الإسلام نفسه!! فهل يمكن أن يكون هذا أمراً، طبيعياً؟!
إن أمرَ التحريم، في الإسلام، أمرٌ أساسيٌ جداً، وضروريٌ جداً لتحقيق إنسانية الإنسان، التي لا يمكن أن تتحقق دونه.."وفي الحق، إن هذا الأمر – أمر تحريم الأعيان كوسيلة إلى تحريم عيوب السلوك – هو الأساس الذي تدور عليه حكمة الدين .. وعيوب السلوك جماعها اتباع هوى النفس .. وهوى النفس يخلص منه أحد أمرين: إما الضرورة الملجئة، أو العلم النافع.."..
وهوى النفس، هو أكبر إلهٍ عُبِدَ في الأرض، من دون الله.. يقول تعالى: "أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا".. وقد جاء الدين، ليخلصنا من هوى النفس، حتى يكون إلهنا هو الله.. فننتقل من النفس السفلى، نحو النفس العليا، وهذا هو مجال تحقيق إنسانيتنا، وتحقيق حياتنا حياة الإنسان حياة الفكر والشعور..
لقد ارتبط تنظيم الغريزة الجنسية، منذ البداية، بتحقيق إنسانية الإنسان، وبنشأة المجتمع، الذي هو أهم وأكبر وسائل الإنسان، في مسيرته لتحقيق إنسانيته.. لم ينشأ المجتمع البشري إلا بعد أن نشأ العرف الذي نظم الغريزة الجنسية، وأمن الملكية الفردية فحرمت الأخت على أخيها، وحرمت الأم على ولدها، وحرمت البنت على أبيها، وكذلك استطاع الابن أن يعيش مع أبيه وأمه، بعد أن يبلغ سن الرشد.. وكذلك استطاع، أن يعيش الصهر مع صهره، وهو آمن على زوجته، من أبيها، ومن أخيها..
وقد نشأ الدين، وفهمت الآلهة بصورة تجعلها تطَّلِعُ على المخالفات التي قد تَجِدُّ من الأفراد في السطو على ملكية الآخرين أو على زوجاتهم، حين يظنون أنهم أمنوا أعين الرقباء.. وتقع على هؤلاء اللعنة، وسوء المنقلب.. هذا بالإضافة إلى ما يقوم به شيوخ الأسر من عقوبة مخالفة العرف، والتقاليد، والعادة (القانون) حين يطلعون على هذه المخالفة.. ولقد نشأ مع نشأة العبادة (الدين والآلهة)، فكرة الحياة الأخرى، بعد الحياة الدنيا، نشأت من الشعور، ومن الأحلام.. وأعانت فكرة الحياة الأخرى على ضبط نزوات الأفراد.
مع نشأة العرف الذي ينظم العلاقة الجنسية، والملكية الفردية، نشأ الكبت الذي أوجب أن يكون للعقل سلطان على النفس.. ومن هاهنا برز الإنسان في مستوى من مستويات المسئولية ميزته على الحيوان السائم.. فالغريزة الجنسية، والملكية الفردية، هما أول ما وقع عليه الكبت.. وهذا هو الحد الفاصل بين الإنسان والحيوان.. في الإنسان العقل يسيطرعلى نزوات النفس، ويخضعها، للعرف والقانون والأخلاق.. أما الحيوان، فهو يستجيب لغرائزه، دون أي اعتبار.. وهذا هو الفرق الأساسي بين حياة الإنسان وحياة الحيوان..حياة الحيوان تقوم على إرادة الحياة وحدها، وحياة الإنسان تقوم على إرادة الحرية بالاضافة لإرادة الحياة، التي ورثها من الحيوان.. وإرادة الحياة، قانونها، ابتغاء اللذة بكل سبيل، وتفادي الألم بكل سبيل.. وهذا هو قانون النفس السفلى.. أما إرادة الحرية، فقانونها هو قانون الحلال والحرام.. قانون الروح أو قانون النفس العليا.. فحياة الإنسان لا تقوم إلا باتباع قانون الحياة العليا قانون الحلال والحرام ويتم التسامي في إنسانية الإنسان، بقدر التسامي في العيش وفق هذا القانون.. وهو العيش وفق عقل المعاد، في حين أن الحياة الدنيا، تقوم على العيش وفق عقل المعاش الذي تكون فيه السيطرة للشهوات والنزوات، والقاعدة هي: الإنسان، طالما سيطرت عليهه شهواته، خضع لها أو قاومها، فهو في الحياة الدنيا.. ولا يكون في الحياة العليا حياة الإنسان إلا عندما يسيطر على الشهوة، بتغلب العقل عليها.. فالعقل رُكِّبَ في النفس ليسوسها.. وهذه هي ميزة الإنسان على جميع خلق الله.. وسياسة النفس، هي ضبط لغرائزها، والتسامي بها في مجالات الإنسانية، بالصورة التي تعين على التخلص من الصفات الحيوانية فينا، بصورة نهائية.. فكل خطوة، نبعد فيها عن الحيوانية تسيير الغرائز لنا هي خطوة نقترب بها من تحقيق إنسانيتنا.
