القوز والأمير دنقلا يقصّان شريط الأسبوع الرابع بمجموعة ابوحمد    ياسر محجوب الحسيني يكتب: البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع    تدشين الزي الجديد لنادي الكمال الكاملين    منع نقل البضائع يرفع أسعار السلع في دارفور    مجلس السيادة يدين هجوم كادقلي    كامل إدريس يُحيِّي جموع الشعب السوداني على الاصطفاف الوطني خلف القُوّات المُسلّحة    الخرطوم .. تواصل نقل رفاة معركة الكرامة للأسبوع الثاني على التوالي    المريخ السوداني يصدر قرارًا تّجاه اثنين من لاعبيه    مناوي: قمت بتنوير الخارجية الألمانية بموقف الحكومة السودانية    بسبب ليونيل ميسي.. أعمال شغب وغضب من المشجعين في الهند    فريق عسكري سعودي إماراتي يصل عدن    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    ترامب يلغي وضع الحماية المؤقتة للإثيوبيين    كارثة إنسانية قبالة اليونان وغالبية الضحايا من مصر والسودان    إحباط عمليه إدخال مخدرات الى مدينة الدبة    المريخ " B"يكسب ودنوباوي بخماسية نظيفة والقائد يغادر إلى القاهرة    مقتل قائد بالجيش السوداني    شاهد بالفيديو.. آخر ظهور لفنان "الدعامة" إبراهيم إدريس يظهر وهو يحتفل وسط جنود المليشيا قبل أيام قليلة من إغتياله    شاهد بالفيديو.. آخر ظهور لفنان "الدعامة" إبراهيم إدريس يظهر وهو يحتفل وسط جنود المليشيا قبل أيام قليلة من إغتياله    الإعلامية والشاعرة داليا الياس ترد على إتهام الجمهور لها بالتسبب في فصل المذيع الراحل محمد محمود حسكا من قناة النيل الأزرق    شاهد بالصور.. فنان الثورة السودانية يكمل مراسم زفافه بالقاهرة    بعد مباراة ماراثونية.. السعودية تقصي فلسطين وتحجز مقعدها في نصف نهائي كأس العرب    لجنة التحصيل غير القانوني تعقد أول اجتماعاتها    رئيس الوزراء يشهد تدشين الربط الشبكي بين الجمارك والمواصفات والمقاييس    أطعمة ومشروبات غير متوقعة تسبب تسوس الأسنان    جود بيلينغهام : علاقتي ممتازة بتشابي ألونسو وريال مدريد لا يستسلم    إليك 7 أطعمة تساعدك في تقليل دهون الكرش طبيعياً    شاهد بالفيديو.. بطولة كأس العرب تشهد أغرب لقطة في تاريخ كرة القدم    الدونات واللقيمات ترفع خطر السكري بنسبة 400%    الإعلامية سماح الصادق زوجة المذيع الراحل محمد حسكا: (حسبي الله ونعم الوكيل في كل زول بتاجر بي موت زوجي.. دا حبيبي حتة من قلبي وروحي انا الفقدته وفقدت حسه وصوته وحبه)    حَسْكَا.. نجمٌ عَلى طَريقته    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    وفاة إعلامي سوداني    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    هيئة مياه الخرطوم تعلن عودة محطة كبيرة للعمل    شاهد بالفيديو.. العروس "ريماز ميرغني" تنصف الفنانة هدى عربي بعد الهجوم الذي تعرضت له من صديقتها المقربة الفنانة أفراح عصام    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    رئيس مَوالِيد مُدَرّجَات الهِلال    تنويه عاجل لهيئة مياه الخرطوم    تصريحات ترامب المسيئة للصومال تثير غضبا واسعا في مقديشو    قرار عاجل لرئيس الوزراء السوداني    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    إدارة التعدين بولاية كسلا تضبط (588) جرام و (8) حبات ذهب معدة للبيع خارج القنوات الرسمية    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والمواد الخطرة بنهر النيل    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    وصول 260 ألف جوال من الأسمدة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالجزيرة    شاهد.. بعبارة "كم شدة كشفت معادن أهلها" صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تزين شوارع العاصمة السودانية الخرطوم    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأخطاء الفاحشة في نظرية كتاب العالمية الثانية لمحمد أبي القاسم حاج حمد محمد وقيع الله 4


(4)
لم تتوقف الدعوى العريضة التي رددها الأستاذ أبو القاسم حاج حمد عن كتابه (العالمية الإسلامية الثانية) عند حد ابتكار منهج جديد لتفسير االقرآن الكريم، هو المنهج الحَدْسي الإلهامي، أو ما سماه تارة أخرى بمنهج القراءتين، قراءة الوحي وقراءة الكون، وكأنما هنالك امرؤ بمقدوره أن يقرأ بمفرده الكون، الذي تتضافر مئات العلوم، لمجرد رصد معلومات وأخذ لمحات وتكوين نظريات جزئية قاصرة عنه!
