– مقدمة : في الحلقة الأولى من هذه السلسلة ، عرفنا القارئ الكريم بالمكتسبات الشخصية التي يجنيها السفير ليمان كمبعوث رئاسي خاص لدولتي السودان ، وحتمية وجود سبب أو أسباب قاهرة ، ومخفية ، حملته على الإستقالة . لم يخبرنا السفير ليمان بأسباب استقالته ، فليس أمامنا إلا التخمين الموضوعي ، مع الإعتماد على تصريحات وتفسيرات معارفه وأصدقائه . في هذه الحلقة الثالثة والأخيرة نواصل التحليل الذي بدأناه سابقا ، ونستعرض الأسباب التي دعت السفير ليمان لللتخلي عن منصبه . 2 - تحييد نظام البشير للأمر الأمريكي : اهتمامنا باستقالة السفير ليمان مرده الى الدور المفتاحي الذي لعبته ( وتلعبه ) إدارة اوباما وإدارتي كلينتون وبوش قبلها في التمكين لنظام البشير ؟ بعد ضربة مصنع الشفاء ( أغسطس 1998 ) انبرش نظام البشير أمام إدارة كلينتون ، وقدم لها ملفات الاسلاميين الذين استجاروا بدولة الإسلام في السودان . وساعدت الغواصات الأمنية السودانية في اغتيال أبو مصعب الزرقاوي في العراق ، وفي اختراق تنظيم الشباب في الصومال ، لمصلحة العم سام . زاد الرئيس البشير كيل بعير لإدارة كلينتون ، ففجر مفاصلة رمضان 1999، وأزال من على الخارطة السياسية الجغرافية ، المؤتمر الشعبي العربي ، الذي جمع ارهابيي العالم العربي والإسلامي ( حسب المفهوم الأمريكي ) انبطح نظام البشير لإدارة كلينتون ، وصرخ : الرووووب ! غفرت إدارة كلينتون لنظام البشير ، وغضت الطرف عن ممارساته الذئبية حتى نهاية إدارة كلينتون في عام 2000 ( سنتان من العفو ) . بدأت إدارة بوش ( 2000) مغازلة نظام البشير ومحاربته لفظيا فقط ، بهدف واحد حصري ، وهو التمهيد لإنفصال جنوب السودان . أعطت إدارة بوش الإبن ( استراحة صديق ) لنظام البشير خلال مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية ، تحت الرعاية الأمريكية ، التي امتدت من 2000 وحتى توقيع اتفاقية السلام الشامل في يناير 2005 ( 5 سنوات ) . كان يحلو للرئيس بوش أن يقول عن الرئيس البشير : He is a son of a bitch. But he is our son of a bitch. أعطت الإتفاقية شرعية دولية لنظام البشير ، بمباركة أمريكية ، خلال الفترة الإنتقالية ( 6 سنوات ) ، من توقيع الإتفاقية ( يناير 2005 ) وحتى الإستفتاء ( يناير 2011 ) . دعمت إدارة اوباما نظام البشير لتضمن عقد الإستفتاء ( يناير 2011 ) ، وانفصال الجنوب ( يوليو 2011 ) ، في مواعيدهما وفي سلاسة وهدوء. خلال فترة ال 13 سنة الممتدة من أغسطس 1998 ( ضربة مصنع الشفاء ) الى يوليو 2011 ( انفصال الجنوب ) ، نجح نظام البشير في تحييد الأمر الامريكي ! وكان الثمن المدفوع تقسيم بلاد السودان ! ولا تغرنك الجعجعة الإنقاذية ، بالوقوف في وجه الامبريالية الصهيونية العالمية ، وايمانهم بأن الأرزاق بيد الله ؟ كانت ضربة مصنع الشفاء ( 1998 ) عاملا مهما في انفصال الجنوب ( 2011 ) ، لأنها لينت موقف نظام البشير ، الذي ضحى بالجنوب ليحتفظ بكرسي السلطة في الخرطوم . من هنا كان اهتمامنا باستقالة السفير ليمان ، ومحاولة قراءة ما وراء الخبر ! 