وضبط الغرائز، بواسطة العقل، والإرادة، كما ذكرنا هو بداية إنسانية الإنسان.. وهو بداية الأخلاق.. فالأخلاق وإنسانية الإنسان، شيء واحد.. فالارتفاع في سلم الإنسانية، هو ارتفاع، وتسامي الأخلاق.. والأخلاق، فوق مستوى الحد الأدنى هي: حسن التصرف في الحرية الفردية.. وحسن التصرف يقوم على ترويض العقل، وتربيته، على اختيار مرضاة الله، على إرادته أو هواه.. ولإعانة العقل على ذلك، جاء الدين، ووضعت الشرائع، وسنت القوانين، مما يعين العقل، على معرفة طريق الحق والخير، ويحمل النفس على اتباعه.. فبقدر قوة العقل، ونفاذه، ووضوح الرؤية عنده، تقوى الإرادة، وتتم السيطرة على النفس، وتوجه التوجيه الذي يخضع لمعايير، العقل القوي المستحصد، حتى يتم التوافق بين العقل والنفس أو الجسد.. وهذه هي الإنسانية.. هي: العقل والجسد المتسقين.
يقول الأستاذ محمود: "لقد سلفت الإشارة إلى أن الإنسان، في نشأته، إنما هو برزخ بين الملائكة الأعلين، والأبالسة الأسفلين.. هو نقطة إلتقاء النور، والظلام - العقل، والشهوة - ولقد قررنا إن العقل قد أمر بترويض الشهوة.. وعلى هذا قام التكليف، وبه ظهر الإنسان، بعد أن لم يكن.. قال تعالى: "هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا؟؟".. و((هل)) هنا تعني ((قد)) التحقيقية.. فقد مر على الإنسان دهر دهير كان أثناءه يتقلب في مراحل الحيوانية السفلى.. وهو لم يكن يومئذ ((شيئاً مذكوراً)) لأنه لم يكن مكلفاً ، وإنما كان سائماً.. وقانون السائمة إتباع اللذة، حيث وجدت، والفرار من الألم، حيث أمكن.. وقانون المكلف هو قانون الحرام والحلال، وقانون النهي والأمر.. وهو، في جملته، يعني عمل المأمورات، وإجتناب المنهيات.. وإن كان في هذا وذاك مشقة على النفس، وحرمان لها من دواعي جبلتها.. وبدخول هذا القانون - قانون التكليف - انقسم الإنسان.. وبدأ سيره نحو الإنسانية ، مبتعداً عن الحيوانية.. وكل مشقة يحتملها في هذا الإتجاه ، إنما هي منزلة قرب من إنسانيته ، تمثل ، في حد ذاتها ، منزلة بُعد عن حيوانيته.. وهذا ما أشرنا إليه عندما قلنا: أن السلوك ، إنما هو إرتفاع من النفس السفلى، إلى النفس العليا.. وهو ما قاله العارف، حين قال: ((سيرك منك، وصولك إليك))..
وبالتجافي عن اللذة الحرام العاجلة، إستجابة لما أوجب الشارع، وإبتغاء اللذة الحلال الآجلة، قوي عقل الإنسان، وقويت إرادته.. قوي عقله لحاجته إلى التمييز بين ما ينبغي ولما لا ينبغي: وقويت إرداته لحاجته إلى السيطرة على دواعي نفسه إلى الإندفاع نحو اللذة الحاضرة ، كما هو العهد بالحيوان.. وبهذا الصنيع إنكبتت رغائب أصبح بها الإنسان منقسم بين عقل كابت، ورغائب نفس مكبوتة.. وكلمة ((العقل)) هنا تمثل قوة الإدراك، وقوة السيطرة..