وتخطت دعاوى الأستاذ حاج حمد ذلك، لتتحدث عن رؤية كلية جديدة، لتفسير القرآن الكريم، يقدمها هو، ولأول مرة في تاريخ القرآن، منذ نزل!
ومعروف أن الرؤية الكلية، لا سيما إن كانت جديدة، هي أوسع من المنهج وأهم منه.
ومن المعروف أن المنهج هو أوسع من النظرية وأهم منها.
وبهذا الزعم اقترب ما ادعاه الأستاذ حاج حمد، من كشف علمي خلاب جديد، من حديث فيلسوف العلوم الشهير توماس كون عن النماذج النظرية العليا التي سماها (برادايم).
وملخص الكلام الكثير الذي قاله توماس كون، هو أن العلوم لا تتقدم بالتراكم المعرفي التدريجي، والاكتشافات المتتالية، وإنما بالثورات العلمية العاصفة، التي تهز الموروث العلمي القديم وتحطمه.
وتنشأ الثورة العلمية عندما تعجز القواعد والنظريات القديمة عن تفسير المستجدات والنوازل الكثيرة الملحة.
وينتج عن الثورة العلمية منظور جديد أعلى للعلم، (برادايم)، يمكنه أن يفسر جميع القضايا والإشكالات التي كانت تستطيع تفسيرها القواعد والنظريات العلمية القديمة.
وإضافة إلى ذلك يستطيع المنظور العلمي الجديد أن يفسر جميع أو بعض المستجدات والنوازل التي عجزت عن تفسيرها القواعد والنظريات العلمية القديمة.
وعلى ضوء تقرير توماس كون هذا، فلننظر إلى دعاوى الأستاذ أبي القاسم حاج حمد، التي وصمت القواعد والنظريات العلمية الشرعية القديمة بالتقادم والعجز، وأراد معتمدا على قدراته العلمية الفذة، التي ما أوتاها أحد من العالمين قبله، أن يتجاوز هذه القواعد والنظريات جميعا، ليقدم تفسيره الجديد المزعوم لقضايا الغيب والطبيعة والإنسان.
وهنا وقف أبو القاسم حاج حمد ضد التفسير المأثور للقرآن الكريم، أي ضد تفسير القرآن بالقرآن.
ولا أدري أدري كيف يجرؤ مسلم عاقل للقول بهذا؟!
ولا أدري كيف يمكن أن يستغني مسلم عاقل عن تفسير القرآن بالقرآن؟!
وهل هنالك أولى بمن أنزل القرآن الكريم أن يفسره لنا؟!
إنك إذا قرأت كتابا في فن من الفنون العلمية، واستشكل عليك شيئ في فهمه، فإنك تذهب توا إلى مؤلفه، أو من هو في حكمه وتخصصه، لتستفهمه عما غمض أو استعصى عليك استيعابه. أفلا يليق إذن، ولله تعالى المثل الأعلى، أن ترجع إلى كتابه لتفهم على ضوء آي منه، ما غمض عليك فهمه في بعض الآي؟!
أو لتدرك حدود الذي جاء مُبيَّناً على ضوء ما جاء مُجمْلاً، أو لتحمل ما جاء مُطْلَقا في بعض الآي على ما جاء مقيَّدا في أيات أخرى، أ ولتحمل العام منه على الخاص.
وهذه فنون يتحدث عنها علم أصول الفقه، وعلم أصول التفسير، الذي لم يجهد حاج حمد نفسه في تحصيلهما.
ولنأخذ بعض الأمثلة في سبيل الشرح.
فمن أمثلة حمل المُجمَل على المُبيَّن، فهم قول تعالى: {وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ}. والمقصود به هو العذاب الدنيوي.
وقد اتضح ذلك عندما ما بيَّنه قوله جل شأنه: {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}.
ومن أمثلة حمل المُطْلق على المُقيَّد، فهم قول الله تعالى في آية التيمم: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ} على أن المسح يكون إلى المرافق، لقوله جل وعلا في آية الوضوء: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}.
ومن أمثلة حمل العام على الخاص فهم قوله تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، على ضُوء قوله سبحانه وتعالى: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} حيث استثنى الله تعالى بعض الأخلاء وهم المتقون.