3 - رؤية ليمان الشخصية ( وليست الرسمية ) لنظام البشير ؟ يقول ليمان أن نظام البشير يرفض قبول فكرة التداول السلمي للسلطة من حيث المبدأ ، ويتبنى اليقين الإنقاذي ، الذي لا يأتيه الباطل من خلفه أو من بين يديه ، معرفة الحقيقة المطلقة ؛ بينما في عالم ساس يسوس لا يوجد يقين مطلق. ويستطرد ليمان قائلا أن قادة نظام الإنقاذ يخافون من فتح ملفاتهم القذرة ، إذا ما حدث تغيير ، فتراهم يكنكشون في الكراسي ، كخط دفاع أولي ضد المحاسبة والمعاقبة . يلاحظ ليمان وجود بعض السواقط السياسيين من المعارضين الوهميين الذين يستمتعون بالجلوس كالكدايس المستأنسة في حجر سلطة نظام البشير ، كما يلاحظ وجود بعض الأحزاب العنينة التى ارتضت لنفسها أن تكون ديكورًا لحزب المؤتمر الوطنى ! يفترض قادة الإنقاذ أن القوى المعارضة تعتمر القنابير ، وتعانى من البله المنغولى ، وتسيل الريالة علي صدورها ، بحيث أنها ستوافق على استحمارها والضحك عليها، وترجع من بحر الإنقاذ عطشى ، أو تستمر في حوار أبدي تكلم نفسها . يعرف السفير ليمان أن قادة الإنقاذ بلا كلمة ولا عهد ، ولهذا ليس لديهم أى وازع فى الكذب وتكراره ، والتراجع عن المواقف دون أن ترمش لهم عين . فهم يفبركون ، ويحنثون بالوعد، وينقضون العهد ، ويزورون ، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون . 4 - أسباب الإستقالة ؟ كدبلوماسي محترف وحريف ، لزم السفير ليمان صمت القبور بخصوص الأسباب التي دفعته للإستقالة . لا أحد يعرف هذه الأسباب ، فهي سر في بطن السفير ليمان الغريقة . ولكن معارفه وأصدقائه من الصحفيين ( نيكولاس كريستوف في النيويورك تايمز مثلا ) تطوعوا ببعض الأسباب التي ربما تكون قد دفعته لتقديم الإستقالة في هدوء . نختزل هذه الأسباب في أن السفير ليمان قد وصل الى قناعة بأن سياسة إدارة اوباما الحالية في السودان ، المتسامحة مع نظام البشير والمتحالفة مع نظام سلفاكير ، لن تقود الى استقرار وسلام مستدام بين دولتي السودان . فشل السفير ليمان في اقناع إدارة اوباما بالتغيير الجذري لسياستها في السودان ، والعمل على دعم المعارضة السياسية والمسلحة للإطاحة بنظام البشير . قناعة ليمان الشخصية تؤكد بأن الحل يكمن في الإطاحة بالنظام ، الذي لا يمكن اصلاحه وتقويمه . فقد فات فيه الفوات ، وأصبح كالسرطان الذي يجب ازالته واستئصاله ، ليتعافى بقية جسد بلاد السودان . ولكن إدارة اوباما لا تشاركه هذه الرؤية ، مما دفعه للإستقالة لوضع حد للإزدواجية بين ما يؤمن به شخصيا ، وما يقوم بتفعيله على الأرض من سياسات رسمية . دعنا نستعرض بعض ملابسات استقالة السفير ليمان وتداعياتها أدناه : اولا : + لا تزال ملفات أديس أبابا الثمانية مفتوحة ! وهى أشبه بجراح تنزف لا يمكن علاجها إلا بجهد مشترك من دولتي السودان ! يؤمن السفير ليمان بأن سياسة إدارة اوباما المهادنة لنظام البشير والمنتصرة لنظام سلفاكير عوقت وسوف تحول دون تفعيل بروتوكولات أديس أبابا بواسطة الدولتين ، البرتوكولات التي استولدها السفير ليمان بعد مخاض عسير . تفتقر هذه