عبيراً ضد تلك الرائحة.. بقلم : بدرالدين فرو لا تزال عصبة النظام الحاكم في الخرطوم تكذب وتتحرى الكذب .. تتستر بغطاء ديني لزج وتمرر عبره أجندة لا تتجاوز مصالح بقائها وتشبثها بالسلطة بتغبيش الوعي الجمعي لإنسانها بالداخل عبر منظومة إعلام مأجور تخصص في بث الأكاذيب وتقنينها وتعليبها ثم تقديمها بما يتماشى ومتطلبات العصر. يلتقطها إعلامي النظام من أفواه القوم ليسارعوا ببثها قبل أن يجف ريق كلامها الطازج من فم المسئول!! بعد إنقلاب أهل البيت المزعوم صرَح مسئول حكومي ( تخين) بأن ديموقراطية النظام تفرض عليهم تقديم الجناة لمحاكم عادلة يتوفر لهم خلالها كل متطلباتهم القانونية من هيئة دفاع وشهود ........ الخ ؟؟ مرر هذا المسئول تصريحه المفبرك لصحفي متخصص في إضافة الكثير والكثير من المياه ليستطيع المواطن بلع كل هذه التناقضات العجيبة في منظومة الحزب الحاكم الذي أعدم الكثيرين دون أي محاكمات وبدون أن تطرف له عين حتى وبلا زرة من حياء أو خجل؟؟ وإعدام الثمانية وعشرون ضابطاً في شهر رمضان ليس ببعيد مثال فاضح لهذا التخبط والإلتباس؟؟ زر هذا الصحفي الكثير من الرماد على أعين القراء المتسائلة؟؟ وأوضح في سياق التبرير أن دولة المشروع الحضاري صارت دولة مؤسسات وقوانين تعتمد مبادئ القانون والديموقراطية بعد مراحل تطلبتها ضرورة التمكين في بدايات ظروف حرجة؟؟ وذكر الأفاق بأن مفهوم الديموقراطية والعدالة الإجتماعية يفوق في نزاهته دولاً أوربية عديدة؟؟؟ لن نماحك أو نجادل بوق النظام هذا في طرحه البائس وفيما ذهب إليه من عدالة الإنقاذ لكننا نتسائل هل السودان دولة ديموقراطية؟ بل هل هنالك دولة ديموقراطية في كل محيطنا العربي؟؟ والأهم هل توجد ديموقراطية أصلاً في الإسلام؟؟ إذا استعرضنا طرق وأشكال الحكم الإسلامي والتي تتلبس الإنقاذ عنوة إحدى عرواتها ،نجد أن هذه الكلمة أي (الديموقراطية) بمعناها الحقيقي غير موجودة في تاريخ الحكم الإسلامي..فهي مفهوم حديث ولا صلة بينها والحكم الإسلامي ..وظهرت أولاً لدى قدماء اليونان كنوع من أنواع الحكم المتطورنوعاً ما آنذاك (حكم الشعب) .. وإصطلاح الكلمة هي الموالاة أي إختيار الشعب بنفسه من يحكمه عبر آلية متفق عليها تخول الجميع ترشيح ممثليهم عبر إقتراع منصف وعادل تتساوى فيه جميع الفرص وتمر بمراحل عديدة من مجالس للشعب وبرلمان إلى الحاكم الذي ينتخبه الشعب.. ولتحقيق الديموقراطية بهذا المفهوم يستلذم شرطين أساسيين لم يتوافرا بعد في أي مجتمع عربي وإسلامي حاكم ..هما علمانية الدولة (دون أن تكون هذه العلمانية) إلحاداً معيناً بل هي علمانية ينتمي فيها المواطن للدولة وليس لدينٍ أو قبيلة أو عشيرة أو معتقد..والشرط الثاني لابد من وجود دولة يتوفر فيها مجتمع مدني متحضر.. أي دولة بكل مقوماتها الصناعية والإنتاجية..ولا أعتقد أن قرى الضعين وهشابة وجبرونا وسروجة وطوكر وكادقلي تنطبق عليها الشروط فنحن مجتمع إستهلاكي ما نزرعه نتناوله مباشرة..