الفاشر.. هل تعبد الطريق الى جدة؟!!    لم تتحمل قحط البقاء كثيرا بعيدا من حضن العساكر    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    الخارجيةترد على انكار وزير خارجية تشاد دعم بلاده للمليشيا الارهابية    الأحمر يعود للتدريبات    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    شاهد بالفيديو.. محامي مصري يقدم نصيحة وطريقة سهلة للسودانيين في مصر للحصول على إقامة متعددة (خروج وعودة) بمبلغ بسيط ومسترد دون الحوجة لشهادة مدرسية وشراء عقار    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    كباشي والحلو يتفقان على إيصال المساعدات لمستحقيها بشكل فوري وتوقيع وثيقة    شاهد بالفيديو.. في مشهد مؤثر البرهان يقف على مراسم "دفن" نجله ويتلقى التعازي من أمام قبره بتركيا    المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة مع دول عربية في غزة بعد الحرب    الحرس الثوري الإيراني "يخترق" خط الاستواء    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعقيب على ردود د. النعيم الحلقة الأخيرة


بسم الله الرحمن الرحيم
"ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ،إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ"
صدق الله العظيم
"كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف ولم تنهوا عن منكر؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف"
حديث شريف
التفكيك
نواصل كشف أبعاد الكذب الذي مارسه د. النعيم حين أنكر أي معرفة له بما بعد الحداثة، والبراغماتية.. وبعد أن أوضحنا، في الحلقة الأولى، بصورة جلية، مبالغته في الإنكار والكذب عندما أنكر أي معرفة له بالبراغماتية، وبيَّنا في الحلقة الثانية الذاتية والنسبوية عنده، وهما من مبادئه الأساسية، نعود في هذه الحلقة لنتحدث عن التفكيك عند د. النعيم، واستخدامه في تفكيك الإسلام عامةً، والفكرة الجمهورية خاصة.. ويجب ملاحظة أن كل هذه القضايا الأساسية، عند د. النعيم، مترابطة، ويكمل بعضها البعض، ويفسر بعضها البعض، بالصورة التي تجعل من المستحيل تفسيرها بصورةِ تخالف ظاهرها، كما ورد في أقوال د. النعيم.. وكل قول للنعيم تجد له سنداً واضحاً من أقواله الأخرى، الأمر الذي يجعل أنه من المستحيل تأويل أقوال د. النعيم، لتؤدي معنىً غير معناها الواضح.
للتفكيك أهمية خاصة، لأنه الأسلوب الذي استخدمه د.النعيم بصورةٍ أساسية وواسعة، لتفكيك جميع أساسيات الإسلام، والفكرة الجمهورية.. والتفكيك، عند د.النعيم، يتكامل بصورةٍ واضحة، مع البراغماتية والنسبوية عنده.
نذكر ببعض المبادئ الأساسية للتفكيك:
موت الله.. وهي فكرة نيتشه، فهي أمر مشترك بين الحداثة، وما بعد الحداثة.. وهي تعنى أن الله تعالى، حتى ولو كان موجوداً، فإنه لا يتدخل في أحداث العالم.
غياب المركزية: ما بعد الحداثة، فلسفات، ترفض وجود أي مركز، كما ترفض التفكير الكلي والشامل وتبنى على الاختلاف.
موت الكاتب: هذا مبدأ أساسي في تعامل التفكيك مع النصوص.. فالكاتب بعدما ينتج النص أو العمل، تنتهي علاقته بنصه، كما تنتهي قصديته.. ويصبح النصُّ ملكاً للقارئ أو المتلقي يفسره كما يشاء، وبصورةٍ مفتوحة، ودون تقيد باللغة.. وقد استخدم د. النعيم هذا الأسلوب، استخداماً واسعاً، مع الإسلام، ومع الفكرة الجمهورية، بصورة تلغي كل الأساسيات، ومع ذلك يعتبر هذا الذي يقول به، وينسبه للإسلام وللفكرة، هو من صميمهما!! حجته في ذلك: هذا فهمي، وكل من يرى خلافه هذا فهمه هو.. ولما كان الكاتب قد مات، وانتهت قصديته، وأُطلقت يدُ القارئ، فلا مجال لحسم الخلاف بين هذه الفهوم!! فالكاتب ليس هو مرجعية عمله، وإنما المرجعية هي القارئ، يفهم العمل كما يشاء، دون أي قواعد أو ضوابط!! وبالطبع لا ينتج عن هذا، إلا الفوضى والعدمية.
نبدأ بالموضوع الأساسي في الدين الله ما هو موقف طرح د. النعيم من الله؟!
الله عند د. النعيم، لا يختلف عن البشر، من حيث أنه مثلهم مقيَّد بالطبيعة، والمادة، فهو لا يفعل بصورة تتجاوز الوجود المادي أو خارقة للطبيعة!! يقول د. النعيم: "ولكن الأمر فيما يخصني هو أن هذا هو موقفي، وهذه بالطبع هي عقيدتي في كيفية حدوث الأشياء في الكون. فأنا لا أعتقد أن الله يفعل الأشياء في هذا الكون بطريقة متجاوزة للوجود المادي أو خارقة للطبيعة"!! فإذا كان من الطبيعة، أن تحرق النار، ما يمكن حرقه، حسب د. النعيم، فإن الله لا يمكن أن يعمل بصورة تبطل عمل النار، في الحرق، فهذه هي الطبيعة، والله حسب زعم د. النعيم "لا يفعل الأشياء في هذا الكون بطريقة متجاوزة للوجود المادي وللطبيعة".. ولكن ماذا عن نار إبراهيم الخليل؟! هنا، ينسف د. النعيم القضية من أساسها، فالله عنده، لا يخاطب غير العاقل!!