السياسة للوعيد الفاعل للدولتين ، بعد أن فشل الوعد الكاذب لنظام البشير في الماضي . ثانيا : يؤمن ليمان بأن الحل الذي مررته إدارة اوباما ، واعتمده الإتحاد الأفريقي بخصوص عقد استفتاء في أبيي في اكتوبر 2013 ، لا تشارك فيه قبيلة المسيرية الرحل ، خميرة حرب بين دولتي السودان ، كما توعد نافع و كرتي باشعالها ! وعليه يؤمن السفير ليمان ، حسب صديقه السيد كريستوف ، بأنه يجب الضغط على الإتحاد الأفريقي لتغييره ، والإعتماد على الحل الشعبي بين قبيلتي المسيرية والدينكا كما قال بذلك الرجل الذي أحصي كل شئ عددأ ! الأمر الذي يدابر سياسة اوباما في أبيي بعد أن ضغطت على الإتحاد الأفريقي لإعتماد اقتراحها الداعي لعقد الإستفتاء في ( أكتوبر 2013 ) دون مشاركة المسيرية الرحل . ثالثا : + يؤمن ليمان بأن عامل عدم الثقة بين النظامين سوف لن يقود الى أي اتفاق بينهما ، بل ربما أعادهما للحرب ، كما توعد الدكتور نافع ، عند رجوعه من موسكو الأثنين 10 ديسمبر 2012 . وعليه يؤمن السفير ليمان بحتمية أن تعمل إدارة أوباما على دعم قوى الإجماع وتحالف كاودا للإطاحة بنظام البشير ، ومحاكمة الرئيس البشير وصحبه في لاهاي ، وتكوين حكومة انتقالية مقبولة للجميع تصل الى حلول توافقية لكل المشاكل العالقة بين الدولتين ، وداخل دولة الشمال . هذا الطرح الشخصي لا يمثل سياسة اوباما في السودان ؟ في هذا السياق ، وفي يوم الاثنين 10 ديسمبر 2012 ، اقترح السفير ليمان ( ندوة جامعة كولومبيا في نيويورك ) على قوى الإجماع والجبهة الثورية أن يكون لديهما منبرا قوميا للإجابة على السؤال : كيف يحكم السودان ؟ ودعا السفير ليمان ( نسخة هجين بين الشخصي والرسمي ) الى تغيير نظام البشير بشرط أن لا يؤدي هذا التغيير الى حرب أهلية ، وتفكيك البلاد ؟ رابعا : + يؤمن ليمان بأن حل المشكلة في ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان هو مفتاح الحل للمشاكل بين دولتي السودان وللإستقرار في دولتي السودان . يرفض نظام البشير التفاوض مع الحركة الشعبية الشمالية ، حتى في المواضيع الإنسانية ، ويجاهد لإبادتها . وعليه يجب دعم المعارضة الشمالية ( السياسية والمسلحة ) للإطاحة بنظام البشير ، وحل مشكلة الولايتين تلقائيا . حاليا ، الوضع متأزم في ولاية جنوب كردفان ، وربما سقطت الولاية في أيادي الحركة الشعبية الشمالية في المستقبل القريب ! قوات الحركة على مشارف كادوقلي ورشاد ، وتسيطر على 80% من مساحة الولاية . شمت الحركة الشعبية الشمالية دم نظام البشير ، وأرتفعت روحها المعنوية بعد أنتصارات حركة عبدالواحد في محليات شرق جبل مرة ( الجمعة 28 ديسمبر 2012 ) ! أستدامت هذه الأنتصارات ، ولم تحاول قوات البشير وجنجويده أسترداد المحليات المحررة . كما صمت الصوارمي صمت القبور ، ومعه جميع وسائط الأعلام في الخرطوم ... خوفأ ورهبأ من جلاوزة الأنقاذ . في هذا السياق ، أنحت عنقالية جرجيرة علي عبدالواحد ، توكيده علمانية الدولة الجديدة ، وكأنها المبتدأ والخبر لقضية دارفور النبيلة ، في مجتمع حفظة قران ، يفهمون العلمانية علي أنها مدابرة للأسلام ، وينفرون بالتالي من رايات عبدالواحد العلمانية ؟ لماذا يطبظ عبدالواحد عينيه بيديه ؟ يقول السفير ليمان أن نظام البشير ربما دفع بقوات مهولة الى الولاية لتجنب وقوعها في أيادي الحركة ، مما ينذر باشتعال حرب ضروس ، واستحالة التوصل لإتفاق بين الدولتين حول الملف الأمني ، وبالتالي بقية الملفات ! يقول السيد كريستوف أن ليمان يؤمن بأنه لا يمكن حل مشكلة الولايتين ونظام البشير في السلطة ، إلا إذا أمكن اقناع ابليس بعدم غواية بني آدم ؟ تضغط إدارة أوباما على الرئيس سلفاكير لفك ارتباطه مع الحركة الشعبية الشمالية فعلا وقولأ ، حتى تأتي صاغرة وتوقع اتفاقا مع نظام البشير على غرار المرحوم اتفاق البشير – السيسي ؟ كما لا تقيم إدارة اوباما وزنأ لقوى الإجماع ، بعكس رؤية السفير ليمان . في هذا السياق ، تعير السفيرة سوزان رايس ( وهي صانعة سياسات ) قوى الإجماع الوطني ، بأنها مجموعة Riff raff خامسا : + يؤمن ليمان بأن اتفاق البشير – السيسي تحصيل حاصل ، وذر للرماد في العيون ، وكانت نتائجه صفرية ؛ وبالتالي يجب الضغط على نظام البشير للوصول الى اتفاقية مقبولة لكل حركات دارفور الحاملة للسلاح ، وبالعدم دعم هذه الحركات ( كما حركات سوريا الثورية ) للإطاحة بنظام البشير . سادسا : + يؤمن ليمان بأن حركة العدل والمساواة حركة عقلانية وبت ناس ويمكن البيع والشراء معها ، ولها قضية نبيلة ، ويجب دعمها ، وكذلك دعم الحركات المسلحة الأخرى ؛ بعكس موقف الإدارة الأمريكية منها ، والتي تصنفها كحركة ارهابية يجب القضاء عليها ، وعلى قادتها ، كما حدث لقائدها الشهيد أمير المهمشين ، وتفتيتها كما حدث في مسلسل دبجو – تور الخلاء ، الذين أكلت رأسهما وكالة الإستخبارات الأمريكية بالتعاون مع ابي النسب ( سابقا ) ادريس دبي . سابعا : بعكس سياسة ادارة اوباما ، يؤمن السفير ليمان بحتمية أن توصل ادارة اوباما الإغاثات للنازحين في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بالقوة العسكرية ، بعد رفض نظام البشير تفعيل الإتفاق الثلاثي ( الأممالمتحدة ، الإتحاد الافريقي والجامعة العربية ) في هذا الموضوع . وفرض حظر جوي فوق ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان واقليم دارفور . ثامنا : بعكس إدارة اوباما ، يؤمن السفير ليمان بضرورة الضغط على الرئيس سلفاكير لمحاكمة المتهمين في قضية اختلاسات قضية الأربعة مليار دولار الشهيرة ، وطردهم من الحكومة . يقول السيد كريستوف أن السفير ليمان يشعر بالغثيان والقرف عندما يرى بعض ساسة دولة جنوب السودان يسرقون اللقمة من أفواه الجوعي في دولة جنوب السودان . يتساءل ليمان ، في أسى وحسرة ، كيف تمكن ثائر قادم من كوبا من امتلاك قصور في الخرطوم وجوبا وكمبالا ونيروبي ، في أقل من 7 سنوات ؟ هذه هي بعض الأسباب التي دفعت السفير ليمان للإستقالة من منصبه المرموق ، بالإضافة الى بعض الخلافات الشخصية مع طاقم البيت الأبيض المسوؤل عن دولتي السودان ، وبالأخص سمانتا باور . ثروت قاسم [email protected]