وإنقسام الإنسان لم يبدأ بظهور قانون الحلال والحرام، كما جاءت به الأديان، وإنما بدأ بظهور المجتمع.. وقد سبق ظهور المجتمع ظهور الأديان بآمادٍ سحيقة.. وفي الحق، إن هذا الإنقسام قد أخذ بداياته منذ ظهور الحياة نفسها.. فإن ظهور المادة العضوية ، من المادة غير العضوية، ذلك الظهور الذي يؤرخ بدء الحياة، في صورها البسيطة، إنما هو إنقسام المادة بين كثيف، ولطيف.. وقد ظل الكثيف يلطف، واللطيف يزداد لطافة، حتى بلغا، في مرحلة الإنسانية، أن أصبح اللطيف يمثل العقل، والكثيف يمثل الجسد.. فلكأن الإنقسام أخذ بداياته بظهور الحياة.. بل إن الإنقسام هو مرادف للحياة.. هو هي.. ولكنه تعقد، وتشعب، وترسبت طبقاته، طبقة فوق طبقة، بظهور المجتمع الإنساني، وأعرافه، وعاداته، وتقاليده.. ثم إزداد تعقيداً، بظهور الأديان، في صورها المعقدة.. وبتوكيد فكرة الغيب فيها، وبالدعوة إلى الإيمان، وإلى التوحيد.. وقد عالجنا مسألة الكبت كلها بصورة مفصلة في مقدمة الطبعة الرابعة من كتابنا: ((رسالة الصلاة)) ، بما يغنينا هنا عن الإعادة ، فليراجع في موضعه.. والأمر الذي نريد أن نقرره هنا، وإن كان قد ورد هناك بتفصيلٍ كافٍ، هو أن الإنقسام قد كان، في جميع أطواره ، بدافع من الخوف.. فلولا الخوف ما ظهرت الحياة، في المكان الأول، ولولاه ما ترقت الحياة بظهور العقل، في المكان الثاني.. ولكن الحياة، مع ذلك ، لن تبلغ كمالها إلا إذا تحررت من الخوف تماماً.. فلكأن الخوف صديق في بدايات النشأة، عدو في أخرياتها.. ولقد رسب هذا الخوف، في النفس البشرية، عقداً لا يحصيها الحصر.. وهي تقع على مستويين: المستوى الموروث في عمر الحياة، والمستوى المكتسب في عمر الفرد.. وهذه العُقَد بمستوييها هي الحائل الآن بين الإنسان والعلم.. هي الحجاب القائم بين قلب الإنسان، حيث الحقائق الأزلية، وعقل الإنسان، حيث المرآة التي تتطلع لإنعكاسات هذه الحقائق الأزلية عليها.. وعمل كل العبادة إنما هو محاولة تلطيف هذا الحجاب الحائل، وذلك بحل هذه العقد، المكتسبة، والموروثة.. وإلى هذه العقد بمستوييها، وإلى كونها حُجباً، وردت الإشارة بقوله، جل من قائل: ((كَلَّا، بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴿14﴾ كَلَّا!! إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴿15﴾ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ ﴿16﴾ ثم يقال: هذا الذي كنتم به تكذبون)).. قوله : ((ما كانوا يكسبون..)) ، تشير إلى الحيل التي لا تحصى، والتي دفعنا إلى إتخاذها الخوف على الحياة، في المكان الأول، والخوف على الرزق، في المكان الثاني.. ثم قال ((كلا!! إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)).. وهو يعني ب((يومئذ)) بدء النشأة الأخرى، بتحصيل الأعمال المكتسبة في النشأة الأولى.. ذاك يوم ظهور الحجاب بين الرب، والعبد الجاهل، على أكثف صوره.. ولكن ((يومئذ)) هذا ليس غائباً اليوم تماماً، ولا الحجاب غائب اليوم تماماً.. ثم قال ((ثم إنهم لصالوا الجحيم)).. والحكمة المرادة من تصليتهم الجحيم إنما هي رفع الحجاب الذي عجزوا عن رفعه، بتحصيل العلم، في النشأة الأولى.. وهذه التصلية هي جزاء وفاق، وعدل مطلق.. ومن ههنا، عرف العارفون أن التصلية بالجحيم، إنما هي مرحلية، وليست سرمدية.. هي رحمة ، وليست إنتقاماً.. عن ذلك تعالى الله، علواً كبيراً.."
الكبت هو السيطرة على الشهوة، ولا تعبر عن نفسها في انطلاق بلا قيد، كما يفعل الحيوان.. وإنما تعبر عن نفسها من خلال شريعة الحلال والحرام.. ولقد جاءت شريعة العبادات، وجاءت شريعة المعاملات، لترويض الشهوة حتى تسير في مراقي الإنسان، وتتجافى عن دركات الحيوان.