ولقد أبعد د. النعيم، الله تعالى، إبتداءً، وذلك حين جعل ما أسماه (المنطق المدني)، هو مرجعيته، وأبعد المرجعية الدينية.. فهو قد قال عن المنطق المدني إنه "الذي يسعى إلى إقناع عامة المخاطبين من غير الإعتماد على المرجعية الدينية، العقائدية، بين المسلمين، وغيرهم، من أصحاب الأديان".. فالعقيدة الأساسية في الأديان هي العقيدة في الله وفي كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) فبإبعاد د. النعيم للمرجعية الدينية، والعقيدة، يكون قد أبعد الله من المركز، وجعله بلا فعالية في الوجود.. كما أبعد الله حين دعى الى عدم الاعتماد على تحريمه للمحرمات، واخضاعها للنقاش بين المسلمين. وهذا ما سنبينه في موضعه.
الإله: الإله في الإسلام يعني: الفاعل لكل شئ في الوجود.. الفاعل لكبير الأشياء وصغيرها، وهذا هو معنى (لا إله إلا الله).. فالإله هو الله وحده.. فالله تعالى هو الفاعل الأساسي، وفعله محيط بفعل كل فاعل غيره.. في قوله تعالى: "قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ* وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ".. يعني الله خلقكم وخلق لكم أعمالكم.. ويقول تعالى: "وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ".. ويقول " قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ".. ولكن د. النعيم يرى أن الأمر، عكس هذا!! عنده الفاعلية للواسطة البشرية.. فهو بعد أن قرر أن الله لا يفعل بصورة متجاوزة للوجود المادي الخارق للطبيعة، ذهب ليقرر أن البشر هم الذين يفعلون، فهو يقول : "ولكن الأمر فيما يخصني هو أن هذا هو موقفي! وهذه بالطبع هي عقيدتي في كيفية حدوث الأشياء في الكون. فأنا لا أعتقد أن الله يفعل الأشياء في هذا الكون بطريقة متجاوزة للوجود المادي أو خارقة للطبيعة. إن الله يفعل في الوجود عبر الواسطة البشرية.. فالبشر هم الذي يتصرفون ويتخذون المواقف.. إننا نحن البشر من نفعل أو نفشل في الفعل".. ووصل إلى قمة إبعاده لله، في إبعاده عن الدين نفسه، وذلك بزعمه أن الدين صناعة بشرية وأنه علماني، ولا يختلف في ذلك عن الثقافة!! وهذا القول، يفسر مفهوم الواسطة البشرية، عند د. النعيم، كما أن مفهوم الواسطة البشرية ، يفسره.. وهذا يفسر قول د. النعيم، بأنه لا يفرق بين النص الديني، وغير الديني، وكلاهما عنده، من صنع البشر.
القرآن والسنة:
حسب تقرير د. النعيم الذي يزعم فيه أن الدين صناعة بشرية وعلماني، يصبح القرآن صناعة بشرية وعلمانيا!! فهل صنعه محمد صلى الله عليه وسلم؟! وهل، كنص صنعه البشر، يمكن الإتفاق على المبادئ الأساسية التي جاءت فيه؟ إجابة د. النعيم في جملتها تفيد النفي، فعنده الله، في القرآن، لم يوضح حتى المسائل الأساسية بما فيها (لا إله إلا الله)!! أسمعه يقول: "القرآن لا يقرر بوضوح نتائج مسألة معنى الإيمان بالدين نفسه، مثلاً ما معنى تأكيد المسلم للإيمان بأن (لا إله إلا الله)، ماذا يعرف المؤمنون أو ما الذي يفترض بهم أن يعرفوه، عن الله؟ وما هي النتائج المترتبة على الإيمان بوحدانية الله بالنسبة للممارسة الشخصية للمسلم وسلوكه، سواء على المستوى الشخصي أو مستوى العلاقات الإجتماعية الإقتصادية العامة والمؤسسات والعمليات السياسية؟ من لديه سلطة الفصل في الخلافات التي لا يمكن تجنبها حول هذه القضايا والقضايا الأخرى بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف؟ وبدلاً من توفير الإجابات لمثل هذه الأسئلة، يترك القرآن المسلمين أحراراً ليناضلوا مع القضايا بأنفسهم"!!
الإجابات على الأسئلة التي يذكرها د. النعيم تتعلق بالأساس الذي يقوم عليه الإسلام.. وهذه الإجابات واضحة جداً في القرآن.. وقد فصلت فيها الفكرة الجمهورية، تفصيلاً واسعاً ، ودقيقاً خصوصاً فيما يتعلق بمعنى (لا إله إلا الله) ونتائج مسألة الإيمان بالدين، ولا يوجد كتاب من كتب الفكرة الجمهورية لا يتحدث في هذا الأمر، خصوصاً الكتب الأساسية، وكتاب (لا إله إلا الله).. ود. النعيم يعلم ذلك تماماً.. فالموضوع محض كذب وإفتراء على الله.. ومن يكذب على الله لا يوجد شيء يمنعه من الكذب على الناس.