وقد لا نزرع لإرتفاع التكاليف.. حينها لا نجد مانأكله ومن لا يملك قوته لا يملك قراره...!! وإن توفر الشرط الثاني في كثير من البلاد العربية التي تملك وسائل الإنتاج وأساس البناء لنمو إنسان تحكمه القوانين ولا تشغله مشكلات الجوع والحرمان ,إلا أن الشرط الأول يعوق وجود هذه الديموقراطية على أرض الواقع فما يزال المعتقد الديني والإرتباط الطائفي والجهوية القبلية هي السائدة في هذه العقول والرافضة لأي حوار ووجود للآخر المختلف.. لا تزال هذه المفاهيم تسيطر على نطاق واسع بل تعدى الأمرلرفض الآخر أحياناً بتكفيره وإقصاءه لدى الفئات الدينية المترفة في غلوها ودونكم (الرابطة الشرعية لعلماء السودان) التي توزع روشتات التكفير بالمجان ولا تذال تفتي في تحريم أغنيات نجاة غُرزة ومباريات هلال مريخ وجواز إمامة المرأة على فتوي كبيرهم الذي علمهم السحر.. كما ظهر مبدأ التخوين والإستتابة لدى الفئات الحزبية المنغلقة والطائفية وهو مفهوم يعادل التكفير لدى الجهات الدينية.. إذاً الديموقراطية هي نتاج أفكار غربية نمت في مجتمعات غربية وتوافرت شروط قيامها بينهم ومرت لديهم بتجارب طويلة حوربت فيها السلطة الدينية والكنيسة عبر مئات السنين وأعقبتها طفرة صناعية ونهضة أوربية هائلة وشاملة في كافة المجالات قام على أثرها مجتمع مدني متماسك لبى كل شروط الديموقراطية التي تطورت بتجاربهم وأوصلتها إلى ما هي عليه الآن.. إذاً كل محاولات الإنقاذ لإكتساب شرعية الديموقراطية فاشلة من الأساس..وقد يجاهرني جهابزة القوم أن الديموقراطية موجودة في الإسلام..وقد يستشهدوابالآية الكريمة(وأمرهم شورى بينهم)...إلا أن الشورى حتى وإن أُخذ بها في بعض الأحيان ليست الديموقراطية بمعناها المتفق عليه من إقتراع وتصويت..إلخ إقتصرت الشورى في الحكم الإسلامي على بعض الخاصة والصفوة ممن كان أمير المؤمنين يحيط نفسه بهم ونادراً ما كان يستشيرهم في أمرمن الأمور...وإن فعل قد لا يلذمه رأيهم بالأخذ به ولم تتعدى هذه الشورى مرحلة نزع الحكم من والٍ فاسد أو إبتعاث بعيرٍ وهدايا لملكٍ مقتدر لديه صبية باهرة الجمال تصلح للزواج... وإذا عرضنا سريعاً لأربعة مراحل من الحكم الإسلامي نكشف من الوهلة الأولى غياب هذه الكلمة (الديموقراطية) في طريقة الحكم الإسلامي..ففي عهد الخلافة الراشدة وبعد وفاة محمد(ص) تولى الحكم سيدنا أبوبكر الصديق وجاء حكمه للمسلمين نتيجة أحقية كان يراها مجتمع المسلمين آنذاك بحكم صلته من النبي ووقفته معه , وإن كان من المرجح أن أختياره جاء لأنه قرشي من قريش تلك القبيلة التي كانت ترى أنها الأحق بالوصاية على المسلمين من غيرهم.. توفى سيدنا أبوبكر الصديق وخلفه سيدنا عمر وبرغم مثالية حكمه إلا أنه أتى بنفس قاعدة التفضيل نفسها أي أنه من قريش..ثم جاء الخليفة عثمان وقتل وخلفه على إبن أبي طالب(كرم الله وجهه) غير أنه أُغتيل...(بعيداً عن الغلو) لم توجد في هذه المرحلة الديموقراطية التي وصفنا كنوع من أنواع الحكم لم يألفه الصحابة ولا تابعيهم بمفهومها الإنتخابي والترشيحي.. أعقبت هذه المرحلة فترة حكم الأمويين عندما إغتصب معاوية السلطة من آل بيت النبي (عليهم رضوان الله ) بدعوى الثأر من قتلة عثمان..وكانت اللحظة المفصلية في تاريخ الحكم الإسلامي بتوريثه عبر حادثة مشهورة: أراد معاوية تنصيب إبنه يذيد خلفاً له..فأوفد إلى جميع قبائل العرب لمبايعته...تبارى خطباء العرب في وصف مآثر يذيد بخصالٍ ليست فيه...وعندما جاء دور الأحنف بن قيس وقف وقال: أمير المؤمنين هذا وأشار إلى معاوية....وخليفته هذا وأشار إلى يذيد...ومن إعترض فهذا وأستل سيفه... ضحك معاوية وسر أينما سرور..ثم قال : إجلس يا أحنف...والله أنك لأبلغ الخطباء... ومن يومها ابتدأ التوريث في الحكم الإسلامي..