[email protected] مقدمة : + اختزل الكاتب في صحيفة الحياة اللندنية جهاد الخازن الوضع المأساوي في السودان بتساؤله ( يوم الأحد 16 مارس 2013 ) : هل نحن ( في سوريا ) أمام سودان جديد؟ صار سودان الأنقاذ مرجعية ومضرب الأمثال في التفتيت ، والحروب الأهلية ، والأبادات الجماعية ، والجرائم ضد الأنسانية ، وجرائم الحرب ، والفوضي غير الخلاقة ! + في يوم الثلاثاء 12 مارس 2012 ، اتفقت دولتا السودان على خارطة طريق بسقوف زمنية ، وبمراقبة اقليمية ودولية ، لتفعيل بروتوكولات أديس أبابا التسعة ، التي وقع عليها الرئيسان البشير وسلفاكير ( الخميس 27 سبتمبر 2012 ) ، والتي ظلت حبرا على ورق طيلة ال 166 يوما المنصرمة . + دعنا نستعرض ، في ثمانية نقاط أدناه ، الجديد – القديم في هذا الفيلم الهندي ، الذي يتوقع له الجميع نهاية سعيدة ، لتكامل ملابسات وفرص نجاحه هذه المرة . وإن كان في سودان الجن هذا ، يمكن أن يحدث الشئ أو عكسه تماما . أولا : بارك وزراء خارجية الولاياتالمتحدة وبريطانيا والنرويج خطة الطريق ، ودعوا دولتي السودان الى تفعيلها فورا . في هذا السياق ، تجدر الإشارة الى أن النرويج من خلال منظمتها الطوعية ( مساعدات النرويجيين الشعبية ) قد قدمت مساعدات مقدرة للحركة الشعبية الجنوبية خلال الثلاثة عقود المنصرمة ، وتعتبر النرويج المستشار الرئيسي لدولة جنوب السودان في الشئون البترولية . النرويجية الدكتورة هيلدا جونسون ( 40 سنة ) الممثلة المقيمة للأمم المتحدة في جنوب السودان مرجعية فاعلة في جوبا ، ويصغي لها الرئيس سلفاكير السمع ، كما أنها تحرك كثيرا من الروافع في دولة جنوب السودان . الجديد هذه المرة أن الدول الثلاثة المذكورة أعلاه والدكتورة هيلدا شخصيا يقفون بصلابة وراء تفعيل خريطة طريق مارس 2013 . ثانيا : الجديد في خريطة طريق مارس 2013 بالمقارنة مع اتفاقية سبتمبر 2012 ، أن الرئيسين البشير وسلفاكير ، ومعهما القيادات السياسية ووسائل الإعلام في الدولتين يقومون بحملات توعية وتعبئة مكثفة لحشد التأييد الشعبي لخريطة الطريق وتنوير الرأي العام في البلدين بأهمية تفعيل خريطة الطريق كأولوية قصوى لمصلحة البلدين الإستراتيجية . والمهم في هذه التعبئة المكثفة على أعلى المستويات أنها أخرست أصوات ( النقنقة ) وسط الدولة العميقة ( كبار قادة الجيش ) في دولتي السودان . هذا جديد جد مهم لنجاح خريطة الطريق . ثالثا : العامل الأساسي في الوصول الى إتفاق مارس 2013 هو نجاح إدارة اوباما في اقناع الرئيس البشير ودولته العميقة ( كبار جنرالات الجيش السوداني ) بتغيير مفهومهم لمبدأ فك الإرتباط بين الحركة الشعبية الجنوبية ، وأختها الشمالية . كان الرئيس البشير متمسكا منذ سبتمبر 2012 بمفهومه الضيق لمبدأ فك الارتباط ، الداعي لأن تنزع الحركة الشعبية الجنوبية سلاح قوات الحركة الشعبية الشمالية ، وتسرحهم ، وتعمل على تسكينهم في معسكرات لاجئين تقام خصيصا لهم في دولة الجنوب . في مارس 2013 ، وافق الرئيس البشير ودولته العميقة على اعتماد المفهوم الأمريكي لفك الإرتباط الذي يوجه باقامة منطقة معزولة السلاح ، ومراقبة دوليا ، بعمق 10 كيلومتر على كل جانب من الحدود ، وبطول الحدود ( 2 ألف كيلومتر ) من أم دافوق غربا الى الكرمك شرقا ( 40 ألف كيلومتر مربع ) ... حائط برلين السوداني العملاق . اقتنع الرئيس البشير بقبول المفهوم الأمريكي لفك الأرتباط لأنه وبحسب التنوير الأمريكي ، يمكنه ( الرئيس البشير ) وقف تدفق النفط الجنوبي عبر أناببيه الشمالية ، في حالة خرق الجنوب لهذا البند المفتاح في الإتفاق ، بعد توكيد لجنة الشكاوي الأممية لهكذا خرق . رابعا : طلب الرئيس البشير مهلة زمنية ( قصيرة ) ، لحفظ ماء الوجه ، وللتأكد من فك الإرتباط الحقيقي بين الحركتين الجنوبية والشمالية ، قبل الموافقة على الجلوس في مفاوضات سياسية وانسانية مع الحركة الشعبية الشمالية ، في تغيير جوهري لموقفه منذ يونيو 2011 ، عندما رفض اتفاق عقار – نافع الإطاري ( أديس أبابا – الثلاثاء 28 يونيو 2011 ) . دعت إدارة اوباما ( الجمعة 15 مارس 2013 ) الى استصدار بيان رئاسي من مجلس الأمن يلزم نظام البشير بتفعيل الإتفاق الثلاثي الذي وقعه ( أغسطس 2011 ) مع الأممالمتحدة ، والإتحاد الأفريقي ، والجامعة العربية بفتح مسارات انسانية آمنة لتوصيل الإغاثات للنازحين في معسكرات ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان . ولكن حال الإعتراض الروسي دون اصدار هذا البيان . صارت روسيا تقف مؤازرة