الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    عيساوي: حركة الأفعى    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفكر والأخلاق في طرح د. النعيم د. النعيم وتفكيك الإسلام الحلقة الثامنة


بسم الله الرحمن الرحيم
المنطق المدني
"يا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴿6﴾ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴿7﴾"
صدق الله العظيم
"إن للحق لدي من الحرمة والقداسة، ما يجعلني لا أذيع إلا ما أستيقن أنه الحق" الأستاذ محمود محمد طه
القراء الكرام .. كل عام وأنتم بخير
الأساس الذي بنى عليه د. النعيم، كل هدمه لأسس الدين، والأخلاق الإسلامية، هو المنطق المدني.. والنعيم، كما يزعم، ينطلق من منطلق إسلامي.. وأول مفارقة، وأكبر مفارقة، لهذا المنطلق الإسلامي، هي ابعاده للمرجعية الدينية.. فأصبح الإسلام عنده، لا يخضع للمرجعية الدينية الخاصة به، وإنما يخضع لمرجعية من خارجه، هي ما أسماه المنطق المدني.. وهذا الصنيع من النعيم، هو أساس كل مفارقاته، فلا يمكن أن يخضع دين، أو أي مذهبية أخرى، لمرجعية غير مرجعيتها، خصوصاً وأنت تتحدث من داخل هذا الدين.. إذا كان د.النعيم لا يتحدث باسم الإسلام، يستطيع أن يبعد الإسلام، ومرجعيته، ولكن مجرد أن يقول أنه يتحدث باسم الإسلام، فهذا يعني بالضرورة، أنه ينطلق من مرجعية الإسلام، وهي الأساس الذي يبني عليه.
القضية الأولى، والأساسية، في أي فكر بشري، أو دين، هي ما هو ثابت عنده، ويرد إليه غيره، والثبات هنا ينبغي أن يكون ثباتاً وجودياً.. مثلا، في الفكر المادي الثابت الوجودي هو المادة، فهي عنده أصل الوجود، ولا يمكن لشيء أن يخرج عنها.. وفي الإسلام الثابت الوجودي، هو الذات الإلهية، وكل تصور للإسلام، ومنهجه ينبني على هذا الثابت.. وهذا الأمر ضروري، ولا معدى عنه، لأن كل الكون في حركة، وتغير، وكذلك الوجود البشري، والفكر البشري.. ولا يمكن أن يكون هنالك قياس صحيح، دون وجود ثابت حقيقي ينبني عليه القياس.
ثم أن الغالب في الوجود، هو الغيب.. والغيب هو: كل ما غاب عن إدراك عقولنا، وحواسنا.. والغيب وجود، بل هو الوجود الحقيقي!! والمعرفة، كل صور المعرفة، هي تحويل لما كان في الغيب إلى عالم الشهادة.. والغيب لا يمكن التعامل معه، إلا بالإيمان، هذا بالنسبة للدين، كما هو بالنسبة للعلم المادي التجريبي.. وعلى ذلك المعرفة، دون إيمان قبلي، أمر مستحيل، في أي مجال من مجالات المعرفة.. دائماً هنالك مسلمات، لم تتم البرهنة عليها، ولا يمكن أن تكون هنالك معرفة من دونها.. في بعض الحالات يطلق عليها اسم مصادرات تمت مناقشة المسألة في كتاب (المعرفة وطبيعة الوجود).
بالنسبة لد. لنعيم الثابت الوجودي، يمكن أن نجده في قوله: "ولكن الأمر فيما يخصني هو أن هذا هو موقفي وهذه بالطبع هي عقيدتي في كيفية حدوث الأشياء في الكون. فأنا لا أعتقد أن الله يفعل الأشياء في هذا الكون بطريقة متجاوزة للوجود المادي أو خارقة للطبيعة"!! فالثابت الوجودي، عند النعيم هو المادية، هو يقول: (فأنا لا أعتقد أن الله يفعل الأشياء في هذا الكون بطريقة متجاوزة للوجود المادي أو خارقة للطبيعة...)!! فالله تعالى، نفسه، عنده، مقيد بالوجود المادي والطبيعة.. هذا هو أساس النظرة الوجودية، عند د.النعيم!! وهي تقوم على جهالة، لا يمكن أن يقول بها مثقف عصري، جاد في فكره.. فقد تجاوز العلم المادي نفسه، المادية بصورة حاسمة كما سبق أن أشرنا:
1) لقد تم التجاوز هذا، منذ أواخر القرن التاسع عشر، بنسبية إنشتاين، في التكافؤ بين المادة والطاقة.
2) تم حسم الأمر بصورة نهائية، من خلال نظرية (الانفجار العظيم)، التي برهنت على أن المادة ليست أزلية.. ونظرية الانفجار العظيم تقوم على خرق لقوانين الطبيعة، التي يفترض النعيم فيها، استحالة الخرق!! وعلى رأس القوانين التي تعتبر ثابتة:
(1) طول بلانك: هو الطول الأصغر الذي يتحول أي جسم أقل منه إلى طاقة تأخذ شكل ثقب أسود يبتلع أي شيء يقترب منه، حتى الضوء.. وهو يساوي (10-33 ) من السم.. أي جزء من مليون مليار مليار مليار من السم.
(2) حرارة بلانك: وهي درجة الحرارة التي لا يمكن تجاوزها وفقاً لقوانين الفيزياء، وتبلغ: مائة الف مليار مليار مليار (1032) درجة مطلقة.
(5) سرعة الضوء:
وحسب نظرية الانفجار العظيم، (المفردة) السابقة على الانفجار العظيم، تقوم على ما يتجاوز هذه الثوابت الفيزيائية.. يقول د. عمر شريف من كتابه (كيف بدأ الخلق): "عندما كان حجم الكون مساوياً للصفر، كانت درجة حرارته، وكذلك كثافته لا نهائية (تتجاوز حرارة ثابت بلانك بمليارات المرات) وفور لحظة الانفجار، ومع تمدد الكون (بسرعة تتجاوز سرعة الضوء بمليار مليار مرة)، بدأت درجة حرارة مكوناته في الانخفاض" ص 43
وماذا كان قبل (المفردة) التي تكون بانفجارها الكون؟ لا أحد من العلماء يستطيع أن يجيبك.
