زعم المجادل المعاظل أن ما دفعني للكتابة عن الفكرة الجمهورية، هو انتشار وثيقة الفجر الجديد، التي صاغتها أقلام عتاة العنصريين، الرجعيين، من خليط اليساريين، واليمينيين، الشماليين، الذين يعيشون بدويلة جنوب السودان. وزعم أني لم أكتب عن النحلة الجمهورية الضالة طوع نفسي، وإنما استكتِبت، ودفِعت دفعا لإنشاء تلك الحلقات، الحالقات، التي أزعجت دعاة الفكر الجمهوري الظلامي وزعزعتهم. مهمة سهلة وزعم مجادلي أن مهمة الكتابة عن الجمهوريين:" مهمة صعبة، وتحتاج إلى شخص عاطل تماماً من أي فضيلة، ولا يتورع من أسوأ الكذب، وأفجر التدليس، حتى يحاول قلب القيم العليا، لترى وكأنها حدثت بسبب أشياء أخرى، تنفر الناس من صاحب القيم ". أي أن ما كتبته عنهم، وقد كان كله موثقا بالنصوص، والإحالات الدقيقة إلى المراجع، إنما هو كذب في كذب، وتدليس في تدليس. ولكنه مهما اجتهد، لم يستطع، ولن يستطيع، أن يثبت علي كذبا أو تدليسا. وقد أثبتُّ عليه، وعلى قبيله الجمهوري،، ممارسة أسوأ أنواع الكذب والخداع، والتزوير، في المقال الماضي. وما زلت أطالبه بإلحاح، وأدعوه لكي يقدم للقراء، نماذج محددة، من كذبي الذي يزعمه. إذ لا يكفيه أن يحدث القراء عن شخص ما فيقول إنه فلان كذاب فيصدقوه. وإنما سيطالبه القراء الفُطن الكرام بالدليل الوثيق، فإن عجز عن ذلك، أصبح هو في نظرهم الكذاب الكذوب. صور التأليه والآن فما هو كذبي أيها الكذاب الكذوب؟! ربما كان هذا نوع إجابته عندما قال:" ألم يذكر د. محمد وقيع الله في هذه المقالات، أن الأستاذ محمود عاش في حي متواضع، وقال:" يتبنى هذا الرجل منهج البساطة الكاملة في المسكن والعيش، ثم يدعي العلو الكامل ويتشبه بالله والعياذ بالله " ؟! نعم لقد قلت ذلك كله، ولم أقله اعتباطا، وإنما شفعته بدليل وقرائن. وهو أن شيخك كان يعلق على حائط صالونه، الذي يستقبل فيه ضيوفه، لوحات فنية، كتبت عليها آيات قرآنية كريمة. تقول الأولى منها:[ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً]. وتقول الثانية منها:[ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ]. وتقول الثالثة منها:[ وَخَشَعَت الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً]. وقد علقت على هذا الصنيع الذي أتاه شيخكم، أو رضيه، وأقره، على أقل التقدير، بقولي المحتاط:" وقد لاحظ البعض أن صاحب البيت، ربما كان يعني بتعليق هذه الآيات في بيته أنه هو نفسه ذلك الإله، الذي يأتيه الناس فرادى، وتخشع له الأصوات، وتعنو له الوجوه ". وقد احتطت في قولي، مع أن لي قرينة قوية، تدعم هذا الاستنتاج، مأخوذة من صلب الفكر الجمهوري، الذي يقر على المستوى النظري، إمكان وصول الإنسان إلى مرتبة الألوهية. ومع أن لي قرينة قوية، أخرى، من قناعات الجمهوريين العملية، بأن شيخهم الدجال، قد وصل إلى تلك المرتبة بالفعل، ومن ثم سقطت عنه التكاليف الشرعية، وعلى رأسها فريضة الصلاة. اعتراف ثمين ثم جاء المجادل المعاظل، فعلق على قولي، قائلا:" يخبرنا هذا الباحث، الدكتور، الذي