د. النعيم لا يتحدث عن عدم معرفته هو، وإنما هو يقرر في الأمر بصورة مبدئية فيزعم: "القرآن لا يقرر بوضوح...".. فما لا يعلمه هو، لا يعلمه غيره!!
هذه مجرد قراءة تفكيكية للقرآن تقوم على إنكار ما هو واضح فيه لتبني على الإنكار النتيجة التي يريدها د. النعيم.. فالنعيم يقرر في شأن القرآن ببساطة وفقاً لما يريده هو، وليس بحسب الأمر في الواقع.. ونضرب مثلاً آخر لتعامل د. النعيم هذا مع القرآن، فهو يقول: "القرآن لا يخاطب غير العاقل" هذا ، أيضاً محض كذب وإفتراء على الله، فالقرآن فعلاً، يخاطب غير العاقل، على خلاف ما يزعم د. النعيم، ود. النعيم بحكم علاقته بالفكرة الجمهورية التي يعمل على تفكيكها لا بد أنه يعلم ذلك.. وقد سبق أن أشرنا إلى خطاب الله تعالى إلى نار إبراهيم.. ومما يؤكد معرفة د. النعيم بخطاب الله تعالى لغير العاقل، أن د. النعيم قام بترجمة كتاب الرسالة الثانية.. والأمر أساساً بديهي.. فلم يبق إلا أن د. النعيم يقرأ القرآن قراءة تفكيكية تُطلق فيها يدُ القارئ ليقرر أي شئ يراه ، حتى ولو كان على خلاف ما في النص، بصورةٍ واضحة.
هذا عن القرآن.. ماذا عن السنة، ألا تتوفر على إجابات على الأسئلة التي ذكرها د. النعيم؟! هنا يأتي دور (موت الكاتب)، مرة أخرى.. فعند د. النعيم النبي صلى الله عليه وسلم مات، ولا توجد بعده سلطة للفصل في الخلافات!! هل النبي مات، وترك المسلمين دون موجهات، من أحاديثه وسيرته؟! لاحظ إستخدام د. النعيم لكلمة (سلطة)!! في الواقع الناس في فهم الأفكار وحل الخلافات الفكرية بينهم، لا يحتاجون إلى سلطة، وإنما إلى فهم، يتحاورون حوله، وفقاً للمرجعية الخاصة بالموضوع.. فإذا كان الموضوع، يتعلق بالماركسية مثلاً، فالمرجعية هي كتابات مؤسس الماركسية.. والأمر لا يقتضى وجود ماركس ليفصل في الخلافات.. ولكن لابد من الرجوع إلى المرجعية الخاصة بالماركسية.. وهذا ينطبق على كل دينٍ أو فكر.. وعملياً الناس يختلفون، ويتحاورون حول خلافاتهم بالرجوع إلى الله ورسوله القرآن والسنة يقول تعالى : (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)
واضح أن د. النعيم يريد أن يصل من مزاعمه هذه إلى ما ذكره في آخر النص، يقول: "وبدلاً من توفير الإجابات لمثل هذه الأسئلة، يترك القرآن المسلمين أحراراً ليناضلوا مع القضايا بأنفسهم".. هذه النتيجة، مقررة سلفاً، بحكم تبني النسبوية.. ووضع المنطق المعوج لتبريرها.. ليناضلوا على أساس أي منهج؟! على أساس منهج الإسلام، الذي يقوم على طريق محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى منهج التقوى في المعرفة "واتقوا الله ويعلمكم الله"؟! هذا ما يستبعده د. النعيم إبتداءاً، حين يستبعد المنهج الديني ويقرر أن الدين (صناعة بشرية).. ولماذا يستبعد منهج الدين، ومرجعيته بالنسبة للأمور الدين؟! إجابة د. النعيم هي لقصور المنهج الديني واعتماده على العقيدة.. ما هو البديل، عند د. النعيم؟! إنه المنطق المدني!!
واضح جداً، من حديثنا عن ذاتية د. النعيم، أن عبارة "يترك المسلمين أحراراً ليناضلوا مع القضايا بأنفسهم" (بأنفسهم) هذه تعني، وفقاً لرؤية كلٍ منهم على حدة، والتي تختلف مع كل الآخرين، حسب الذاتية والنسبوية عند د. النعيم.. فالأمر كله، كما يزعم، فهم بشري.. ولا توجد شريعة ثابتة، والشريعة ليست من الله... الخ
في قول الله تعالى عن القرآن: " وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ".. يقول الاستاذ محمود: (ومن الظالمين من يعتمد على العقل، في فهم حقائق الدين، كل الاعتماد)..
وهذا ما ينطبق على د. النعيم، وإن كان العقل نفسه، عنده مغيًّب، الأمر كله عبث في عبث.. وهو عبث في أهم وأخطر أمور الوجود، على الإطلاق!!
ومن قراءة د. النعيم التفكيكية، زعمه أن الإسلام لا يغير الأوضاع التي يجدها وإنما يتواءم معها.. أسمعه يقول: "واهتداء بالنموذج التأسيسى لرسالة النبى محمد فى غرب الجزيرة العربية فى مطلع القرن السابع، يسعى المسلمون دائما للتكيف مع الظروف الاجتماعية والثقافية التى يجدونها سائدة فى المجتمعات التى يقدمون إليها، دون ان يفرضوا آراءهم الدينية أو السياسية وأساليب حياتهم على المجتمعات إلا فى أدنى مستوى.. وبالتالى فان صفة مسلم أو إسلامى قد تطورت دائما فى الزمن.."