الشاهد أن مادية د. النعيم قديمة، ومتخلفة جداً، عفا عليها الزمن. ثم لا يمكن أن تتحدث عن الإسلام، ومنطلقك مادي، هذا هو أساس كل التناقضات.
من أين أتت هذه الدرجة من الوثوقية لمنهج المنطق المدني، عند النعيم، حتى أنه يحاكم به الدين نفسه، بما فيه ذات الله؟! بل ما هو المنطق المدني؟! يقول د. النعيم: "المنطق المدني هو منهج في الحوار، في الأمور العامة، وليس أي محتوى محدد من أي منظور فلسفي، ديني أو مفهومي معين. والغرض من وراء هذا المنهج هو مقدرة كل منا على إقناع الآخرين بالحجج، ووسائل الخطاب التي لا تعتمد على العقيدة دائماً، حتى لدى من يتجاوزون مستوى العقيدة من خلال الاعتماد عليها" .. هل هذا المنطق المدني، بهذه المواصفات المذكورة، له أي وجود، حتى عند النعيم نفسه؟! الاجابة: قطعاً لا!! ففي حين أن المنطق المدني يستبعد أي فلسفة أو دين، حسب النص، كل طرح النعيم يقوم على فلسفة معينة، مثل النسبوية والبراغماتية ، كما سبق أن وضحنا.. وبذلك دلل النعيم، عملياً، أنه يستحيل أن يفكر الإنسان، بدون الاعتماد على الفلسفة، أو الدين الذي يعتنقه.. إذا أبعدنا المرجعية الدينية، هل يمكن اقناع المسلمين منطقياً، بالمثلية الجنسية؟! هل أورد النعيم أي حجة، تدلل على صحة هذه المثلية؟! في الواقع لم يورد أي حجة، كل ما قاله هو: أنها أصبحت واقعاً المنظور التاريخي هو فقط يبرر لمن هم أساساً مثليين، ومن المستحيل أن يقنع مسلماً، جاداً في دينه بهذه المفارقة، على أساس المنطق المدني.
لقد كتبت حلقة كاملة، في اثبات، أنه لا يوجد أي منطق، في المنطق المدني.. وما يقوم عليه المنطق المدني، بل والتفكير المستقيم، هو مبدأ عدم التناقض، وهو يقول: لا يصح الشيء ونقيضه في نفس الوقت.. وكل طرح النعيم خروج على هذا المبدأ.. راجع حلقة التناقض.
يقول د. النعيم مثلاً: أنه لا توجد دولة دينية، ولا يمكن أن توجد، والأمر كله خطأ في المفهوم، فدولة المدينة عنده سياسة وليست دين، وكذلك دولة سيدنا ابي بكر والخلفاء من بعده.. وفي نفس الوقت يقول: (جدليتي تحديداً هي أنه ليس هنالك شيء غير إسلامي، فيما يتعلق بالدولة المدنية، كإطار ضروري لمفاوضة الدور، الطبيعي والشرعي، للإسلام في الحياة العامة)!!الاسلام وعلمانية الدولة ص435
فإذا كان ليس هنالك شيء غير اسلامي في الدولة المدنية، ودولة المدينة دولة مدنية حسب رؤيته وكذلك دولة الخلفاء فلماذا هذه الدول ليست دينية؟! منطقك نفسه لا يؤدي الى هذه النتيجة، ولكنها المبالغة في التحامل ضد الإسلام.
ويقول عن الجهاد أنه حرب عدوانية من المسلمين خارج الشرعية الدولية، وفي نفس الوقت يقول إن الإسلام لا يغير الواقع الذي يجده، وإنما يتبناه!!
بنى النعيم على المنطق المدني، هدم كل شيء له قيمة وجميل في الوجود: أبعد المرجعية الدينية، وجعل الدين كله صناعة بشرية وعلمانية لا وجود لشي محدد اسمه الإسلام.. لا يوجد إنسان عالمي.. لا توجد قيم أخلاقية ثابتة، ومشتركة.. الصراع بين البشر قائم إلى يوم القيامة.. العدل مستحيل وكذلك المساواة ونصرة المستضعفين....إلخ.
ومن الجانب الآخر برر كل فسق وفجور، وكل هذا يتم بثقة وجرأة، اعتماداً على المنطق المدني!! فهل المنطق المدني، عند صاحبه واضح، ومؤكد بالصورة التي تؤدي لكل هذه التضحية بكل ما هو ايجابي وقيم وجميل في حياة البشر؟!
اسمع الفاجعة!! يقول النعيم من كتابه الأساسي (الإسلام وعلمانية الدولة) ما نصه: "في ختام هذا القسم، أحب أن أعترف بأن مفهوم المنطق المدني عندي لا يزال مؤقتاً وفي طور النمو، واعتبر أنها علامة صحة أن لا أكون محصوراً في نظرة معينة. أو مفصلة لهذا المفهوم"!! ص 145
حقاً احترت ماذا أقول!! كل هذا التخريب للدين، والجرأة على الله، وتخريب كل ما هو قيِّم وجميل في الحياة، يتم على أساس، عند صاحبه نفسه مؤقت!! أقام العباد فيما أراد.
لا يوجد أي شيء في طرح النعيم لا فكر ولا دين سوى تخريب جميع أساسيات الإسلام، ومقومات الأخلاق الفاضلة، لمصلحة سيادة (النموذج الأمريكي).. هو يلغي كل ميزان أو معيار للفكر والخلق، كما يلغي كل مرجعية، ومع هذا الإلغاء، لا يبقى سوى العبث والعدمية.
