المبعوث الامريكي الرئاسي السابق ليمان يتوقع حربا بين دولتي السودان ؟ تقرير مجلة تايم الامريكية عن الوضع بين دولتي السودان . القبائل العربية ( المسيرية والحوازمة ) تنضم للجبهة الثورية السودانية وضد نظام البشير . ثروت قاسم [email protected] 1 - مقدمة ! نستعرض في هذه المقالة تقريرين مهمين ، نلفت نظر أهل النظر اليهما ، وتدبر ما يحتويانه من مخرجات وتوصيات ، وهما : + تقرير مجموعة الازمات الدولية عن الحرب في جنوب كردفان ؛ + تقرير مجلة تايم الأمريكية عن أنطباعات المبعوث الأمريكي الرئاسي السابق برنستون ليمان حول الوضع المتأزم بين دولتي السودان وفي داخل دولة السودان . 2- مجموعة الازمات الدولية . International Crisis Group مجموعة الازمات الدولية منظمة طوعية غير ربحية وبيت خبرة فكرية ، تأسست عام 1995 ، ومقرها بروكسل في بلجيكا ، وتمويلها من دول الاتحاد الاروبي وامريكا والقطاع الخاص . تدرس المجموعة الأزمات الدولية دراسات معمقة وعلمية وميدانية ، بواسطة خبراء عالميين متخصصين ومن الطراز الأول ، وتصدر تقارير دورية ، بها توصيات محددة لذوي الشأن ومتخذي القرار . أهمية تقارير المجموعة تنبع من أن متخذي القرار السياسي في أدارة اوباما وفي حكومات دول الاتحادالاروبي يهتدون بمخرجات تقارير المجموعة وتوصياتها في بلورة سياساتهم وقراراتهم تجاه الأزمة المعنية . أذن تقارير المجموعة وتوصياتها ليست دراسات اكاديمية ونظرية ، بل توصيات لها حظ وافر من التفعيل والتنفيذ علي الأرض . من هذا المنطلق ، تأتي أهمية أن ندرس تقارير المجموعة المختصة بأزماتنا ، وخصوصا توصياتها . في يوم الخميس 14 فبراير 2013 ، أصدرت المجموعة تقريرها رقم 198 بخصوص الحرب في جنوب كردفان ( التقرير الثاني بعد تقريرها الأول في نوفمبر 2012 بخصوص نفس الموضوع ) . نختزل أدناه ، لفائدة القارئ الكريم ، أنطباعاتنا عن أهم مخرجات وتوصيات تقرير المجموعة : اولا : السبب الأساسي للحرب الاهلية في النيل الازرق وجنوب كردفان هو عدم تفعيل نظام البشير لبرتوكول المشورة الشعبية المضمن في أتفاقية السلام الشامل ، ونقضه لأتفاقية عقار – نافع الأطارية ( أديس أبابا – الثلاثاء 28 يونيو 2011 ) ، ولم يجف حبرها . يبدأ حل مشكلة بلاد السودان ، وما بين دولتي السودان ، بحل مشكلة ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان حلا سياسيا مقبولا لكل الأطراف المعنية . بدون هذا الحل الناجع ، سوف تستمر المشاكل وتتفاقم داخل دولة السودان ، وبينها ودولة جنوب السودان . حل مشكلة ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان هو المفتاح لحل باقي مشاكل السودان ؟ يقول تقرير المجموعة أن الجمود الحالي في المفاوضات بين دولتي السودان وبين نظام البشير والحركة الشعبية الشمالية لن يستمر الي ما لا نهاية ، ويجب للمفاوضات الجادة بين الأطراف المعنية ان تبدأ وفورا ، والا كان الخيار الشيطاني المتبقي هو الحرب بين دولتي السودان ، التي سوف تفوق خسائرها المادية حاجز المائة مليار دولار ، بالاضافة لالاف الموتي ومثلهم وعشرة أضعافهم معهم من الجرحي والمشردين . ثانيا : يقول تقرير المجموعة أن قوات الحركة الشعبية الشمالية ( حوالي 30 الف مقاتل ) تملك علي أسلحة متطورة ، وحسنة التدريب ،وتسيطر علي معظم الجبال ، بخلاف المناطق المكشوفة والسهول . يمكن للحرب الأهلية أن تستمر سجالا ، لا غالب ولا مغلوب ، لسنين عددا ، بكل ما