وبالطبع هذا محض كذب وإفتراء.. هو كذب على الله ورسوله، وكذب على التاريخ.. فمن الأمور البديهية أن الإسلام يغير الأوضاع التي يجدها لتتواءم مع ما يدعو له.. يقول الأستاذ محمود: "إن القرآن لا يتلاءم مع الأوضاع، وإنما يعرضها على الوضع الذي لا يرضى به بديلاً، ثم يشذبها، ويهذبها، حتى تسلس له، وتنسجم معه.. ومن المألوف أن الأوضاع تحتوي على أخلاط شتى من الصالح، والطالح، ووظيفة القرآن وظيفة الميزان الذي يعطي كلاً قيمته، ووزنه، وينبذ ما لا قيمة له، ولا وزن"
هذا هو أسلوب د. النعيم التفكيكي، يغالط في أي شئ مهما كان وضوحه، ويعكس الحقائق، بما في ذلك حقائق التاريخ، التي لا يمكن الاختلاف حولها.
ليس من الضروري متابعة كل أقوال د. النعيم التفكيكية، فقد سبق أن ذكرناها.. فقد رأينا أنه يزعم أنه لا يوجد شئ متماسك إسمه (الإسلام)، ويقول: "أصر وأؤكد أنه لا أحد مسلم أو غير مسلم يمكنه أن يعرف بصورة محددة وشاملة الإسلام".. وهذا يعني أنه يرفض تعريف النبي للإسلام.. ورأينا زعمه أن الحدود ليست إلهية، وكذلك الشريعة بصورةٍ عامة، بل ذهب إلى حد الزعم أن الدين من حيث هو صناعة بشرية وعلمانية... الخ
الفكرة الجمهورية:
بالطبع كل صور تفكيك د. النعيم لأسس الإسلام هو تفكيك للفكرة الجمهورية كدعوة إسلامية.. ومع ذلك د. النعيم له تفكيكه الخاص للفكرة الجمهورية بصورةٍ مباشرة، أو من خلال زعمه بأنه تلميذ للأستاذ محمود في كل أقواله العامة، مع أن كل أقواله العامة مخالفة لدعوة الأستاذ محمود، وفي كثير من الأحوال مناقضة لها.. لقد رأينا أن د. النعيم يستبدل المنهج الذي تقوم عليه الفكرة الجمهورية، في الفهم الديني منهج التقوى "وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ"، وهو المنهج الوحيد، عند الأستاذ محمود لفهم الدين، يستبدله د. النعيم بالمنطق المدني.. كما رأينا أنه يستبدل (طريق محمد) صلى الله عليه وسلم، وهو الطريق الوحيد عند الأستاذ محمود، يستبدله بطرقه المتعددة، التي لا حصر لها.. كما إنه استبدل تطوير التشريع، بما أسماه إعادة فهم الشريعة.. واستبدل مفهوم (حكم الوقت)، وهو مفهوم مركزي في الفكرة الجمهورية، يقوم على التوحيد، ويبنى عليه السلوك الفردي، وتحديد الحق من الباطل، استبدله د. النعيم، بنظرية، (المنظور التاريخي).. وفي حين يقول الأستاذ محمود أن المسلمين فارقوا دينهم ويجب ألا نحكم على الإسلام بالمسلمين، يقول د. النعيم عكس ذلك، بأنه يحكم على الإسلام بالمسلمين.. وفي حين تبشر الفكرة بالعدل والمساواة، ونصرة المستضعفين، يقول د. النعيم أن هذا خداع للنفس وتضليل للناس.. وفي حين تبشر الفكرة بعودة المسيح، يزعم د. النعيم أن المسيح لو جاء لن يغير شيئاً، ما لم يغيره هو بنفسه.. وفي حين تدعو الفكرة للعفة التامة، وتبشر بها، يفلسف د. النعيم للفوضى الجنسية الشاملة، ويعمل بانتظام في المنظمات التي تدافع عن المثليين.
وفي حين تدعو الفكرة لدولة القرآن وتبشر بها، وتقول مثلاً: "إن دولة القرآن قد أقبلت، وقد تهيأت البشرية لها بالمقدرة عليها وبالحاجة اليها".. وتتحدث عن الدستور الإسلامي، وتفصل في أسسه، يقول د. النعيم أن الفكرة لا تدعو لدولة: "الفكرة الجمهورية تهدف إلى التزام الإسلام لدى كل مسلم وليس لإقامة دولة تزعم أنها إسلامية، في مغالطة وخداع للشعب"، وأنها لا تقوم على تشريع جماعي: (عقيدتي في الفكرة لا تجعلني) ويذهب إلى حد الزعم بأنه أساساً لا توجد دولة إسلامية، ولا تشريع في مستوى الدولة من الإسلام، وأن الأمر كله خطأ في المفهوم .
وفي حين توضح الفكرة بإستفاضة معنى (لا إله إلا الله)، وتبني عليه العمل كله في السلوك وفي التشريع الجماعي، يزعم د. النعيم أن القرآن لم يبين بوضوح معنى (لا إله إلا الله).