للدكتاتورية المستبدة الفاسدة ضد الشعوب المقهورة كما الحال في العراق وليبيا وسوريا والآن في السودان ، بعد أن كانت نصيرة للشعوب المستضعفة ضد الإستعمار خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي ، وقبل سقوط حائط برلين . خامسا : حمدت إدارة أوباما وبريطانيا والنرويج للحركة الشعبية الشمالية موقفها الجديد والمدابر لموقفها السابق ، بقبولها غير المشروط : • قرار مجلس الأمن 2046 ، رغم أنه يؤكد على شرعية نظام البشير ، الأمر الذي لا تقره الحركة في أدبياتها ؛ • قبولها الجلوس في مفاوضات سياسية جزئية وثنائية مع نظام البشير حول ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ، رغم اتفاقها المدابر مع حركات دارفور المسلحة ومع المعارضة السياسية في الشمال في اطاري الجبهة الثورية وتحالف ميثاق الفجر الجديد على التوالي ... الأتفاق المدابر الذي يدعو للإطاحة بنظام البشير بالوسائل السلمية والعسكرية ، وعدم التفاوض العبثي معه ( نظام البشير ) تحت أي ظرف من الظروف . • أجمع المراقبون أن عدم الوصول الى تسوية سياسية بين نظام البشير والحركة الشمالية ربما قوض خريطة طريق مارس 2013 بين دولتي السودان . ذلك أن المشورة الشعبية لولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان من برتوكولات اتفاقية السلام الشامل ، ودولة جنوب السودان ، ملزمة على الأقل اخلاقيا ، بتفعيل المشورة الشعبية . • يدفع المراقبون بأن عودة الإستقرار بين الدولتين سوف يسمح للجيش السوداني بأن يركز عملياته الحربية في دارفور وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ، مما سيغير في موازين القوى العسكرية بين نظام البشير وتحالف كاودا الثوري ؟ سادسا : تسيطر الحركة الشعبية الشمالية على حوالي 40% من المنطقة الحدودية المنزوعة السلاح في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان .الأمر الذي سيرغم نظام البشير للتفاوض مع الحركة للوصول الى تسوية سياسية بينهما ، لمصلحة الطرفين . سابعا : الجديد أن الحالة الإقتصادية في دولتي السودان قد وصلت الى معدلات كارثية ، وأصبح المكسر لا يستطيع مواصلة لعبة عض الأصابع مع الأعمى . وصل المكسر والأعمي الى حالة انهاك اقتصادي غير محتمل. وصلت دولة الجنوب الى حافة هاوية الإفلاس المالي . رفضت الدول الغربية اسعاف دولة الجنوب ، بحجة أنها هي التي قررت قفل تدفق النفط من الآبار الجنوبية في يناير 2012 . مما اضطر إدارة اوباما لعقد مؤتمر متعدد القطاعات والمانحين هذا الشهر في واشنطن لتقديم دعم اضافي لدولة الجنوب في مجال الخدمات ( التعليم والصحة ) ، وليس دعما ماليا للموازنة . هناك ذعر حقيقي في جوبا لعدم تمكنها من دفع رواتب جنودها نهاية شهر مارس 2013 ، ولإحتمال حدوث تمرد بين جنودها سيكون الرئيس سلفاكير وزمرته الحاكمة أول ضحاياه . تستمر إدارة اوباما في تقديم اغاثات انسانية لأكثر من 40% من سكان الجنوب . الوضع الإقتصادي والإنساني المأساوي في الجنوب هو الذي أرغم الرئيس سلفاكير على قبول خارطة طريق مارس 2013 ، وسحب قواته من الميل 14 وبقية المناطق الحدودية المتنازع عليها . الوضع الإقتصادي في الشمال ليس بأحسن حالا من الجنوب ، ولكن هناك تفوق نسبي فالعربات تزحم شوارع الخرطوم ، والمواد التموينية متوفرة في المحال التجارية ، والمرتبات على ضعفها تصرف بصرف النظر عن تغطيتها احتياجات المواطن من عدمه ، بعكس الحال في جوبا . ثامنا : في يوم الخميس 27 سبتمبر 2012 ، أكد الفريق بول ملونق أوان ( والي ولاية شمال بحر الغزال ) في مؤتمر صحفي عقد في جوبا ، يوم توقيع البروتوكولات ، أن قواته لن تنسحب من منطقة الميل 14 ، في معارضة مكشوفة لبروتوكولات سبتمبر 2012 . ولم يقل الرئيس سلفاكير بغم وقتها !! هذه المرة ، استبق الرئيس سلفاكير الأحداث وأحال الى التقاعد 152 جنرالا من المتعاطفين مع الحركة الشعبية الشمالية ، والذين يعارضون أي اتفاق مع جلابة الخرطوم ! كما حذر الرئيس سلفاكير أن المناطق الحدودية تقع تحت سيطرة الحكومة المركزية في جوبا ، وما على الولاة المعنيين ( الفريق بول وأخوانه ) إلا أن يمتنعوا ؟ في يوم الثلاثاء 12 مارس 2913 لزم الفريق بول صمت القبور ! بل علي العكس ، فقد طالب حكماء ولاية شمال بحر الغزال الرئيس سلفاكير بتنحية الفريق بول ( جوبا – السبت 16 مارس 2013 ) . هذا أمر جديد ومبشر باحتمال نجاح خريطة طريق مارس 2013 ؟ ولكن كل شئ محتمل مع لوردات الحرب في الخرطوموجوبا ... الشئ وعكسه ؟