وتفهم الآية أيضا على ضُوء قول الله تعالى: {وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَى}. ففي هذه الآية استثنى الله تعالى من أذن لهم بالشفاعة، ومنهم بعض الملائك.
وتفسير القرآن بالقرآن هو التفسير الموضوعي الحقيقي، إذ تجتمع في ظل هذا المنهج التفسيري آيات القرآن المتصلة بموضوع واحد، فيفسر بعضها بعضا، ويكمل بعضا بعضا، حتى يستقيم الفهم ويتم!
ومن أجود ما كتب في هذا المنحى في القديم، كتاب ابن قيم الجوزية (التبيان في أقسام القرآن)، وكتاب الراغب الأصفهاني (مفردات القرآن)، وكتاب أبي بكر الجصاص (أحكام القرآن).
ومن أجود ما كتب في هذا المنحى في الحديث، كتاب الدكتور مصطفى مسلم (التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم)، وكتاب الدكتور أحمد الكومي والدكتور محمد أحمد قاسم
(التفسير الموضوعي في القرآن)، وكتاب الدكتور زاهر الألمعي (دراسات في التفسير الموضوعي للقرآن).
وكما أعلن حاج حمد رفضه تفسير القرآن بالقرآن فقد أعلن رفضه للنهج السائد في تفسير القرآن الكريم بالحديث النبوي الشريف، كما فعل الإئمة الكبار الذين أنتجوا التفاسير الخالدة الطبري وابن كثير والقرطبي.
ونادى حاج حمد عوضا عن ذلك بما دعاه ب (القيمة المنهجية لما سكتت عنه السنة) قائلا:" إن قيمة السنة النبوية المطهرة ليس فقط فيما قاله الرسول أو فعله، بل فيما لم يقله ولم يفعله أيضا. فلو أورثنا الرسول تفسيرا للقرآن لكان قد قيد مطلق الكتاب إلى ظرفية واقع التطبيق ونسبيته، فيقد القرآن استمراريته وتفاعله مع متغيرات العصور النوعية ليس الكمية فقط، ولما حق لمن بعده أن يفسر على تفسيره ".
وهذا كلام يختلط فيه الجهل مع الادعاء.
فمن حيث الجهل لا يدري الكاتب أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، لم يفسر القرآن بأكمله، تفسيرا نصيا مستفيضا، كما فعل المفسرون المعروفون من لدن ابن عباس إلى ابن عاشور.
ومن حيث الادعاء فإن الكاتب يلمح ويكاد يصرح بأن غير الرسول، صلى الله عليه وسلم، يمكن أن يكون أكثر اقتدارا منه على تفسير القرآن الحكيم.
وهو ادعاء يكذب قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " ألا وإني أُوتيتُ الكتاب ومثله معه. ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحِلُّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرَمَّوه. ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع". راه أبو داود وصححه الألباني.
فما في قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إنما هو تفسير ضاف لما في قول الله سبحانه وتعالى، وكلا القولين وحي شريف، وما رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ينطق عن هوى.
إذن فمن المشروع ومن الواجب أن يفسر القرآن الكريم بالسنة المكرمة.
فرسول الله، صلى الله عليه وسلم، موكل بتفسير القرآن الكريم بموجب قول الله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
ولنتاول بعض الأمثلة على سبيل الإيضاح.
فمن نماذج تفسير القرآن الكريم بالسنة المكرمة، ما روي عن علي، رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال:" الصلاة الوسطى صلاة العصر". رواه الترمذي والنسائي. وهذا تفسير للآية المعروفة بهذا الصدد.
ومن نماذج ذلك ما روي ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه، قال: " لما نزلت هذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُو إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}. شقَّ ذلك على الناس فقالوا: يا رسول الله، وأينا لا يظلم نفسه؟ قال: إنه ليس الذى تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: إن الشرك لظلم عظيم؟ إنما هو الشرك". متفق عليه.
ومن نماذج ذلك ما روي عن على، رضي الله تعالى عنه: "سألتُ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن يوم الحج الأكبر فقال: يوم النحر". رواه الترمذي.
ومن نماذج ذلك ما روي عن أم المؤمنين العظيمة، الصديقة بنت الصديق، رضي الله عنهما، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن نوقش الحساب عُذَّب. قلت: أليس يقول الله: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً}؟ قال: ليس ذلك بالحساب.. ولكن ذلك العرض". متفق عليه.
وقد أفرد أصحاب مجاميع الحديث الكبرى كالإمام البخاري، والإمام مسلم، والإمام الترمذي في أبوابا واسعة في مجاميعهم لتفسير القرآن الكريم بالسنة المكرمة.