وفي حين يقول الأستاذ محمود أن طريق العلمانية طريق مسدود، والدعوة للعلمانية خيانة.. يقول د. النعيم أنه لا طريق إلا طريق العلمانية، وأن الدين نفسه علماني ومن صنع البشر.. في الواقع دعوة د. النعيم هي نقيض دعوة الأستاذ محمود في كل شئ أساسي.. وزعم د. النعيم الباطل بأنه تلميذ للأستاذ محمود في جميع أقواله العامة، القصد الوحيد منه هو تشويه الفكرة وتفكيكها، لمصلحة المانحين.. دعوة د. النعيم هي (قَلَبة) دعوة الأستاذ محمود.. د. النعيم يتتبع أساسيات دعوة الأستاذ محمود، ويستبدلها من عنده، ببدائل ما أنزل الله بها من سلطان.
مقدمة النعيم:
كتب د. النعيم، تقديماً لإجاباته الأخيرة، قال عنها (الآن إلى تقديمٍ في غاية الأهمية عندي).. وهو فعلاً هام جداً، لأنه يكشف كذب د. النعيم والتوائه منذ البداية.. فقد جاء في بدايته قوله: "أنا تلميذ للأستاذ محمود محمد طه، ولكني أتحدث هنا ودائماً على مسؤوليتي الشخصية، وليس بإسم سيدي الأستاذ محمود، ومعلوم أن تقصير التلميذ لا يلحق بأستاذه".
ويقول: (ومن المقرر عندي تماما أن كل ما أقول فهو فقط مجرد فهمي للفكرة الجمهورية، وكذلك الحال بالنسبة لجميع تلاميذ الأستاذ، حتى أكبرنا جميعا على التحقيق، وهو الأستاذ سعيد الطيب شايب. فكلنا تلاميذ للأستاذ، ولا يملك أي منا الحق في الحديث باسم أستاذنا، وما نقوله دائما هو مجرد فهم كل منا للفكرة الجمهورية. فلا يحق لأي منا ادعاء المعرفة بالفكرة الجمهورية كما هي عند صاحبها. فلا وصاية لي على أحد ولا لأحد وصاية علي، فكما قال الأستاذ محمود "ليس هناك رجل هو من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين".)
عبارة (لا يملك أيٍ منا الحق في الحديث بإسم أستاذنا)..لماذا؟ إذا تحدثنا بصفتنا تلاميذ، فهذا يعني بالضرورة أننا نتحدث بإسم أستاذنا، لأننا نتحدث بإسم دعوته، وليس دعوتنا الخاصة، بحكم أننا نتحدث كتلاميذ.. ولا يمكن، عقلاً، أن نتحدث بأفكارنا الخاصة التي تخالف دعوة الأستاذ، ثم نقول أننا، في هذه الأفكار تلاميذ للأستاذ محمود، ما الذي يمنع أن نتحدث بإسم إستاذنا؟! إجابة د. النعيم "فلا يحق لأيٍ منا إدعاء المعرفة بالفكرة الجمهورية كما هي عند صاحبها.."!! إجابة خارج الموضوع تماماً، وهي مجرد تمحك.. أساساً الفكرة الجمهورية، كما هي مطروحة، ليست الفكرة الجمهورية كما هي عند صاحبها.. هي ليست كل علم الأستاذ محمود، وإنما هي مستوى من العلم، خاطب به الناس، كل الناس، ليفهموه.. فالفكرة، كما هي مطروحة، تنزل لمخاطبة الناس، وليس فيها ما لا يفهم.. ولا معنى لمخاطبة الناس بما لا يفهمونه.. فكون المسلم يتحدث عن الإسلام، لا يعني أنه يفهم الإسلام كما هو عند النبي صلى الله عليه وسلم.. ولا يوجد أي سبب يمنع المسلم أن يتحدث باسم الله، في المستوى الذي يعلمه عن الله.. بالعكس، هذا هو المطلوب.. يقول المعصوم : "رحم الله إمريء سمع مقالتي فبلغها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع.." لم يقل بلغها كما أفهمها أنا، وإنما قال كما سمعها..وعبارة (فرب مبلغ أوعى من سامع) عبارة هامة جداً، وهي تعني أنه يمكن لإنسانٍ لم يسمع العبارة بصورةٍ مباشرة، أن يفهمها أكثر ممن سمعها بصورة مباشرة.. قولك هذا يجعل أي دعوة، لا يملك الحديث عنها إلا صاحبها فقط، وهو خطأ بداهة، والصحيح أن كل من اقتنع بدعوة ما، يستطيع أن يدعو غيره لها، وهذا ما ظل يجري عبر التاريخ.. فماركس مثلاً، لم ينشر دعوته هو، وإنما تولى نشرها من بعده الماركسيون، وكانوا دائماً يتحدثون باسم ماركس وإنجلز.. وقد يختلفون فيما بينهم، ولحسم الخلاف يرجعون إلى مصادر الماركسية.. وهذا ينطبق على كل دينٍ، أو فلسفة.. فدائماً صاحب الدعوة هو المرجعية لدعوته.. وكثيراً ما تنتشر الدعوات، بعد زمنٍ طويل، من داعيها الأصلي .. فمثلاً المسيحية انتشرت بعد زمنٍ طويل من انتقال المسيح.
د. النعيم أورد في نهاية الفقرة، عبارة الأستاذ محمود "ليس هناك رجل هو من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين.." .. فد. النعيم هنا يتحدث باسم الأستاذ، ويستخدم قول الأستاذ في غير محله، بل في عكس ما يستخدمه الأستاذ فيه.. عبارة الأستاذ تعبر عن ضرورة الحرص على الحرية، بألا تترك لفرد أو جماعة معينة، وإنما ينبغي سهر جميع الأفراد على صيانتها، والمحافظة عليها.. ود. النعيم، يستخدم نفس العبارة، لدعم الفوضى، وفي دعوة الأستاذ بالذات!!