تفرزه من معاناة للمواطنين المدنيين . ثالثا : حدثت تحولات نوعية في الدينامكية الأثنية للحرب في جنوب كردفان ، أذ أنضمت مجموعات كبيرة من القبائل العربية ( المسيرية والحوازمة ) لصفوف الحركة الشعبية الشمالية ، وصارت تحارب ضد نظام البشير ، بسبب وعوده الهوائية وغير المفعلة لهذه القبائل ، خصوصا عدم تكوين ولاية غرب كردفان ( المجلد ) ، وأيقافه الصرف المالي علي هذه القبائل كما في الماضي . رابعا : حدث تحول نوعي في أهداف الحركة الشعبية الشمالية ، التي لم تعد تطالب بحل مشكلة ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان فقط ، وأنما بحل مشكلة بلاد السودان كافة ، بأحداث تحول سلمي وديمقراطي للسلطة ، والأطاحة بنظام البشير . صارت المشكلة في الخرطوم وليست في الدمازين وكادقلي . خامسا : يركز نظام البشير علي تدمير القري وتشريد المواطنين المدنيين وأرهابهم ، ليحرم قوات الحركة من الملاجئ الأمنة والتزود بالطعام والماء . في هذا السياق ، وكمثال : أظهرت دراسات المجموعة أن عدد القرى المدمرة في دارفور بلغ 3408 منها 1173 في شمال دارفور و1100 في جنوب دارفور و1135 في غرب دارفور. حرق نظام البشير حوالي 45% من قري دارفور ، فقط ليمنع قوات الحركات الدارفورية الحاملة السلاح الأختباء في هذه القري . يكرر نظام البشير هذه الظاهرة الشيطانية في ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان ... والضحية في الحالتين المواطن المدني المسالم . سادسا : الوضع الأنساني كارثي ويموت الالاف من المواطنين كل يوم في ولاية جنوب كردفان ، من الحرب وتداعياتها ، مع أزدياد أعداد النازحين واللاجئين ( أكثر من مليون مشرد ) ، نتيجة مباشرة لسياسات نظام البشير ( بحرق الارض ) تحت أقدام المواطنين العزل ( أمسح ، أكسح ، ما تجيبو حي ) . يجب أن يوقف نظام البشير هذه الممارسات الوحشية ضد المواطنين العزل ، الذين لا ناقة ولا جمل لهم في الحرب الدائرة ، سوي كونهم ضحايا أبرياء لها . سابعا : يرفض نظام البشير تفعيل الأتفاقية الثلاثية ( الأممالمتحدة + الجامعة العربية + الأتحاد الأفريقي ) لفتح مسارات أنسانية أمنة لتوصيل الأغاثات والأدوية والأمصال للنازحين ، خصوصا في المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية الشمالية . تدعو المجموعة نظام البشير لفتح هذه المسارات فورا . ثامنا : يجب علي نظام البشير الأعتراف بميثاق الفجر الجديد ( كمبالا- السبت 5 يناير 2013 ) والتفاوض مع جبهة الفجر الجديد ( قوي الأجماع الوطني والجبهة الثورية السودانية ) للوصول الي تسوية سياسية شاملة تضمن التحول السلمي الكامل للسلطة والسلام الشامل في السودان . جبهة الفجر الجديد واقع محسوس علي الأرض ولا يمكن لنظام البشير نكران وجودها وتسفيهها وأستباحتها الي ما لا نهاية . تاسعا : الأتفاقيات الثنائية والجزئية التي يبرمها نظام البشير مع بعض الحركات الحاملة السلاح في دارفور وولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان ( السيسي ، دبجو ، الحركة الشعبية الشمالية ) تكرس الحرب الأهلية وتزيد من حدتها ، وتساعد في تفتيت الحركات ، ليضمن كل فصيل من الحركات جزءا من الكعكة علي حساب الحل الشامل والكامل للمشكلة من جذورها . عاشرا : يجب علي المجتمع الدولي توحيد منبر الدوحة ( دارفور ) ومنبر اديس ابابا ( ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ) في منبر واحد مشترك ، وعقد مفاوضات