بين الكبت، وفض الكبت تتحقق إنسانية الإنسان، وتكمل حياته.. (ولقد كان الكبت دائما بفعل الخوف، ولكن الخوف يقل، ويقظة الضمير تزيد، كلما اقتربنا من عهد كمال الحياة البشرية علي هذا الكوكب الذي نعيش فيه، ولقد كان الخوف صديقا، حيث به برزت العقول من الأجساد، و لكنه لا بد من التحرر من الخوف من أجل كمال العقول وكمال الأجساد‏.‏‏.‏ لقد كان الخوف صديقا في بداية النشأة، و لكنه قد أصبح عدوا منذ اليوم، حيث أقبلت الحياة البشرية علي عهد كمالها .‏‏.‏ لقد سار الفرد البشري من مستوي الحيوان إلى مستوي البشر، بفضل الله، ثم بفضل الكبت، الذي به انقسم علي نفسه وسيسير من مستوي البشر إلى مستوي الإنسان، بفضل الله، ثم بفضل فضّ الكبت، حيث تتوحد البنية التي انقسمت بفعل الكبت .‏‏.‏إن جميع عصور البشرية، وإلى اليوم، قد تطورت فيها البنية البشرية وهي منقسمة علي نفسها .‏‏.‏ و هذا ما أسميناه مرحلة: ((الجسد و العقل المتنازعين))‏.‏‏.‏ وستدخل البشرية مرحلة كمالها منذ اليوم، و ذلك بفض الكبت، الموروث، والمكتسب، حيث تجيء مرحلة: ((الجسد والعقل المتسقين))‏.‏‏.‏ ويومئذ تدخل البشرية الحاضرة مرحلة الإنسانية، حيث تتم وحدة البنية البشرية، التي عاشت منقسمة علي نفسها طوال تاريخها الطويل.‏‏.‏ ولا يجيء فض الكبت فجأة، وبغير فكر يهدي التطور، كما يظن الماديون، حيث يتحدثون عن تحرير الغرائز، وهم لا يعلمون ما يقولون‏.‏‏.‏ لا بد للفرد اليوم، من أجل تطوره في مضمار وحدة بنيته، من الكبت، المجود، الواعي، ليستطيع، بعد تجويد الكبت، أن يدخل مرحلة فضّ الكبت، بعلم، وبذكاء .‏‏.‏ إن الكبت المكتسب يجب أن يجيء من قناعة، ومن يقظة ضمير، ومن توقد ذهن، ومن علم بأصل البيئة، التي نعيش فيها- البيئة الطبيعية، والبيئة الاجتماعية - لابد أن يجيء من الخوف الذي سلط علي أوائلنا من جراء الجهل .‏‏.‏ لقد كان الخوف كما قررنا - صديقا لأوائلنا، ولكنه، منذ اليوم، هو عدونا، و يجب بفضل الله، ثم بفضل العلم الجديد بأصل البيئة الطبيعية، والاجتماعية، أن نتحرر منه .‏ وفي مضمار التحرر من الخوف يجيء فض الكبت‏.‏‏.‏"
الزنا، الذي يباركه د. النعيم، باسم الإسلام، هو دون القاعدة، بالنسبة لبداية تسامي المسلم في القيم، وقد ذكرنا الحديث الذي يشير إلى أن الإيمان يُرفَع عند المقارفة.. التسامي يبدأ من غض البصر، والشريعة لا تُترَك لاعتبارات العصر وما فيه من انحلال، يصعب من التزامها.. فقد قال الأستاذ محمود في الرد على د. مصطفى محمود، الذي ذهب يُؤوِلُ غض البصر، بحجة صعوبته في الوقت الحالي قال: "وظاهر التحريم إنما قام على ظاهر القرآن .. لا لف، ولا دوران .. ولذلك فإن قولك من صفحة 111: (لو أخذنا الآية بظاهر حروفها دون أن يكون جوهر القضية واضحا في الذهن فسوف نجد أن الحياة الطبيعية في زماننا زمن الميني جيب – والديكولتيه، والجابونيز، والصدر العريان، والشعر المرسل، والباروكات الذهب، أمر صعب وهناك أكثر من نوع من النظر فما هو نوع غض البصر المقصود؟؟
لا بد من العودة إلى جوهر التحريم لنفهم الآية ..
والله حرم الضار الخبيث. ومجرد إرسال النظر لا ضرر منه ولكن الضرر فيما يجري في القلب والعقل نتيجة إمعان النظر الخبيث)، هو قول يتورط في الخطأ حين يحاول أن يتحلل من نص التحريم القائم على النهي، ليجعل التحريم مسألة إعتبارية: (ومجرد إرسال النظر لا ضرر منه ولكن الضرر فيما يجري في القلب والعقل نتيجة إمعان النظر الخبيث)، كما تقول أنت .. ولا عبرة برأيك في أن الحياة الطبيعية في زماننا، (زمن الميني جيب – والديكولتيه، والجابونيز، والصدر العريان، والشعر المرسل، والباروكات الذهب أمر صعب)، ذلك بأن الشريعة لا تزايل إلزامها اعتبارا للصعوبات التي تواجهنا بها حياة التحلل، والتفسخ والتبذل .. بل أنها لتطالب برد الناس – كل الناس- إلى الجادة.. فإن عجزنا نحن عن إلتزام الشريعة، في أنفسنا، وعن إلزام غيرنا بها، فلنعترف بالعجز، ولنعرف أننا نعيش ناصلين عن الشريعة.. ذلك خير من أن نحاول أن نفصل الشريعة على تقصيرنا، وعلى عجزنا عن الإلتزام .. وأنت تسأل: (فما هو نوع غض البصر المقصود؟؟) .. والجواب: هو مجرد غض البصر.. والقرآن يقول، في ذلك من الآيتين اللتين سقت أنت طرفا منهما: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ: يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ، وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ.. ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ: يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ، وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ، وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ، إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ، وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ، أَوْ آبَائِهِنَّ، أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ، أَوْ أَبْنَائِهِنَّ، أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ، أَوْ إِخْوَانِهِنَّ، أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ، أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ، أَوْ نِسَائِهِنَّ، أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ، أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ، أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ.. وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ.. وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".. غض البصر، إذن، هو مجرد غض البصر .. طاعة للأمر: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) .. هذا من جانب الرجال .. وطاعة للأمر: (قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) .. هذا من جانب النساء .. وقد جاءت الشريعة تفصل، فلم تزد على أن قالت: النظرة الأولى لك.. والنظرة الثانية عليك.. يعني: إذا وقع بصرك على الحرام، في المرة الأولى، فهو مغفور لك، لأنك لم تتعمد النظر.. فإذا عاودت النظر بعد ذلك كتب عليك، وحوسبت به .. والمطلوب، في المكان الأول، في هذا المقام، هو حفظ الفروج.. وقد فرض حفظ النظر حماية، ودرأ، للجريمة الشنيعة – جريمة الزنا .. فكأن غض البصر حمى مضروب حول الجريمة، فمن استخف بالحمى، واقتحمه، فقد أوشك أن يواقع الجريمة". لقد رأينا أن د. النعيم، يدعو لعدم حفظ الفرج، ولا يرى أي جريمة، لا في الزنا وحده ، وإنما في كل صور الممارسات الجنسية الشاذة.. وهو يعتبر كل هذا من الإسلام!!
قال الأستاذ مذكِّراً مصطفى محمود: "أحب لك أن تذكر، دائما، أمرين اثنين: أحدهما، أن الشريعة تقوم على الظاهر.. وثانيهما، أنها تعمم ..".. فقد رأينا زعم النعيم، أنه لا يوجد أي شيء محدد في الشريعة، وأنها، كما الدين كله، من صنع البشر، ويمكن للبشر أن يغيروا في صنعه.
وللتسامي، في الأخلاق، يعني أن السالك في طريق الله، يراقب نفسه، في أول أمره، ويحاسبها، لتترك عيوب العمل، في حين أنها متورطة في هذه الأثناء في عيوب القول، ولكنه يسمح بذلك كنوع من التدريج للنفس، ثم هو، إن استقام له أمر نفسه في ترك عيوب العمل، وكان ذلك منها في سلاسة بينة وانقياد، زحف بها إلى تكليفها ترك عيوب القول، في حين أنها متورطة في هذه الأثناء، في عيوب الخواطر، فهي مشوشة الخواطر، كثيرة الثرثرة الباطنية، ولكنه يسمح لها بذلك سياسة لها وتدريجاَ، إذا كلَّفها أمراً شاقاً في ترك ثرثرة اللسان، ثم هو، إن استقام له أمره على ما يحب في ضبط لسانه، بعد ضبط جوارحه، يكون كل أولئك قد ترك أثراً حميداً في تهذيب الخواطر، فيصبح عليه أن يزحف نحوها في ثبات وثقة، يهذبها بعد تشويش، ويسكنها بعد جيشان، فإن هو استقام له أمره على خير ما يحب، وسلم صدره من الوساوس وتنقت السريرة، فقد يبدأ، بصورة جلية، الأسلوب الطردي، بعد أن وصل الأسلوب العكسي الى هذه المرحلة المتقدمة.. ويكون أغلب نظر الإنسان بعد ذلك إلى داخله بعد أن كان مشغولاً ومهووساً بالخارج.. وعند ذلك توشك المطابقة أن تتم بين السيرة والسريرة، فإن نقاء السريرة ينعكس على استقامة السيرة، ويبلغ صاحب هذه السيرة عتبة الحرية الفردية المطلقة.
إن التسامي في الأخلاق في الإسلام، يستهدف الوصول الى التخلق بأخلاق الله، الواردة في القرآن، عملاً بقوله تعالى: "كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ، وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ".. وقول المعصوم: "تخلقوا بأخلاق الله إن ربي على سراط مستقيم".. وكل هذا، من الناحية العملية، يفضي إليه التقليد المجود للنبي صلى الله عليه وسلم، والذي جاء به الأمر في القرآن بقوله تعالى : "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ".. فهو صلى الله عليه وسلم، كانت أخلاقه القرآن، كما قالت السيدة عائشة.. وطريق الإسلام، طريق واحد، لا طريق غيره هو (طريق محمد) صلى الله عليه وسلم. لا كما زعم د. النعيم، زوراً، وبهتاناً، وإفكاً، أن الطرق عديدة، لا حصر لها!! وهو قد عد من ضمنها، طريق الفسق والفجور!!