هو يقول: كلنا تلاميذ للأستاذ محمود، ومن يتحدث عن فكر الأستاذ، يتحدث عن فهمه هو لهذا الفكر.. ولا يصح لأحد أن يقول للآخر فهمك هذا خطأ لأنه لا يوجد واحد منا يفهم الفكرة كما هي عند صاحبها حتى يخطئ فهم الآخرين.. تخطئة الآخرين، عند د. النعيم وصاية!! بالتحديد هو يقول: ما أطرحه هو فهمي للفكرة الجمهورية، ولا يصح لخالد الحاج أو غيره أن يقول لي هذا الفهم غير صحيح.. لأن قول خالد هنا، سيكون فهم خالد، وليس الفكرة نفسها.. فخالد يفهم ما يريد، وأنا النعيم أفهم ما أريد، وغيرنا يفهم ما يريد، ولا يحق لأحدنا أن يصحح فهم الآخر، لأن هذه ستكون وصاية!! هذه دعوة لفوضى حقيقية، وحجر لحرية الحوار بين البشر.. بالطبع، واضح جداً انها تقوم على مبدأ التفكيك والنسبوية وتستخدمه في حق الفكرة الجمهورية.. هي عمل بمبدأ موت المؤلف أو الكاتب، وإنتهاء قصديته، وإطلاق يد القارئ أو المتلقي في النص ليفهمه كما يشاء..
ولكننا لسنا تفكيكيين، ولا نسبويين، بل نحن ضدهما تماماً، فالفكرة الجمهورية لا علاقة لها بهذا المذهب.. قد أذن الأستاذ محمود في نهاية الستينيات من القرن الماضي، لكل الجمهوريين والجمهوريات في أن يتحدثوا بالفكرة ويكتبوا عنها.. وقد جرى كل هذا بصورة مكثفة منذ ذلك التاريخ، وهو أمر مشهود عند كل السودانيين.. وقد وضع الأستاذ محمود شروطاً للحديث عن الفكرة، ليس من بينها على الإطلاق ألا يتحدث، إلا من يفهم الفكرة، كما هي عند صاحبها.. من أهم هذه الشروط، ألا يتحدث المتحدث فيما لا يعلم.. والحديث كان يجري في منابر حرة، يفتح فيها الباب للحاضرين لمناقشة المتحدث، دون قيد.. فد. النعيم بزعمه هذا الباطل، يريد أن يقفل باب الحوار حتى بين الجمهوريين فيما بينهم، وحول فكرتهم!! هل هذه حرية أم مصادرة للحرية؟! فد. النعيم يستخدم عبارة الأستاذ في ضرورة السهر على حفظ الحرية في عكس غرضها.
أكثر من ذلك، د. النعيم، كنسبوي، يريد أن يوقف الحوار بين جميع البشر!! هو يقول: (ومن هذا المنطلق فإني أحترم حقوق الإنسان، مطلق إنسان، ولا أحكم على أخلاقه أو سلوكه، وقدوتي في ذلك قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس"، كما علمني سيدي الأستاذ محمود كذلك)!! فلنتذكر أنه يزعم أنه لا يتحدث باسم الأستاذ!!.. هذا محض بهتان للنبي الكريم وللأستاذ محمود، فلا أحد منهما قال بعدم الحكم على أخلاق الآخرين، وتركهم على ما هم فيه.. بل العكس تماماً هو الصحيح.. فكلاهما، لا يقبل من الناس، إلا الأخلاق الفاضلة كما يدعو لها الإسلام.. وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى تغيير كل ما هو مخالف لقيم الإسلام ومبادئه، وجاهد في سبيل ذلك بالسيف.. ولم يقل كما قال د. النعيم: "وكذلك للمسيحي واليهودي والهندوسي والبوذي أن يعتمد معتقداته الدينية، كما يحق للملحد أو الرافض للأديان السماوية أن يعتمد أي فلسفة أو نظرية يراها. وهذا ما أسميه في بحوثي المنشورة بالمشروعية الثقافية القائمة على الإجماع المتداخل Overlapping Consensus ".. مشروعيتك الثقافية هذه لا علاقة لها بالإسلام في رسالتيه الأولى والثانية.. لا في مستوى الأصول ولا مستوى الفروع.. فليس من حقك أن تنسبها للنبي الكريم، ولا للأستاذ محمود.. على عهد النبي الكريم، لم يكن يسمح بغير الإسلام، ومن يخالفه يقاتل بالسيف، وهذا من صميم الرسالة.. وقد جاء الأمر في آية السيف: "فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ، فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" جاء منها الحديث الشريف :" أمرت أن أقاتل الناس..".. كل الذين ذكرتهم ، حاربهم الإسلام بالسيف في رسالته الأولى، ومنع معتقداتهم، إلا الكتابيين أذن لهم في معتقداتهم، على أن يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.