النعيم، ليس شخصاً وحسب، وإنما هي ظاهرة.. هنالك العديد من أمثاله، في العالم الإسلامي.. أمريكا أعلنت الحرب على الإسلام.. وسمى، استراتيجيوها، أمثال هنتغنتون، هذه الحرب ب (حرب الحضارات) .. وهنتغنتون يرى أن "الحضارتين الإسلامية والكونفوشيوسية، هما الحضارتان اللتان لا يمكنهما أن تندمجا في الحضارة الغربية، وتسعيان للتحديث بدون (غربنة)، وأن الصراع بينهما وبين الحضارة الغربية حتمي".. وهنالك من المفكرين الغربيين، من ينتقد المبالغة في عداوة الإسلام، ويسمي الظاهرة ب (الإسلام فوبيا).. ولكن هنتغنتون، وأشياعه، هم الذين يمثلون الوجه الرسمي.. ويستخدم الغرب في حربه هذه أسلوب (حصان طروادة) .. هم يحاربون الإسلام من الداخل، من خلال أبنائه، والمنتمين إليه.. وسلاحهم الأساسي، هو سلاح الرأسمالية: الدعاية والمال.. ومن خلال هذا السلاح هم يصنعون مفكرين وأفكاراً.. وهنالك علامة تجارية واضحة: إذا وجدت من يُطلق عليه اسم مفكر اسلامي، وهو يتحدث عن عدم وجود دولة في الإسلام، فاعلم أنه صناعة أمريكية!! وأبحث عن الدولار (أبو صلعة) كما قال لي أحد القراء، وستجده!! انتبهوا جيداً لهذه الظاهرة، خصوصاً بين جماعات الإسلام السياسي، وستجدون حديثاً كثيراً عن الدولة المدنية، باسم الإسلام.
(النعيموية)، ظاهرة، وهي صناعة أمريكية.. والظاهرة، ستستقطب العديد من طلاب الدنيا، فللدجال قسمته من الأتباع!!
النعيم والموضوعية من جديد:
لا يزال د. النعيم يتذرع لعدم دخوله في النقاش بالذريعة القديمة، ذريعة (لا لمحكمة الردة) .. فهو يزعم أنني قمت بمحاكمته: (لأن المحاكمة أن توجه التهم للمتهم، ثم تقدم البينات في إثباتها، وتعطي الفرصة للمتهم ليقدم دفاعه)، حسب قوله.. وهذا قول مفضوح، وظاهر البطلان.. فأنا لم أبدأ باتهام، كما زعم.. على العكس من ذلك تماماً، مضى وقت طويل وأنا أكتب في الصالون موقع للجمهوريين وأنا أنصحه أن يراجع بعض أقواله.. أذكر له القول، وأقول له: أرجو أن يراجع الأخ عبدالله، هذا القول بينه وبين نفسه.. وأستفسره في بعض الأمور، مثل سؤالي له عن ( المنطق المدني) الذي يتحدث عنه.. ومما قلته وقتها (أنا أتعامل مع طرح الأخ عبدالله على اعتبار أنه طرح واحد من الأخوان، يقدم ما يفهمه هو عن الفكرة، أو ما يراه مناسباً أن يقدم في المرحلة.. من الواضح أنني أختلف مع الأخ عبدالله في طرحه.. وفي طرحي الذي اختلف فيه مع عبدالله، أنا لا أخرج من كوني أخ له وجهة نظر يراها صحيحة، وهي عند الآخرين قابلة لأن تكون صحيحة أو خاطئة) .. ولما لم أكن قد اكتشفت وقتها أن عبدالله يكذب، خلي عنك أن يكون الكذب عنده فلسفة!! فقد قلت في ذلك الوقت: "هنالك انطباع شخصي أحب أن اطرحه في ختام هذه الحلقة: من المؤكد أن الأخ عبدالله صادق فيما يقول، وهذا عهدي به دائماً، من خلال معرفتي الشخصية به.. انطباعي أن الأخ عبدالله يهدف من كتابته، وأقواله، التي نحن بصددها الى تقديم الفكرة في اطار يعتبره هو عملي ومناسب للواقع، ويناسب استعداده هو الشخصي.. ما أدى هذا الانطباع عندي هو حوار قصير مع الأخ عبدالله بمنزلنا برفاعة.. من ذلك الحوار فهمت أن الخ عبدالله يرمي من طرحه، الى ما ظللنا نقول دائماً في محاربتنا للدستور الإسلامي المزيف، الى أن الدستور المدني أفضل من الدستور الإسلامي المزيف، ولكن الدستور الإسلامي الصحيح أفضل منهما الاثنين".. وبكل أسف اتضح لي مؤخراً أنه منذ ذلك الوقت كان يكذب، ويمارس ازدواجية الخطاب، وقد خدعني.. وقلت وقتها: "أمران يهمانني بصورة خاصة: الصدق والأدب، فأنا أحب أن أكون صادقاً مع ربي، ومع نفسي، ومع الأخ عبدالله ومع الآخرين.. وسأتحرى هذا الصدق ما وسعني الأمر، كما أرجو أن أكون في مستوى الأدب الذي يليق بي، وبتقديري وإعزازي للأخ عبدالله، دون إخلال بالصدق والوضوح، فأنا لا أعتبر الأدب يقتضي المجاملة على حساب الحق أو على حساب التقصير في النصيحة".. هذه نماذج لما كنت أقوله، قبل أن تتضح لي أبعاد المؤامرة، والكيد الرخيص.. أما بعد أن اتضح ذلك فقد كان لابد لأسلوب الخطاب أن يتغير، خصوصاً أن الكتابة بالأسلوب الأول أخذت وقتاً طويلاً، يقرب من العام ونصف ولم يدخل عبدالله في الحوار، وكان يبدو وكأنه متكبر على الدخول في الحوار.. ولكنه كان خائفاً من أن ينكشف من أمره ما كان يعلمه هو، ونجهله نحن، وهو ما انكشف مؤخراً بصورة جلية.. وأنا أساسا لم أكن أعرف عمله هذا الخطير ضد الإسلام وضد الفكرة الجمهورية.. وقد ظللت نحو أربعين عاماً لا أعرف عنه شيئاً.. وقد ظل العمل يجري، حسب رواية النعيم نفسه منذ أوائل الثمانينات، وأنا لم أعلم بطرف منه إلا في عام 2009م .. ولقد كتبت أكثر من عام ونصف في الصالون، وكان النعيم يرفض أن يدخل في النقاش حتى في هذا المنبر الخاص.. أنا لم أبادر، وإنما النعيم هو من بادر، وأنا أرد عليه، وبعد زمن طويل.. ومحكمة الردة قضاءٌ رسميٌ.. وأنا لا علاقة لي بالقضاء بداهة.. وموضوعي الأساسي، في الرد على النعيم هو الإسلام، يعني دين، قبل كل شيء وفوق كل شيء.. وقد وقفت على مفارقاته الدينية الواضحة، والخطيرة جداً، ولم تكتمل الصورة عندي إلا بعد الاطلاع على المعلومات التي أوردتها في كتابتي الأخيرة، وهي من الوضوح، بحيث يستحيل أن يرد عليها النعيم، رداً موضوعياً، ولذلك هو يتهرب بهذه الصورة.