والعدل، الذي جزم د. النعيم، بعدم امكانية تحقيقه، هو بالنسبة للإسلام مجرد القاعدة، التي ينطلق منها التسامي.. فعلى العقل تقوم التربية السليمة، والتي ما هي إلا بعث سنة النبي لتعاش، والعدل يعني: العدل بين العبد والرب، والعدل بين العبد ونفسه، والعدل بين العبد وأهله، والعدل بين العبد والناس، والعدل بين الناس..والله تعالى لا يطالبنا بمجرد العدل، وإنما يطالبنا بالعدل كقاعدة علينا أن نتسامى فوقها.. يقول تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى".. وهذه ثلاث مستويات.. والعدل هو القصاص في مستوى (العين بالعين والسن بالسن).. (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم).. والاحسان هو العفو عن المسيء: (فمن تصدق به فهو كفارة له) .. (وايتاء ذي القربى) تعني صلة الرحم في معناها الواسع وهو رحم الحياة.. ونفس المعنى يجيء في قوله تعالى: "وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله، إنه لا يحب الظالمين" .. (جزاء سيئة سيئة مثلها تمثل العدل من درجة التناصف، وهو سماها سيئة ليرغب عنها، حيث أمكن ذلك.. أما قوله (فمن عفا) فهو مستوى الاحسان بترك المسيء.. وهو فوق العدل.. وأما قوله (واصلح) وهو يعني المرحمة بالمسيء، والتعطف عليه، والتلطف به، والمحبة له، وذلك قمة الصلاح والاصلاح.
ما هو المستهدف بالتسامي بالأخلاق، في مجال السلوك الجنسي، الذي به تتحقق انسانية الانسان؟ المستهدف هو العفة التامة، والباقية!! وهي أساس العدل، في مجالها.. وهي حتمية في وقتها.. وقد جاءت بها البشارة، يقول الأستاذ محمود: "سيجئ وقت، قريبا، إن شاء الله، تكون فيه العفة، والصون، أمرا ثابتا في صدور النساء، والرجال .. ويكون جميع النساء، إلا امرأة واحدة، لدى كل رجل، كأنهن أخواته، أو أمه .. فلا تتحرك فيه رغبة جنسية لإحداهن، على الإطلاق .. ومثل هذا يقال عن المرأة بين الرجال، إلا رجلا واحدا، هو زوجها .. فكأن التحريم الشرعي اليوم في الدوائر المحرمة هو مقدمة لتلك الحالة التي يصحب مجيئها مجيء الموعود الذي سيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا .. وحالة العفة هذه هي من ضمن العدل الذي ستملأ به الأرض يومئذ"..
أما د. النعيم، فيرى أن انتظار وعد الله، بمجيء هذا الموعود، عملٌ غير عقلاني Irrational!! وكل هذا لتكون الغلبة، لقيم الفسق والفجور.. وهيهات!! فإن موعود الله آتٍ لا محالة، وقريباً إن شاء الله، وقد تهيأت الأرض له، بالحاجة إليه، والطاقة به، فليس عنه مندوحة.. ووقتها، سينتصر الإسلام، ويسود الأرض جميعها، تحقيقاً لوعده تعالى، الذي يجيء في قوله: "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون".. ولن يؤخر عمل د. النعيم وصحبه، ومن ورائهم، من هذا الأمر، ولو للحظة واحدة، وهو قائمٌ في موعده الذي حدّده الله تعالى له.. وهو موعد قد أطلَّ، ولا يمنع عن رؤيته، سوى عمى القلوب، وسيطرة الأهواء.. إنهم يرونه بعيداً، ونراه قريباً.. فالحمد لله الذي تفضَّلَ علينا بذلك، رحمة منه ومنة.. ونرجو الله أن يفتح بصائر الآخرين.. ويهبنا جميعاً الثقة التامة بالله، وبوعده، ويجعلنا من المنتظرين لأمره، ويعيننا على أدب الانتظار.