وفي مستوى الأصول، ومستوى السنة.. وهو الرسالة الثانية، وهي ما يدعو له الأستاذ محمود، الدعوة للحق والخير قائمة، ومؤكدة، كما كانت في الصدر الأول.. كل الذي اختلف هو أن الدعوة لا تكون بالإكراه.. رفضت الوصاية.. فلا خطاب إلا من خلال العقول.. يقول تعالى: "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ".. لم يقل "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".. وإنما بدأ بقوله (وقل الحق).. الدعوة للحق قائمة ومؤكدة، ولكنها دعوة تخاطب العقول ولا تقوم على الإكراه.. لم تقل الفكرة بترك أصحاب المعتقدات المختلفة، على معتقداتهم، دون مناقشتهم فيها وبيان خطئها على ضوء الإسلام.. وإنما قالت بعكس ذلك، ودعت للمنابر الحرة، للحوار بين جميع البشر.. كل منهم يبين للآخرين ما يراه حقاً وما يراه باطلاً، ويتحاورون حول ذلك.. لم تترك الفكرة، الماركسية مثلاً، وإنما كتبت عنها، وحاضرت فيها، تبين إيجابياتها وسلبياتها.. الفكرة تقول: كل إنسان حر في أن يعتقد ما يشاء.. ولكنها، لا تقل كل العقائد صحيحة، ولا تقول أن أصحاب العقائد المختلفة، ينبغي أن لا ينقد بعضهم البعض، كما يزعم د. النعيم.. الأمر على العكس تماماً.. الدعوة للحق واجب ديني وإنساني، وهي تتضمن، بيان الباطل، والدعوة للتخلي عنه، والتحول للحق.. وهذا بالنسبة لكل الناس.. من حق المسيحي أن يؤمن بالثالوث، كما من حق الهندوسي أن يؤمن بعبادة البقرة.. ولكن من واجبي كمسلم، أن أبين باطل الثالوث وباطل عبادة البقرة، وأدعو أصحابهما للتخلي عنهما، وأقدم لهم البديل الذي أراه صحيحاً.. هذا أمر بداهةً.. وهو ما ظل يجري في الفكرة عملياً.. لم ندّع الوصاية على أحد، ولم نكف عن قول الحق.
لم يقتصر نقدنا لقيم الآخرين، وعقائد الآخرين، على غير المسلمين.. وإنما بالنسبة للمسلمين أنفسهم، نكاد نكون قد نقدنا كل الفرق الإسلامية، التي لها وزن أو نشاط: كان عملنا ضد الأخوان المسلمين، وجماعة الإسلام السياسي، مكثفاً، وممتداً، طوال تاريخ نشاطنا.. وكذلك نقدنا الوهابية، والشيعة، ولنا كتاب جامع إسمه (عقيدة المسلمين اليوم)، تحدث عن فساد العقيدة عند عامة المسلمين، وعند الفرق الإسلامية، وبعض الدعاة، وقد ظل هذا يجري بمبادرة منا، بل كنا فيما أسميناه حملة الدعوة الخاصة، نزورهم في منازلهم نعرض عليهم دعوتنا، ونسمع منهم، وقد جرى هذا الصنيع على مستوى السودان، مدنه وقراه.
في نذارة النبي صلى الله عليه وسلم، تتفرق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، لم يقل كلها ناجية، وإنما قال الناجية فرقة واحدة فقط.. ومن حق أي فرقة أن تعتبر نفسها هي الناجية، ومن واجبها أن تعرض على الآخرين سبيل النجاة، وتحاورهم ويحاورونها فيه.
يستطيع أي إنسان، أن يطلع على الفكرة الجمهورية في مصادرها، إذا اقتنع بمادتها وقيمها، والتزم منهجها (طريق محمد) صلى الله عليه وسلم، فهذا جمهوري، وإلم يسمع به الجمهوريون، والعكس صحيح، من عاش بين الجمهوريين ولوقت طويل، كجمهوري، وهو ليس على الفكرة، هو ليس بجمهوري، وقد نبهنا الأستاذ محمود لهذا الأمر، مراتٍ، كان يقول لنا إن من بيننا من يعتبرون جمهوريين وهم ليسوا كذلك، وسيتكشفون، وترونهم. وقد يكون الفرد قد كان جمهورياً ثم سلب روحياً، فيكون غير جمهوري، أو حتى يكون معادياً للفكرة.. السلب في الإسلام أمر خطير جداً، يقول تعالى عنه: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ".. الأحاديث النبوية في هذا الصدد عديدة.. منها قول المعصوم: "فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها"
والسلب أكثر ما يكون قبل البعث الجديد، وهو من علامات قرب البعث، فالبعث مربوط بأن تُملأ الأرض ظلماً وجوراً، وأكبر الظلم، هو الظلم لله، بإشراك غيره معه، يقول تعالى على لسان لقمان: "يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ"
ولا يسلب، من يسلب، إلا من بعد أن يجري من قبله ما يوجب السلب، وأكبر وأخطر موجبات السلب: سوء الأدب خصوصاً مع النبي صلى الله عليه وسلم.. فالمسلم إذا لم يجعل النبي مرجعيته، فهذا سلب، ومدعاة للسلب، فهو ينفي الإيمان، يقول تعالى: "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا".. لاحظ عبارة (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما)، فالمسلم الذي له مرجعية يتحاكم إليها، ويبني عليها فكره وعمله لم يسلم للنبي، ولم يسلم لله، وهو لن يسلم لله ما لم يسلم للنبي، وأخطر من هذا قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ" .
