www.dabaiwa.com القتل والعياذ بالله فعل بشع وتكمن بشاعته في أنه يقع على الأحياء فيحرمهم من حقهم في العيش والتمتع بنعم الدنيا! أما ان يتم قتل شخص ميت هو بالفعل وفي رحاب الله ورضوانه فهذا لا يحدث إلا في السودان! هذا منجز آخر للنخبة الفاسدة! البسطاء من خلق الله تعالى يصمتون أمام جلال الموت إلا من دعوات حزانى جهيرات يخفون بها حزنهم ويحمدون الله بها سراً على النجاة. لا احد من عامة الناس، لا أحد من الطلاب والزراع والعمال والفقراء والعاطلين عن العمل يتكسب من موت شخص آخر. السودان بلد ليس فيه مهنة (حانوتي) متخصص في دفن الموتى مقابل المال فإكرام الموتى هنا مجاناً يقوم به أخيار بعشرات الآلاف أملاً فقط في مثوبة من عند رب كريم. اللصوص والزناة والسكارى ومتعاطو المخدرات والفساق يعرفون أن للموت مهابته وللحزن دثاره الصامت وأن للمحزونين حق احترام حزنهم وتوقير فجيعتهم لكن الصحفيين في بلدنا استثناء! الصحفيون في بلدنا يقتاتون على الموتى ويخافون من الأحياء! الصحف في بلادنا المفجوعة بإعلامها الكئيب مصابة بال(نيكروفيليا) لذا فهي تنتظر فجائع الناس لتجرح أفئدتهم بأمواسها الماضية. حسناً ماذا حدث؟ أوائل هذا الأسبوع وقع حادث بشع في قلب مدينة الخرطوم المدججة بالأسلحة. قتل رجل امرأة شابة فانتزع حياتها دون حق، وفشل في الإنتحار كما روي! دة كلام دة؟ كيف يصوب قاتل مريض رصاصات مسدسه، المنوط به حماية الضعاف والحرائر والأطفال والأقوياء أيضاً على حد سواء، الى امرأة ضعيفة لا حول لها ولا قوة فيرديها قتيلة ويجعل من حياة أهلها وأصدقائها ومعارفها وزملاء دراستها وعملها جحيماً واسى ثم يفشل في تصويب مسدسه الفصيح على نفسه. أما علم القاتل أن الإنتحار بالمسدس سهل وإن عليه فقط وضع الفوهة داخل فمه؟ صحيفة تافهة خرجت بعنوان حسبته مثيراً وهي تقول: “ الحب رمياً بالرصاص” وزادت عنواناً آخر “ جريمة عاطفية تهز (قلب) الخرطوم”. نعم هكذا وضعت كلمة قلب بين قوسين تدليلاً على براعة محررها في التلاعب بالمفردات والخلط الروائي ما بين الحب والموت! في اليوم التالي ظلت ذات الصحيفة تمارس (النيكروفيليا) بإتقان غير مبهر إذ كتبت: تفاصيل جريمة الرمي (حباً) بالرصاص! علامة التعجب من عندي كما ينبغي والأقواس حول كلمة حباً من ذات المحرر البارع إذ يظن نفسه. لم تكتف الصحيفة بالممارسة الدنيئة بطاقمها الخاص فاستدعت صحفياً آخر لمشاركتها المأدبة الدامية فكتب لا فض فوه “ الروايات المبدئية كانت تقول أن الخلاف العاطفي دفع الشاب لإرتكاب فعلته رغم أنف (الفالنتاين) فالعاشقون (الخطأ النحوي ليس من عندي) في الخرطوم كانوا يتهيأون للإحتفال بيوم المحبين، غير إن الشاب الذي ارتكب فعلته حكم على الصبية (رمياً بالحب) أو بالرصاص ما فارقة” كيف ما فارقة ياخ؟ أيتساوى الحب والرصاص؟ أيتساوى الحب والموت؟ من علّمكم ذلك يا صحفيين؟ الصحفي الضيف مارس الإدانة المغلظة على الفتاة الضحية ملمحاً الى أن لها دورين اثنين في جريمة قتلها وهما أنها كانت طرفاً في علاقة غرامية في مجتمع يسمي العلاقة الغرامية (علاقة آثمة) وأنها شريكة في خلاف عاطفي قاد الى قتلها. أبشع ما في المقال أن الصحفي يتهكم على موت الضحية بإشارات غير لائقة ليوم (فالنتاين). الصحيفة المشار اليها لم تكن الوحيدة في المائدة المدماة ولكنها كانت الأكثر نهماً. ماذا لو تحلت نخبتنا الصحفية بأخلاق الشعب السوداني يوماً واحداً وقدمت الخبر دونما إثارة عن جريمة قتل بشعة راحت ضحيتها امرأة. لماذا تنال الضحية الموت الزؤام ثم تقتل في سمعتها وشرفها آلاف المرات أمام كل قاريء؟ ما ذنب أسرة القتيلة وجامعتها وكليتها وبائعة الشاي التي ذكرت بالإسم في بعض المحافل ومكان عملها الشريف؟ المجتمعات لا تتفسخ من تلقاء ذاتها والصحف لا تتدهور بغتة وإنما جعل الله لكل شيء سبباً! نشر بصحيفة الخرطوم 17 فبراير 2013م