وقد جرى كبار المفسرين المعتبرين على ما اعتماد جاء في هذه الكتب من الأحاديث الصحاح المفسرة للقرآن الكريم وما جرأ أحد منهم على مخالفته.
فكيف ينكر هذا المتطفل على علوم الدين، حاج حمد، بلا سند، أن يكون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد فسر آي القرآن بحديثه النبوي الشريف؟!
الأخطاء الفاحشة في نظرية كتاب العالمية الثانية لمحمد أبي القاسم حاج حمد
محمد وقيع الله
(5)
في دراسته الفلسفية العلمية التأصيلية ذكر فيلسوف العلوم الكبير توماس كون أن سقوط (البرادايم) العلمي يتأتى من عجزه عن تفسير قضايا كبيرة، أصبحت أكبر من طاقة التقاليد والنظريات العلمية، التي تراكمت في ظل سيادة هذا (البرادايم) على معالجتها.
ذكر ذلك في كتابه التأسيسي الخطير (بنية الثورات العلمية).
وقد اشترط البروفسور كون لنشأة (برادايم) جديد، أن يتمتع بطاقة تحليلية أوفر، تمكنه من تفسير جميع القضايا التي كان يعالجها (البرادايم) المنهار، وأن يفسر على الأقل جزءا من القضايا التي عجز (البرادايم) القديم على التعامل معها.
ولكن هذا الذي ينسبه أتباعه إلى الفلسفة، محمد أبو القاسم حاج حمد، وهي منه براء، لأنه مجرد مفكر وضعي، غنوصي، مخلط، شاطح، يريد أن يقوض تقاليد البحث العلمي الإسلامي، وخاصة المتعلقة منها بتفسير القرآن الكريم، من دون أن يقدم لنا أي (برادايم) أو أي منظور علمي تحليلي جديد.
وإنما قدم حشوا مختلطا من المعارف، التي اقتنصها من بطون الكتب، التي قضي لياليه في الاطلاع عليها، وتلخيصها، وحشد ترهاتها في بطن كتابه، تماما كما فعل صنوه في الادعاء البروفسور محمد عابد الجابري، الذي تعلقت همته، هو الآخر، بإنجاز تفسير مشبوه للقرآن الكريم، اتجه إلى ترتيب سوره حسب أسباب النزول، متابعا في ذلك نهج المستشرقين الألمان، الذين سعوا منذ ثلاثينيات القرن الميلادي الماضي، إلى إنتاج مصحف جديد، مرتب حسب أسباب النزول!
وبهذا الحشد اللاحب من المعارف اللاغطة التي زج به حاج حمد في كتابه، حتى نفخه من كتاب في الحجم العادي في طبعته الأولى، إلى مجلد في نحو ألف صفحة في طبعته الأخيرة، انبهر القراء البسطاء، الذي يظنون أن قوة المناهج العلمية تتولد من كثرة الحديث عنها، لا من إمكانية تطبيقها واستخدامها لتوليد نتائج جديدة عجزت عن إنتاجها المناهج السابقة.
وقبل قليل ذكرنا أمر البروفسور الجابري عندما قارناه بسعي صاحبنا هذا في تفسير القرآن الكريم حسب منهج مبتدع جديد.
ولنقل الآن إن الجابري كان أكثر جدية من صاحبنا هذا عندما طبق منهجه (ولكن باختلالات واضحة انتقده عليها حتى بعض أتباعه العلمانيين!)
وذلك لأن صاحبنا هذا لم يزد على دعواه بفساد مناهج المفسرين القدامى، وادعائه بأنه أجدر منهم على الاضطلاع بتلك المهمة، التي نذروا لها أعمارهم ولم يصيبوا فيها نجاحا كما زعم!
وهكذا بقي أبو القاسم حاج حمد إلى يوم هلك يتحدث عن منهجه الجديد المزعوم، ولم يتقدم خطوة ليجربه، حتى نرى إن كان صالحا لتوليد نتائج جديدة، أم إنه منهج تضليلي عقيم.
وفضل بدلا من ذلك أن يداعب مخيلات المثقفين، وأشباههم، بتكرار الحديث الممجوج، عن المنهج، وعهدنا بكثير منهم يحبون ذاك الحديث الممجوج!
والاهتمام بمناهج البحث أمر محدث نسبيا، وقد اتجه بعض العلماء إلى الإعلاء من أمر المنهج، لأهمية ذلك في ضبط مسار البحث، وضمان الوصول إلى نتائج دقيقة، ذات صحة ومصداقية.