إنتهت الدولة الأموية وخلفتها الدولة العباسية وإستمرت قاعدة التوريث وبنفس القاعدة حكمت الدولة العثمانية وما تخلل كل هذه الفترات من مظاهر مختلفة للحكم كانت القوة وانتزاع السلطة هي الوسيلة المفضلة للوصول لسدة الحكم..فطوال هذه الفترات وإلى وقتنا الراهن مررنا بأشكال لأنواع من الحكم الإسلامي خلت تماماً من الديموقراطية المطلقة وإن حاول الكثيرون إلباس ردائها الفضفاض علي حكمهم ليضمنوا شرعية غير مكتسبة كالتي سعى لها النظام الحاكم لدينا بالسودان..إلا أن التجارب ظلت باهتة...مشوهة...وعرجاء..وثوب الديموقراطية الشفاف لن يكسو عورة الإنقاذ أبداً... بعد أن تساقطت عنها كل أوراق التوت كاشفة عن عورات كبيرة ..قبيحة ونتنة..؟!. .تناست حكومة الإنقاذ أن الشعب هو مصدر السلطات ولا يمكن أن يكون الشعب ملكاً لحزب واحد أو فئة محددة ..وآن عليهم أن يدركواا ذلك..... فكل العظماء في العالم الديموقراطي (ولن يكون البشير منهم) كل العظماء أمثال جورج واشنطن وابراهام لنكولن وغاندي وديغول وماو تسي وعشرات غيرهم من الذين يعتبرون آباءً لشعوبهم لم يحتكروا السلطة!..بل رفضوا كل أشكال الحكم الوراثي..بل أن البعض منهم دافع عن وطنه وقاده إلى النصر مثل ونستون تشرشل ومع ذلك لم يستطيع أحد منهم أن يحكم مدى الحياة بل أن تشرشل تعرض للضرب (بالطماطم) في خطاب له أمام الجمهور!.. على المؤتمر الوطني (وإن سلٌم) بجدلية قهره وكبته وإذلاله طويلاً للشعب، عليه أن يعلم أن النصر دوماً للشعوب.. وأن الشخص الذي يفكر بالسلطة على أجساد الجماهير المتعبة ، لا يستحق تلك السلطة ..ويجب على الشعب تنحيته بطريقة أو بأخرى بعيداً عن العنف المسلح وعلى جميع القادة أن يعتبروا من اولئك الذين تاجروا بدماء شعوبهم وذهبوا بغير رجعة ودونكم هتلر وفرانكو وشاوشيسكو وشاه إيران وصدام حسين وعيدي أمين وبول بوت وسوموزا وجعفرالنميري ومن على شاكلتهم...والشعب السوداني من خلال تجاربه المريرة طور قدراته على الصبر والإحتمال في أصعب الظروف ونجح في تجاوز الإنعكاسات السالبة لآثار الحرب والجوع والفقر وحملات الإقصاء والتهميش المستمر وسياسة المحسوبية والهيمنة الطفيلية لجرثوميي الإنقاذ ومر بأنواع من حملات الإبادة المتعمدة وطمس الهوية في جنوبه وغربه وشرقه ،لكن ،لاذال الكثيرون منهم أسيراً لأفكار ومفاهيم تفرضها وتروج لها المنظومة الحاكمة بخطط مدروسة وممنهجة القصد منها التشويه والمسخ حتى لا يفهم المواطن ويبدأ في طرح السؤال الموجب حتماً للأجابة؟؟ ولكن قد يتسائل البعض..هل تستحيل تجارب الديموقراطية لدينا؟ وكم علينا أن نحسب حتى تتهيأ بلادنا لتحول وانفتاح ديموقراطي سليم؟..وما الحل؟..وهل المجال الوحيد للسلطة لا يأتي إلا بالقوة؟..وتستبقيه القوة؟..وتنزعه أيضاً القوة؟... نقول..أن الإعتراف بالآخر وتقبله سلمياً والعدل والمساواة..وإطلاق الحريات وصون الحقوق والعمل الجاد للتطوير والإنتاج ومحو الأمية والإهتمام بالعلوم..كل ذلك خطوات أولى على درب الديموقراطية الطويل جداً...ولكن لن يتسنى لنا ذلك إلا بإنتفاء السلطة الدينية وإحلال نظام علماني شامل يفرض عدلاً ومساواة لكل الإثنيات والقبائل المتعددة بالسودان..يحكمنا القانون ويرعانا الرب..بعيداً عن سماسرته وتجاره..فدون ذلك حتماً ستردد جوقة النظام أناشيدها الحماسية لمجرم الحرب..وستستمتع جوقة البرلمان...بالجلوس طويلاً تحت القبة في الكراسي الفاخرة..و يشع خلفهم برواز أنيق خطته أنامل فنان مرهف وحالم بداخله آية قرآنية مذهٌبة.. (وأمرهم شوري بينهم)...صدق الله العظيم..