تناقلت وسائل الاعلام الأمريكية في اليومين الماضيين خبر تفتيش عناصر تابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (الأف بي آي) مسكن روبرت ماكفرلين الكائن في مبنى (ووترقيت) الشهير بالعاصمة الأمريكيةواشنطن دي سي، وذلك للبحث عن أدلة مادية في علاقته بالحكومة السودانية بعد شكوك حامت حوله في أنه تجاوز القوانين الأمريكية القاضية بفرض حظر اقتصادي عليها منذ العام 1997 إلى جانب وضعها في قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ العام 1993 والمعروف أن كلا القرارين يجددان سنوياً. وقالت وسائل الاعلام الأمريكية أن مكتب التحقيقات الفيدرالي استمرت تحرياته لأكثر من عامين، جمع خلالها أدلة وبراهين توضح علاقة المذكور بمسؤولين سودانيين، ومنها رسائل ألكترونية (إيميلات) تمت بينه وبين شخص يعمل في جهاز المخابرات السودانية اسمه حسن بابكر. عنصر المفاجأة أن ما توصل له مكتب التحقيقات الفيدرالية، قام بنشره الكاتب المعروف الأستاذ فتحي الضو قبل أكثر من عام في كتابه الشهير (الخندق/ دولة الفساد والاستبداد) والذي أثار جدلاً واسعاً وقلقاً كبيراً في أوساط الحكومة السودانية. وبحسب الخندق كتب الاستاذ فتحي الضو في ص 151 عن ضابط الأمن الذي أشار إليه مكتب التحقيقات باسم غير مكتمل (هو محمد حسان بابكر شحم ألبل وسنسرد سيرته الذاتية من واقع ما خطه هو شخصياً بيده واستقر في أيدينا وإن كانت لا تخلو من مبالغة هي من شيم رجال الأمن عموماً.... عمل قنصلاً في سفارة السودان في أديس أبابا لفترة قصيرة، ربما بين العام 2007 و2009، والقنصليَّة هي الوظيفة التي تحتكرها الأجهزة الأمنيَّة في ظلِّ الأنظمة الديكتاتوريَّة، وذلك لغطاء عملائها ولممارسة أنشطة غير دبلوماسيِّة. وتواصل سيرته التي خطَّها بنفسه في هذه الوثائق فتقول، إنه تخرَّج في جامعة النيلين كلية الحقوق 1987- 1994 (لا ندري لماذا هذه الفترة طويلة نسبياً) وقال إنّه نال أيضاً دبلوم في القانون من نفس الجامعة في العام 1998، وأضاف كورسات في جامعة يورك ببريطانيا، وذكر أنه كان ضمن وفد الحكومة المفاوض في محادثات أبوجا 2006، وكذلك محادثات نيفاشا 2003- 2005، وأشار إلى أنه في العام 2002 عمل مستشاراً في منظمة العمل الدوليَّة في إقليم البُحيرات العُظمي وموزمبيق والهند وسيريلانكا وبيرو وتيمور الشرقية (كل هذا في عام واحد، يا سُبحان الله!) وأجرى دراسات ميدانيَّة لمركز كارتر 1999- 2001، وعمل محاضراً بكلية الدفاع الوطني، الخرطوم 2006، وعضو لجنة ما سُمِّي ب”7/7“ لإعداد مسودَّة الدستور الانتقالي، ومقرِّر في مفوضية أبيي 2005، وله إصداران، ويُجيد اللغة العربيَّة والإنجليزيَّة، بالاضافة إلى بدايات في اللغة الفرنسيَّة. ومع ذلك لسنا في حاجة إلى أن نصدِّق ما جاء في هذه السيرة الذاتيَّة أو نكذِّبها. فالأمر سيَّان، فلو كان صادقاً فلنفسه، وإن كان مبالغاً – ولا نقول كاذباً – فعليها، ذلك لن يُنقص ممَّا نحن فيه حبَّة خردل!) كذلك أفرد الاستاذ فتحي الضو فصلاً كاملاً لروبرت ماكفرلين وكشف عن الاتصالات التي تمت بين الأثنين وتمخضت عن توقيع ماكفرلين لعقد من الباطن مع الحكومة القطرية قال عنه ضابط مكتب التحقيقات الفيدرالي (يبدو أنَّ ماكفرلين ومسؤول الإتصال السوداني عمدا إلى ترتيب الصفقة بحيث يظهر الأول وكأنه يمثل دولة قطر التي تعتبر حليفاً لأمريكا") وقد أورد الاستاذ فتحي نصوص العقد كاملة بتفاصيل للمبلغ الذي استلمه ماكفرلين وهو 3و1 مليون دولار، وكذلك أورد اسم وسيط أمريكي من اصول سودانية جنوبية (البينو أبوج) كان يتحرك بين ماكفرلين والحكومة السودانية لاكمال الصفقة! والجدير بالذكر بحسب ما أورد الكتاب أن محمد حسان كان الذراع الأيمن لمدير جهاز المخابرات السودانية السابق الفريق أول صلاح قوش المعتقل حالياً بتهمة تدبير محاولة انقلابية، وكان حسان عقد الواسطة بين الجهاز وعملاء وعاملين تابعين للجهاز في خارج السودان يقيمون في عواصم أوربية وأفريقية، والقضية التي نحن بصددها هي واحدة من عدة قصص تناولها الكتاب بالتفصيل وبالأخص وثائق المحكمة الجنائية التي افرد لها الكاتب مساحة واسعة. أما ماكفرلين فقد كان مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس رونالد ريغان حتى العام 1985، وقبله في العام 1983 عينه ريغان مبعوثاً خاصاً له في الشرق الأوسط ومسؤولاً عن ملف المفاوضات العربية الاسرائيلية، وتعرض لانتقادات شديدة بسبب اتهامه بتوريط الجيش الأمريكي في الحرب الأهلية اللبنانية وارتبط اسمه بما سمي بفضيحة (إيران كونترا) وأدين عام 1988 بتهم تتعلق بحجب معلومات عن الكونجرس، ولكنه حصل لاحقاً على عفو الرئيس جورج بوش، وعمل مستشاراً في العام 2008 لمرشح الجمهوري جون ماكين عن ولاية أريزونا. وثمة كثير من التفاصيل في كتاب الخندق الذي يعد عملاً غير مسبوق من المتوقع أن يثير ضجة أكبر في هذه القضية وربما قضايا أخر!