يفترض أن يتبع مناهج البحث العلمي، أنهم وجدوا لوحات معلقة في بيت الأستاذ محمود، بها آيات قرانية يرد فيها اسم الجلالة، فاستنتجوا (منطقياً) أن الأستاذ محمود، يقصد أنه هو الله، ولهذا علق آيات بها اسم الله!! هل رأى الناس بلادة حس، وموت شعور كهذا؟! تكفر شخص، وتتهمة بأن يدعي الألوهية، لمجرد ظن لا أساس له، ثم تلقي بهذه التهمة العظيمة، وكأنك تلقي نكتة ؟!". فها هو قد اعترف بالواقعة، وأكد أن اللوحات التي احتوت هذه الآيات الكريمة، كانت معلقة فعلا بصالون بيت أستاذه الدجال، وقال:" فما ظن وقيع الله وأصحابه الوهميون، (يريد الوهميين!) الذين ادعاهم ليخفي بهم بلاهة حجته، إذا أخبرناهم بأن الأستاذ محمود لم يشتر هذه اللوحات، ولم يوجه بكتابتها، ولم يختر آياتها، وإنما قدمت له هدية، من رجل فنان يدعى (دهشة)، هو الذي قام بخطها وعليها توقيعه .. وحتى دهشة نفسه، لم يختر الآيات، وإنما ذكر أنه رآها في منزل، لعله منزل الشيخ قريب الله ". وطبعا أنا لم أقل إن محمودا اشترى تلك اللوحات، ولم أقل إنه من وجَّه بكتابتها، ولم أقل إنه اختار آياتها، فلماذ يحاول هذا المجادل المعاظل أن يوحي للقارئ أني قلت ذلك. إن ما قلته كان كلاما دقيقا وصريحا، وهو إن تلك اللوحات كانت معلقة فعلا بصالون الدجال، وبرضا الدجال. وهذا ما اعترف به المجادل المعظال. ولست أريد منه أكثر من هذا الاعتراف الذي أكد صحة ما قلته في هذا المجال. وبعد ذلك يمكن أن أساله: من هو الأبله يا ترى؟ هل الأبله أنا، أم ذلك الفنان المندهش، الذي لم يجد في كتاب الله تعالى كله، إلا هذه الآيات الكريمات، التي تتعلق بجلال ذاته، العلية، المقدسة، سبحانه، وتعالى، ليقتبسها، ويخطها خطا منمقا، ثم يهديها إلى شيخه، ثم لتجد مكانها أخيرا على جدران صالون صاحب الدار، لتنطق معبرة عن فكره الكذوب، وزعمه القائل إنه قد وصل إلى درجة الاتحاد مع الله تعالى، والحلول فيه، مستدلا على ذلك استدلالا باطلا، بقول الله تعالى:[وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى]. وقوله تعالى:[يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ]. وقال في كتاب الرسالة الثانية من الإسلام:" ههنا يسجد القلب، وإلى الأبد، بوصيد أول منازل العبودية، فيومئذ لا يكون العبد مسيَّرا، وإنما هو مخيَّر، ذلك بأن التسيير قد بلغ به منازل التشريف، فأسلمه إلى حرية الاختيار، فهو قد أطاع الله، معاوضة لفعله، فيكون حيا حياة الله، وعالما علم الله، ومريدا إرادة الله، وقادرا قدرة الله، ويكون الله ". ص 90. أم يا ترى أن الأبله هو أنت، الذي جئت فأكدت الرواية ولم تنكرها، وإن تمحَّلت لها بعض الأسباب التبريرية الساذجة، وحملت وزرها لهذا الفنان، ونجيَّت منها شيخك الفتان. بل إن الأبله الحقيقي هو شيخك محمود الكذاب، الذي انتحل صفة الألوهية، كما ادعاها من قبله فرعون ذو الأوتاد. وكلكم معاشر الجمهوريين قوم بله، أسرى اعتقاد غبي، يتورع البله أنفسهم، عن التورط فيه. وهو ادعاء الألوهية لشخص عادي من خلق الله السُّودان.