وعن التسامي في التقوى، وفي درجات النفوس، يقول الأستاذ محمود: "وأغلظ مستويات التقوى ما يكون للمؤمن العادي، وهو مستوى الحلال البين، والحرام البين.. وبينهما يتأرجح ((بندول الفكر)).. وأول منزلة تلي منزلة المؤمن العادي، منزلة الورع.. الورع هو الحذر، الشديد الحذر، المتيقظ الوجدان، الشديد التيقظ.. فهو لا يعمل إلا إذا علم، وهو قليلاً ما يعلم، وذلك لزيادة شكه على علمه، ولذلك قيل عنه: أنه هو الذي يترك سبعين باباً من الحلال خوف الحرام، يترك ما لا بأس به، خوف ما به بأس.. وهذه مرحلة هامة جداً من مراحل التنبه الفكري، تلي التبلد الفكري، الذي يكون عليه المؤمن العادي.. ثم تكون المنزلة الثالثة، وهي تلي منزلة الورع، وهي منزلة صاحب اليمين.. وفيها بفضل الله، ثم بفضل المجاهدة في المنزلتين السابقتين، يكون السالك قوي الفكر، قوي العزيمة.. لا تتلبس عليه وجوه الرأي، فهو يدرك بسرعة، ويميز بدقة، ويحمل نفسه على العمل بعزائم الأمور.. وهو إنما سمي صاحب اليمين لأن عمله ضد رغائب نفسه، في غالب أحواله، كأنه ضد صاحب الشمال. ثم تلي هذه المنزلة، بفضل الله، ثم بفضل المجاهدة في المنازل السوابق، منزلة البر، والبر أكثر إدراكا من صاحب اليمين، وأكثر تسامحاً، فهو رفيق بنفسه، وبالناس، وذلك بفضل سعة علمه.. فإن صاحب اليمين، حين قبضته بقية الورع الذي ورثه من منزلة الورع، التي خرج عنها، ولما يتخلص من عقابيلها، بسط العلم صاحب منزلة الأبرار.. فترى البر سمحاً ، متسامحاً، واسع الأفق، يرى الوجوه المختلفة لكل قضية فكرية، أو سلوكية، تعرض عليه، بطريقة فيها سعة، وفيها دقة.. ثم تلي منزلة البر منزلة المقرب.. والمقربون هم الذين يكونون عند ربهم، غالب أحوالهم، وهم علماء، قد وسّع العلم عليهم ما ضّيق الجهل على سواهم.. فأصبحوا، بفضل الله ، ثم بفضل سعة علمهم، رحماء، طيبين، متسامحين، محبين للأشياء، والأحياء، في سلام مع ربهم، ومع أنفسهم، ومع الناس.. يدعون إلى الرضا بالله، والمصالحة مع الناس، وينشرون الحب، كما تنشر الشمس النور، والحرارة، والدفء.. هؤلاء هم ملح الأرض، عرفوا، أو لم يعرفوا.. وتقوى هؤلاء هي عمل، أو ترك للعمل، إبتغاء وجه الله.. وزمنهم فكر متصل.. فجميع أوقاتهم معمورة بالفكر، والعمل.. وفكرهم ليس تعملاً، وإنما أصبح طبيعة، تنبع فيهم المعاني، والمعارف، كما ينبع الماء النمير من العين الثرة، وقد تطهرت من أوساخها، وأوضارها.. وعبادة المقربين الإستقامة.. والإستقامة أن تكون على السراط المستقيم، في الفكر، والقول، والعمل، فلا تميل يسرة، ولا يمنة.. ولا تتم الإستقامة إلا لمن تخلص من ذنبه، ما تقدم منه، وما تأخر.. وهيهات!! ولكن هذا موعود الله لأهل قرباه، وموعود الله لابد آتٍ، فوعده، تعالى، غير مكذوب.. ولقد قال في الآية التي صدرنا بها هذه المقدمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا!! إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُم،ْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).. قوله تعالى: ((ويكفر عنكم سيئاتكم)) يعني يغفر لكم خطيئاتكم الموروثة من لدن آدم.. وتلك تتمثل في الكبت على العقل الباطن المتوارث عبر التاريخ البشري.. قوله تعالى: ((ويغفر لكم)) يشير إلى الخطيئة المكتسبة، في مقابلة الخطيئة الموروثة.. والخطيئة المكتسبة تتمثل في الكبت الواقع على العقل الباطن، المكتسب أثناء عمر أحدنا.. وإنما يكون التكفير والمغفرة برفع هذا الكبت، الموروث، والمكتسب، وإنما يكون رفع الكبت ب((الفرقان)).. بنور العقل القوي الذي يتخلل السراديب المظلمة، حيث ترقد الرغائب المكبوتة على حواشي العقل الباطن خلال ملايين السنين.. وقد سمى، تبارك وتعالى، هذه السراديب المظلمة حول العقل الباطن ب((الرين))، وإليها نسب غفلتنا، وجهلنا، وحجبنا عن الحقيقة، فقال، تبارك وتعالى: (كلا!! بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا!! إنهم، عن ربهم يومئذ، لمحجوبون).. فبقدر ما يرفع هذا ((الرين)) - هذا الكبت - بقدر ما تكون قوة العقل، ودقة الفكر، ووحدة البنية البشرية.. وأصحاب هذه البنية الموحدة هم أصحاب العقول التي، بقوة فكرها، تفلق الشعرة، وتملك التمييز بين فلقتيها: أيهما أبيض، وأيهما أسود.. وبقدر قوة التمييز تكون سلامة السلوك، وسلامة القلب، وصفاء الذهن.
إنتهى ما جاء في مقدمة كتابنا: ((أسئلة وأجوبة)).. ههنا ست درجات من درجات القرب من الكمال.. ينزلها النازل وهو يسير في طريق العودة، هذه ست درجات أولاها درجة المؤمن العادي الذي يكون في مستوى الحلال، وثانيتها درجة الورع، وثالثتها درجة صاحب اليمين، ورابعتها درجة البر، وخامستها درجة المقرب، وسادستها درجة صاحب الإستقامة، وهو، هو الكامل.. وهذه الدرجات الست هي في مقابلة النفوس السبع ، غير أن ((النفس الأمارة)) لا ذكر لها هنا، لأنها دون مرتبة المؤمن العادي.. فكأن المؤمن العادي في مقابلة النفس ((اللوامة)).. وكما أنه ليس للكمال نهاية، فليست للإستقامة نهاية .. وكل مستقيم يعرف تقصيره عن بلوغ المدى المطلوب من هذا الأمر الخطير.. وهذا ما جعل المعصوم يقول: ((شيبتني هود وإخواتها))، كما ذكرنا.. وكل هذه المراتب التي ورد ذكرها إنما يبلغنا إياها العلم، والعمل بمقتضى العلم.. وأعلى العلم التوحيد، وأعلى العمل الصلاة"..
ويقول عن دولة القرآن: "إن دولة القرآن قد أقبلت، وقد تهيأت البشرية لها بالمقدرة عليها وبالحاجة إليها، فليس عنها مندوحة.. وهذا يلقي على عاتق المسلمين المعاصرين واجبا ثقيلا، وهو واجب لن يحسنوا الاضطلاع به إلا إذا جعلوا محمدا، وحده إمامهم ووسيلتهم إلى الله.
لقد خدمت الطرق الصوفية غرضا جليلا، في نشر الدين الحق، ولقد ربت رجالا أفذاذا، كانوا منارات هدى، ومثابات رشد للأمة، عبر تاريخها الطويل، في ارتفاعه وانخفاضه، عندهم التمست دينها وخلقها وتربيتها.. ولكن اليوم!! فإن تحديات العصر أكبر من الطرق وأكبر من المشائخ، وليس لها غير محمد.
ونحن ندعو جميع أصحاب الطرق إلى العودة إلى طريقة الطرق - طريقة محمد - إذ بتقليد محمد تتوحد الأمة ويتجدد الدين، ونحن، إذ نخرج هذا النموذج من طريقة محمد، إنما نفعل ذلك على سبيل المثال، لا على سبيل الاستقصاء، وهو نموذج قد يغني كثيرا من السالكين، ريثما تتفتح لهم آفاق الحقيقة المحمدية.
إننا نوصي بإدمان الإطلاع، على كتب الأحاديث، وكتب السيرة، ونخص بالذكر صحيح البخاري، لمن أراد أن يتوسع عما جاء في هذا النموذج.. والله ولي التوفيق". ويقول عن قدوة التقليد صلى الله عليه وسلم: "هذه نفس اكتملت لها عناصر الصحة الداخلية، واتسقت قواها الباطنية، وتحررت من الأوهام، والأباطيل، وسلمت من القلق، والخوف العنصري، البدائي، الساذج..
ما أحوج بشرية اليوم، كلها، إلى تقليد هذه النفس التي اكتملت لها أسباب الصحة الداخلية، تقليدا متقناً يفضي بكل رجل، وكل امرأة، إلى إحراز وحدة ذاته، ونضج فرديته، وتحرير شخصيته، من الاضطراب، والقلق الذي استشرى في عصرنا الحاضر بصورة كان من نتائجها فساد حياة الرجال والنساء والشبان.. في جميع أنحاء العالم"..
وعن الربط بين حياة محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، وما يؤديان اليه يقول: " أمران مقترنان ، ليس وراءهما مبتغى لمبتغٍ، وليس دونهما بلاغ لطالب: القرآن، وحياة محمد..
أما القرآن فهو مفتاح الخلود .. وأما حياة محمد فهي مفتاح القرآن .. فمن قلد محمداً، تقليداً واعياً، فهم مغاليق القرآن.. ومن فهم مغاليق القرآن حررعقله، وقلبه، من أسر الأوهام.. ومن كان حر العقل، والقلب، دخل الخلود من أبوابه السبعة..
أمران مقترنان: القرآن، وحياة محمد، هما السر في أمرين مقترنين: (لا إله إلا الله ، محمد رسول الله) لا يستقيم الأخيران إلا بالأولين"..
ومن أقوال الأستاذ: "لن يهدأ لي بال حتى أرى الإنسانية قاطبة، قد قام ما بينها وبين ربها على الصلاة.. وما بينها، فيما بينها على الصلة".
وبعد، هذه صورة عامة، لرسالة الإسلام، في تحقيق إنسانية الإنسان، نقلناها كما هي من أقوال الأستاذ محمود محمد طه.. هذه الرسالة التي يعمل د. النعيم وصحبه، على تشويهها، وتفكيكها، والتضليل عنها، والدعوة إلى نقيضها، خدمة لأغراض الرأسمالية العالمية.
وهم لن ينالوا شيئاً غير الخزي، والله غالب على أمره.
خالد الحاج عبد المحمود
رفاعة: 12/11/2012م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.