فمجرد رفع الصوت فوق صوت النبي، والجهر له بالقول، يحبط العمل، فالقيمة في الإسلام، ليست لمجرد العمل، وإنما هي لأن يكون العمل لوجه الله، خالصاً.. يقول تعالى، في الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشراكة، فمن أشرك بي شيئاً تركت نصيبي لشريكي" .
انت قد جعلت قصي يتحدث باسمك
فلماذا تعطي نفسك الحق في أن يتحدث أحدٌ باسمك وتمنع الأستاذ محمود، الحق في أن يعطي أولاده وبناته، الذين أشرف على تربيتهم بنفسه، نفس الحق الذي أعطيته أنت لقصي.. من أعطاك الحق في أن تحجر على الآخرين، ما تبيحه لنفسك؟!
محاولة د. النعيم هذه لإبعاد الأستاذ محمود من أن يكون المرجعية لفكرته، محاولة فجة، وهي محاولة ظاهرة البطلان، ولا تجوز على عاقلٍ، إلا أن يكون له غرض.
أفكار الأستاذ محمود، لها مرجعيتها الواضحة، وهي أقواله في كتبه ومحاضراته، وقبل ذلك، تلاميذه، من الجمهوريين والجمهوريات، الذين قام بتربيتهم على مبادئ الفكرة، وقيمها بنفسه، ويستطيع أي إنسان وليس بالضرورة أن يكون جمهورياً أن يبين ما هو من الفكرة، وما هو ليس منها، برد الموضوع إلى مصادر الفكرة.
ومعظم ما يناقضه د. النعيم، من مبادئ الفكرة، لا علاقة له بالفهم، وإنما هو مجرد خبر، قابل ان يكون كاذباً أو صادقاً.. فمثلاً، عندما يقول د. النعيم أن الفكرة، لا تدعو لدولةٍ إسلامية، أو تشريع جماعي، فهذا خبرٌ، يمكن الرجوع إلى مصادر الفكرة، لبيان صدقه من كذبه، وهو أمر بسيط جداً، ويمكن أن يرد عليه أي إنسان عنده إلمام بالفكرة.. وهكذا كل قضايا د. النعيم، بيان صدقها من كذبها، أو صوابها من خطئها، يكون بالرجوع إلى مصادر الفكرة.. وهذا بالطبع ينطبق على أي فكر في العالم.
مجرد أن يكتب الإنسان، أو يحاضر، وهو يقول أنه تلميذ للأستاذ محمود، فالجميع يعلم أنه يتحدث عن فكرة الأستاذ، وإذا جاء بما يخالف هذه الفكرة، فمن حقهم أن يردوا عليه، بأن هذه ليست أفكار الأستاذ محمود، ويوردوا الدليل على ذلك من مصادر الفكرة.. وليس من حق د. النعيم أن يكتفي بقوله أن هذا هو فهمي للفكرة.. فهمك هذا، لابد من الدليل على صحته من مصادر الفكرة.. وبالطبع كل هذا من الأمور البديهية.. ولكن إلتواءات د. النعيم، إضطرتنا للحديث في الأمور البديهية، التي كان ينبغي ألا تحتاج إلى حديث، ولا تأخذ منا هذا الوقت الذي أخذته.
د. النعيم لا يتحدث عن فهم للفكرة، وإنما يتحدث عن فهم مخالف لها، بل ومناقض لها وفي جميع أساسياتها، فهو في طرحه هذا، ليس تلميذاَ للأستاذ محمود.. على العكس من ذلك، هو رجل يعمل على تشويه سمعة الأستاذ محمود، ودعوته، وما إدعاء التلمذة إلا غطاء لهذا التشويه، يستغل فيه سابقته، كإنسان انتسب للفكرة في يومٍ من الأيام.. ولكن المعيار ليس هو الانتماء لا السابق ولا اللاحق وإنما هو الحق وفق مرجعية الفكرة .
ما هو منطلق الجمهوري وهو يتحدث عن فكرته، وكيف يتحدث؟.. كجميع أصحاب الدعوات الآخرين، يتحدث وفق قيم ومبادئ الدعوة، التي تقوم على مرجعيتها، بالصورة التي تعطي الآخرين الحق، في مناقشته، على ضوء المرجعية.. فعندما أكتب عن الفكرة الجمهورية، من حق أي إنسان، أن يقول لي قولك هذا لا يتفق مع ما يدعو له الأستاذ محمود بدليل كذا، ويورد الدليل الذي يراه، من مصادر الفكرة .
مثلاً، في أول كتاب لي، اصدرته بعد التنفيذ، قلت: "هذا الكتاب ليس بحثاً أكاديمياً، من الخارج، حول دعوة الأستاذ محمود محمد طه للسلام.. وإنما هو عمل من الداخل، فأنا أكتب بصفتي تلميذاً للأستاذ محمود.. فالكتاب، كتب بنفس الصورة التي كان بها الأخوان الجمهوريين، تلاميذ الأستاذ محمود، يكتبون الكتب التي أصدروها، ولنفس الغاية..".. "إذن هذا الكتاب عن دعوة الأستاذ محمود للسلام، معبراً عنها أحد تلاميذه، مستنداً إلى فهمه للدعوة، وإلى كتابات الأستاذ وأقواله..".. لم أقل فهمي للدعوة، واترك الأمر مبهماً، وإنما حددت المرجعية لهذا الفهم (كتابات الأستاذ وأقواله).
يتبع...
خالد الحاج عبدالمحمود
رفاعة في 24/2/2013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.