فعملياً النعيم، هو من حاكم الإسلام، والفكرة الجمهورية، وأنا أدافع عنهما.. وقد كان موقفي المعلن منذ البداية، هو أنني أكتب من أجل نصيحة النعيم في المكان الأول، ومن أجل تصحيح التشويه الذي ألحقه بالإسلام عامة، والفكرة الجمهورية خاصة في المكان الثاني.. وهذا قول قد تكرر.
ومن أغرب الأشياء أن يتهمني النعيم بعدم الموضوعية!! أنت يا د. النعيم منطلقك الأساسي الذاتية والنسبوية.. وقلت صراحة الذاتية أفضل من الموضوعية، وزعمت أن كل الناس نسبويون، وأوردنا أقوالك الواضحة في ذلك.. وعملياً أنت تقرر فقط.. وأنت تقول في أخطر الأمور: أنا عبدالله أحمد النعيم أقول، دون مجرد محاولة لإيراد أي دليل، ومن جانبي لم أناقش أي قضية إلا بعد أن أورد قولك فيها قولك أنت شخصياً عبدالله أحمد النعيم، ثم أورد نقدي لها.. والكتابات موجودة في الموقع!! وأقوالك، كما أوردتها مستفيضة جداً، وواضحة جداً، وتفسر بعضها البعض، وهي مبنية على فلسفة خاصة بك مثل: النسبوية والمنظور التاريخي والبراغماتية، وقد أوردت أقوالك الواضحة فيها، وهدمك للإسلام هو تطبيق لهذه الفلسفة، وقد بيَّناه بصورة واضحة، من أقوالك أنت، وليس أي أقوال أخرى.. ونحن بعد الجولة الأولى، أوردنا أقوالك، ومصادرها، دون أي حديث حولها.. وهذ ما سنفعله بعد هذه الجولة إن شاء الله.. وأنت حتى في كتابتك هذه، لم تورد أي نص، من أقوالي، وإنما هو كلام معمم وغير صحيح، كما سنبين.
أنظر لهذا القول من النعيم: "ففي المرحلة السابقة من حملته زعم الأستاذ خالد أني عضو في شبكة (الإسلام الليبرالي) في إندونيسيا، ثم بنى حجته في عدم تقديس القرآن، وعدم احترام النبي عليه الصلاة والسلام، بأن ذلك هو موقف رئيس تلك الشبكة (أولي الابصار عبدالله)، وبالتالي هو موقفي، أنا بالضرورة"!! بدل زعم، قل: قال خالد، وأورد قولي كما ظللنا نفعل معك دائماً.. قولك هذا غير صحيح.. أنا أوردت أقوالك أنت شخصياً في عدم التقديس، وهي مستفيضة.. نحن يا دكتور نخاطب قراءً لهم عقول، والأقوال موجودة في الموقع.. نحن هنا نذكر القراء بما سبق أن أوردناه بهذا الصدد.
أنت قلت: (أنا في سبيل رفع القداسة عن أي فكر أو عمل بشري، وخصوصاً عندما يدعي أصحابه قداسة الدين باسم الدولة الإسلامية).. وقلت: (ليس هناك نص مقدس، نحن نتكلم عن القدسية، وعن القرآن منزل، ولكن عندما يدخل القرآن العقل والتجربة البشرية ما عاد نص مقدس).. وقلت: (من يقول بقداسة النصوص لا يملك مقدرة بمعنى النص إلا من خلال تجربته غير المقدسة والقاصرة).. وقلت: (أياً كان شكل الدولة الذي يأخذ به المسلمون من أجل خدمة تلك الأغراض الحيوية فسيكون مفهوماً بشرياً بالضرورة، والذي بدوره سيكون علمانياً "أي مادياً بشرياً"، وليس إسلامياً مقدساً حتى وإن كان الاتفاق على تلك المرجعية بين المسلمين).. وقلت: (الواسطة البشرية كانت جزءاً لا يتجزأ من وحي، وتبيين، وتطبيق الإسلام منذ بدئه في القرن السابع).. وقلت: (الإسلام أنزل للناس (هدى للناس)، إذن لا يوجد نص ديني موحى من الله، بصورة صرفة.. النص لا يوجد في فراغ.. هنالك دائماً عملية تصفية بين المقدس وغير المقدس) .. وقلت: عمل النبي صلى الله عليه وسلم في دولة المدينة سياسة وليس دين.. وقلت: الدين صناعة بشرية، وعلمانية..
كل هذا قلته أنت شخصياً، وغيره كثير.. وقد أوردنا مصادر النصوص وهي متنوعة، وليست من الشبكة فقط..
النعيم، يريد أن يشكك القاريء، بأسلوب ملتوي، ويوهم القراء بأنني لم أورد أقواله.. هذا مهرب ضيق جداً، فالأقوال موجودة!! أسمعه يقول: "فقد واصل الأستاذ خالد استخدام نفس المنطق في المرحلة الثانية من حملته ومع هذه المفارقة التامة لقواعد الحوار الموضوعي أو المحاكمة العادلة، يبقى الحق والمسئولية لدى القارئ الكريم أن يتحرى في الأمر بقدر الإمكان. وهذا قد أصبح أمرا ميسورا والحمد لله. فيمكن مثلا مراجعة المواقع الإلكترونية المذكورة في السياق أو النظر في أساس المزاعم فيما قلته أنا (عبد الله أحمد النعيم) أو أعلنته من مواقف ، كتابة أو شفاهة، في أي مكان، في أي وقت في حياتي".
بدل هذا التعميم والابهام، كان ينبغي أن تذكر نماذج محددة.. نحن كتبنا عن عدم مصداقيتك بصورة وافية ومحددة، ومن أقوالك.. وقولك هذا سبقناك عليه، بتحديد مصادرنا.. وبعرض قائمة بأقوالك والمصادر الواردة فيها، دون مناقشة!! والمصادر، ليست هي المواقع الالكترونية وحسب، كما تريد أن توهم القراء، فهنالك كتبك، ومحاضراتك، ومقابلاتك الصحفية، وبعضها أوردته الصحافة السودانية، بالإضافة للمواقع بالشبكة.. لو كانت هنالك اي فرصة، للتشكيك في صحة معلومة واحدة، أو مصدرها، لما صمت كل هذا الصمت، منذ 2009م.. يبدو أنك، تفترض كسل القراء وتبني عليه.
يعلق د. النعيم، موقفه من الرد عليّ بشرط هو يعلم تماماً أنه مرفوض لأنه سبق أن قاله.. هذا الشرط جاء في قوله: "وانما أطالبه فقط بسحب اتهامه لي بتعمد تشويه الإسلام والفكرة الجمهورية".. هذا هو الموضوع الأساسي، وأنت تعلم ذلك.. فأنا لم أقل فقط أنك تتعمد تشويه الإسلام والفكرة، وإنما قلت أنك تفعل ذلك لمصلحة خصوم الإسلام، وفي إطار حملة ضخمة جداً من الغرب، ضد الإسلام.. وأن عملك يجد التمويل من مؤسسات غربية، مثل مؤسسة فورد، وهي مرتبطة بالمخابرات الأمريكية.. وكل هذا أقمت عليه الأدلة الواضحة والوافية.. فأنت مجرد سِنَّة صغيرة، في دولاب كبير.. وكون عملك يجري في هذا الإطار الكبير، هو أوضح دليل على أنه متعمد.
وأمر التعمد أنت تعلمه تماماً، بحكم أنك قانوني.. فالقتل العمد في القانون يختلف عن القتل الخطأ، ويمكن اثباته.. أن يكون عملك هذا غير متعمد، يعني انه نتيجة جهل بحقيقة الأمر، أو خطأ.. وهذا أمر مستحيل.. فأنت تعلم تماماً مخالفة قضاياك للإسلام وللفكرة، وقد أثبتنا لك ذلك، من أقوالك.. فالتعمد أمر لا يتطرق إليه الشك، ويستحيل الدفاع عنه.. وهو تعمد مع سبق الاصرار والترصد، فحتى عندما راجعناك في الأمور الأولية، مثل زعمك أن الفكرة الجمهورية لا تدعو لدولة إسلامية، وتشريع جماعي على مستوى الدولة، وطلبنا منك إما إيراد الدليل على زعمك هذا من أقوال الأستاذ محمود، أو تصحيحه بإثبات أن الفكرة الجمهورية تدعو لدولة إسلامية وتشريع جماعي.. هذا الأمر البسيط، والواضح ابتداءاً، رفضت تصحيحه، مما يؤكد الاصرار.. أمرك، ليس أمر جهل، وإنما هو أمر جحود.. والجحود هو إنكار ما تستيقنه النفس!! يقول تعالى في ذلك: "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا، فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ"
أنت تقول: "فتأسياً بموقف سيدي الأستاذ محمود محمد طه في رفضه لمحكمة الردة الاولى والثانية، فانا أرفض محاكمة الاستاذ خالد الحاج لعقيدتي وعرضي"!! أنت في قولك هذا، لا تتأسى بالأستاذ، وإنما تستغل اسمه، كالعادة، للتهرب من الرد.. نقاشي لطرحك ليس محاكمة، ولا أنا قاضٍ.. والأستاذ محمود رد على اتهامات محكمة الردة، ردود مستفيضة، في عدد من الكتب.. ولوكنت تتأسى به لقمت بالرد، مع الاختلاف الشاسع بين الموقفين.. الأستاذ داعية للإسلام، وأنت تعمل على هدم دعوته، وتشويهها من الداخل، وباسم الانتماء إليها.. وهذا أسوأ من عمل محكمة الردة ..
يا د. النعيم التهرب لن يجدي.. الأمر أمر دين، لا مكان فيه لغير الجد والصدق والخلوص.. موقفك الديني سيءٌ جداً، بل هو مرعب.. ومن يقول لك خلاف ذلك، هو يجرم في حقه وفي حقك، وليس فيه خير لا لك، ولا لنفسه.. قلت لك، أنا لست قاضيك وإنما أنا من يريد لك أن تنتهز فرصة التوبة علك ترجع إلى ربك، قبل فوات الأوان.. أنت لم تتعرض قط لنصيحتي لك بالرجوع إلى ربك مع أن هذا الأمر تكرر كثيراً، في كتابتي لك، والأمر الأساسي، هو موضوع النصيحة.. وموضوع التصحيح يأتي في الدرجة الثانية.. والنصيحة إذا لم تكن واضحة وخالصة لا تكون نصيحة.. إن رجوعك إلى ربك، يكون بقدر معرفتك لجرمك.. قلت لك، وأكرر، ما أريده لك أفضل مما تريده لنفسك، بما لا يقاس.. وليس في ذلك أدنى شك.. أنت تريد الدنيا، وأنا أريد لك سلامة الآخرة، لم أجاملك على حساب الحق، وعلى حسابك.. ولن أجاملك.. لم أتحامل عليك، ولا يوجد سبب لذلك، بعد مرور أربعين عاماً، خطابي الواضح والشديد، هو الرحمة، لأنه تعبير عن الحرص على دينك، وهو عمل على إيقاظك من غفلتك المستولية، حتى ترجع إلى ربك، قبل فوات الأوان.. ومن يرى خلاف ذلك فإنما لموات الحس الإنساني عنده، وعدم اهتمامه بالآخرين.. فهو عملياً يعمل على إبقائك على ما أنت عليه، ويحجب عنك جرمك الشنيع، بقوله المملس، ولا يهتم كيف تلقى ربك.. وعلى ذكر محكمة الردة، كيف كان الرد على أصحاب الفتنة فيها؟! لقد كان صارماً، شديد العبارة، لا يجامل في الحق، ولا يقول غير الحق.
كان ينبغي أن تستحي من ذكر محكمة الردة، لأنك تقوم بنفس دور المدعيين فيها، ولكن بصورة أسوأ بكثير جداً!! المدعيان قاما بتشويه الفكرة ببتر النصوص والكذب، ونسبة ما ليس من الفكرة اليها وهذا ما تقوم به أنت الآن، ولكن بصورة أبشع وأوسع.. هما عملهما وقف عند الجمهوريين والفكرة، وأنت عملك طال الإسلام كله.. هما كانا صنائع لدول إقليمية.. وأنت صنيعة لأكبر قوة عالمية.. وأنت تقول أن عدم ردك عليَّ تأسياً بالأستاذ محمود في موقفه من محكمة الردة.. يبدو أنك فقدت الذاكرة، فرد الأستاذ محمود والجمهوريين على افتراءات محكمة الردة كان واسعاً وشديداً.. بدأ بسيل من المنشورات القوية، التي تفضح المحكمة والاتهامات، وتذكر المدعيين، وأمثالهما بمكانتهم، وقيمتهم الحقيقية.. فمع الرد على الادعاءات والأكاذيب كانت المنشورات تذكر الأشياخ بتبعيتهم للحكام يستخدمونهم في أغراضهم، ويستغلون عن طريقهم الدين لأغراض الدنيا.. وقد جاء في اول منشور قوله: "إنكم أخس وأذل من ان تطمعوا في، فقد قاومت الاستعمار حين كنتم تلعقون جزم الانجليز".. وجاء "هل تريدون الحق أيها القضاة الشرعيون؟ إذن فاسمعوا!! إنكم آخر من يتحدث عن الإسلام، لقد أفنيتم شبابكم في التمسح بأعتاب السلطة، من الحكام الانجليز والحكام العسكريين، فأريحوا الإسلام، وأريحوا الناس من هذه الغثاثة".. وجاء من تلك الكتابات عن القضاة الشرعيين ما نصه: "متى عرف القضاة الشرعيون رجولة الرجال، وعزة الأحرار، وصمود أصحاب الأفكار؟ إن القضاة الشرعيين لا يعرفون حقيقة أنفسهم، قد يكون من مصلحتهم، ومصلحة هذا البلد الذي نعزه، ومن مصلحة الدعوة التي نفديها أن نتطوع نحن ونوظف أقلامنا ومنبرنا، لكشف هذه الحقيقة لشعبنا العزيز".. وهذا القول، يمكن ان يقال اليوم، بحق، عن د. النعيم.. أبعد كلمة قضاة شرعيين واستبدلها بكلمة د. النعيم، وينطبق القول بأكثر مما كان ينطبق على القضاة الشرعيين.
وقد جرت عديد المحاضرات تفضح المحكمة.. وتمت الكتابة في الصحف، فصدرت الكتيبات، وظل إصدار الكتيبات أو إعادة طبعها يتجدد في كل ذكرى للمحكمة.
فأنت تمثل دور المدعيين بالكامل، وبصورة أكبر وأخطر.. وأنا أمثل دور الرد عليك، والدفاع عن الفكرة والإسلام، والحمد لله على ذلك.. ولم تصل شدة ردي عليك، إلى قريب من شدة الرد على تشويه محكمة الردة، وأنا أعترف بتقصيري في ذلك، وعذري هو مراعاة سابقتك، وطمعي في الله، أن تعود إلى كنفه الرحيم.. وحتى الشدة، مع أنها حق، كان هذا غرضها، ولم أبدأ بها، وإنما بدأت باللين لزمن طويل، كما ذكرت.
إن ما تتفوق به على مدعيي محكمة الردة هو أنهما أساساً خصوم.. أما انت، فقد انتميت للفكرة، وعرفتها، وعايشت مرشدها، وبعد ذلك عملت على هدمها، وباسمها!! إن موقفك أقبح بكثير جداً.
فلنذكر من جديد بما تقوله عن الفكرة مما هو مخالف لها، بل ومناقض لها؟!
1. الفكرة تدعو إلى منهاج طريق محمد صلى الله عليه وسلم، منهاج التقوى: "واتقوا الله، ويعلمكم الله".. وأنت منذ البداية تبعد هذا المنهاج، تبعد المرجعية الدينية، وتبني على (المنطق المدني).
2. الفكرة تدعو للإسلام وأنت تقول أنه لا يوجد شيء متماسك اسمه الإسلام، يمكن تعريفه.. وتزعم أن الخلل في الإسلام.
3. الفكرة ضد العلمانية، وترى أن طريقها طريق مسدود، وأنت ترى أن العلمانية هي الحل الوحيد، وحتى الدين عندك علماني وصناعة بشرية.
4. الفكرة تدعو للتوحيد، وأنت تدعو لمادية متخلفة وتزعم أن الله نفسه لا يعمل بصورة تتجاوز الطبيعة والوجود المادي.
5. الفكرة تدعو لعقل المعاد، وتقول أن الدين لا يفهم إلا به.. وأنت تستبعد عقل المعاد عقل الدين ابتداء، لأنه يقوم على العقيدة، وتستبدله بعقل المعاش العقل الأداتي.
6. الفكرة تدعو لتحقيق إنسانية الإنسان عن طريق التزام القيم الإنسانية العليا.. وأنت تقول أساساً لا يوجد إنسان عالمي (إنسان كوكبي).
7. الفكرة تدعو إلى الحياة العليا حياة الإنسان، وتحددها.. وأنت تدعو للحياة الدنيا.
8. الفكرة تدعو للتقديس، خصوصاً تقديس القرآن والمعصوم.. وأنت ضد التقديس.
9. الفكرة تدعو إلى تطوير التشريع، والعمل بأصول القرآن.. وأنت تستبدل تطوير التشريع بإعادة تفسير الشريعة، وحتى هذه هي مجرد خداع لأنك أساساً تقول أنه لا توجد دولة اسلامية.
10. الفكرة تنبني على القانون الطبيعي.. وأنت تنفي وجوده في الإسلام، وتزعم أنه مفهوم مسيحي.