وغالى بعض العلماء في تأكيد أمر المنهج، لما رأوا من أبحاث كثيرة، لا تنهج النهج السوي، وربما لا يفقه أربابها شيئا كثيرا في مناهج البحث العلمي القويم. وهذا جهد طيب، بلا ريب، جهد الجهابذة الذين يؤكدون بين كل حين وآخر على ضرورة اتباع مناهج علمية سليمة، وربما تطوع بعضهم لتدريس جانب منها، في كل مادة يتولون تدريسها في الجامعات.
ولكن الأمر تجاوز الحد إلى الإفراط، عندما انشغل العلماء والباحثون بالمنهج، أكثر مما انشغلوا بتدريس المادة الموكل إليهم تدريسها للطلاب.
وعندما انشغل بعض الباحثين بأمر المنهج، أكثر مما انشغلوا بتحليل الموضوع الذي اختاروه للبحث.
وأسوأ من ذلك أن بعض الباحثين جعلوا من عملية تطبيق المنهج وممارسته الأصل في موضوعاتهم البحثية.
واختاروا موضوعات لا قيمة لها، ولا خطر، ليجربوا عليها مناهج البحث التي كلفوا بها.
وقد رأينا في حقل العلوم السياسية دراسات كثيرة، من أتفه ما يكون الشأن، ولكن تطبق عليها مناهج بحثية، في غاية التعقيد، وتستخدم في غمار ذلك مصلحات من الرطانة الأكاديمية، لا يكاد يفقهها إلا صاحب البحث، هذا إن صح حقا أنه يفقهها.
ولست أنسى ما نسيت كتاب مرهقا في مادة العلاقات الدولية، كان لزاما علي أن أطلع عليه، وأُمتحن فيه، وهو كتاب في غاية التعقيد، والإملال، والإبهام، في منهجه ومصطلحاته على السواء.
أما موضوع الكتاب فكان من أبسط ما يكون، فقد قام الباحث بتحليل محاضر اجتماعات مجلس الأمن الدولي، التابع للأمم المتحدة، لفترة طويلة من الزمن، لا أذكرها، وخرج من بعد التحليل المضني، الذي استخدم فيه معادلات رياضية، وإحصائية، عديدة، أن الموضوعات التي يشتد فيها الجدال بين أعضاء مجلس الأمن، ويطول، تصدر عنها قرارات مهمة!
تلكم هي النتيجة المتواضعة، التي خرج بها الباحث، بعد لأي، ونصب، لاهث، وكان يمكن أن يخرج بها من دون هذا البحث الطويل، بل يمكن أن يصل إليها أي انسان معتدل الثقافة، والمعرفة السياسية، بلا بحث ولا جهد جهيد.
وعلى هذا النسق الذي تورط فيه بعض علماء السياسة، انحدر بعض أساتذة الأدب العربي ونقاده، لاسيما الحداثيين منهم، فقد أطالوا اللجاج، والثرثرة، والترترة، والبربرة، حول مناهج النقد الأدبي الكثيرة اللغو والادعاء، ومنها المناهج الشكلية، والبنيوية، والواقعية، والوظيفية، والظاهراتية، والضمنية، والتحليلية النفسية، والتفكيكية، والتشريحية، والتكعيبية، والتركيبية، والدادية، والأسلوبية، والسيميائية، والتناصية، والجمالية، والثقافية، والتجريبية.
وغيرها من المناهج المتعقدة المتعقرة.
وأكثرها قليل الفائدة، ضئيل الحظ من التوفيق في استبطان النصوص الأدبية، الإبداعية، وتجلية ما فيها من مواطن الفن والجمال.
وعلى هذا المنزلق انحدر الأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد، الذي أكثر من حديث المنهج، وتجريده، وتنطيطه، وتشعيبه، وتدقيقه، وتكثيفه، وإتراعه بالمصطلحات الغامضة، المبهمة، حتى غدو المنهج لديه سحرا وهَّاجا، يبهر الألباب، ويخلبها، ويطول الحديث عنه عند الناس، ويشيدون به في نشوة وإعجاب، ولكن لا يجرؤ أحد منهم على تطبيقه، بل لا يجرؤ صاحبه نفسه على تطبيقه، وإن فعل لم يخرج إلا بنتائج باهتة جلها مفارق للصواب.
وقد شهد أخونا البروفيسور محمد بابكر العوض،عميد معهد إسلام المعرفة، بجامعة الجزيرة، وهو أحد المعجبين بأعمال حاج حمد الفكرية، ومنهجه البحثي، بما نقول، وأسدى اعترافا لا يصدر إلا من طبع منصف نبيل، فأقر ببساطة النتائج التي تم التوصل إليها حتى الآن باستخدام منهج حاج حمد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.