بين نظام البشير من جانب وتحالف كاودا الثوري وقوي الأجماع الوطني ( تحالف الفجر الجديد ) من الجانب المقابل ، بدلا من الاتفاقيات الثنائية والجزئية بين مكونات الصراع في المنطقتين . يكون الهدف من المفاوضات الوصول الي تسوية سياسية شاملة لضمان السلام الشامل والتحول الديمقراطي والسلمي الكامل للسلطة في السودان . سوف تجد التقرير الكامل للمجموعة علي الرابط أدناه : http://www.crisisgroup.org/~/media/Files/africa/horn-of-africa/sudan/198-sudans-spreading-conflict-i-war-in-south-kordofan.pdf 3- تقرير مجلة تايم الامريكية ! نشرت مجلة تايم الامريكية ( عدد يوم الثلاثاء 26 فبراير 2013 ) تقريرا عنوانه ( ماذا يخبئ المستقبل لدولتي السودان ) يحتوي علي تقييم عام وأنطباعات المبعوث الرئاسي الأمريكي المستقيل لدولتي السودان ، السفير برنستون ليمان علي الوضع في دولتي السودان ، وبالأخص الحرب الأهلية الدائرة في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان . أستقال السفير ليمان ( 77 سنة ) من منصبه المرموق في يناير 2013 بعد حوالي سنتين في منصبه . لم يعلن البيت الابيض عن تعيين ممثل رئاسي خاص لدولتي السودان ، وأن كان أسم السناتور السابق عن ولاية فيسكونسن ، روس فاينقولد ( 60 سنة ) قد تردد ذكره لملء هذا المنصب . يمكن أختزال أنطباعاتنا حول تقرير مجلة تايم وحول أقوال السفير المستقيل ليمان في عدة نقاط ، كما يلي : اولا : يقول ليمان أن الحروب الاهلية في السودان ، في دارفور وفي ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ، والحرب الباردة حاليا بين دولتي السودان ... هذه الحروب سوف تستمر ، ولا يوجد أي مؤشر يشير الي قرب أنتهائها في المستقبل القريب. ثانيا : يقول ليمان أن عامل عدم الثقة الشديد بل سؤ الظن المرضي والريبة المدمرة بين قادة دولتي السودان وراء تفاقم المشاكل بين الدولتين ، ولن يتم حلحلة هذه المشاكل قبل أستنباط اليات فاعلة لزرع الثقة ، وأزالة سؤ الظن بين قادة الدولتين . يوصي ليمان بأن يوقف نظام البشير الاستخفاف بقادة الحركة الشعبية الشمالية وأستباحتهم وتسفيههم . ثالثا : نقض نظام البشير ولم يطبق بنود اكثر من 6 أتفاقيات ابرمها مع قادة الحركات الدارفورية الحاملة السلاح ، من أبشي ( 2004 ) ، وأبوجا ( 2006 ) الي الدوحة ( 2011 ) ، مرورا بطرابلس وأنجمينا . كما رفض نظام البشير التصديق علي الاتفاقية الاطارية عقار – نافع ( أديس ابابا – يونيو 2011 ) ، ويرفض حاليا الجلوس والتفاوض مع الحركة الشعبية الشمالية بدعوي حملها السلاح . كما رفض النظام تفعيل الاتفاقية الثلاثية ( الأممالمتحدة – الجامعة العربية –الأتحاد الأفريقي ) لتوصيل الأغاثات الي النازحين في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بحجة أحتمال وصول هذه الأغاثات لقوات الحركة . يدعو ليمان نظام البشير لتليين هذا الموقف المتعنت . رابعا : الوضع في ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان كارثي وماساوي ، مع موت الالاف من المواطنين نتيجة الحرب وتداعياتها ، ونزوح أكثر من نصف مليون ، ومثلهم معهم من اللاجئين في دولة جنوب السودان واثيوبيا . يطلب ليمان من المجتمع الدولي الضغط علي نظام البشير لوقف اباداته الجماعية لشعوب النوبة والفونج . في هذا السياق ، يلقي كثير من المراقبين باللائمة علي ادارة اوباما لعدم ضغطها علي نظام البشير بما يكفي ( وهي القادرة ) لردعه عن أباداته الجماعية لشعوب النوبة والفونج . وهذه اللامبالاة الأمريكية واحدة من أسباب أستقالة ليمان المفاجئة . خامسا : يتوقع المراقبون أن ينهار أقتصاد دولتي السودان أذا أستمر الوضع الراهن دون مصالحة وتسوية سياسية بين الدولتين ، الأمر الذي سوف يقود كل نظام الي الهروب الي الامام وأفتعال حرب مع الدولة الأخري لصرف نظر الراي العام في كل دولة عن المشاكل الاقتصادية وتداعياتها من بطالة وفقر ومرض . سادسا : يمكن حصر ثلاثة عوامل ، من بين عوامل أخر ، ربما قادت في القريب العاجل الي اندلاع الحرب بين دولتي السودان : + العامل الأهم هو رفض نظام البشير التفاوض مع الحركة الشعبية الشمالية للوصول التي تسوية سياسية مقبولة للطرفين . حسب ليمان يلبد الشيطان في جحر الضب هذا ، ونجد فيه القداحة التي سوف تشعل الحرب بين الدولتين ؛ + الحرب بالوكالة الدائرة حاليا بين دولتي السودان ؛ + العامل الثالث هو رفض نظام البشير أقامة منطقة حدودية منزوعة السلاح بين دولتي السودان ، وقصفه المتواصل لمواقع في دولة جنوب السودان . سابعا : يقول السفير ليمان أن القبض علي الرئيس البشير ومحاكمته في لاهاي سوف لن يحل المشاكل بين دولتي السودان وفي داخل السودان ، بل بالعكس سوف يصب الزيت علي نيرانها . يراهن ليمان علي الرئيس البشير لحلحلة المشاكل العالقة ، ويري فيه الحل وليس المشكلة ، ولا يوصي بالقبض عليه . ثامنا : أقترح السفير ليمان البدء بتفعيل برتوكول البترول بين دولتي السودان وفورا لزرع الثقة بين دولتي السودان ، وللمساعدة في حلحلة الضائقة المعيشية في البلدين ، ووقف أنزلاق الدولتين الي الانهيار الأقتصادي . الأنهيار الأقتصادي سوف يدفع الدولتين الي الهروب الي الامام وأفتعال الحرب بينهما لصرف نظر الراي العام الداخلي عن المشاكل الاقتصادية والضائقة المعيشية في بلديهما . تاسعا : لا يري السفير ليمان أي بوادر لأنهيار نظام البشير ، ويقلل من نفخ خطورة المحاولة الأنقلابية في نوفمبر 1012 ، كما يقلل من قوة المعارضة السياسية والمسلحة للأطاحة بنظام البشير . في هذا السياق ، يعتبر المراقبون تصريحات مكونات الجبهة الثورية السودانية حول انتصارتها المزعومة في نيالا والكرمك مجرد فرقعات أعلامية . يدعي السفير ليمان ان الاطاحة بنظام البشير سوف لن توقف الحرب في ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان ، وسوف لن تحل مشاكل السودان . عاشرا : ينصح السفير ليمان بعدم محاولة الاطاحة بنظام البشير ، أن سلميا ( العصيان والجهاد المدنيين والانتفاضة الشعبية السلمية ) او عن طريق العنف ( غزوة مسلحة من الجبهة الثورية السودانية أو أنقلاب عسكري من داخل الجيش ) ، ويدعو نظام البشير القيام بأصلاحات سياسية ودستورية داخلية ، والتفاوض مع المعارضة السياسية والمسلحة للوصول الي تسوية سياسية بين الاطراف كافة . كما ينصح السفير ليمان نظام البشير بتفعيل بنود الاتفاقيات التي يوقعها وعدم وضعها علي الرف . مثلا : من المفارقات العجيبة ، أن نظام البشير أنفق أكثر من 24 مليار دولار علي الحرب في دارفور ، ويرفض الأن تفعيل أحد بنود أتفاقية البشير – السيسي بصرف 200 مليون دولارعلي أعادة أعمار بعض البعض مما دمره في دارفور . لقراءة كامل تقرير مجلة تايم ، يمكنك التكرم بمراجعة الرابط أدناه : http://world.time.com/2013/02/26/what-does-the-future-hold-for-the-sudans-an-assessment-by-americas-envoy/