أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    وزير الداخلية المكلف يستعرض خلال المنبر الإعلامي التأسيسي لوزارة الداخلية إنجازات وخطط وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية وفترة ما بعد الحرب    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعقيب على ردود د.عبدالله النعيم


بسم الله الرحمن الرحيم
"يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ"..
صدق الله العظيم
د. النعيم يرد!!
تعقيب
لقد كتبت، عشر حلقات، في مناقشة طرح د. النعيم ونشرت بموقع سودانيزاون لاين، وهو موقع عام، وله اسمه بين السودانيين.. فكان من المفترض أن يرد النعيم على ما أوردته عنه، ويفند آرائي حوله، خصوصاً أن الموضوع خطيرٌ جداً، ومُوَثَّقٌ بصورة تامة، ولكن د. عبدالله رفض أن يدخل في الحوار، وهذا بالنسبة لي أمر غير مستبعد، وقد ذكرت ذلك منذ البداية، وقلت أن طرحه هو من الهشاشة، بحيث أنه لا يستطيع الدفاع عنه، ولكن يفترض أن تكون وجهة نظره هو مغايرة لوجهة نظري هذه.. ود. النعيم صاحب دعوة عالمية!! وأي دعوة لابد أن تتعرض للحوار حولها، وهذا ما ظل يقوله هو نفسه.. ولكن صدق فيه قولي.
وأنا من جديد أطالبه بالحوار، وليقل ما شاء أن يقول، وللقراء عقول.
بدل الحوار الجاد، والعام، قال د. عبدالله، أنه يفتح الباب للأسئلة حول دعوته، بشرط أن تكون الفترة التي تفضل بها حوالي ستة عشر يوماً من 29 أكتوبر الى 15 نوفمبر عام 2011 وقد نشر الرد بموقع خاص بالأخوان الجمهوريين، هو (الصالون) ثم قفل الباب أمام أي حوار في المستقبل بقوله: "وبهذا، أطلب عفو الله والرسول منكم جميعاً لأني لن أستطيع مواصلة الرد والتعقيب على هذه أو غيرها من تساؤلات حول أطروحتي، فهذه هي غاية جهدي في هذا المجال، وعلى الله قصد السبيل"!!..
أولاً، أنا لم أقدم أسئلة، وإنما ناقشت الطرح نقاشاً موضوعياً مستفيضاً، أوردت فيه النصوص الموثَّقة من أقوال عبدالله ورددت عليها بالرأي والنصوص من القرآن ومن السنة، ومن أقوال الفكرة.. وقد وعدت منذ البداية أنني سأكون واضحاً، وطلبت من عبدالله أن يكون واضحاً، واعتقد أنني التزمت بوعدي، في حين أن د. عبدالله، حتى في هذه الردود المحدودة، ابتعد عن الوضوح والقصد الصريح، وهذا ما سأوضحه بجلاء.
عبدالله لن يستطيع، الهروب من مناقشة طرحه.. هو فقط سيتهرب في المجالات التي لا يستطيع الرد فيها، ولكنه سوف يناقش، من لا يعترضون عليه، بصورة مبدئية، والذين لا يواجهونه المواجهة الصارمة، التي تبين الخلل الأساسي في فكره، والتشويه الخطير الذي يلحقه بالإسلام. واهِمٌ د. عبدالله، إذا ظن أنه بقفله باب الحوار، أن مناقشة طرحه ستتوقف. هذا ما لن يكون، بل عليه أن يتوقع التصعيد في الحوار، خصوصاً من السودانيين. بالنسبة لي شخصياً، فلن أتقيد برده أو عدم رده، وسوف أصعِّد الحوار إلى دوائر أوسع، ولن أتقيد إلا بالحق والموضوعية في التناول.
لمَّا كنت قد كتبت تناولي لدعوة عبدالله، في موقع سودانيزاونلاين، فمن حق القراء الكرام عليَّ أن أطلعهم على موقف عبدالله الأخير هذا، وتعقيبي عليه. فربما كان الكثيرون من القراء، يتوقعون رد عبدالله وينتظرونه، وهو الأمر الذي إذا حدث، كان سيثري الحوار، ولكنه لم يحدث.
مدخل:
أحب أن يكون النص التالي من أقوال د. عبدالله، مدخلا على تعقيبي عليها.
يقول د. عبدالله: "فمع أهمية التوحد الذاتي، إلا أن النجاح حتى على هذا المستوى الشخصي والخاص، يعتمد على استجابة الآخرين، والذي تتوكد هويتي في مواجهته" ويقول: "فطبيعة عمليات تحديد الهويات وتفاعلها مع بعضها البعض يقبل احتمالات مختلفة. على سبيل المثال، قد أجد نفسي في موقف أتوقع من الآخرين العداء لهويتي الإسلامية، مما يدفعني لإخفاء، أو عدم تأكيد، هذا الجانب عن نفسي. لكني إن أدركت أن هويتي كمسلم لا تهم الآخرين أو ربما قد تعمل لصالحي، فإني قد أحرص على الإفصاح عنها". (الإسلام وعلمانية الدولة) ص 56
هذا مفتاح هام جداً لكل ما يكتب أو يقول د. عبدالله..
1. فحسب النص ما يقوله متقيد باعتبارات الآخرين، وبما يرى فيه مصلحته، وليس بالحق!! وحتى هويته كمسلم يمكن أن يخفيها، لمجرد توقع العداء من قبل الآخرين، فهو يقول: "قد أجد نفسي في موقف أتوقع من الآخرين العداء لهويتي الإسلامية، مما يدفعني لإخفاء، أو عدم تأكيد هذا الجانب عن نفسي"!! فهو يمكن أن ينكر هويته الإسلامية، لمجرد (توقع العداء) وليس لموقف حقيقي يجبره على ذلك!!
2. ما يحدد ما يقوله، أو لا يقوله، هو المصلحة، فحسب النص هو يقول: (لكني إن أدركت أن هويتي كمسلم لا تهم الآخرين أو ربما قد تعمل لصالحي، فإني قد أحرص على الإفصاح عنها) هذا يؤكد أن الأمر الذي يحدد ما يقوله أو لا يقوله هو المصلحة (تعمل لصالحي)..وهذا ينطبق على أهم الأمور، وأخطرها، مثل هويته الإسلامية، فمن باب أولى أن ينطبق على الأمور الأقل أهمية.
3. فحسب هذا النص، ما يحرك د. عبدالله في القول، أو عدم القول، و الإخفاء، هو توقعاته لقبول أو عدم قبول الآخرين، وكون القول في صالحه أو في غير صالحه!!
4. هذا القول يؤكد أن صاحبه، ليس حريصاً على المبادئ والمصداقية في القول، بقدر ما هو حريص على اعتبارات الآخرين، وما يعتبره يعمل لصالحه. وهذا يفسر الكثير من الأمور الغريبة جداً، في كتابة د. عبدالله، مثل: الذاتية المفرطة، وكثرة الإلتواء، والتناقض الحاد، وكلها أمور قد أقمنا عليها الدليل باستفاضة.
فمن حيث المبدأ، هو في ردوده هذه الأخيرة على بعض الأسئلة التي وردت من بعض الأخوان، لا يقول ما يراه الحق، وإنما يقول ما يعتقد أنه يكون مقبولاً عند السائلين، وعند عموم الجمهوريين، مهما تناقض مع أقواله الأخرى، بصورة مبدئية.. ويقول ما يعتبر أنه في صالحه، في هذا المجال.. ورغم ذلك، جاءت كتابته، لتؤكد ما يريد أن ينفيه، من منطلق اعتبار مصلحته، بل وتضيف ما هو أسوأ.. وهذا ما سنراه!!
ومن حيث المبدأ، كل الإجابات، لا قيمة لها إطلاقاً، لأنها منشورة في موقع خاص هو الصالون في حين أن القضايا الأساسية، التي جرت الأسئلة في إطارها، منشورة، في مواقع عامة، على مستوى العالم.. فالإجابات، في هذا الموقع الخاص لا تصحح أي شيء..وحتى لو نشرت في موقع عام، هي تؤكد، التشويه الذي ألحقه د. عبدالله، بالإسلام وبالفكرة، ولا تنفيه، وهذا ما سنراه.
كان أول سؤال، تعرض له د. عبدالله بالإجابة: "ما هو مدى اتفاق أو اختلاف الدولة المحايدة تجاه الدين، التي تدعو إليها أنت، مع الدولة التي يبشر بها الأستاذ محمود في الفكرة (دولة المسيح) حسبما تفهمها أنت؟؟".
وجاءت هذه الإجابة العجيبة: "حسب فهمي لما يبشر به سيدي الأستاذ محمود، لا فرق بين دولة المسيح وما أدعو إليه بحياد الدولة تجاه الدين. فسيدي الأستاذ يبشر بالدين الذي يتجاوز العقيدة، وعلى ذلك المستوى لا يكون هناك تعدد للأديان على المستوى العقائدي، وما أدعو اليه أنا هو تحييد الدولة تجاه الأديان العقائدية المتعددة لأن ذلك سيؤدي بالضرورة للتمييز بين المواطنين على أساس العقيدة وهو عمل غير دستوري".
هذا هو الموضع الذي يقال فيه: لا حول ولا قوة إلا بالله.. أقام العباد فيما أراد!! عبدالله أحمد النعيم يقارن شيئاً يتعلق به، بشيء يتعلق بالمسيح الموعود؟! هذا وهمٌ خطيرٌ حقاً!! ولكنها ليست مقارنة بين شيئين، عاديين، وإنما هي مقارنة بين دولة المسيح الموعود، ودولة عبدالله أحمد النعيم!! سبحان الله!! والسؤال عن: الإتفاق والإختلاف.. وأمر صاحب السؤال نفسه، لا يقل غرابة عن أمر صاحب الإجابة.. ولكن ما هي الإجابة؟! لم يجد النعيم أي شيء يذكره عن الإختلاف!! ولا هو ذكر وجهاً أو وجهين عن الإتفاق، وإنما كانت الإجابة: (حسب فهمي لما يبشر به سيدي الأستاذ محمود، لا فرق بين دولة المسيح وما أدعو اليه بحياد الدولة تجاه الدين) !! لا فرق!! هو لم يقل أنه لا يوجد فرق في مفهوم الحياد بين الدولتين، وإنما قال: (لا فرق بين دولة المسيح...)..(وما أدعو إليه بحياد الدولة تجاه الدين)..فحياد الدولة تجاه الدين، الذي يدعو له، عنده، هو نفس دولة المسيح.
حاول أن تتذكر أي حديث، من الأحاديث النبوية، عن المسيح الموعود، والقيم المبشَّر بها، مثلاً، يملأ الأرض عدلاً، ويفيض المال، ويسود السلام... إلخ، وحاول أن تتذكر موقفك من هذه القيم: القول بالمساواة والعدل ونصرة المستضعفين، صاحبه إما مضلل لنفسه أو مخادع للناس.. وإصرارك على أن البشرية مجبولة على الخطأ والخلاف والصراع... إلخ.. ولكن ما فائدة تذكيرك، فأنت تعلم ما أقول، وتصر على ما تقول!!
إن المقارنة بين أمر يتعلق بك، وأمر يتعلق بالمسيح الموعود، هي مقارنة بين فاعلية الله في الوجود، وفاعلية عبد من عبيده مستغنٍ عنه!! وأنا أتوب إلى الله، وأستغفره عما اضطررت إليه من مقارنة.. ربما يلقى قولك هذا بعض الضوء على زعمك بأن الإنشغال بالوقت وعودة المسيح هو عمل إنصرافي، وأن المسيح لو جاء، لن يحل مشكلتك إذا لم تقم بحلها بنفسك.. إذن فلا حاجة للمسيح إذا كانت دولتك هي نفس دولته، وتحقيقها عندك أسرع من انتظار عودة المسيح.. ونحن لغفلتنا، من يقدم نفس دولة المسيح موجود بيننا، ونحن عنه في عماية عمياء!! عبدالله لم يقل بأن الدولتين تتشابهان في أمر الحياد تجاه الدين، وإنما قال: (لا فرق).. ولما كانت دولة عبدالله، دولة علمانية، فلا بد أن تكون دولة المسيح كذلك.. ود. عبدالله حتى في ردوده هذه يصر على عدم وجود دولة دينية، وهذا ما سنبينه في موضعه.
ولكن هل لدى د. عبدالله أحمد النعيم أي فهم لدولة معينة، يدعو له، خلاف ما هو موجود في الواقع؟!
في الواقع، ليس لعبدالله أي دولة، يدعو لها، خلاف الدولة العلمانية، القائمة بالفعل.. وهذه، لا يصح أن تنسب له بأي حال من الأحوال.. أكثر من ذلك، حتى الدولة العلمانية، طرحه يشوهها أشد التشويه، بما يضيفه إليها من مفاهيم دينية شائهة ومشوهة، وبما يعتقد فيه من طبيعة بشرية، قاصرة أشد القصور.. وحياد الدولة الذي يتحدث عنه، هو من يحكم بصورة جلية أنه غير ممكن.. فهو قد زعم أن الحياد غير ممكن.
إن الأمر كله غير طبيعي.. والعجب، كل العجب، في موقف من يرى الأمر خلاف ذلك.
د.عبدالله يرى أن ما يدعو له الأستاذ من جعل الناس على دين واحد على مستوى الأرض، لا يختلف عن حياد الدولة في إطار الأديان المتعددة، فهو يقول: "فسيدي الأستاذ يبشر بالدين الذي يتجاوز العقيدة، وعلى ذلك المستوى لا يكون هناك تعدد للأديان على المستوى العقائدي، وما أدعو اليه أنا هو تحييد الدولة تجاه الأديان العقائدية المتعددة لأن ذلك سيؤدي بالضرورة للتمييز بين المواطنين على أساس العقيدة وهو عمل غير دستوري".. فوجود الأديان لعقائدية المتعددة (يؤدي بالضرورة للتمييز بين المواطنين على أساس العقيدة وهو عمل غير دستوري) .. كلمة (بالضرورة) تعني بصورة حتمية، لا مفر منها.. وعلى ذلك يصبح حديث عبدالله عن حياد الدولة، في إطار هذا التعدد الديني، لا معنى ولا قيمة له حسب منطقه هو لأن التمييز سيظل قائماً بالضرورة.. وهو بالفعل قائم، في إطار هيمنة دين العلمانية، الذي تقوم عليه الدول المعاصرة.. ومايقوم به الغرب، من خلال عبدالله وصحبه أوضح دليل على ذلك.. عمله كله يقوم على عدم إعطاء المسلمين، الحق، في إقامة دولتهم، حتى ولو كانت تقوم على الديمقراطية، ما لم تتبنى الأفكار والقيم الغربية.. وهذا واضح من الحوار الذي أجرته لبنى عبدالله وأوردته صحيفة (أجراس الحرية)، ففيه تسال لبنى: "ما الخطر من الدولة المتلفعة بالدين برنامجياً وسياسياً إذا صب كل ذلك في صالح الناس على مختلف أديانهم وأعراقهم وفي الخير والتقدم للجميع"؟
سؤال افتراضي.. إذا حققت الدولة المتلفعة بالدين القيم المنشودة المذكورة، ما المانع منها؟! فلو كان المطلوب هو تحقيق القيم لكانت الإجابة: لا مانع منها اذا حققت القيم المنشودة.. ثم بعد ذلك إذا كان له رأي في أنها لن تستطيع تحقيق القيم المنشودة، يذكره.. ولكن لأن منطلقه معاداة الدولة الدينية، في جميع الأحوال وهذا بالضبط ما يطلبه الغرب فهو لم يعط مجرد فرصة الإفتراض، وذهب ليقول إجابته العجيبة: (لا يمكن لأي مؤسسة بشرية أن تحقق الحياد والمساواة وحقوق المستضعفين وهذا هو خطر جوهري في زعم الدولة الدينية، هنالك من يدعي أن الدولة الدينية خالصة من الفساد والغرض والهوى وأنا (عبد الله أحمد النعيم) أقول من يزعم هذا إما مضلل لنفسه أو مخادع للناس، لا يمكن أن يتم ذلك لبشر وأنا أصر على الإحتفاظ بالطبيعة البشرية للدولة).. واضحٌ من النص، أن الكلام، كلامٌ مبدئي ونهائي، ويقوم على طبائع الأشياء الطبيعة البشرية كما يراها صاحبُ النص.
فإذا جاء صاحبُ النص ليقول خلاف ما قال فيه، فهو ليس أكثر من تناقض وازدواجية في الخطاب، تمشياً مع منهجه، في الإخفاء والإظهار حسب المصلحة، واعتبار رغبة المخاطبين.
كان السؤال الثاني الذي أجاب عليه د. عبدالله يتعلق بقوله بذاتية الفهم الديني، وعدم موضوعيته.
وقد بدأت الاجابة، بقوله: (لا أذكر أين قلت هذه العبارة بالتحديد..) وأنا، من جانبي، لم أترك الأمر لذاكرته، وإنما أوردت له المصدر، وإن كان صاحب السؤال لم يورده.. على كل هو لم ينف قوله، وإنما ذهب ليرد عليه، بصورة، لا تقل في غرابتها عن القول نفسه.. فهو قد قال في رده: "أقصد بمثل هذه العبارة أن الفردية هي مدار التكليف الديني..." السؤال عن الذاتية، كمقابل للموضوعية ففي هذا الإطار، الذاتية مصطلح محدد، وعالمي ولا يوجد أي خلاف حوله، من حيث المبدأ.. والقضية كلها، تتعلق بالفكر، وبالرأي والفهم، فهو يقول: "ما في فهم ديني موضوعي".. " يعني ما في رأي ديني موضوعي..أي رأي ديني ذاتي".. فقوله (أقصد بمثل هذه العبارة أن الفردية هي مدار التكليف الديني)، هو قول خارج الموضوع تماماً، ولا علاقة له من قريب أو بعيد، بموضوع السؤال.. فالسؤال لا يتعلق (بالتكليف الديني) وإنما هو يتعلق (بالفهم الديني) .. وفي جميع طرحه موضوع التكليف الديني غائب.. ثم يذهب ليقول، في تكملة الإجابة: "وأرى في التساؤل حول هذه العبارة ما يوحي بأن (الذاتية) أقل قيمة من (الموضوعية)، وأن نسبة الذاتية للدين إنتقاص من شأنه وحقيقة الأمر عندي ان الذاتية هي الأصل وهي مدار التكليف الديني دائما، وأن الموضوعية إنما هي ما تعارف الناس عليه، كل منهم من منطلق ذاتيته الفردية، وليس من اى مصدر مستقل عن ذلك"!!
أولاً، الموضوعية هي فعلاً (ما تعارف الناس عليه) ولكن ليس، (كل منهم من منطلق ذاتيته) كما تقول، لأنه في إطار (كل منهم من منطلق ذاتيته) لا يمكن أن يتعارف الناس على شئ واحد، ولكن كان يمكن أن تقول: (كل منهم من منطلق ذاته) .. فالذوات، يمكن أن تتفق على شيء واحد.. ولكن (الذاتية) نفي لإمكانية هذا الإتفاق.
من المؤكد أن (الذاتية)، في مجال الفكر، أقل قيمة من (الموضوعية)، وهذه بداهة.. ولكن، كالعهد بك دائماً، في الإلتواء، تريد أن تخرج الموضوع من إطاره.. فقولك: (وحقيقة الأمر عندي أن الذاتية هي الأصل وهي مدار التكليف الديني دائما) هي عبارة كما ذكرنا خارج الموضوع تماماً، كما هي خارج جملة طرحك بصورة أساسية.
هل فعلاً د. عبدالله، يعني أن (الذاتية) أكبر قيمة من (الموضوعية)؟ إذا كان يعني هذا فهذه مصيبة فادحة.. وهي تلغي التفكير الموضوعي، بل تلغي التواصل البشري، عبر اللغة.. وإذا كان لا يعنيه ثم قاله، فالمصيبة أكبر.. لا يوجد أي خلاف، على مستوى العالم أجمع، حول مصطلحي الذاتية والموضوعية، في مجال الفكر.. ولا يمكن لأي إنسان، له أبسط إلمام بالمصطلحين، مهما كان حظه من التعليم أن يقول أن الذاتية أقيم من الموضوعية.
بالنسبة لي، الأمر الواضح جداً، أن د. عبدالله يعرف التمييز بين المصطلحين، وذلك بحكم وضعه الأكاديمي، ولكنه، وفقاً، لمبدئه، في مخاطبة الناس بما يعتقد أنه يرضيهم، ويحقق مصلحته، هو يتنكر لمعرفته، في هذا الأمر الخطير، ليقول ما قال.. هو يريد بقوله هذا إرضاء بعض الجمهوريين، الذين يخاطبهم، حرصاً على مصلحته في إرضاء بعض من يطمع في مساندتهم.. ولكن، من ناحية موضوعية، لا توجد أي فرصة لقوله هذا.. فالنص المنقول عنه، لا يتحدث عن التكليف الديني، وإنما عن الفكر الديني، وهو واضح كل الوضوح، في أنه يقلل من قيمة الفكر الديني، ويصفه بالذاتية، وعدم الموضوعية في إطار الذم، وليس في إطار المدح.. وهذا ما يعطيه مجرد النص، وما تدعمه كل أقوال د.عبدالله في طرحه.. فهو أساساً، يدعو الى منهج (المنطق المدني) الذي يستبعد العقيدة الدينية، حتى عند من يصلون إلى العلم عن طريق العقيدة.. وهو يعتقد أن الدين يفرق بين الناس، ولذلك هو يستبعده.. فهو ضد التفكير الديني، والمنطق الديني، بصورة مبدئية، وقد جاء من ضمن أقواله: (المنطق المدني هو منهج في الحوار، في الأمور العامة، وليس أي محتوى محدد من أي منظور فلسفي، ديني أو مفهومي معين. والغرض من وراء هذا المنهج هو مقدرة كل منا على إقناع الآخرين بالحجج، ووسائل الخطاب التي لا تعتمد على العقيدة دائماً، حتى لدى من يتجاوزون مستوى العقيدة من خلال الإعتماد عليها)..
لقد نبهنا كثيراً، الى أسلوب د. عبدالله، هذا، في المغالطات المنطقية fallacy التي تقوم على ما هو مشترك، في اللغة.. وهو هنا يستخدم كلمة (ذاتي) كوسيلة للمغالطة، فيخرجها من إطارها الذي استخدمها فيه كمصطلح مقابل للموضوعية، ليستخدمها، في إطار التكليف الديني، وهو أمر لا علاقة له بالموضوع، ولا بجملة طرحه.
مثل هذا الإلتواء، لا يجوز على أحد، إلا من يريد، وليس بهذا عبرة.
الإذن:
الإذن، في الفكرة الجمهورية، موضوعٌ أساسيٌ جداً.. فتناول قضايا الدين، خصوصاً عندما تطال التجديد، لا تكون بمجرد الفهم والرأي، وإنما لابد فيها من الإذن الإلهي.
ولقد استخدم د. عبدالله مفهوم الإذن إستخداماً ملتويا،ً وشديد الغرابة.
هو زعم أنه يتفادى الحديث في الفكرة لأنه غير مأذون!! فهو يقول مثلاً: "ولكن بما أني غير مأذون فى تقديم الفكرة الجمهورية للقراء والمستمعين فإني أتفادى الحديث عنها حتى لا يلتبس ما أقوله أنا والفكرة الجمهورية نفسها".. ويقول: "الشريعة السلفية ليست هي كلمة الإسلام الأخيرة، بدون التعرض لمسألة تطوير التشريع، كما تقدمه الفكرة الجمهورية، التي لا أعتقد بأني مأذون في تقديمها للناس في الوقت الحاضر".. ويقول: "لهذا لا أجد في نفسي الثقة بأني مأذون اليوم في تقديم الفكرة الجمهورية، سوى على مستوى العرض العام الذي سبق أن قدمته في عدد من المقالات العلمية"، ويقول: "وكما ذكرت من قبل في هذه الإجابات أنا لا أدعو للفكرة الجمهورية لأني لا أرى نفسي مأذون بذلك.. هذا هو موقفي الذي أحاسب عليه أمام الله وأمام سيدي الأستاذ".. عملياً د. عبدالله يتحدث عن الفكرة الجمهورية وباستفاضة، ويتحدث باسم الأستاذ، وقد أوردنا له العديد من النصوص في هذا الصدد، ولكنه في حديثه هذا ينسب للفكرة عكس ما تقول به، مثل قوله: أن الفكرة الجمهورية لا تدعو لدولة إسلامية.. أكثر من ذلك، هو يزعم أنه تلميذٌ للأستاذ محمود، في جميع أقواله!! فهو لم يلتزم قط بزعمه أنه غير مأذون في الحديث عن الفكرة.. بل إنه أصدر كتاباً هو: (نحو تطوير التشريع الإسلامي)، يتحدث فيه عن الفكرة الجمهورية ويدعو لها!!
هذا أسوأ استخدام لموضوع الإذن، وهو استخدام في غير محله، بل هو يعكس الأمور عكساً، فيترك ما هو به مأذون، في صورة الورع المتحرج، ويقول ما هو ليس فيه مأذون بجرأة من لا يخشى الله.. ونحن سنلخص الموضوع في نقاط:
1. الإذن في الحديث بالفكرة الجمهورية، للجمهوريين، صدر منذ عام 1968م.. وهو إذن عام، وبشرط واحد، هو ألا يتحدث الإنسان فيما لا يعلم.. وقد ظلت الممارسة، منذ ذلك التاريخ، وإلى اليوم.. لا أحد صادر هذا الإذن، ولا أحد يستطيع أن يصادره.. ومحاولة د. عبدالله، مصادرة هذا الإذن اليوم، ليست في محلها، ولا قيمة لها، وهي ليست أكثر من حيلة واهية.
2. د. عبدالله، في طرحه، يقول أنه يتحدث من منظور إسلامي.. فهل أذن له الله تعالى، في هذا؟
3. د. عبدالله حتى في ردوده هذه، هو يتحدث عن الفكرة، وسيستمر في ذلك، طالما أن وظيفته هي تشويه الفكرة من داخلها!! كان يمكن أن يدعو د. عبدالله لدعوته الخاصة، دون أن يزعم فيها أنه تلميذٌ للأستاذ، وأن دعوته تطابق دعوة الأستاذ. ولكن حتى في ردوده هذه عندما سئل عن عبارته: (أنا تلميذ للأستاذ محمود في كل أحوالي، وفي كل أقوالي العامة).. وكَّدَ العبارة بقوله: "نعم، فأنا كثيراً ما أقول بهذا، كما فعلت عند تقديمي لمقترح ميثاق التوافق الوطني (مارس 2011م)".. مع قول د. عبدالله هذا يحق لكل مستمع أو قارئ له، أن يفهم أن أقواله، هي أقوال الأستاذ محمود، يعبر عنها أحد تلاميذه، بل لا يمكن أن يفهم خلاف ذلك.. بل حتى أحواله، يفهم أنها من أحوال الأستاذ، حسب النص.. وقد أثبتنا في الحلقة التاسعة بالنصوص الوافية والواضحة، من أقوال الأستاذ محمود، وأقوال د. عبدالله، أن د. عبدالله يقول بعكس ما يقول به الأستاذ محمود، وفي جميع الأمور الأساسية، حتى المتعلق منها بالسودان.
4. د. عبدالله يقول بأنه لا يتحدث باسم الفكرة لأنه غير مأذون في ذلك.. وفي نفس الوقت هو ينسب للفكرة عكس ما تقول به عكس وليس فقط خلاف فمن أين أتى بهذا الإذن؟ هل هو من الله أم من الأستاذ محمود؟!
5. د. عبدالله، ظل يدعو للفكرة الجمهورية، كما هي عند صاحبها، حتى صدور كتاب: (نحو تطوير التشريع) وترجمته للغة العربية في عام 1994م، ولم يقل وقتها أنه غير مأذون.. وعندما عكس وضعه بعد ذلك، أصبح يقول أنه غير مأذون، وظل يتحدث عن الفكرة، لكن بعكس ما هي عليه.. فهو عند نفسه، غير مأذون بالحديث عن الفكرة، كما صدرت عن صاحبها، ولكنه مأذون أن يتحدث عن الفكرة بعكس ما وردت عند صاحبها!! لعمري هذا هو الحرمان على كل، إذن عبدالله، ليس هو الإذن من الله، ولا هو الإذن من الأستاذ محمود، في إطار دعوته، وإنما هو إذن من جهة أخرى، وهو إذن هو ملتزم بالعمل به!! وأن طريق العلمانية طريق مسدود.
6. ما لم ينكره د. عبدالله، حتى الآن، هو أنه داعٍ لعلمانية الدولة، فهل هذا يتفق مع ما يدعو له الأستاذ محمود؟ الأستاذ محمود، يعتبر مجرد الدعوة للدستور العلماني خيانة!!
7. مما زعمه د. عبدالله، في ردوده، أنه صاحب عقيدة في الفكرة الجمهورية (ولكني لست صاحب علم يقين بها.. هذا هو قدري على التحقيق. وفي فترة الحركة كنت أشارك مع اخواتي واخواني تحت اشراف سيدي الأستاذ الذي يصحح ويسدد ما نقول ونفعل لأنه صاحب الأمر وعنده علم اليقين به).
(علم اليقين) في الإسلام، هو مرحلة تأتي بعد مرحلة الإحسان، وهي المرحلة الثالثة من مراحل الإيمان.. ولم يكن، في أي يوم من الأيام، الإذن في الحديث بالفكرة مرتبطاً، بتحقيق علم اليقين.. بل الإذن كان عاماً، لكل الجمهوريين والجمهوريات، على مختلف مستوياتهم من المعرفة، ومن التحقيق، بشرط ألا يتحدث المتحدث، فيما لا يعلم.. وعلى هذا قامت الممارسة لسنين طويلة، في المحاضرات، وفي أركان النقاش، وفي حملة الدعوة الخاصة، وفي حملة الكتاب، وفي كتابة الكتب والمقالات والمنشورات.. وقد توقف الأستاذ محمود، في آخر الأمر، عن الكتابة، والمحاضرات، وترك الأمر لأبنائه وبناته.. وكان ممن يحاضرون في الجامعات، أناس من الأميين.. فقول عبدالله هذا عذر واهٍ، وفيه تضليل كبير.. وعبدالله غير مطالب بالحديث عن الفكرة، ولكنه مطالب بشدة، ألا يعمل على تشويهها، وأن يصحح ما قام به من تشويه.. وهو لا يمكن أن يكون، مأذوناً، إذناً، شرعياً، فيما يقوم به، من دعوة تشوه الإسلام.
يقول د. عبدالله، في صورة الرجل الورع المتحرج: "فما أعرفه عن نفسي أني غير قادر على أي من ذلك، وأني إذا حاولت الاجابة فلن يكون ذلك إلا من باب الظن، وإن الظن لا يغني عن الحق شيئاً.. فكيف يكون موقفي إذا فتنت أو ضللت ذلك الشخص بجهلي وتخبطي وأنا أقول أني أتحدث عن الفكرة الجمهورية وباسم استاذي"!!
(فتنت أو ضللت ذلك الشخص)!! السيِّد حريص على عدم فتنة الآخرين، وهو ظل يعمل لسنين عديدة، في الفتنة، وبأقبح الأقوال، المناقضة لأساسيات الإسلام، كما سبق أن بيَّنا.. عليك أن تهتم بفتنة نفسك أولاً، لترى بوضوح موقفك من فتنة الآخرين.
يريد عبدالله أن يربط الدعوة للإسلام، كما تمثله الفكرة الجمهورية، بالوجود الحسي للأستاذ محمود، حتى يصحح من يخطئ، حسب زعمه.. ولكن الأستاذ محمود منذ البداية لم يربط الفكرة بشخصه، بهذه الصورة، وإنما أحال الجميع للنبي صلى الله عليه وسلم.. وأمر الفكرة، ليس بهذا الغموض، وإنما هي واضحة وضوح الشمس وبسيطة تخاطب حتى الأمي.. والتصحيح قائم دائماً، من قبل المعلم الواحد، ومن قبل بقية الأخوان.
على كل، لماذا لم تطبق قولك هذا، على المفارقات الصريحة، والعظيمة، التي أوردناها عنك من أقوالك؟!
8. مغالطات، ومفارقات، د. عبدالله، أمر مدهش في غرابته، وفي سذاجته.. هو يتحدث، حديث الورِع، عن عدم الإذن في الحديث، وفي نفس الوقت يمارس إذن التطبيق!! وهو إذن، حسب الفكرة، ليس لأحد سوى المسيح المبشر به فقد قدم د. عبدالله ما أسماه: (ميثاق التوافق الوطني) في مارس 2011م لتغيير النظام في السودان، وإقامة نظام جديد، على أسس كلها مأخوذة من الفكرة الجمهورية.. وهو قد قَدَّمَ هذا الميثاق بصفته تلميذاً للأستاذ محمود، وجاء في هذا قوله: "أنا تلميذ للأستاذ محمود محمد طه في جميع أحوالي، وفي كل ما أدعو إليه في أمور الحياة العامة"، الأمر الذي يؤكد علاقة الميثاق بالفكرة الجمهورية.. والميثاق يدعو للتطبيق الفوري.. وهو في دعوته لهذا الميثاق، مناقضٌ للأستاذ محمود، الذي قال أن التطبيق مرتبطٌ بعودة المسيح المحمدي.. فعبدالله يعطي نفسه حق إذن التطبيق، في نفس الوقت الذي يقول فيه أنه غير مأذون بمجرد الحديث!!
وحي القرآن:
سئل عن قوله بأن القرآن ليس موحاً من الله بصورة صرفة، وأورد له نصه بالإنجليزية وترجمته، فكان رده: "إجابتي هنا أنه نعم، القرآن نص ديني وموحاً من الله سبحانه وتعالى، والمقصود من العبارة التي أوردتها أن علاقة الناس بالقرآن تقوم على فهمهم هم للقرآن، وليس القرآن في حقيقته كما هو عند الله..."
هل المقصود من العبارة يفهم من العبارة نفسها أم من أمر خارجها؟! الطبيعي ألا تفسر العبارة بشيء خارجها ومخالف لها، وإلا فقدت أي عبارة معناها، إذا معناها غير متضمن فيها.
عبارة عبدالله هي قوله بالإنجليزي:
“Islam is provided for human (hudan li-nnas), and therefore, no religious text is “purely” Allah's revelation. The text is not present in a vacant space…..”
فالعبارة الأصلية، ليست متصلة بالفهم، وإنما بالوحي نفسه.. والجزء المعني من العبارة، بصورة محددة هو قوله:
"(therefore, no religious text is “purely” Allah's revelation)".
الترجمة: لا يوجد نص ديني موحى به من الله بصورة صرفة.. فالعبارة عن الوحي، وليست عن فهم الناس للوحي.. فإجابة عبدالله، لا علاقة لها بالسؤال، ولا بأصل العبارة.. ولو كان يود أن يجيب إجابة واضحة لقال: القرآن نصٌّ دينيٌ موحى به من الله بصورة صرفة أو هو ليس موحى به بصورة صرفة.. ولكنه تفادى جوهر السؤال ليجيب إجابة معممة، لا تدل عليها عبارته الأصلية.
د. عبدالله، يعرف كيف يعبر عما يريد، ولو أراد ما ورد في الإجابة الأخيرة لقاله بالصورة التي ذكرها.. السؤال هو: هل القرآن موحى من الله بصورة صرفة.. أم هو كما تزعم أنت ليس موحى من الله بصورة صرفة؟! والإجابة لا تحتاج إلى لف ودوران.. والحديث في الإجابة، عن اختلاف الفهم، وعن الفهم للقرآن عند البشر وليس كما هو في حقيقته كما هو عند الله، حديث لا علاقة له بالموضوع، وإنما هو لمجرد التعمية.. لا أحد قال أنه يفهم القرآن كما هو في حقيقته عند الله، وإنما الجميع يعلم أن فهم القرآن إنما هو فهم له، كما هو متنزل للبشر.. وأساساً، القرآن كما هو عند الله، ليس بلغة البشر، لأن الله تعالى في ذاته لا يتحدث بلغة، ولا بلسان.
فعبدالله لم يستطع أن ينفي قوله عن القرآن، كما لم يستطع، ولن يستطيع أن يبرره.
وأقوال كل كاتب يشرح بعضها البعض.. فحديث د. عبدالله عن القرآن، ليس هو نص واحد، وإنما نصوص عديدة يشرح بعضها البعض، وسبق أن أوردنا نماذج من النصوص التي تبين موقفه من القرآن، منها مثلاً، قوله: "فإن الواسطة البشرية كانت جزءاً لا يتجزأ في وحي وتبيين وتطبيق الإسلام منذ بدئه في القرن السابع.. وعلى كل حال، فإن القرآن والسنة لا يمكن فهمهما إلا في صياغ تطبيقهما من قبل البشر في زمان بعينه وفي صياغ بعينه".. فهذا النص، واضح في شرح النص السابق (الواسطة البشرية كانت جزء لا يتجزأ في وحي وتبيين وتطبيق القرآن)!!
هذا نموذج لردود د. عبدالله، والردود الأخرى تسير في نفس الخط من محاولة الإلتواء والمراوغة.
الصراع بين البشر:
سئل د. عبدالله عن قوله، عن الإختلاف بين المسلمين، وبين البشر وأورد له قوله: "الصراع الإنساني والإختلاف هو سنة الله سبحانه وتعالى في البشر، ولن ينتهي بحكم نصوص في القرآن".. وقوله: "الصراع الإنساني والاختلاف هي الصفة اللازمة للطبيعة البشرية وستبقى كذلك حتى يوم القيامة".. وقوله: "المسلمون كانوا دائماً على اختلاف وسيظلون دائماً مختلفين.. لذلك ليس هنالك إجماع".. وهي أقوال واضحة ولكن لنر ما هي الحيلة هذه المرة.. في الرد جاء قوله للسائل: "ما تشير اليه أنت هي مرحلة في تطور البشرية لم تدخل الوجود بعد وأنا اتحدث عن البشرية كما هي اليوم"!! الواقع، حسب نصوصك، لا تتحدث عن البشرية اليوم، وإنما تتحدث عن مبدأ عام.. والعبرة بفهم النص كما تقول.. وفهم النص لايقوم على شيء من خارجه، وليس من طبيعته.. فنصوصك لم ترد فيها عبارة (البشرية اليوم)، وإنما ورد خلاف ذلك ما يفيد بأنك تتحدث عن الطبيعة البشرية، كطبيعة.. تتحدث عن (سنة الله سبحانه وتعالى في البشر) وهي عندك، حسب النص ( الإختلاف).
والتبرير الثاني أعجب من الأول، وأكثر ضعفاً، فقد جاء فيه: (فقولي إذن باستمرار الاختلاف بين البشر ينتهي بمقدم مرحلة الانسانية في يوم القيامة الأولى)!! هذا أمر عجيب!! أولاً أنت في النص الأصلي لم تذكر القيامة الأولى هذه، وإنما قلت (حتى يوم القيامة)، وحسب اللغة المتداولة القاريء لا يستطيع أن يفهم من العبارة سوى أن الصراع لن ينتهي.. وقولك عن القيامة الأولى، يناقض قولك أنك تتحدث عن (البشرية كما هي اليوم).. وكلاهما غير موجود في النصوص الأصلية، ولا يمكن للقاريء أن يوجدهما، ولا يحق له ذلك، لأنه يكون قد غيَّر النص.. القيامة الأولى هذه، هي تبرير للجمهوريين، وإلا فإن عامة القرآء ليس لهم علم بقيامتين.. قول عبدالله أعلاه: (الخلاف بين البشر ينتهي بمقدم مرحلة الانسانية في يوم القيامة الأولى)، قول يقوم على تناقض جوهري مع طرحه.. فهو أساساً في طرحه لا يؤمن بمرحلة الإنسانية هذه، ويقول كما أوردنا عنه، أنه مصر على البشرية، وهو يتحدث عن الطبيعة البشرية، حديث سلبي، يجعلها غير قادرة على التخلص من عيوبها، خل عنك أن تدخل مرحلة الإنسانية.. والقيامة الصغرى، هي مجيء المسيح، وهو يعتبر الحديث في هذا الموضوع عمل إنصرافي، وأن المسيح لو جاء لن يحل مشكلته ما لم يحلها هو بنفسه.. فالمسيح، الذي مجيئه لا يغيِّر شخص واحد، كيف يغيِّر البشرية كلها، وينقلها من البشرية إلى مرحلة الإنسانية؟!
القضية كلها، ازدواجية في الخطاب: خطاب للجمهوريين، وخطاب عام.. الخطاب العام هو نقيض الفكرة، وتشويه لها لمصلحة الجهات التي تمول وتخطط وتروج.. أما الخطاب للجمهوريين، فهو محاولة لتبرير الخطاب الأول، وتفسيرها تفسيرا مختلفاً عما هو عليه، لإرضاء بعض الجمهوريين، الذين يمكن أن ينخدعوا بمثل هذا التبرير، ثم يظل الخطاب العام، كما هو في مناقضته للفكرة وتشويهه لها.
هو يقدم بديلا مشوَّها للفكرة، ويظهرها بعكس ما هي عليه، ويتجاوز تطوير التشريع، بنظريته البديلة إعادة فهم الشريعة هذا كله قائم، لا يغيِّر فيه شيئاً، ثم يقول للجمهوريين، قولي هذا مرحلي.. قل ذلك في كتابك، وللجهات الممولة.

إزدواجية الخطاب:
د. النعيم، حسب أقواله، صاحب خطابين مختلفين: خطاب لعامة الناس، وخطاب للجمهوريين.. والخطاب للعامة هذا، هو دعوته المعلنة، وهي تختلف عما يحدث به الجمهوريين. وقد أوردنا في المدخل النص الواضح الذي يبين فيه أنه يخاطب الناس بما لا يتعارض مع رغبتهم، وبما يؤكد مصلحته، وهذا توكيد قاطع للإزدواجية في الخطاب. أسمعه يقول في إحدى الإجابات: "أوافقك أن منهج الأستاذ محمود هو الوحيد القادر على إنجاز الدرجة الضرورية من الإصلاح، لكن قولي بذلك سينفر القراء عنه أكثر مما يدعوهم لاعتباره، لأني لا أقدم منهج سيدي الأستاذ محمود للأسباب التي ذكرتها من قبل..".. لاحظ (الوحيد القادر على انجاز الدرجة الضرورية من الاصلاح).. فإذا قدم سواه يكون قد قدم منهجاً غير قادر على تقديم الدرجة الضرورية من الإصلاح، طالما أنه ترك المنهج الوحيد القادر على ذلك.
ويواصل: "فأعتقد أنه من حسن اعتبار كرامة القارئ أن أترك الأمر مفتوحاً لاحتمال وجود بديل آخر. وبعبارة أخرى، فموقفي الشخصي هو أنه ليس هناك بديل لمنهج الأستاذ محمود، ولكني أرى أنه من الحكمة عدم القول بذلك في الوقت الذي لا أقدم فيه ذلك المنهج".. ماذا تسمي أسلوبك هذا، من حيث قيم الدين؟!
بالنسبة للقاريء أصلاً الأمر مفتوح، طالما أنه لا يشاركك القناعة.. ولكن القضية أنت، من ترى أن منهج الأستاذ محمود هو المنهج الوحيد القادر على إنجاز الدرجة الضرورية من الإصلاح وهذا يعني أن خلاف هذا المنهج لا يقدم الدرجة الضرورية فلماذا تقدم ما تعلم أنه لا يقدم الدرجة الضرورية، وتحجب ما يقدم الدرجة الضرورية من الإصلاح؟! هذا تضليل واضح للقارئ، وعدم احترام له.. الأمر المنطقي هو أن تبلغ ما تعتبره المنهج الوحيد القادر على إنجاز الإصلاح المطلوب، أو لا تقدم غيره، طالما أنك أنت شخصياً تقرر أن هذا الغير لا يمكن أن يحقق الإصلاح المطلوب.
نلخص الملاحظات، حول قول د. عبدالله أعلاه، في النقاط التالية:
1. د. عبدالله يرى أن (منهج الأستاذ محمود هو الوحيد القادر على انجاز الدرجة الضرورية من الاصلاح) حسب عبارته، ولكنه لا يدعو له بهذه الصفة لاحظ (الوحيد) وليس الأفضل .
2. هو لم يصمت عن الدعوة، وإنما هو صاحب دعوة، وبحكم أنه لا يدعو للمنهج (الوحيد) الصالح، فهو يدعو بالضرورة لمنهج عنده هو شخصياً غير صالح، لأنه مخالف للمنهج الوحيد الصالح .
3. يتبع من ذلك، أن خطابه العام، يقوم على تضليل أساسي، لأنه لا يقوم على الخطاب الوحيد الصالح.
4. د. عبدالله، في خطابه، لا يلتزم بالحق، كما يراه هو، لاعتبارات الآخرين.. فهو لا يخاطب الناس بما هو حق، وإنما بما لا ينفرهم حسب رؤيته.
5. في عبارته (موقفي الشخصي هو أنه ليس هناك بديل لمنهج الأستاذ محمود، لكني أرى أن من الحكمة عدم القول بذلك...) هذه العبارة تفيد بصورة قاطعة أن عبدالله يرى شيئاً هو الحق، لكنه يقول بخلافه.. وهو يرى فعله هذا من الحكمة!! وأراه، من جانبي، إضلال عن الحق، متعمد.
6. عبدالله، في قوله هذا، يقول للناس ما يريدون، وما لا ينفرهم.. وهذا عين ما يفعله مع الجمهوريين، في ردوده هذه، فلا يقول الحق، وإنما يقول ما يرى أنه لا ينفر الجمهوريين، لأن هذا من الحكمة، حسب تصوره للحكمة.
7. هذا اعتراف رسمي من د. عبدالله بازدواجية الخطاب، وهو دليل قاطع على عدم المصداقية، خصوصاً أن الأمر دين، ولا مجال في الدين لشيء خلاف الصدق.
8. لماذا يعطي عبدالله، في خطابه الأولوية لقبول الناس وعدم قبولهم، على حساب الحق؟! في الدين، الداعية يبشر، وينذر، وأمر الهداية ليس موكلاً له، وإنما لصاحب الأمر الله تعالى وحده، وقد أشار د. عبدالله لهذا.
9. بعد أن قال د. عبدالله للناس، ما لا ينفرهم، ما مدى الإستجابة التي لقيها؟! كم مضى على دعوتك هذه؟! وما هو عدد الذين استجابوا لها؟.
10. ما هو منهج الأستاذ محمود، الذي ليس له بديل، ولكنه ينفر الناس في نظر د. عبدالله؟! منهاج الأستاذ هو (طريق محمد) صلى الله عليه وسلم.. فهل هذا المنهج هو ما ينفر، وأقوال عبدالله التي نقلناها عنه: عن القرآن، وعن الإسلام، وعن الإنسان، وعن النبي الكريم، هو ما لا ينفر؟! مع ملاحظة أن الخطاب أساساً للمسلمين.
هل الدعوة لمنهاج (الطريق) صعبة وتحتاج إلى معرفة زائدة، ولذلك عبدالله يتحاشاها، ويذهب إلى غيرها.. هل السبب الحقيقي هو الصعوبة أم أن أمر النموذج النبوي (غامض ومبهم) كما قال عبدالله؟! يقول المعصوم: "رحم الله امريء سمع مقالتي، فوعاها، وبلغها، كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع".. الأمر ليس فيه صعوبة.. الصعوبة مفتعلة.. على كل من لا يدعو للحق، على الأقل، ينبغي ألا يدعو لخلافه، خل عنك أن يشوهه.
11. رغم كل هذه الإزدواجية، د. عبدالله يقول أن كلامه يتسق مع دعوة الأستاذ!! هو يتفادى الدعوة كما هي ليقول أنه يدع الى ما يتسق معها!! ولا يوجد أي اتساق، وإنما يوجد تناقض حاد، كما بيَّنا بالتفصيل في الحلقة التاسعة.
12. ما هو موقع الله تعالى، في كل هذا؟! هل هو موجود، ورقيب، ويعلم كل شيء؟! هل هنالك جزاء فوري، وسؤال في الآخرة؟! هذا، جوهر ما أحب أن أذكرك به دائماً، وأنت عنه، في غفلة مخيفة.
دولة القرآن:
سئل د. عبدالله، عن قوله: (لا يمكن لأي مؤسسة بشرية أن تحقّق الحياد والمساواة وحقوق المستضعفين، وهذا هو خطأ جوهري في زعم الدولة الدينية.. هنالك من يدّعي أن الدولة الدينية خالية من الفساد والغرض والهوى، وأنا (عبدالله أحمد النعيم) أقولُ من يزعم هذا إما مضللٌ لنفسه، أو مخادعٌ للناس، لا يمكن أن يتم ذلك لبشر، وأنا أصر على الاحتفاظ بالطبيعة البشرية للدولة).. وهذا قول مبدئي، واضح وعام.. سئل: هل ينطبق هذا الرأي على(دولة القرآن) التي يبشر بها الأستاذ؟! فأجاب: "هذا الرأي لا ينطبق على (دولة القرآن) التي يبشر بها سيدي الأستاذ محمود، وإنما على الدولة القائمة اليوم"...!! هذا هو النص أمامك، هل فيه أي إستثناء؟! هل فيه أي شيء يفيد بأن المقصود هو الدولة القائمة اليوم؟! هل فيه أي شيء يفيد بأن دولة القرآن التي يبشر بها الأستاذ، لا ينطبق عليها هذا القول؟! حسب النص، لا يوجد أي إستثناء.. ولا مجال فيه للإستثناء، لأنه يتحدث عن مبدأ عام، يتعلق بالطبيعة البشرية، وصاحب النص يعبر عن الطبيعة البشرية، كما يراها.. ما الذي يجعل دولة القرآن، لا ينطبق عليها النص؟! هو لم يذكر أي سبب لذلك.. وإذا صح أن دولة القرآن التي يبشر بها الأستاذ مستثناة، يصبح النص كله باطلا، لأن الإستثناء، يجعل تجاوز الطبيعة البشرية التي يراها صاحب النص أمر ممكن، وبذلك ينهار الأمر الذي تنبني عليه الإستحالة.
وأهم من ذلك، أساساً، هل توجد (دولة قرآن) عند عبدالله بالمعنى الديني الذي تتحدث عنه الفكرة؟! هو في جميع أقواله يقرر أنه لا توجد دولة دينية، ولا يمكن أن توجد، والنصوص مستفيضة في هذا الصدد.. وحتى في هذه الإجابات التي نحن بصددها، هو يقرر أن دولة (المسيح) لا تختلف عن دولته التي يدعو لها.. فهي دولة علمانية!! وهو في إجاباته هذه، يؤكد علمانية الدولة حتى لو كانت دولة النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، فقد جاء من أقواله ما نصه: "نعم أنا أقول أن دولة المدينة كانت دولة سياسية وليست دينية، وأن ذلك كان كما ينيغى أن يكون الأمر. فوصف الدولة بأنها سياسية ليس نقدا لها، وإنما هو إقرار لحقيقة الحال. فالدولة قد تكون صالحة أم طالحة، عادلة أم ظالمة، لكنها دائما سياسية، ولا يمكن أن تكون دينية. وقد أوضحت من قبل أني لا أشمل في هذا عهد النبي عليه الصلاة والسلام لأن علاقته بالمسلمين كانت علاقة النبي بأمته وليس الحاكم برعيته". بل إنك تقصد دولة النبي بالذات، وبصورة محددة، فأنت تتحدث عن (دولة المدينة)، وهي دولة النبي، ولا أحد غيره. وحتى عندما تتحدث عن دولة سيدنا أبي بكر، أنت تتحدث عن دولة النبي صلى الله عليه وسلم. فأبوبكر ليس مؤسس دولة، وإنما هو خليفة النبي على دولته. ومباديء الحكم التي تقوم عليها دولته، هي نفس مباديء الحكم التي تركها عليه النبي صلى الله عليه وسلم. قولك: (فوصف الدولة بأنها سياسية ليس نقدا لها).. لم يقل أحد أن هذا هو النقد، وإنما النقد هو قولك، عن دولة النبي أنها (سياسة وليست دين) ..(ليست دين) هو موضوع النقد. ففيه أنت تصف عمل النبي صلى الله عليه وسلم العام، في مستوى إدارة الدولة بأنه ليس دين!! وهذه حالقة!! وقد نبهناك كثيراً لها، ولكنك مصر على موقفك. والسياسة يمكن أن تقوم على الدين وعلى غير الدين: فإذا قامت على تشاريع الدين، وموجهاته، وقيمه، فهي دينية، وإذا قامت على خلاف ذلك، فهي ليست دين. فعندما تنفي عن دولة المدينة (الدين)، فهذا يعني أنك تنفي عن عمل النبي فيها، أنه يقوم على تشريعات الدين، وموجهاته، وقيمه، وهذا، ليس مجرد طعن في الدولة، وإنما هو طعن في النبي صلى الله عليه وسلم، وفي القرآن، الذي قال عن النبي: (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى) .. وقال عنه: )قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين* لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين(.
قولك "هذا الرأي لا ينطبق على (دولة القرآن)..." إلخ هو عكس الواقع تماماً.. هو ينطبق على الأستاذ محمود والدولة التي يدعو لها، ولا ينطبق على أي دعوة أخرى أو دولة أخرى، وذلك لسبب واضح، هو أنه لا يوجد أي داعية، للدولة الدينية يزعم أن الدولة التي يدعو لها تحقق الحياد والمساواة وحقوق المستضعفين، ويبشر بذلك، كما يدعو الأستاذ ويبشر.. والمسألة التي لا يمكن أن يكون هنالك خلاف حولها، هي، أنه لا يوجد داعية إسلامي على الإطلاق، يدعو إلى تجاوز مرحلة البشرية، والدخول في مرحلة الإنسانية، سوى الأستاذ محمود أذكر لي واحداً إن استطعت ولذلك، على عكس، ما تحاول أن تنفي، قولك ينطبق على الأستاذ محمود، دون غيره.
وأنت تقرر بصورة حاسمة، أنه لا يمكن قيام تشريع جماعي، على مستوى الدولة، من الإسلام.. والوجوه عديدة، لسنا في حاجة إلى تكرار ذكرها.
المسيح ود. النعيم:
لقد سبق أن نقلنا عن د. عبدالله قوله: "في اعتقادي أن الإنجاز الحقيقي للأستاذ محمود لم يكن في المسائل العرفانية الجدلية، وإنما هو في مسألة أصولية لو ألممنا بها، لأغنتنا عن الأصيل الواحد والوقت والمسيح، فهذه كلها قضايا انصرافية عن القضية الأساسية، أي قضية تغيير الإنسان لنفسه.. على المستوى الشخصي أنا لست مشغولاً بمن هو المسيح، ومتى سيأتي (لست وقتجياً)، إذا جاء المسيح الآن لن يحل مشكلتي إذا أنا لم احلها بنفسي" (من لقاء رشا عوض، صحيفة أجراس الحرية عدد 18 /1/2009م) . فدكتور النعيم مستغنٍ عن المسيح، بقضية تغييره لنفسه يا ترى أين وصل في ذلك وهو مستغنٍ إلى الحد الذي معه يقرر أن المسيح إذا جاء الآن لن يحل مشكلته إلا إذا حلها هو بنفسه.. والموضوع كله عنده، موضوع إنصرافي!! والإستغناء عن المسيح هو استغناء عن أمر الله، إعتماداً على النفس وقدراتها مرة أخرى يا ترى إلى أين وصل في حل مشكلته بنفسه؟
وبالطبع قضية المسيح، مطروحة بوضوح عند الأستاذ محمود، وبها مرتبط بعث الإسلام، وانتصاره، فالقول بأن القضية إنصرافية، هو اتهام صريح للأستاذ محمود بأنه يدعو لقضايا إنصرافية.. هذا القول، عندما يصدر من جمهوري، هو بمعايير الدين، منتهى سوء الأدب.
أنا أذكر بهذا، لأن د. عبدالله، في إجاباته على الأسئلة التي نحن بصددها، تعرض للقضية بصورة أخرى، جاء فيها قوله: "حسب فهمي لما يبشر به سيدي الأستاذ محمود، لا فرق بين دولة المسيح وما أدعو اليه بحياد الدولة تجاه الدين.. فسيدي الأستاذ يبشر بالدين الذي يتجاوز العقيدة، وعلى ذلك المستوى لا يكون هناك تعدد للأديان على المستوى العقائدي.. وما أدعو اليه أنا هو تحييد الدولة تجاه الأديان العقائدية المتعددة لأن ذلك سيؤدي بالضرورة للتمييز بين المواطنين على أساس العقيدة، وهو عمل غير دستوري". قارن بين هذا النص، والنص الأول.. فعبدالله يزعم لنفسه، أن ما يدعو له من حياد للدولة تجاه الدين هو نفس دولة المسيح التي يبشر بها الأستاذ محمود، ولا فرق بين الإثنين!! دولة المسيح المبشر بها، حسب أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، فيها تُملأُ الأرضُ عدلاً، كما مُلِئَت ظلماً وجوراً.. ويفيض المالُ حتى لا يقبله أحدٌ، وتصبح السجدةُ خيراً من الدنيا وما فيها، ويسودُ السلام، ليس بين البشر فحسب، وإنما بين جميع الأحياء، وحسب عبارة الأستاذ محمود: حتى شجر الشوك يستغني عن شوكه، لعدم الحاجة إليه.. وتملأ العفة صدور جميع رجال والنساء، فلا تتحرك الشهوة الجنسية، عند كل رجل إلا تجاه إمرأة واحدة ، هي زوجته، ولا تتحرك عند كل إمرأة إلا تجاه رجل واحد هو زوجها.. باختصار، دولة المسيح هي التي تحقق جنة الأرض، في الأرض، وبها يسود الإسلام، فلا يصبح في الأرض إلا مسلم.. هذا كله عند عبدالله المستغني عن المسيح مساوي لدولته هو العلمانية!! كيف؟! بتحقيق حياد الدولة تجاه الدين. هذا كل همه!! هل حتى هذا، الشبه فيه قائم بين دولة المسيح ودولة د. عبدالله؟!
فحياد الدولة تجاه الدين، كدعوة لم يقل بها عبدالله إبتداءاً، فهى مطروحة قبل أن يولد عبدالله بأمدٍ بعيد. ولكن هل عند عبدالله منهج لتحقيق هذا الحياد، فهو لن يتم لمجرد الحكم الدستوري، وإلا، كان قد تم.. ليس لعبدالله منهج.. وأهم من ذلك هو يحكم بصورة لا لبس فيها، بأن الحياد غير ممكن، ومن يقل به مضلل لنفسه مخادع للناس.. وقد سبق أن أوردنا نصه في ذلك.
د. عبدالله الذي يساوي دولته بدولة المسيح بهذه الجرأة الشاذة في غرابتها، هو نفس د. عبدالله الذي يزعم، وهو يلبس لباس الورِع المتحرِج، أنه لا يتحدث بالفكرة، خشية أن يضلل أحداً من الناس!!
والله لا شيء في طرح عبدالله، يستحق أن يشغل به الإنسان نفسه للحظة واحدة، لولا اعتبارات عبدالله، واعتبارات تصحيح التشويه الذي لحق بالإسلام، وبالفكرة.. فالأمر كله عبث في عبث.
التعريف والمعرفة:
سئل د. عبدالله، عن قوله: "أعتقد أن صياغة السؤال بهذه الطريقة باطلة من حيث المفهوم، نظراً لأن السؤال يفترض أن هنالك شيءٌ قابل للتعريف، ومتماسك، اسمه (الإسلام)، يمكن مقارنته بتعريف ثابت وراسخ لحقوق الإنسان.." .. ويقول:" أصر وأؤكد أنه لا أحد مسلم أو غير مسلم يمكنه أن يعرِّف بصورة .. محددة وشاملة الإسلام".
فبدلاً أن يجيب على السؤال بكل الصدق والوضوح، ذهب ليقول: "ما أقول في السياق الذي أخذ عنه هذا النص هو المقابلة بين الإسلام وحقوق الإنسان" .. وحوَّلَ القضية من التعريف إلى المعرفة، ليقول: "أقول إن عامة البشر اليوم، وأنا منهم، لا نملك الإحاطة بمعرفة القرآن".. هنا أضاف للمعرفة (إحاطة)، وكل هذا خارج الموضوع.. الموضوع حسب النص الواضح، وملابسات النص هو تعريف definition، ولا يمكن أن يكون المعرفة الشاملة بالإسلام، لأن هذه لن تتحقق في أي يوم من الأيام.. وتجاهل د. عبدالله أن نصه يقول بأنه أساساً لا يوجد شيء متماسك اسمه (الاسلام)، حتى يمكن تعريفه.
د. عبدالله لم يجب على أي سؤال، وإنما ذهب في الرد على جميع الأسئلة، إلى ذكر ما يعتقد أنه يتفق مع رأي السائل، دون أن تكون هنالك أي علاقة للرد بموضوع السؤال..
التمويل:
لم ينكر د. عبدالله النصوص التي أوردناها له عن التمويل، ولكنه تحدث حديثاً مطولاً، عن علاقته بمؤسسة فورد منذ 1982م، وذكر أنه خرج من السودان عن طريقها، ثم تحدث عن جامعة إموري، ليقر في النهائية بالمبالغ المذكورة، ويقول أنه هو شخصيا لم يستلم منها شيئاً، وإنما ذهبت للجامعة، حسب النظام المعمول به.. ولكنه، كعادته في عدم المواجهة في الردود، نسي أن يذكر لنا ما هو السبب في أن الخبر المعلن يتحدث عن تمويله هو وليس الجامعة، كما أنه شخصياً في كتابه شكر مؤسسة فورد ومركز دراسة القانون والدين بجامعة إموري، على تمويل الدراسة، وتقديم العون الأكاديمي.. فعن تمويل الدراسة، جاء قوله: "لابد أن أتقدم بالشكر والتقدير لمؤسسة فورد التي قامت بتمويل هذه الدراسة من رئاسة مكاتبها في مدينة نيويورك".. فالتمويل من رئاسة المكاتب في مدينة نيويورك!!
والنص بخبر التمويل يقول:
"His work has attracted nearly $2 million of support from the Ford Foundation over the last decade for a series of research and advocacy projects, including The Future of Shari'a."
"اجتذب نشاطه قرابة مليوني دولار أمريكي كمساعدة مالية من مؤسسة فورد" الحديث عن عبدالله وليس عن الجامعة.
والإقرار الثاني يقول:
“An-Na'im will have help spreading his messages”
"النعيم سيجد من يساعده....."
فالأخبار الواردة عنه هو، ولم يذكر فيها أي شيء عن أن الأموال قد ذهبت للجامعة، وعهدنا بمثل هذه المؤسسات انها دقيقة في أخبارها، خصوصاً المالية.. وعلى كلٍ إذا كان الأمر كما يقول النعيم، فلماذا ترك الخبر ينشر، ولفترة طويلة، بهذه الصورة.. ويمكن له الآن أن يصحح الخبر من مصدره.
وذهب النعيم ليصور الموضوع كله كبحث علمي بريء.. وهذا، لم يفت علينا منذ البداية.. فهل كان ينتظر أن تقول هذه الجهات أنها مولت دراسات لتشويه الإسلام؟! ومن الطبيعي أن تعمل مثل هذه المؤسسات حماية، لمن يتعاون معها في أغراضها، وإلا فلن تجد أحداً يتعاون معها.. فيكفي الإقرار بالتمويل، والباقي مفهوم.. فالتشويه ثابت، وهو تشويه كبير، يشمل الأساسيات، وينطبق على ما يريده الغرب، والتمويل ثابت.. ونحن لسنا بصدد المحاسبة، وإنما بصدد إثبات الحقائق، وللناس عقول.
هل إذا قال د. عبدالله، حقائق الفكرة التي أقرها في إجاباته هذه، هل كان سيجد هذا التمويل؟! ولماذا لم يقلها، وقال عكسها، طالما أنه يقر أنها حقائق!! وعبدالله طالما أنه يخفي الحقائق لاعتبارات القرآء، حسب قوله، فمن الطبيعي أن يخفيها لاعتبارات الممولين..
د. عبدالله مصر على تلقي التمويل، والمساعدات.. وليس لنا أي اعتراض على ذلك، إذا اقتصر الأمر على شخصه، ولم يدخل فيه الأستاذ محمود والفكرة الجمهورية،.. ولكنه، أيضاً مصر على الزج باسم الأستاذ محمود وفكرته في هذا الأمر.. فالأستاذ محمود، ودعوته، هما وسيلة لتلقي د. عبدالله الدعم المادي والمعنوي.
وما يؤكد إصراره على استغلال اسم الأستاذ، ودعوته في سبيل تلقي التمويل، ما جاء ضمن ردوده على الأسئلة الأخيرة.. فقد قال صراحة: "حرصت على مواصلة البحث في الأمور التي تهمني كمسلم وتلميذ للأستاذ محمود محمد طه، وأرى أن واجبي المباشر هو الاستفادة للدرجة القصوى الممكنة من الامكانيات المتاحة في التمويل والدعم للبحث العلمي"!! هذا النص عبارة عن إعلان حرب ضد الفكرة الجمهورية، ليس من قبل د. عبدالله، وإنما من قبل القوى التي تموله، وتخطط له وتروج.. وعبدالله، قفل باب الحوار مع الجمهوريين بصورة نهائية.. فهو يصر على تشويه الفكرة، فينسب لها عكس ما تقول، كما أوردنا أقواله في الحلقة التاسعة.. ويصر على تلقي التمويل والعون المادي والمعنوي، وبصفته تلميذ للأستاذ محمود، ويرفض محاورة الجمهوريين لتبرئة ساحة الأستاذ محمود ودعوته من فعله، كما يرفض الرد على أسئلتهم.. ففعله هذا، ليس فقط هو عمل متعمد في تشويه الفكرة، وإنما هو مقصود، مع سبق الاصرار والترصد.
وعبدالله في تحديه هذا، يبني على أنه يستند الى مؤسسات دولة عظمى مقابل جماعة لا وزن لها ولا خطر (لا يعتد بها) حسب تعبيره.
أقول لعبدالله، إذا لم ترجع لربك من قريب، أنت الخاسر.. أنت الضحية، وأصحابك هؤلاء لن يغنوا عنك من الله شيئاً.. وأذكر نفسي، وأذكرك: ملاقاة الله قريبة جداً، ولا يوجد ما يمنع أن تكون في اللحظة التالية.. لن تجد أى خير من عملك هذا، والأيام بيننا، وسنرى.
يبدو الأمر بسيط جداً، ما الذي يمنع د. عبدالله من أن يستمر فيما هو فيه، دون الزج بالأستاذ محمود وفكرته؟! والإجابة بسيطة أيضاً: ما يمنع هو أن د. عبدالله إذا لم يزج باسم الأستاذ ودعوته، لن يجد التمويل والترويج، فهما أساساً، ليسا لعبدالله كشخص، وإنما للدور الذي يقوم به.. فالمعادلة: إما الزج باسم الأستاذ والفكرة أو لا تمويل ولا دعم..
وهذا هو السر في أن د. عبدالله يصر على أنه لا أحد يستطيع أن يخرجه من حظيرة الجمهوريين أو الفكرة، لا حرصاً على الوجود في الحظيرة، وإنما حرصاً على ألا تختل المعادلة.
يقول د. عبدالله: "أقصد أولاً الإقرار بفضل الله علي بالتتلمذ على سيدي الأستاذ محمود وهذه حقيقة معلومة عني منذ نهاية الستينات من القرن الماضي. ومن المقرر عندي أنه لا يحق لأي أنسان نفي هذه الصفة عني طالما زعمتها أنا لنفسي إلا سيدي الأستاذ محمود نفسه ولم يبلغني عن سيدي الأستاذ أنه قد نزع هذه الصفة عني"..
أولاً: معلوم عنك ايضاً أنك صاحب دعوة خاصة، منذ أواخر الستينات، وهذا منصوص عليه في كتابك بالطبعة الإنجليزية، وقد سبق أن أوردناه.
ثانياً: الأستاذ لا ينزع الصفة عن أحد بعينه، ولكنه قال مرات: من بيننا من يعتبرون جمهوريين، وهم ليسوا جمهوريين، وسيتكشفون وترونهم. وقد انكشفواذ.. ورأيناهم، وقال أيضاً: " الذي لا يتأثر بالسلوك ولا يكون في المستوى يُخرج.. ويمكن أن يكون بعيد وهو جمهوري، واخبارو تأتينا.. فاذا عرفنا انو فارق مفارقة واضحة يمكن ان نعلن انه غير جمهوري، ولكننا لا نأخذ الناس بالشبهات في هذا الأمر.. وقد حدث نموذج، أخرجنا إنسان من الفكرة، هو محمد خير محيسي، فقد أصبح ليهو آراء مخالفة للفكرة، وكان ينشرها بحجة إننا قلنا الإنسان حر في إبداء آرائه!! واخبرناه بأنه الإنسان ليهو الحرية، ولكن عليه أن يتحمل مسئوليته.. فهو مثلا ليه الحرية أن يبدي أي آراء، ويكون مسئول عنها.. ولا يلقي مسئوليتها علي الجمهوريين وذلك يكون عندما يعلن نفسه كجمهوري.. لكن يمكنه ان يبتعد عن المجتمع الجمهوري وهو حر .. وقد أُخرج من الفكرة لأن ضرره متعدي" .. وقد شكَّل الأستاذ محمود لجنة برئاسة الأستاذ محمد فضل (عم فضل) وقد قررت فصل محمد خير محيسي روحيا.. وبذلك وضع الأستاذ القاعدة، وهي تنطبق عليك بأكثر مما تنطبق على محيسي، بكثير جداً..
ثالثاً: ومعلوم عنك أيضاً، أنك في كتابك (الإسلام وعلمانية الدولة) وما يدور حوله من طرح عكست موقفك السابق بصورة تامة.
رابعاً: الصفة التي تتحدث عنها، ليست مجرد إنتماء، وإنما هي دين.. وعلى خلاف ما تقول، هناك من ينزع عنك هذه الصفة كدين، وهو أنت نفسك.. لا أحد، غير الإنسان نفسه، يخرج الفرد من الدين أو يدخله فيه، هذا من حيث الشريعة .. أما من حيث الحقيقة: يبيت الفرد مؤمن، ويصبح كافراً.. فقلب العبد بين اصبعين من أصابع الرحمن، يقلبه كيف يشاء.
فكل إنسان، يستطيع أن يحكم، هل سلوك إنسان معين في نقطة أو نقاط أو أقواله المعينة، هي أقوال جمهوري أم لا، وذلك بالرجوع إلى أصل الفكرة كما هي عند صاحبها.. الأمر ليس مبهماً، وإنما هو واضح كل الوضوح، فكل إنسان ملم بالفكرة الجمهورية يستطيع أن يحكم على أفكار أي إنسان آخر، هل تتفق مع الفكرة الجمهورية أو لا تتفق.
ومن جانبي، قد بينت بياناً وافياً، أن دعوتك، مناقضة للفكرة الجمهورية، وبالدليل القاطع: أورد قولك، ثم أورد قول الأستاذ المقابل الذي يتناقض معه، بصورة واضحة لكل من يعرف اللغة العربية.. وعملي هذا، لأعينك على الدخول بحق، واكتساب صفة الجمهوري، كتحقيق وليس كمجرد إنتماء إسمي.. وهذا ما ينبغي أن تحرص عليه: الإنتماء الحقيقي الذي يقوم على العقيدة الصحيحة والفهم الصحيح والإلتزام الصحيح، وليس إنتماء من ينتسب للفكرة ليشوهها من الداخل، وباسمها.
نحن سنتعرض للتمويل مرة أخرى عندما نتحدث عن البحث العلمي والحرب الفكرية.
المرحلية:
المرحلية، من أوضح، نماذج، إزدواجية الخطاب.. ففي الوقت الذي فيه جميع أقوال د. النعيم الأساسية، في خطابه الأصلي مبدئية، ونهائية، يجيء في خطابه الداخلي، للجمهوريين، أو بعضهم، ليقول، أنها مرحلية، على العكس من الخطاب العام!! والخطاب العام باقٍ كما هو، لا يلحقه أي تعديل!! وعلى كل التناقض سمة أساسية، من سمات طرح النعيم، ولكنه هنا تناقض يقوم على إزدواجية الخطاب.. فأهل التمويل يجدون فيه ما يريدون، وبعض الجمهوريين، تتم مخاطبتهم بما يرضيهم، وكل ذلك يتم، حسب قاعدة د. النعيم في الخطاب، في الإخفاء والإظهار حسب ما يحقق مصلحته!!.
يقول د. النعيم مثلا: "فأنا لا أرى في أطروحتي أي تعارض مع ما يبشر به سيدي الأستاذ، وإنما هي محاولة في العمل بالواجب المباشر في توفير الأمن والاستقرار وحماية الحريات الأساسية في الظروف الراهنة. وليس في أطروحتي ما يبقى مفيداً عندما تقوم دولة الرسالة الثانية"!! وبالطبع دولة الرسالة الثانية، هي دولة المسيح، وهي عنده نفس دولته، فهو يقول: "حسب فهمي لما يبشر به سيدي الأستاذ محمود، لا فرق بين دولة المسيح وما أدعو اليه بحياد الدولة تجاه الدين..".. عبارة (حسب فهمي) هي المفتاح.. فحسب هذا الفهم، لا توجد دولة إسلامية، والموضوع كله خطأ في المفهوم.. ودولة المدينة سياسة وليست دين.. والفكرة الجمهورية لا تدعو لدولة إسلامية.. والمنطق الديني لا يستطيع حل مشكلات الدولة الحديثة... إلخ راجع نصوصه المستفيضة في ذلك فالقضية، ليست هي الفكرة الجمهورية كما يدعو لها صاحبها، وإنما هي الفكرة الجمهورية كما يفهمها د. النعيم، وهو فهم يعكس جميع قضاياها الأساسية، عكساً!! وقد كررت أن القضية، ليست قضية فهم، عندما نتحدث عن قضايا الفكرة، وإنما هي قضية خبر إما صادق أو كاذب.. فالسؤال، مثلا، هل الفكرة الجمهورية تدعو لدولة إسلامية؟! الإجابة عليه لا تعتمد على الفهم، وإنما على صحة الخبر حسب مصادر الفكرة، كما هي عند صاحبها.. فمن يجيب بنعم عليه أن يورد الدليل من أقوال صاحب الفكرة، ومن يجيب بلا عليه أن يورد الدليل من أقوال صاحب الفكرة.. فلا مجال لعبارة (حسب فهمي) وهكذا بالنسبة لكل القضايا المتعلقة بالفكرة.. المرجعية واحدة هي صاحب الفكرة، ولا مرجعية غيرها.. وهذا بالطبع ينطبق على كل فكر بشري، وهو من الأمور البديهية.. فيجب أن يتم وضع ما يسميه النعيم، فهمه للفكرة، عند أعتابه، فالفكرة منه براء، بل هو عمل في تشويهها، كما بيَّنا بوضوح.
والنعيم، في كتابه (علمانية الدولة) أوجد بديلاً لمفهوم تطوير التشريع، كما يدعو له الأستاذ.. واستبدله بما أسماه النظر في إعادة فهم الشريعة.. وكل عمله يقوم على الدعوة لعلمانية الدولة، وهذا بالضبط نقيض ما يدعو له الأستاذ محمود.
ود. النعيم، يعول كثيراً على عبارة (حسب علمي) .. وقد أوردنا له قوله: "ليس عندي نص اقتبسه من كتب الأستاذ أو من آية أو من حديث يجعلك تطمئن الى أني أمهد لدولة العز وكنز الفرح، كما تطلب في سؤالك، وإنما هو قصدي وهدفي حسب علمي..".. قصدك وهدفك، هو ما تعبر عنه أقوالك، ولا يمكن لقارئ أو مستمع أن يدرك لك قصداً خلاف ما تقول به.. وأنت أكاديمي كبير، لا تعجز عن التعبير الواضح عن قصدك وهدفك. ولا يمكن أن تقول شيئاً، وأنت تقصد عكسه!! أنت لست عييٌ إلى هذا الحد.. ومن لا يستطيع أن يوضح قصده، يجب أن لا يخاطب الآخرين.. أنت لا تستطيع أن تذكر نصاً من الأستاذ أو من القرآن أو الحديث، لأنه أساساً لا وجود لمثل هذا النص، بل هنالك النصوص المستفيضة، التي تدل على عكس ما تقول أنت وقد أوردناها خصوصاً، في الحلقة التاسعة.
سئل عن قوله الوارد في كتاب (الإسلام وعلمانية الدولة) والذي يقول فيه: "هذا الكتاب تتويج لمجهود حياتي، وهو الكلمة النهائية التي أود أن أقولها حول مسائل ظللت مهموماً ومشغولاً بها منذ أن كنتُ طالباً في جامعة الخرطوم بالسودان، أواخر ستينات القرن الماضي).. فعبارة (وهو الكلمة النهائية) ترجع للكتاب وما ورد فيه، وكذلك عبارة (في مسائل ظللت مهموماً ومشغولاً بها) فهي أيضاً ترجع الى المسائل التي وردت في الكتاب.. وعلى ذلك، الكتاب وما ورد فيه من مسائل هو ما ينطبق عليه قولك (تتويج لمجهود حياتي) (وهو الكلمة النهائية..) .. فموضوع، السؤال لا يتعلق بأمر خارج الكتاب، وإنما بما ورد فيه، والذي تعتبره الكلمة النهائية، في مجاله.. وموضوع الكتاب، واضح من عنوانه (الإسلام وعلمانية الدولة)، ووكدته التفاصيل الواردة في متن الكتاب، ومنها قولك، الجامع: "إنني أدعو في هذا الكتاب إلى عدم تطبيق أحكام الشريعة من قبل الدولة باعتبارها شريعة دينية، مع التسليم باستمرارية تأثير الشريعة على السياسة.." ص 6 وقولك: "الدولة الوطنية لا تقدر على تطبيق الشريعة الإسلامية كقانون عام أو أساس للسياسة الرسمية، ولا ينبغي لها أن تحاول ذلك.." ص 7.. وقولك: "فالأطروحة التي أقدمها في هذا الكتاب تتعلق ببطلان مفهوم الدولة الدينية ولزوم الدولة العلمانية من منظور إسلامي" ص 9.. وقولك: " فقولي ببطلان مفهوم الدولة الدينية يعني أن هذه الفكرة لا تستقيم عقلاً ولا ديناً، لأنها تنسب التدين للدولة.." ص 9 .. والكتاب كله يدور حول هذا المفهوم، ويورد العديد من الآراء الخاطئة، بصورة خطيرة في أمر الإسلام، وقد سبق أن أوردنا العديد منها.. والسؤال لك، جاء محدداً: "هل الكلمة النهائية عندك هي ما طرحته الفكرة الجمهورية من تطوير التشريع الإسلامي من فروع القرآن إلى أصوله حيث يقوم نظام عمدته أصول القرآن (آيات الديمقراطية والإشتراكية والمساواة) وهو ما وجدت عليه الجمهوريين حينما انضممت إلى لواء دعوتهم في عام 1967م، أم هي مسألة فصل الدين عن الدولة وبالتالي إقامة دولة علمانية والتي توصلت إليها مؤخراً وضمنتها كتابك هذا؟!!" .. فالسؤال محددٌ جداً، ولا يخرج عن ما ورد في كتابك، وقولك أنه الكلمة النهائية.. وموضوع تطوير التشريع، الذي ورد في السؤال، بصورة محددة، هو ما تركته أنت في كتابك، واقترحت بديلاً له، وفق رؤيتك الخاصة في مفهوم: إعادة تفسير الشريعة.
والكتاب، لا يقف عند هذا الحد، بل يذهب إلى تشويه الإسلام، والقرآن والشريعة، وقد سبق أن أوردنا العديد من أقوالك في هذا الصدد.. وكون الكتاب في نظرك، هو الكلمة النهائية، عندك، في المسائل التي وردت فيه، يعني، فيما يعني، أن آراءك الدينية الخاطئة، والخطيرة هذه، هي عندك الكلمة النهائية.. ونحن قد سبق أن اوردنا، العديد من النماذج.. ونورد هنا، نموذجاً واحداً، لم يسبق إيراده من قبل، في المناقشة.. فأنت تقول عن القرآن: "كما أن القرآن دائماً يخاطب الفرد المسلم والجماعة المسلمة، ولا يخاطب مؤسسة أو هيئة يمكن وصفها بأنها الدولة.. ولا يستقيم من الناحية المنطقية أن يخاطب القرآن غير الإنسان المكلف شرعاً.." ص 419 .. من قال لك أن القرآن لا يخاطب (غير الإنسان المكلف شرعاً).. قولك هذا، هو حكم على القرآن بأنه إذا خاطب الإنسان غير المكلف فهو (لا يستقيم من الناحية المنطقية).. والقرآن فعلاً يخاطب غير المكلف، الأمر الذي يجعله في نظرك (لا يستقيم من الناحية المنطقية)!!
إن خطأك في التعامل مع القرآن، ليس خطأ في موضع أو موضعين، أو عديد المواضع، وإنما هو خطأ أساسي في المنهاج الذي تتعامل به مع الله، ومع القرآن.. فأنت تجعل عقلك كما هو، حكماً على القرآن، فتقرر لله تعالى من يخاطب ومن لا يخاطب، وهذا منهج معكوس.. والمنهج الصحيح الذي تركته، هو أن تعلم عن الله، من القرآن عن طريق التقوى، وفي هذا المنهج، تؤخر نفسك وتقدم ربك، أما في منهجك فأنت تقدم عقلك، ومنطقك، وتنتظر أن يسير الله، وفقهما، وإلا فكلامه تعالى (لا يستقيم من الناحية المنطقية)!! ومنهجك، هذا، لا يمكن أن يؤدي إلا للجهل العظيم بالله تعالى، لأنه منذ البداية يقوم على هذا الجهل.
وأمر مخاطبة القرآن، لغير العاقل المكلف، هو أمر من البداهة، بحيث يدركه، كل مسلم عادي، لأن الإفادة الواردة فيه مستفيضة.. فمثلاً قوله تعالى: "إنا عرضنا الأمانة على السماوات، والأرض، والجبال، فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها، وحملها الإنسان، إنه كان ظلوماً جهولاً"، هذه آية وردت في كتاب (الرسالة الثانية)، وهو الكتاب الأم بالنسبة للفكرة الجمهورية، فهل أنت لم تطلع على هذا الكتاب؟! ولكن كيف لم تطلع عليه، وأنت ترجمته؟! وقول الله تعالي لنار إبراهيم (يا نارُ كوني برداً وسلاماً على إبراهيم) وهي آية ترد كثيراً في مجال الإستدلال على السببية في الإسلام، أفلم تمر عليه، في أي موضع من المواضع، في الأحاديث، وفي كتب الفكرة؟.. على كل حال، قولك هذا هو على عكس ما عليه واقع الأمر بالنسبة للقرآن، وبالنسبة للفكرة الجمهورية.. يقول الأستاذ محمود من كتاب (القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري) ما نصه: "في القرآن، المخلوقات، كلها، أتباع دين واحد، ما يعقل منها – بأقيستنا نحن – وما لا يعقل .. قال تعالى، في ذلك: (أفغير دين الله يبغون، وله أسلم من في السموات، والأرض، طوعا، وكرها، وإليه يرجعون؟؟) ولا يتوهمن متوهم أن (من) هنا إنما هي لخطاب العاقل .. يقول الله تعالى، في موضع آخر: (ثم استوى إلى السماء، وهي دخان، فقال لها، وللأرض: ائتيا طوعا، أو كرها، قالتا: أتينا طائعين)..
والقرآن يتوجه بخطابه لغير العاقل (بأقيستنا نحن) كما يتوجه به للعاقل: (قلنا يا نار!! كوني بردا، وسلاما، على إبراهيم) .. وفي موضع آخر قال تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي، وغيض الماء، وقضي الأمر، واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين) .. ومن أدق ما في هذا الباب، قوله تعالى، عن أم موسى، وعن النيل، وعن فرعون: (ولقد مننا عليك مرة أخرى * إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى * أن اقذفيه في التابوت، فاقذفيه في اليم، فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي، وعدو له، وألقيت عليك محبة مني، ولتصنع على عيني) فقد صدر الأمر، وفي سياق واحد، إلى أم موسى، وإلى اليم، وإلى فرعون، ونفذ الأمر في الحالات الثلاث، بلا تخلف، ولا اختلاف...".. فكيف أنت كجمهوري لم تطلع على هذا القول؟! فبربك، قول الأستاذ هذا، وقولك، هل يمكن معهما أن تقول بحق، أنك تلميذاً للأستاذ، في جميع أقوالك العامة؟!
لولا الفتنة، أساساً، ما الذي يجبرك على هذا القول؟! إن موقف الفكرة، من أقوالك هذه، هو ما يعبر عنه قول الأستاذ محمود، الذي جاء فيه: "(وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) ومن الظالمين من يعتمد على العقل في فهم حقائق الدين كل الإعتماد".. إنك تظلم نفسك، أشد الظلم، وتضحي بكل شيء، في سبيل لا شيء، حقيقي.. نُسِبَ لأحد الأخوان قوله: "الفكرة الجمهورية إذا أعطتك، تعطيك كل شيء، وإذا سلبتك، تسلبك كل شيء، حتى أنها تسلبك الذي لم تعطك إياه بصورة مباشرة"!! ولم أر من ينطبق عليه هذا القول، في جانبه السلبي، مثلما ينطبق عليك.. الكنز، هو ما تركته، لا ما صرت إليه!!
لقد ذهبت بعيداً جداً، ووصلت إلى درك ما عليه من مزيد.. ولكنني، كما كررت، مراراً، لن أيأس من أن يشملك الله، بفضله، ورحمته.. لن أخدعك عن نفسك، كما تنخدع عنها أنت، وكما يفعل بعض الذين يعينونك على خداعها.. الجرم عظيم، وكبير جداً، وسبيلك الوحيد، الذي لا سبيل غيره، هو العودة إلى كنف الغفور الرحيم، وفوراً، فأنت لست في سعة من أمرك.. لا يوجد وقت، والموت، علينا، وعليك في الرقاب، فإن يرد الله بك خيراً، ترجع إليه، قبل فوات الأوان، وذلك، ليس على الله بعزيز..
الإسلام الليبرالي:
سئل د. عبدالله عن علاقته بمنتدى الإسلام الليبرالي، فأجاب إجابة فيها الكثير من الإنفعال، وكثير جداً من المغالطات، وقال: "لا علاقة لي على الإطلاق ولا ليوم واحد بأي صورة من الصور بما يسمى منتدى الإسلام الليبرالي. فأنا لست مشاركا فى هذا المنتدى، ولا عضو فيه ولم أقوم بزيارة موقعه الإكترونى ولا مرة واحدة في حياتي..." الى أن يقول: "أذكر ندوة فى إندونسيا دعانى للمشاركة فيها الأستاذ قنوان محمد، رئيس تحرير مجلة تمبو بجاكارتا..." .. وفي الواقع، هذه الندوة أقامها منتدى الإسلام الليبرالي، الذي يتنكر له د. عبدالله، وينفي، بغير حق صلته به، ولو ليوم واحد!!
ولبيان حقيقة الأمر أنقل للقراء خبر ندوة د. عبدالله كما هو في موقع (منتدى الإسلام الليبرالي) فقد جاء فيه: "
Islam and Secularism
Oleh: Redaksi
Since the invitation of an open discussion organized by Liberal Islam Network (JIL) under the title of “Islam and Secularism” was accommodated in daily Kompas on Thursday, 2nd January 2003, the office telephone rang constantly. The program was held in JIL headquarters, Teater Utan Kayu, Jl. Utan Kayu 68 H East Jakarta.
Teater Utan Kayu, Saturday, 7th January 2003
Organizer: Islam Liberal Network
Moderator: Goenawan Mohamad
Speaker: Abdullahi Ahmed Annaim Ulil Abshar-Abdalla
Detail report:
Since the invitation of an open discussion organized by Liberal Islam Network (JIL) under the title of “Islam and Secularism” was accommodated in daily Kompas on Thursday, 2nd January 2003, the office telephone rang constantly. The program was held in JIL headquarters, Teater Utan Kayu, Jl. Utan Kayu 68 H East Jakarta.
On Tuesday, 7th January 2003, people rushed to the JIL office. The parking area could not accommodate the participants' cars. People like Munir, SH (Kontras), Johan Effendy (International Conference for Religion and Peace), Musda Mulia (Litbang Depag), Suzanne Siskel (Ford Foundation), Gretta Morris (American Embassy), Gadis Arivia dan Nur Iman Subono (woman's Journal), Syafiq Hasyim (External Director of Rahima), Farid Wajdi (LKiS Yogjakarta), Lies-Marcoes (feminist), Rizal Mallarangeng dan Ahmad Sahal (Freedom Institute), Martin Sinaga (STT) and so on showed up.
The program started at 19.00 right after Goenawan Muhammad and JIL members dined with Prof. Dr. Abdullahi Ahmed An-Na'im. The committee provided a screen at Tempo Canteen to cater to the size of the audience. Generally, the discussion was interesting, so that the participants requested the moderator to prolong the discussion. The discussion was closed formally by GM at 21.45 but as usual, many participants continued their informal discussions in the cafeteria.
To begin with, Goenawan Muhammad (GM), jokingly said that Ulil Abshar-Abdalla should be punished due to his being several minutes late. “Ulil should replace my position as the speaker.” GM said. The participants burst out with laughter. Finally, GM hosted the discussion by discussing the work of An-Na'im's. GM reported what happened to Mahmud Muhammad Thoha, An-Na'im teacher. Mahmud Muhammad Thoha was sentenced to death by Ja'far An-Numairi's regime with less than an hour of deliberation!
An-Naim began his presentation by saying that what is called Islam depends on what a Muslim understood it to be, since Islam does not talk. Talking about Islam and Secularism is problematic, he said, not due to the content of secularism's substance, but from the things associated with secularism, colonialism, imperialism and the idea that to be secular is to be against religion.
This author of Toward an Islamic Reformation conveyed the fact that secularism is an integral part of the Islamic history. Islam is provided for human (hudan li-nnas), and therefore, no religious text is “purely” Allah's revelation. The text is not present in a vacant space; there is always an extracting process between the divine and the profane. Furthermore, he said, the text talks about humans in the public discourse and hence there always has to be human interference. Secular, to An-Naim, who is recognized by Indonesian public through his book published by LkiS, is a perpetual negotiation between the ideals and the reality of society.
Ulil Abshar-Abdalla affirmed that AlQur'an contained secularist dimensions or elements. He supported his view with the argument that Al Qur'an has been revealed gradually in order to respond to the historical and sociological events. Furthermore, in fact there are asbab al-nuzul (the reasons behind revelation) indicating a dialogical process between God's and human's needs. Many Qur'anic verses, if we analysed them semantically, would show the geographical, cultural, economic, politic and social setting of Arab society at that time. The Qur'an even contains non Arabic idioms or words which indicate that Qur'an is in part a multicultural expression."
(Translated by Lanny Octavia, edited by Jonathan Zilberg)
أولاً: الندوة نظمها وأدار الحوار حولها منتدى الإسلام الليبرالي، كما هو واضح في الخبر
"منظم ندوة النقاش: منتدى الإسلام الليبرالي" ومع ذلك قال د. عبدالله: "لا علاقة لي على الإطلاق ولا ليوم واحد بأي صورة من الصور بما يسمى منتدى الإسلام اللبيرالي."!!
وجاء في الخبر كما هو منشور أعلاه بالإنجليزية: "بدأ البرنامج الساعة 19:00 مباشرة بعد أن تناول قنوان محمد وأعضاء منتدى الإسلام الليبرالي طعام العشاء مع البروفيسور عبدالله أحمد النعيم"..
يلاحظ ضمن الحضور ممثل السفارة الأمريكية.. وممثل لمؤسسة فورد!!.
رغم كل هذا، د. عبدالله يقول (لا علاقة لي على الإطلاق ولا ليوم واحد بأي صورة من الصور بما يسمى منتدى الإسلام اللبيرالي)!!
ويقول: "ولم أعلم أن موقع المنتدى قد نشر طرف من مشاركتى فى ندوة بإندونيسيا إلا من مقالات الأستاذ خالد"!! كيف لا ينشر خبر الندوة وهو منظمها؟! ولماذا أغفل د. عبدالله، معلومة أن المنتدى هو منظم الندوة؟!
البحث العلمي والحرب الفكرية:
يسمي الغرب، حربه ضد الإسلام، بحرب الأفكار.. وحسب الكتاب، الذي أصدرته (مؤسسة راند)، في دعوتها لإعادة التخطيط لهذه الحرب، تحت غطاء (بناء شبكات مسلمة معتدلة)، يشكل (البحث العلمي) أهم وسائل هذه الحرب، وأهم غطاء لها!!
وحسب تقرير (راند)، فإن معظم الذين ساهموا في التقرير الذي قام عليه الكتاب، لهم علاقة بمجال البحث العلمي، ومن هؤلاء: الجامعات، ومراكز البحث العلمي، والمعاهد، والروابط، والمجالس المتخصصة.. وحتى المؤسسات التي ليس لها علاقة مباشرة بالبحث، لها أقسام خاصة بالبحث.. والبحث العلمي المقصود، هو أساساً بحث في الأساليب التي يمكن بها مواجهة الإسلام، بالصورة التي تضعه في إطار هيمنة الحضارة الغربية.. وقد نشط هذا العمل بصورة أساسية، بعد الإنتهاء من خطر الشيوعية، ثم زاد بعد أحداث 11 سبتمبر.. فالبحث العلمي، المقصود، هو بحث موجه، وفق معايير محددة سلفاً سنتعرض لها عند التعليق على كتاب (راند) ويخدم أغراض معينة لمصلحة الغرب، وضد الإسلام كدين.. ورغم أن الموضوع يظهر بمظهر البحث العلمي، إلا أنه يخضع للهيمنة السياسية والمخابراتية..
فحديث د. عبدالله، عن بحوثه، لا ينفي عنه التهمة، وإنما يؤكدها، ويؤكد التمويل الذي يصر عليه.. فبعد حديث مطول، وصل د. عبدالله، إلى قوله: "هذه هي قصة المليوني دولار التي حصلت عليها جامعة إمورى خلال عشر سنوات لتمويل بحوثي العلمية منذ التحاقي بالجامعة عام 1995 – وتجدر الإشارة هنا أن مثل هذا التمويل هو جزء ضئيل من دخل جامعة امورى لتمويل البحوث..." إذن د. عبدالله يقر ويعترف بالتمويل الذي تم لبحوثه في فترة عشرة أعوام، ولكنه يضيف: "وأقرر هنا بصورة قاطعة بانى (عبد الله) كصاحب لأفكار المشروعات والباحث المسئول عن تنفيذها لم ولن يدفع لي ولا دولار واحد فى جميع حالات هذه المنح البحثية، لأن كل هذه المناشط هي جزء من عملي الرسمي الذي أتلقى عليه راتبي الشهري بجامعة إموري..."!! هذا يكفي جداً.. وهو واضح وقاطع، بأن د. عبدالله أحمد النعيم يتلقى جزءاً من راتبه الرسمي، كمقابل للبحوث التي يقوم بها، والمتعلقة بالإسلام.. وهي بحوث، قد أثبتنا بالدليل القاطع، والمفصل من أقواله الموثقة، أنها تشوه الإسلام، وتشوه الفكرة الجمهورية، بصورة تشمل كل أساسياتها، وتظهرها بعكس ما هي عليه.
ونحن في الحلقة العاشرة، من حلقات الرد على د. عبدالله أوردنا تصور الفكرة الجمهورية للسلوك المطلوب ديناً، حسب الفكرة، وهو يتضمن: ألا يعمل الإنسان، في مجال لا يقره الشرع.. وعبدالله، يعمل، في مجال يشوه الدين كله، ويتلقى مقابلاً، مالياً على ذلك.. وذكرنا، أنه لا يوجد اليوم دخل حلال، بمقاييس الدين، فحتى مرتباتنا في السودان، تحتاج أن تحلل، وأوردت وسيلة جعلها حلالاً، ومنذ البداية، كان حديثي عن التمويل واضحاً، وقد جاء فيه من الحلقة العاشرة: "ونحن نورد هذا القول المتعلق بالسالك العادي، لتتضح المفارقة في زعم د. عبدالله أنه (تلميذ للأستاذ في كل أحواله) ولا نريد أن نحاكمه بمعيار الدين هذا، ولا حتى نريد أن نتحدث عن دخله الخاص.. وإنما نحصر أنفسنا، فقط، في عمله كمفكر، وكداعية إسلامي!! هل عمله في هذا المجال، هو عمل حر، خالص لوجه الله؟! أو حتى هل هو عمل يكتفي فيه بما يدره العمل بطبيعته من دخل أم هنالك مال يدخل عليه وهو ليس من طبيعة العمل، ولا من عائده المباشر؟!".. وهنا، تطوع د. عبدالله، وذكر لنا أن دخله لا يأتي من ثمن بيع الكتب والبحوث، بصورة حرة، وإنما هو جزء من راتبه، يتلقاه مقابل بحوثه الإسلامية!! وهذا بوضوح، يعني أنه، موظف، في مؤسسة أمريكية، في عمل يقوم على تشويه الإسلام عامة، والفكرة الجمهورية خاصة، مقابل مال يتلقاه كراتب شهري.. وهذا، أيضاً يعني، أن عمله، في هذا الصدد، عمل مفتوح، وليس مجرد بحث واحد، أو عدد من البحوث.. وهو مفتوح في الزمن، وفي التمويل الذي يجذبه، وفي أسلوب البحث!!
هذا الذي يسميه د. عبدالله، ومن هم وراءه، بحث علمي لا علاقة له لا بالبحث، ولا بالعلم!! البحث العلمي، كما يعلم كل أكاديمي يقوم على شروط صارمة من أسس منهج البحث العلمي.. وطرح د. عبدالله، لا يستوفي أي شرط، من شروط البحث العلمي، بل يناقضها بصورة صارخة، نلخصها في النقاط التالية:
1. لا يوجد بحث علمي، لا يقوم على الموضوعية.. وكتابة د. عبدالله كما بينا باستفاضة تقوم على الذاتية المفرطة.. لا يمكن في بحث علمي، أن يقول الباحث (أنا عبدالله أحمد النعيم أقول)، وفي أمور تتعلق بأهم القضايا، مثل: المساواة والعدل، ونصرة المستضعفين
2. لابد للبحث العلمي، أن يقوم على منطق مستقيم، وأساس المنطق، عدم التناقض.. وطرح عبدالله يقوم على التناقض بصورة أساسية، تشمل كل أساسيات الطرح ولقد سبق أن أفردنا حلقة للتناقض.
3. من أهم شروط منهج البحث العلمي، تحديد المفاهيم بصورة واضحة.. ود. عبدالله، يتحدث عن عدم وجود مفاهيم محددة حتى بالنسبة للإنسان والإسلام.. وحتى عندما يذكر بعض المفاهيم تكون لا علاقة لها بالقضية التي يقوم عليها المفهوم مثل: تعريفه للدولة الدينية، وللجهاد، وقد أوردنا له العديد من المفاهيم، التي لا تقوم على أي أساس موضوعي.
4. من شروط المنهج العلمي الأساسية، التوثيق، فلا يمكن أن تورد قضية، تنسبها لجهة ما، دون تحديد النصوص والمراجع، التي تؤكد صحة نسبة القضية لمصدرها.. ود. عبدالله بصورة عامة، وبالنسبة للفكرة الجمهورية بالذات، ينسب للجهة التي يتحدث عنها، عكس ما تقول، ودون أي تدليل وقد فصلنا في الحلقة التاسعة فيما ينسبه للفكرة الجمهورية، وهو عكس ما تقول به الفكرة، وأوردنا النصوص من أقوال الأستاذ محمود في ذلك
5. حتى في هذه الردود التي نحن بصددها، كثيراً ما يلجأ د. عبدالله للمغالطات المنطقية بصورة مفضوحة.
فطرح عبدالله، كأكاديمي، هو عدم وفاء للمنهج العلمي، بل إهانة لهذا المنهج، وإهانة للقارئ الذي يخاطبه بطرحه.. واضح جداً، أنه، لا هو حريص على أسس البحث العلمي، ولا الذين يوظفونه حريصون على ذلك، فكلاهما معنيٌّ فقط، بتشويه الإسلام، وتشويه الفكرة الجمهورية، فإذا تم ذلك وقد تم بالفعل فلعبدالله أن يقول ما يشاء، كما يشاء.
هنالك مطالب محددة، عليه أن يستوفيها، وهي مواقف متعلقة بالإسلام، والتصور الذي يريده الممولون له، وخلاف ذلك، عندهم، غير مهم.. وقد استوفى د. عبدالله شروط المطالب المطلوبة ونحن سنعلق على هذه المطالب بايجاز شديد، عندما نتحدث عن كتاب (راند) .
خلاصة الأمر، أن د. عبدالله، وظف نفسه لتشويه الإسلام، والفكرة الجمهورية، ويتلقى الدعم والتمويل والترويج في هذا الصدد.. وقد جعل هذا العمل جزءاً من عمله الذي يتلقى عليه راتبه.. وقد أثبت د. عبدالله التمويل بصورة لا تقبل الشك، وأثبت أنا من جانبي التشويه بصورة لا تقبل الشك.
وعبدالله، يصر على عمله هذا، حتى اليوم، ويؤكد إصراره على استغلال اسم الأستاذ، ودعوته، في الحصول على التمويل الذي يتطلع إليه، ويعتبر هذا هو واجبه المباشر!! وقد سبق لنا أن أوردنا النص في ذلك، ونحن نعيده هنا، بقصد المزيد من التوكيد فالنص يقول: "حرصت على مواصلة البحث في الأمور التي تهمني كمسلم وتلميذ للأستاذ محمود محمد طه، وأرى أن واجبي المباشر هو الإستفادة للدرجة القصوى الممكنة من الإمكانيات المتاحة في التمويل والدعم للبحث العلمي".. نوفمبر 2011م
لفهم كلمة (استفادة) الواردة في هذا النص، أرجو أن يرجع القاريء لقول عبدالله، الذي جعلناه مدخلاً لكتابتنا هذه، والتي تؤكد أن عبدالله متقيد فيما يقول بما يعتبره في مصلحته!!
إن الجمهوري الصادق، الذي يعبر عن الفكرة تعبيراً صادقاً وصحيحاً، لا يمكن أن يقول: " أن واجبي المباشر هو الاستفادة للدرجة القصوى الممكنة من الامكانيات المتاحة في التمويل والدعم للبحث العلمي".. فإن الفكرة الجمهورية لم تقبل في أي يوم من الأيام أن يساهم، أي فرد، خارج الجمهوريين، مساهمة مادية، في نشرها.. بل إن الأستاذ محمود، كان يرفض مساهمة أقرب الأقربين له، من غير الجمهوريين.. وكانت وفود الأخوان الجمهوريين تجوب أصقاع السودان، في حملة الكتاب، لتسديد ديون الطباعة.. وهذا الذي يعتبره د. عبدالله واجبه المباشر، لا علاقة له بالفكرة، حتى لو كانت دعوته لها صحيحة.. فهذا الذي يعتبره د. عبدالله واجبه المباشر، هو من أسوأ أنواع التشويه للفكرة الجمهورية، ولسمعة الأستاذ محمود، الذي ظل طوال حياته، مثالاً للتقشف والزهد، في حياته الخاصة، وفي عمله العام الذي يتعلق بدعوته، فإذا جاء د. النعيم، بآخرة، ليقول أن واجبه المباشر هو (الاستفادة للدرجة القصوى الممكنة من الامكانيات المتاحة في التمويل الدعم) ثم هو يزعم أنه يفعل هذا، بصفته تلميذا للأستاذ، فنقول له، هيهات!! إن هذا لا يجوز على أي انسان له أبسط إلمام، بقيم الأستاذ ودعوة الأستاذ.. إن هذا الذي تفعله، باسم التلمذة للأستاذ، هو أكبر خيانة للأستاذ ودعوته، وهو عمل، الأستاذ ودعوته، منه براء، ولا يلحق بهما بأي صورة من الصور، فنحن نضعه عند عتبتك، فأنت المسئول عنه أمام الله وأمام التاريخ.. وإذا لم ترجع، عن موقفك هذا، فسترى، ويرى غيرك، عاقبة أمرك، فإن الله تعالى يدافع عن الحق، ويدافع عن الذين آمنوا.
Building Moderate Muslim Network
بناء شبكات إسلامية معتدلة
أصدرت مؤسسة (راند) الأمريكية تقريراً من 217 صفحة، تحت العنوان أعلاه.. ومجرد إسناد المهمة لمؤسسة راند، يدل على عظم، وخطورة الموضوع، في نظر الأمريكيين.. فمؤسسة راند، أكبر مؤسسة تخطيط، في العالم الغربي.. وقد سبق أن تعرضت لها، في كتاب (الإسلام والسلام).. والمؤسسة استعانت بعدد هائل من الوزارات، والمؤسسات، والجامعات، والمعاهد المتخصصة، والأجهزة الأمنية، والأفراد، في الولايات المتحدة، وغيرها من دول العالم، بما في ذلك الدول الإسلامية.
وموضوع التقرير، المعلن، هو مساعدة المسلمين المعتدلين، ضد التطرف الإسلامي ببناء شبكات إسلامية معتدلة، وذلك عن طريق التمويل، والتدريب، والتخطيط والترويج.
والتقرير يبني على تجربة الغرب في الحرب الباردة، وصراعه ضد الشيوعية، مع ملاحظة الاختلاف بين الموضوعين، واختلاف الظروف التاريخية.. وقد سمي الغرب الموضوع (حرب أفكار) ، وهي تسمية لها دلالتها، وقدم العديد من الدراسات في هذا الصدد، ومن أهمها الدراسة التي قامت بها مؤسسة راند، ورفع إلى مستوى أن تقدم عنه مؤسسة راند دراستها هذه يجعله في نظر الولايات المتحدة، موضوع استرتيجي أساسي، يلقى أكبر اهتمام من الدولة.
الموضوع كما هو معلن يتعلق بدعم الإسلام المعتدل.. وهذا مجرد غطاء، وحقيقة الأمر، الموضوع كله عبارة عن حرب ضد الإسلام، تهدف إلى غايات أساسية، يمكن تلخيصها في نقطة واحدة هي: وضع الإسلام، عند المسلمين، في إطار معايير الفكر والقيم الغربية أو علمنة الإسلام، بالصورة التي تؤكد، وترسخ هيمنة الغرب، وقيمه، وأساليبه في الحياة، وتحول دون أي تحول في العالم الإسلامي، يتجه الى بعث الإسلام والابتعاد عن قيم الحضارة الغربية.. وهذا هو نفس المشروع الذي تضمنه كتاب هنتنغتونج (صراع الحضارات).
والمشروع كله، على ضخامته، ينبني، بصورة أساسية، على تجنيد مسلمين يقومون بالمهمة، مع تبني المؤسسات الغربية لهم، ومساعدتهم بالصورة المذكورة في التقرير.
أنت عندما تسمع عبارة (إسلام معتدل)، يتبادر الى ذهنك، أنه إسلام لا يقوم على التطرف والعنف، ومصادرة الحريات، وهذا يعطي المشروع شيء من المعقولية.. لكن حسب تعريف الإعتدال في التقرير، يتضح أنه ليس مرتبطاً بالتطرف الديني وحده، وإنما هذا مجرد غطاء، فتعريف الإعتدال، حسب التقرير يجعله مساوياً لتبني أفكار الغرب وقيمه.. فالإعتدال يقتضي الإيمان بالديمقراطية، لا كقيمة إنسانية، ونظام سياسي يقوم على الحرية وحكم القانون، وإنما الديمقراطية بمفهومها الليبرالي الغربي، وهو مفهوم يركز على النظام الرأسمالي الذي يقوم على مفهوم السوق الحرة، كما يركز على المفهوم الليبرالي للحقوق والحريات الفردية، وهذه تتضمن قيماً تتناقض مع الإسلام، بصورة خاصة تلك التي تتعلق بالحرية الجنسية، فمثلاً: الغرب يعتبر المثلية حق أساسي من حقوق الإنسان، وفي العديد من دوله، يجيز زواج المثليين- راجع كتابنا (الإسلام ديمقرطي إشتراكي) ومن أهم ما ينبني عليه المشروع في ضرورة الإلتزام بالديمقراطية، إستبعاد الدولة الإسلامية بصورة أساسية.. إليك ترجمة لما يقوله المشروع عن موضوع الديمقراطية: "إن الإلتزام بالديمقراطية الليبرالية وفق المفهوم الغربي، والموافقة على أن الشرعية السياسية تستمد من إرادة الأفراد عبر الإنتخابات الديمقراطية الحرة، هي عوامل حاسمة في تعريف المسلمين المعتدلين. علماً بأن بعض المسلمين المعتدلين يعتقدون أن قيم الديمقراطية الغربية قيم عالمية وغير مرتبطة بثقافة أو دين بعينه، بينما يرى بعض المسلمين المعتدلين أن الديمقراطية في الدول الإسلامية يجب أن تقوم على التقاليد والنصوص الإسلامية. وهم يحاولون تأطير هذه النصوص بحيث تدعم القيم الديمقراطية، ويحاولون أن يجدون مصدرا للديمقراطية في نصوص القرآن، مثل التوجيه القرآني بأنه ينبغي على المسلمين تنظيم شئون جماعتهم على مبدأ الشورى. وفي أي من الحالتين، فإن المهم هو النتائج. فسواء كانت الفلسفة السياسية مستمدة من مصادر غربية أو قرآنية، فإنه لتعتبر هذه الفلسفة ديمقراطية لا بد لها أن تساند، دون شرط، التعددية وتعترف بحقوق الإنسان العالمية."
مساندة الديمقراطية تعني ضمنا رفض مفاهيم الدولة الإسلامية – خصوصا المفاهيم التي تشير إلى ممارسة السلطة السياسية من قبل نخبة حاكمة كما هو الحال في إيران. المسلمون المعتدلون يرون أن لا أحد يحق له أن يتحدث إنابة عن الله أو كممثل للإرادة الإلهية. بل الأمر عندهم متعلق بإجماع المجتمع (الإجماع) حسبما يمليه الرأي العام، حيث أن الرأي العام هو الذي يحدد الإرادة الإلهية في كل حالة على حدة".. لاحظ عبارة النص :(مساندنة الديمقراطية تعني ضمناً رفض مفاهيم الدولة الإسلامية).. في الواقع المشروع يعتبر موضوع الدولة الإسلامية هو الخط الفاصل بين المسلم المعتدل، والمسلم غير المعتدل.. فمن ينادي بالدولة الإسلامية، حتى لو كانت على أسس ديمقراطية، ولكن مغايرة للمفهوم الليبرالي للديمقراطية هو غير معتدل، ويقول المشروع في ذلك: "الخط الفاصل بين المسلمين المعتدلين والمسلمين المتطرفين في الدول التي تقوم نظمها القانونية على النموذج الغربي (وهي أغلبية دول العالم الإسلامي) هو المناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية. التفسيرات التقليدية للشريعة غير متسقة مع قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان العالمية، ذلك أنه وحسبما يقول المفكر الليبرالي السوداني المشهور عبدالله أحمد النعيم فإن حقوق الرجال والنساء والمسلمين وغير المسلمين غير متساوية طبقا للشريعة، ويضاف إلى ذلك اختلاف الآراء في القانون الإسلامي، بما يعني أن فرض أي مبادئ للشريعة كقانون، إنما هو يعني فقط فرض الإرادة السياسية للفئة الحاكمة، ويعني ذلك تغليب آراء معينة على الآراء الأخرى، مما يعني حرمان بعض المسلمين وغيرهم حرية الاختيار".. واضح أن مؤسسة راند تشيد بد. عبدالله، (كمفكر ليبرالي)، وتعتبر طرحه يتبنى نفس القيم التي يدعو لها المشروع.. ويقول المشروع عن (الشركاء المحتملون) أنهم يضمون الى جانب العلمانيين، الليبراليين من المسلمين، وقد ورد عنهم ما نصه: "وهؤلاء يختلفون عن العلمانيين حيث أن نظرتهم السياسية لها طابع ديني، أشبه بنظرة الأحزاب الديمقراطية المسيحية في الغرب الأوربي. ولكنهم يتبنون نظرة ديمقراطية مواكبة للديمقراطية الغربية. وهم يعادون مفهوم الدولة الإسلامية، ويؤمنون بالحريات الفردية الخاصة، بمعنى الحرية الشخصية private liberty، وبمعنى التحررliberating أيضا. وهم يرجعون أصل الديمقراطية في الإٍسلام إلى الشورى وبالتالي ينادون بدولة المساواة، ويقولون إن الدولة الإسلامية يجب أن تكون ديمقراطية".. فد. عبدالله، كليبرالي، يرفض الدولة الإسلامية بصورة مبدئية ، إلا أنه أيضاً يقول بأخذ مفهوم الديمقراطية في الإسلام، من إعادة النظر في التفسير التقليدي للشريعة، وإعطاء كلمة (شورى) ، مفهوم يتسق مع الديمقراطية.. فكأنما الموضوع مفصل على أقوال د. عبدالله، أو أقوال د. عبدالله مفصلة عليه.
نحن هنا لسنا بصدد التفصيل في هذا الأمر، ولكن تجب ملاحظة أن هذا المشروع هو عمل سياسي ضخم، بدأت بعض الجماعات الإسلامية تكيف نفسها عليه، وهذا الأمر واضح بالنسبة لجماعة الاخوان المسلمين في مصر، وتبنيها لمفهوم الدولة المدنية، وجماعة راشد الغنوشي في تونس، كما قد بدأت حركة سودانية مماثلة.
وأرجو أن تكون لنا رجعة إلى هذا الموضوع، لاحقاً، لخطورته.
خلاصة الأمر أن د. عبدالله هو أكبر من اشتهر في العالم بأنه تلميذ للأستاذ محمود محمد طه، وهذا أمر لا يمكن الخلاف حوله.. وهذه الشهرة صنعها الغرب بإمكاناته وأساليبه.. وهو إنما صنعها، ليحارب بها الفكرة الجمهورية، كدعوة إسلامية، تقوم على التبشير بدور حضاري للإسلام، على مستوى الكوكب الأرضي كله، يكون فيه بديلاً للحضارة الغربية، ينمي إيجابياتها ويقدم البديل لنقائصها.. ومن ها هنا يأتي الخطر الكبير للفكرة الجمهورية، كدعوة إسلامية، في نظر أصحاب المشروع، كما يأتي الإهتمام الكبير بمحاربة هذا الخطر، من داخله!!
هذا ودمتم جميعاً في حفظ الله.
خالد الحاج عبد المحمود
رفاعة في 12 فبراير 2012م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.