11. الفكرة تتحدث عن حكم الوقت كمبدأ وجودي أساسي.. وتفرق بين الإرادة والرضا.. وتدعو لاتباع مرضاة الله حسب حكم الوقت.. وأنت تستبدل هذا بما اسميته (المنظور التاريخي)، وفيه الله تعالى مستبعد، والتاريخ يعمل من نفسه.. وحكمه هو الحق.
12. الفكرة تدعو إلى ميزان التوحيد، ميزان (لا إله إلا الله) وأنت تدعو إلى ميزان المنطق المدني وفق مبادئك الفلسفية، وتزن به الإسلام نفسه.. وعندك أن القرآن لم يوضح معنى (لا إله إلا الله)
13. الفكرة تقول أنه لا فاعلية إلا لله، وأنت تقول الفاعلية للواسطة البشرية.
14. الفكرة تقول أن الشريعة تقوم على الآيات المحكمات وهي تقوم على الظاهر وواضحة وثابتة.. وأنت تقول أن القرآن لم يبين الآيات المحكمات، وأنك ضد القول بأن الشريعة ثابتة ومحددة، وتزعم أنها ليست من الله، وإنما هي من صنع البشر.
15. الفكرة تدعو إلى العدل، والمساواة، ونصرة المستضعفين وتبشر به.. وأنت تقول أن كل هذا مستحيل، وأن من يقول به إما مضلل لنفسه أو مخادع للناس.
16. الفكرة تدعو إلى دولة إسلامية تقوم على أصول القرآن، وعلى دستور إسلامي يوفق بين الفرد والجماعة ويجمع بين الاشتراكية والديمقراطية في جهاز واحد.. وأنت تقول لا توجد دولة إسلامية، والقول بها خطأ في المفهوم.. وليس عندك غير الدستور العلماني الذي تقول الفكرة أن الدعوة له خيانة.
17. الفكرة تدعو لتحول حضاري يقوم على الإسلام.. وأنت تصر على بقاء الوضع على ما هو عليه.
18. الفكرة داعية للاشتراكية.. وأنت عملياً تقف مع الرأسمالية العالمية، وأسلوب حياتها.
19. الفكرة تدعو للعفة التامة وتبشر بها.. وأنت تدعو للإباحية الجنسية الشاملة، التي تقوم على النسبوية، وعلى حقوق الإنسان بالمفهوم الغربي.
20. الفكرة عندها المثلية الجنسية من الكبائر.. وأنت عندك هي من حقوق الإنسان.. وتعمل على نشرها.
21. الفكرة تبشر بالمسيح المحمدي، وأنت عندك القول بعودة المسيح أمر غير عقلاني.. وتقول حتى لو جاء المسيح لن يحل مشكلتك إلا إذا قمت بحلها أنت بنفسك.
22. الفكرة تمجد السودان وأهل السودان، الذين حفظ الله عليهم من أصائل الطبائع بما سيجعلهم نقطة التقاء الأرض بأسباب السماء.. وأنت تحقر من السودان وأهل السودان.
23. الفكرة حملتها جماعة عرفت بالإخوان الجمهوريين.. وأنت تقول أنك لا تعبأ بالجمهوريين كجماعة.
24. الجمهوريون ناضلوا ضد الاستعمار القديم نضالاً مجيداً.. وأنت تعمل لمصلحة الاستعمار الحديث، عملاً نشطاً، وفي أشد الميادين إظلاماً، ومفارقة لمبادئ الدين وقيمه، ميدان الشذوذ الجنسي باسم حقوق الانسان.
رأينا أن دكتور النعيم نسبوي، وأوردنا أقواله الواضحة في ذلك.. وهو يعامل حتى الإسلام من المنطلق النسبوي.. فقط، هنالك مجال واحد هو لا يقبل فيه النسبوية، هو مجال حقوق الإنسان بالمفهوم الغربي.. هو يصر على حقوق الإنسان كلها، بما فيها حقوق المثليين.. ويرفض أن يعتذر البعض في رفضهم للمثلية بدينهم أو ثقافتهم.
هذه مجرد نماذج، وكلها مأخوذة من أقوال النعيم شخصياً وقد أوردناها وسنوردها من جديد.. فإذا كانت أقوال النعيم هذه تتفق مع الفكرة ومع الإسلام، فهذا يعني أننا قوم ليست لنا عقول.
القضية قضية دين، وموقف النعيم ليس موقفاً فكرياً، من داخل الفكرة أو الإسلام، وإنما هو موقف ضدهما بصورة أساسية.. هو فساد في العقيدة كاسح.. العقيدة الأولية والأساسية.
نحن، كجمهوريين، سبق لنا أن اصدرنا كتاباً، باسم (عقيدة المسلمين اليوم)، نعينا فيه على بعض الجماعات والأفراد، فساد عقيدتهم، خصوصاً في النبي صلى الله عليه وسلم، وفي القرآن.. ومن بين هؤلاء شيخ حسن الترابي، والسيد الصادق المهدي.. ومما ذكرناه عن فساد عقيدة الترابي، قوله حول حديث الذبابة، وقوله عن القرآن الذي جاء فيه: "(ولا غرو أن نزل القرآن، منسجماً على الحادثات في اسلوب متحرّك يحيط بالحدث ويبيّن عبرته ومغزى المواقف من حوله، ولم يجئ كتاباً ينظم المستقبل بدستور من الافكار المجردة" .. وأخذنا على الصادق دعوته لعدم تقديس النبي صلى الله عليه وسلم.. وموضوع تأبير النخيل.. وتحدثنا عن فساد عقيدة الرجلين، بناءاً على مواقفهم هذه.. وهما لم يقولا أي شيء يقرب ولو من بعيد، من فساد عقيدة د. النعيم.
فساد العقيدة، عند المسلم، يحبط العمل كله.. وفساد عقيدة النعيم ليس عليه من مزيد.. لو قيل لي أن عزيزاً لديّ، أصيب بمرض عضال، كالسرطان مثلاً، فإنني أحزن عليه حزناً شديداً، ولكنه إن كان من الذين لم يبدلوا في دينهم، فإن ذلك مما يخفف من حزني وألمي.. إن أكبر، وأخطر ما يبتلى به الإنسان، هو أن يبتلى في دينه، فهذا الحزن عليه أكبر، ولا عزاء فيه إلا أن يتفضل عليه ربه بالتوبة، والرجوع اليه قبل ملاقاته.
أصدقك القول يا د. النعيم وأنا لست في حاجة لأن أقول هذا أنا لم أتألم، وأحزن قط، مثل ألمي وحزني، على ما صرت إليه إلا لغيبة الأستاذ محمود، وانتقال زوجتي!! يقول المعصوم: "من لا يهتم بأمر المسلمين ليس منهم".. والاهتمام ليس مجرد كلمات، وإنما هو قبل ذلك، حياة، ومعاناة، تعاش، وسريرة يكشف عنها يوم تبلى السرائر.
قطعاً أنا لن أظل أنصحه إلى ما لا نهاية.. فقد أبرأت ذمتي في أمر نصيحته، فأرجو الله له أن يعود إلى ربه، فليس أمامه أي خيار آخر.. هذا هو خياره الوحيد ومن يضلله عنه هو شخص منذور الحظ من الحس الإنساني السليم، وهو يضل بقدر ما يضلله.. ليس هناك فسحة من الزمن، احذر التسويف، والأماني الباطلة، تلك التي قال عنها تعالى: "فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا"!! .. لا أحد يدري متى يأتي قضاء الله.. وكفاية خداعاً للنفس.. الحساب حق.. وهو بموازين الذر.. كما حذرتك، وأحذرك من اليأس من رحمة الله، فالله تعالى لا يتعاظمه شيء وهو يغفر الذنوب جميعها، فارجع اليه تجده غفوراً رحيماً.. ولا تنسى أنه شديد العقاب..
انتهى دور النصيحة فأنا لن أنصحك بعد اليوم.. وحديثي عن الظاهرة مستمر، وسأورد مواقفك وأقوالك كنماذج.
الأمر واضح جداً، فلا تغالط نفسك.. أنت مفوض في منظمةICJ وهي أكبر مروج للمثلية، ومدافع عنها، في العالم، وقد أوردنا الدليل، ويمكن أن تنفيه بجملة واحدة: أنا لست عضواً بهذه المنظمة ونحن سنعرف كيف سنثبت عضويتك.. فإذا صح ذلك، وهو قطعاً صحيح، فإن القول بأنك من أكبر المروجين للفسق والفجور في العالم، قول صحيح تماماً، ولا يتطرق إليه أي شك.. هذا بالإضافة إلى نشاطك في مجال حقوق الإنسان، الذي تصر فيه على حقوق المثليين، وترفض استبعادها، من قبل الذين يستبعدونها باسم الثقافة الخاصة والدين.. وأنت على ذلك من الذين يعملون على فرض الفسق والفجور على الشعوب، وفي إطار نشاط واسع جداً، تقوم به الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وهذا ما سنتناوله في الحلقة القادمة.
أنت قدمت لكتاب ميلودي معزي: (الحرب على الخطأ)، واعتبرت ما ورد فيه من نماذج تطبيق لمبادئك، حول تفاعل الثقافات والمنظور التاريخي.. واعتبرت شخصياته نموذجاً للإسلام الأمريكي.. قل في جملة واحدة أنك لم تقدم للكتاب، وإثبات العكس واجبنا نحن.. اما زعمك، بانني لا أبني على أقوالك، وإنما على أقوال غيرك، فنحن نرفق مع هذه الحلقة قائمة بأهم أقوالك المفارقة أقوالك أنت شخصياً (عبدالله أحمد النعيم) وليست أقوال أحد غيرك.. وعليك أن تنفيها أو تشكك في مصدرها، ولن تستطيع.
هذه فكرة منصفة جداً للحكم بيني وبينك بدل الكلام المعمم.. أنا أورد أقوالك ومصادرها.. وأنت ترد بالطعن في صحة القول أو صحة المصدر.
لا مجال للهروب بزعم العمل والوقت، فلا يوجد عمل أهم من هذا.. وما نطلبه منك، لا يأخذ أكثر من نصف ساعة.. وبالطبع نحن سبق أن أوردنا هذه الأقوال ولكننا نعيدها، لدحض مزاعمك، ونذكر بها القراء، ونضع مصداقيتك في المحك.
أختم بتبرئة أستاذي ومرشدي الأستاذ محمود محمد طه، من كل ما نسبه له د. النعيم، بصورة مباشرة، أو من خلال زعمه الباطل بأنه تلميذٌ للأستاذ في كل أقواله عن الحياة العامة، فلا شيء من أقوال النعيم هذه يعلق بالأستاذ محمود، وإنما هو الجحود، وعقوق الأبوة الروحية، ورِقة الدين.. وأبرئ نفسي، وكل جمهوري وجمهورية، إلا من أبى!! فمن أبى فوزره عليه..
يقول المعصوم: "ما من نبي بعثه الله في أمته قبلي، إلا كان له في أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته ويقتدون بأمره.. ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن.. وليس وراء ذلك من الايمان حبة خردل".. أما وقد انتهى جهاد اليد، فهذا هو جهادي، ابتغي به وجه الله، صادقاً مخلصاً، لا رياء فيه ولا تشوُّف، وهو تعالى أعلم بالنوايا، فإن وجد في نيتي، وخلوصي قصوراً، فهو المرجو أن يكمله فضلاً منه ومنة.. كما أبريء الإسلام عموماً، من ما نسبه له النعيم من تشويه.
وأبرئ نفسي من حق النعيم، فقد نصحته، ما وسعني النصح، وليس لي من الأمر شيء، فإن يرد به الله خيراً يهده سبيل الرجوع إليه، وما ذلك على الله ببعيد.
العبرة الأساسية من تجربة النعيم، هي خطورة المكر الإلهي.. فيجب ألا نأمن مكره تعالى.. فليحذر الذين يدعون أنهم أذكى من أن يقعوا فيما وقع فيه النعيم، فلا ملجأ من مكره تعالى إلا إليه!!
مرفق مع هذه الحلقة قائمة ببعض أقوال النعيم الأساسية، وهي كافية جداً ولا تحتاج إلى شرح، فمن المهم الاطلاع عليها.
خالد الحاج عبدالمحمود
رفاعة في 22 اكتوبر2012م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.