طلع نجم أحمد! قال ابن إسحاق: عن حسان بن ثابت. قال: إني لغلام يَفْعَةٌ، ابن سبع سنين أو ثمان سنين، أعقل ما رأيت وسمعت، إذا بيهودي في يثرب، يصرخ ذات غداة: يا معشر يهود. فاجتمعوا إليه، وأنا أسمع. فقالوا: ويلك ما لك؟ قال: قد طلع نجم أحمد الذي يولد به في هذه الليلة! جاء المعجزات وهو في المهد صبيا! قال ابن إسحاق: كانت حليمة تحدث: أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في نسوة، من بني سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء. فخرجت على أتان لى قمراء، ومعنا شارف لنا [الشارف: المسن من الدواب]، والله ما تَبِضُّ بقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع، ما في ثديى ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغذيه. ولكن كنا نرجو الغيث والفرج، فلما أخذته، رجعت به إلى رحلى، فلما وضعته في حجرى، أقبل عليه ثدياي، بما شاء من لبن، فشرب حتى روى، وشرب معه أخوه حتى روى، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك! قال ابن إسحاق: وقالت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية: ثم قدمنا منازلنا، من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمي تروح علي، حين قدمنا به معنا، شباعا لبنا، فنحلب، ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع. حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب. فتروح أغنامهم جياعا، ما تَبِضُّ بقطرة لبن، وتروح غنمي شباعا لبَّنا. فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير، حتى مضت سنتاه، وفصلته، [أي: فطمته] وكان يشب شبابا، لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه، حتى كان غلاما جفرا [أي: متين البِنية). فقدمنا به على أمه، ونحن أحرص شيء على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته، فلم نزل بها حتى ردته معنا! همّوا بأخذ الرسول إلى الحبشة! قال ابن إسحاق: حدثني بعض أهل العلم، أن مما هاج أمه السعدية على ردِّه إلى أمه، مع ما ذكرت لأمه، مما أخبرتها عنه. أن نفرا من الحبشة نصارى، رأوه معها حين رجعت به بعد فطامه، فنظروا إليه وسألوها عنه، وقلبوه. ثم قالوا لها: لنأخذن هذا الغلام، فلنذهبن به إلى ملكنا وبلدنا، فإن هذا غلام كائن له شأن نحن نعرف أمره. فزعم الذي حدثني أنها لم تكد تنفلت به منهم! [أي: انفلتت منهم بصعوبة بالغة] احذر عليه يهود! قال ابن إسحاق: فلما نزل الركب بُصرى، وبها راهب يقال له بَحيرَى، وكان إليه علم أهل النصرانية، فلما نزلوا به قريبا من صومعته صنع لهم طعاما كثيرا، وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه و هو في صومعته. ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه. فنظر إلى الغمامة، حين أظلت الشجرة، وتهصَّرت أغصان الشجرة، على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى استظل تحتها. فلما رأى ذلك بَحيرَى نزل من صومعته، وقد أمر بذلك الطعام، فصنع ثم أرسل إليهم، فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش. وتخلف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من بين القوم، لحداثة سنه، في رحال القوم تحت الشجرة. فلما نظر بَحيرَى في القوم، لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده، فقال: يا معشر قريش، لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي. قالوا له: ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام، وهو أحدث القوم سنا، فتخلف في رحالهم. فقال: لا تفعلوا، ادعوه فليحضر. فلما رآه بَحيرَى جعل يلحظه لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء من جسده، قد كان يجدها عنده من صفته. حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا، قام إليه بَحيرَى، فجعل يسأله عن أشياء من حاله، في نومه، وهيئته، وأموره. فجعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يخبره، فيوافق ذلك ما عند بَحيرَى من صفته. ثم نظر إلى ظهره، فرأى خاتم النبوة، بين كتفيه على موضعه، من صفته، التي عنده. قال ابن إسحاق: فلما فرغ، أقبل على عمه أبي طالب، فقال له: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني. قال: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا. قال: فإنه ابن أخي. قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به. قال: صدقت. فارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه يهود، فوالله لئن رأوه، وعرَفوا منه ما عرفت، ليَبغُنَّه شرا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم!