قطر.. متقاعد يفقد 800 ألف ريال لفتحه رابطاً وهمياً    القبض على تاجر مخدرات بتهمة غسل 40 مليون جنيه    خبير نظم معلومات: 35% من الحسابات الإلكترونية بالشرق الأوسط «وهمية ومزيفة»    محمد وداعة يكتب: حرب الجنجويد .. ضد الدولة السودانية (2)    اجتماع للتربية فى كسلا يناقش بدء الدراسة بالولاية    مواطنو جنوب امدرمان يعانون من توقف خدمات الاتصال    من الزيرو إلى الهيرو    تفاصيل إصابة زيزو وفتوح في ليلة فوز الزمالك على الأهلي    "مطارات دبي" تدعو المسافرين التحقق من حالة رحلاتهم "الحالة الجوية السيئة"    شركة تتهم 3 موظفين سابقين بسرقة عملائها    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    ضبط الخشب المسروق من شركة الخطيب    البنى التحتية بسنار توفر اطارات بتكلفة 22مليون لمجابهة طوارئ الخريف!    رسالة من إسرائيل لدول المنطقة.. مضمونها "خطر الحرب"    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    قصة مانيس وحمدوك وما ادراك ما مانيس وتاريخ مانيس    ضياء الدين بلال: الرصاصة الأولى ونظريّة (الطرف الثالث)..!    وزير الخارجية يكتب: الإتحاد الأوروبي والحرب في السودان ..تبني السرديات البديلة تشجيع للإرهاب والفوضى    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    رفع من نسق تحضيراته..المنتخب الوطني يتدرب علي فترتين    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    أحمد موسى: ده مفيش ذبابة ماتت من الصواريخ والمسيرات اللي إيران وجهتها لإسرائيل    إسرائيل تعيد فتح المدارس!    ليفربول يسقط في فخ الخسارة أمام كريستال بالاس    شاهد بالصورة.. إبن عضو مجلس السيادة رجاء نيكولا يحمل السلاح مدافعاً عن وطنه وجمهور مواقع التواصل يشيد ويعلق: (أبناء الإسلام والمسيحية في خندق واحد لحماية السودان من الجنجويد)    شاهد بالفيديو.. مالك عقار يفجرها داوية: (زمان لمن كنت في الدمازين 2008 قلت ليهم الجنا حميدتي دا أقتلوه.. قالوا لي لالا دا جنا بتاع حكومة.. هسا بقى يقاتل في الحكومة)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تدهش وتبهر مذيع قناة العربية الفلسطيني "ليث" بمعلوماتها العامة عن أبرز شعراء مسقط رأسه بمدينة "نابلس" والجمهور يشيد بها ويصفها بالمثقفة والمتمكنة    أرسنال يرفض هدية ليفربول ويخسر أمام أستون فيلا    بعد راحة العيد...المنتخب الوطني يُعاود تحضيراته أمس    الموعد الأضحى إن كان في العمر بقية،،    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    والي الخرطوم يزور رموز ونجوم المجتمع والتواصل شمل شيخ الامين وقدامى المحاربين والكابتن عادل أمين والمطرب عوض الكريم عبدالله    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    لن تنهار الدولة ولن ينهار الجيش باذن الله تعالى    انتحلوا صفة ضباط شرطة.. سرقة أكبر تاجر مخدرات ب دار السلام    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    الضربة المزدوجة الإنهيار الإقتصادى والمجاعة في السودان!    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلف (الجنجويد) ومستقبل دارفور ..!(1)


أبو البشر أبكر حسب النبي
منعا لأي التباس أو أ اختلاط قد يحدث في ذهن القارئ ؛ نبادر ونذكر بأن جزءا كبيراً من مادة هذا المقال قد تم نشره في نفس هذا الموقع (سودانيز أونلاين) عند بداية الأحداث في دار فور ( أي قبل عشر سنوات تقريبا) والذي يمكن لمثل هذا القارئ قد أطلع عليه . أما ما دعانا إلى إعادة التذكير بهذا الموضوع فهو تحقق بعضا من المآلات التي توقعناها في ذلك المقال ؛ولعل أهمها أن تكون السيطرة والغلبة في نهاية المطاف لحلف الجنجويد ، وإن الحركات ، في المحصلة النهائية ، سوف لا تحصد إلا الحصرم ... فالآن ، ثمة أحداثا تجرى في دارفور تكاد تؤكد تحقق تلك النبوءة أو قل حلول ذلكم الفأل السيئ .. ومن هذه الأحداث:
أولا : عملية (تأديب ) عشيرة ( بني حسين ) التي قررت الخروج عن الحلف ، أو قررت بقية العشائر إخراجها لدواعي تعلمها هي ، وزحلقة من بقي من أفرادها مع مواشيهم إلى ( دار الزغاوة )، وهي مسألة خطيرة للغاية ... فمن الواضح أن هذه العشيرة قد لجئت إلى هناك بإيعاز من الحركات على زعم أنها سوف تحميها .. وما يسند هذه الفرضية أنها لم تذهب إلى (أمبرو) أو( كرنوي) أو (الطينة ) حيث للحكومة فيها حاميات ، وإنما ذهبت إلى (مزبد) و(قوربورا ) فهي من المناطق القليلة التي نجت (نسبيا) من الدمار الشامل في( دار الزغاوة ). وقد وصلت طلائع هذه العشيرة - التي نبذتها أهلها -إلى تلك مناطق الآن ، ومعنى ذلك أن "يا الحكومة ويا الجنجويد تعالوا دمروا "مزبد " و"قوربورا" وغيرهما أيضا!.
كل هذه الأشياء تحدث نتيجة لانعدام روح المسئولية والحس الأخلاقي والفهم الواسع للتداعيات ، أو بالجملة ،غياب (الهم العام ) لدى قادة هذه الحركات ؛ فهم ما دامت أسرهم (النووية) أمنة في العواصم الأوربية أو القاهرة أو كمبالا أو جوبا أو حتى في نيالا و الخرطوم ! فلا شأنهم أن تدمر "مزبد " أو" قوربورا" أو "شقيق كارو" مثلما تسببوا في دمار ( أمبرو )و (كرنوي ) و(الطينة ) و(فوراوية) ..الخ .. و يقينا أن بعضا من ذوي العقول الفارغة سوف يفغرون أفواههم ويلقون في وجوهنا جهالاتهم مثل: " ما يقدرو يدخلو هناك" ! .. كانوا يقولون العبارة عينها عندما كانت منطقة شعيرية –لبدو- مهاجرية في جنوب دارفور تحت سيطرتهم .. فتعاركوا فيما بينهم .. وواتت الفرصة للحكومة والجنجويد وطردتهم منها في هبة واحدة . الآن توقعوا ما حدث عام 1888م ، أي قبل أكثر من مائة وعشرين عاما ، عندما احتلت عربان المحاميد (مزبد ) و(فوراوية ) ومنعوا الأهالي حتى وروود الماء ، ولم يزيحهم من هناك إلا القائد المهدوي المرهوب الجانب ( العطا ود أصول الشايقي ) بعد مقتلة رهيبة .. حيث ما زالت رمم عظام تلك العربان بادية للأعيان على ظاهر تُرب المنطقتين . كانوا في ذلك الوقت عُصاة خارجون عن سلطة الدولة المركزية ، أما الآن فهم متحالفون مع الدولة ، فمن يزيحهم ؟ الحركات ؟ ولكن متى كانت الحركات تواجه الجنجويد وجها لوجه ؟ لم يحدث قط خلال السنوات العشر الماضية على الأقل !.
ثانيا : ظاهرة إخراج الجُناة من محابسهم عنوة واقتدرا ، خاصة في جنوب دارفور ، فهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن حلف الجنجويد هو الذي يحكم دارفور فعلا وقولا ولا يعترف بأي سلطة أخرى لا مركزية ولا ولائية ولا انتقالية !.
وإن رمنا معرفة بواطن الدواعي ودلائل التداعيات لكل هذه الأحداث التي تمثل بؤرتها المركزية (ظاهرة الجنجويد ) فلابد من تعميق الفهم بتحليل الظاهرة نفسها بعمق !.
لو أنك كتبت كلمة " الجنجويد " على المحرك الشهير " جوجل "وطلبت بحثا سوف تغرق في فيض من البيانات تضطر على إثره أن تنجو منه بالإغلاق ؛ فعليه من الأجدى أن نتدبر الأمر من مصادر خارج بيانات ذلك المحرك .
(الجنجويد) هو المصطلح الذي أُطلق على مقاتلي العشائر العربية من قبل الأطراف الأخرى ( ذروا ورائكم الخطرفات الشعبية السمجة مثل"جن على جواد يحمل جيماً"!) ؛ بينما هم كانوا في السابق - أي قبل الحرب الشاملة في دارفور- يسمون أنفسهم ب(الفرسان ) ، ولما شاع مصطلح الجنجويد وطغى على الإعلام المحلي ( الشعبي ) والعالمي - شاهدت مرة السياسي اللبناني المعروف (وليد حنبلاط ) يقود مظاهرة ضد حكومة بلاده ويقول" لا لحكومة الجنجويد " !! - وقد وصل الإعجاب بهذه المفردة من قبل الإعلام العالمي إلى حد الغرام ، إذ يقول السياسي السوداني (عبد الرسول النور ) بهذا الصدد أن الإعلام العالمي معجب ب(فرادة )المفردة أكثر من دلالتها المفهومية ، على كل حال ، فقد ارتعدت فرائص الحكومة من مترتبات ذيوع المصطلح وطغيان شيوعه إلى هذا الحد، وكمحاولة منها لخفت أضواء هذه الشهرة ومن ثم طمس الجرائم التي اقترفت على أيدي هذه الفئة المتجفحلة معها ، فقد سكَّت لها اسماً رسمياً وأسمتهم ب( حرس الحدود ) وجعلت لهم رُتبا و رواتب وألبستهم زيا عسكرياً -( في المقابل اختلقت المخيلة الشعبية اصطلاحا خاصا بها وأسمتهم ب"أبي طيرة " كناية عن شعار الصقر الذي على صدروهم أو أكتافهم ). في بادئ الأمر كان أغلب هؤلاء المقاتلين ينتمون للعشائرٍ العربية من رعاة البقر في حزام السافنا حتى امتداداتها في تشاد ( خاصة إقليمي وداي والسلامات)قبل أن تدخل في حلف مع مقاتلي رزيقات الشمال ( مجموعة المحاميد بخاصة ) وغيرهم من رعاة الإبل. وهي القوة التي خاضت تلك الحرب المدمرة ضد شعب الفور خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين . وقد أقامت هذه المليشيات معسكرات ثابتة في (جبل كارقو) و(جبل الجوع) -تم تغيير اسم جبل الأخير إلى ( جبل الهدى) من قبلهم!- الواقعين في الظل الجنوبي لجبل مرة ومن ثم انتشرت معسكراتهم في المناطق الأخرى بخاصة بالقرب من مدينتي كُتم و كبكابية ، ونستخدم مصطلح "المعسكر " هنا بشكل مرن لأن في الغالب الجنجويد عبارة عن قوة متجولة على ظهور الخيل والإبل وأخيراً السيارات ذات الدفع الرباعي، وقد شكلَّت بذلك أكبر كتلة مقاتلة في دارفور.
ولكن عدم الوعي بالبنية الاجتماعية الثقافية الكلية بدارفور بأنساقها المركبة جعل بعضا ممن افتعلوا الحرب الشاملة يتساءلون ببلاهة: ( هم فقراء مثلنا لماذا يلتزمون جانب الحكومة ) ؟ فمثلا قرأت حوارا (لا أدري ما إذا كان حقيقيا أم افتراضيا ) أعده أحدهم يقول فيه إنه جرى بين أحد القادة الميدانيين للحركات ( بعد أن خلع عليه رتبة عسكرية كبيرة كالعادة ) وأحد (شيوخ العرب ) فالثيمة الأساسية في الحوار هي تحسر ( شيخ العرب ) على التزامهم جانب الحكومة ، ولكن في الحقيقة كان الحوار في حده الأقصى من السذاجة ، وهو حوار بين شخصين أميين لا يفقهان شيئا عن تعقيدات ضروب السياسة ، ولا غرابة في ذلك ، بيد أن الغريب هو السرد السطحي الذي اكتفى به المعد من دون إعمال أي تحليل لمضمون الحوار ومدى مطابقته لواقع الحال فمن الواضح أنه كان يرمى من إعداد الحوار أصلا إلى تضليل القارئ وتوجيهه تجاه عما (يرغب فيه) هو ، فهذه النزعة هي إحدى أكبر (البلاوي) التي حلت بقضية دارفور. .
إن الرباط الثقافي وأيديولوجي الذي يقرن مجموعة الجنجويد بالتنظيمات النيلية المركزية ليس أمرا طارئا اقتضته الظروف الحالية وإنما هو بمثابة سيرورة تاريخية ممتدة عبر الزمن، حيث حظيت هذه المجموعة بدعم متواصل من جميع الحكومات التي قامت في الخرطوم تقريباً .إن المبرر الأخلاقي لهذا الدعم هو اعتقاد الجماعات النيلية بأن العشائر العربية هي صمام أمان الوحيد للمحافظة على (ملحقية) دارفور بالسودان النيلي ، فقوات (الجنجويد) الآن تقوم بذات الوظيفة التي قامت بها قوات (المراحيل) فيما سمي ب(حزام التماس ) بين الشمال والجنوب حيث حافظت تلك القوات على خطوط القتال ومنعت الحركة الشعبية لتحرير السودان من إحداث أي اختراق خلال العشرين سنة من الحرب ، مستفيدة من التراث القتالي الذي تراكم عبر قرون من الصراع أبان تعريب حزام السافنا .
وبعد وصول الحراك الجنوبي المعاكس مداه ، بتخلي الحركة الشعبية عن مشروع (السودان الجديد)بصورته الانقلابية ، والقبول بتأسيس (دولة جنوب السودان ) ، تم تعيين (خط التماس/ الفاصل الحضاري )بدقة ولذلك فإن احتمالات اندلاع قتال شامل بين السودان ودولة الجنوب باتت ضعيفة، لأن الأخيرة تعي تماما أنها من المستحيل أن تربح مثل هذه الحرب ، ليس لأن الحكومة الشمالية قوية ,إنما بسبب قدرة الجماعة النيلية في توظيف قدرات العشائر العربية لإلحاق الهزيمة بأي قوات تعبر هذا الفاصل الحضاري . بعد أن استعصت عليهم عملية الاستعراب الجنوب بدواعي الجهاد والأسلمة القسرية وانتهت بهم الأمور بإقامة (حائط التماس/ الفاصل الحضاري)؛سنحت الفرصة لتوظيف فائض هذه الدينامية لزيادة الرقعة المستعربة في دارفور التي تسارعت بوتائر مضاعفة ، فكانت من أوضح مظاهرها عملية طرد الفور من السهول والوديان لتنكفئ مجاميعها إلى أعالي الجبل أو النزوح إلى المدن مثل العاصمة ( الحاج يوسف، مايو) والقضارف بأعداد كبيرة .وعمليات التهجير القسري للزغاوة من كثير من مناطق انتشارهم وإذاقتهم أهوالاً لم يشاهدوها خلال قرن من الزمن ، أي منذ غروب شمس الدولة المهدوية ، وحصرهم و(خنقهم ) في أجزاء من دارهم الضيقة ، والآن هنالك مشاركة ثلاثية تتشكل أضلاعها من(الحركات -الحكومة - الجنجويد ) لإكمال الفصل الأخير من المأساة بزحلقة تلك العشيرة التي عصت أمر قومها إلى دارالزغاوة . و من المفارقة أن تعجل بعض المعادين لدينامية الاستعراب قد ساهم في زيادة وتيرتها ! ، لأن الناس عندما ينتقلون إلى المدن والمعسكرات الكبيرة يضطرون إلى التخلي عن عاداتهم وتقاليدهم ولغاتهم ( تنوعهم الثقافي ) ويذوبون في الوسط المديني بالاندراج في التيار العام أو الاندغام في السيرورة الاستعراب التاريخي.
إنَّ الدعم المستتر والمعلن الذي كان تتلقاه العشائر العربية من قِبَل الحكومات المركزية والتشكيلات السياسية النيلية في شكل برامج سياسية وفكرية متحيزة ودعومات مباشرة تقوم على فرضية مؤداها "يجب عدم التضحية بالعنصر العربي في دارفور وهو احتياطي ديموغرافي مهم وبمثابة جبهة خلفية".فقد اعتمد هذا التوجه كبرنامج رسمي بعد (عسكرة) نضال أهل دار فور، من قبل (البعض) الذين لا يتخطى مدى تفكيرهم أرنبة أنوفهم ، حيث وفروا بذلك الذريعة لهذه الأيديولوجيا بأن تتحوّل إلى برنامج رسمي وعلني. وقد أُلبِسَ (الجنجويد) حُلَّة (الدفاع الشعبي) في بادئ الأمر ، واستُنفِرت جماعة (الفرسان) الذين قضوا على حملة المرحوم داود بولاد و(المراحيل) الذين أعاقوا مشروع (السودان الجديد)، وجرت عمليات ضخمة للإمداد بالتموين و السلاح .ومن الواضح أن كثيراً من قادة جماعات المسلحة -الذين كانوا بعيدين عن فضاء الصراع القبلي -لم يضعوا هذا العامل في الحسبان. أما لوم الحكومة بأنها سلَّطت عليهم (الجنجويد) فهو في غير موضعه، لأنه من العسير الالتزام بالمعايير والأشراط الأخلاقية في مثل هذه الحروب . أنظروا ما حدث في العراق ، كانت الولايات المتحدة على وشك الهزيمة حتى ظهرت (الصحوات ) نتيجة لغباء وجهل تنظيم القاعدة ( لا يضم هذا التنظيم إلا أشباه أميين الذين لا تملأ نفوسهم وعقولهم إلا الحماسة العمياء ) لذلك فقد كسرت - أي القاعدة -الأعراف القبلية التي هي أقوى من الرابطة الدينية (مثل تزويج بنات شيوخ العشائر بأغراب منبتين من المقاتلين بحجة أنهم مجاهدون مثواهم الجنة )فانقلبت عليها العشائر وانضمت للأمريكان وانهزمت القاعدة وأعلن الأمريكان نصرا (كاذبا ) جاءهم من حيث لم تحتسبوا.
فقد ظلت(الجنجويد) من الناحية العسكرية من أكثر التشكيلات القتالية تأثيرات على مجرى الأحداث في دارفور طوال السنوات العشر الماضية ، كما أنها ظلت لاعبا أساسيا في المضمار السياسي ، أو بالأحرى غدت عقبة كأداء أمام أية تسوية سياسية حقيقية ، وهي تُرِي الحكومة (عينها الحمراء ) كلما تقترب المحادثات السلام من محطات الوفاق ، ففي إحدى المرات حذرت مجموعة من زعماء العشائر العربية يمثلون 64 قبيلة في ولايات شمال وجنوب وغرب دارفور في بيان صدر في الخرطوم من مغبة أي اتفاق بين الحكومة و(حركات التمرد) في دارفور زاعمين إن ذلك لن يكون في مصلحة الاستقرار في المنطقة وطالب البيان بإشراك زعماء العشائر في المحادثات الجارية حول قضية دارفور. وشدد على أهمية تحقيق السلام العاجل والدائم في دارفور وأبدي مخاوفه من الاتفاق بدون وجود تنسيق بين القبائل العربية والحركات المسلحة.
مظآن الطاقة الفكرية لحلف الجنجويد
إن النشاط العسكري والسياسي للعشائر العربية في دار فور يستمد طاقته من أطر وتكوينات داخلية ، بعضها علنية وأخرى سرية، وثالثة ربما تكون وهمية، وهي التي يمكن تسميتها جملة ب(الأيديولوجيا العروبوية).وفيما يلي نحاول تحليل بعض هذه المظان و الموائل :
أ-التجمع العربي
الحديث حول هذا (التجمع ) يغطي المجالس منذ أكثر من عشرين عاما ، دون أن يرى أحد هيكليته عيانا ، كما أن الأدبيات والوثائق المدونة عنه قليلة للغاية ، إلى الحد أن يساور المرء الشك في وجوده المادي ، بذلك يكاد يقترب من أكذوبة (دولة الزغاوة الكبرى )- (كنت أعد بحثا أكاديميا وذات مرة بينما كنت أجلس مع مشرفي دخل علينا أحد الأستاذة وقال :أنا اطلعت على بعض فصول بحثك ولكن عليك أن تغطي "مشروع دولة الزغاوة الكبرى" ! .. وما أن خرج حتى غرقنا أنا والمشرف في نوبة من الضحك.. وذلك من فرط المفارقة أن يصاب حتى أساتذة الجامعات بداء "التكويش" الذي تعاني منه الثقافة السودانية ) . أقول ذلك على الرغم من أنني التقيت مَنْ يزعم أنه أحد مؤسسي (التجمع العربي ).. ولكن لم أعثر إلا على وثيقة يتيمة يفترض أنها صادرة من هذا التجمع [يمكن مراجعة الأخ علي أحمد حقار في هذا الشأن وهو باحث ضليع ولديه قدرة غير عادية في الحصول على الوثائق من مصادرها الأولية ] ، تقول إحدى فقراتها هذه الوثيقة اليتيمة : "اهتمام الولايات المتحدة بالسودان يأتي لإضعاف العنصر العربي في السودان (...) لذلك نراها تشجع النهج الثوري في العنصر الزنجي السوداني (...) إلا فما معنى أن تقوم حركة سوني عام 1964م على أيادي الزنج فقط في دارفور ..وما معنى أن تقوم حركة أبناء البجة على البجة فقط دون غيرهم من أبناء الشرق المنحدرين من أصول عربية كالرشايدة(هذه قد ثارت عندما قررت الحكومة قطع عيشها القائم على التهريب!) والبطاحين وغيرهم وما معنى أن تقوم منظمات جبال النوبة وما معنى أن تقوم الحرب أصلاً في جنوب السودان؟(...) الفكرة أصلاً متجهة على أن أفريقيا للأفريقيين وليرجع العرب الدخلاء إلى جزيرتهم، جزيرة العرب، بل ويرفض الأفارقة المتزمتون بشدة أن تكون شهادة الميلاد والجنسية منذ دخول العرب السودان ، فدارفور كإقليم من أقاليم السودان تذخر بالتنوع القبلي كان ولا زال مصب اهتمام الدول الأجنبية حيث ترى فيه خطورة كبيرة لمد سيطرتها وان الحكمة الإلهية وحدها هي التي وضعت الحزام العربي الرهيب وسط مجموعات بشرية زنجية عظيمة كان يمكن أن تفعل الأفاعيل إن لم تجد هذا الحزام العربي القوي هذا الحزام العربي كان مثار انتباه للدول الكبرى لذلك أحيت التنظيمات العرقية الزنجية من جديد كحركة بولاد (...) وتنظيمات صغيرة أخرى لهد هذا الحزام العربي بحرب عصابات وإشعال فتن قبلية " هذه الوثيقة أعدت قبل الحرب الشاملة الحالية لذلك توقفت عند حملة بولاد والصراعات القبلية .. ولكن الشيء اللافت للنظر هو تركيز الحديث حول (شعب الزغاوة ) فبعد حديث طويل حول سياسات الدولة الوطنية والقوي الدولية والإقليمية تجاه الحزام العربي ،يتحول المنشور مباشرة إلى شعب الزغاوة ويصنفه كأكبر تحدي داخلي يواجه العشائر العربية ويقول: " أهم معضل يقابلنا هم الزغاوة حيث نجد الفور والمساليت معروف أنهم أفارقة زنوج ويعتزون بذلك ويفخرون ،كما أن سحناتهم الزنجية واضحة المعالم .. ولكن بالنسبة للزغاوة الأمر مختلف جداً صحيح أن لهم لغتهم (...) الغير عربية(هكذا) لكن السحنات الأفريقية المعروفة ليست متوفرة لديهم بل هم أقرب للعربي الدارفوري من الزنجي القح ..كما أن نشاطهم المنقطع النظير في الزراعة والتجارة والرعي يختلف عن أنشطة القبائل الزنجية الأخرى فأولئك يمتازون بالخمول وتعاطي الخمور بشراهة عكس الزغاوة الذين لا ينغمسون بشدة في تعاطي الخمور البلدية التي تثقل العقل وترهل الجسم بذلك يفتر التفكير وتضمحل الآمال فالخمور هي مخدرة الشعوب الأفريقية"
وبعد هذا الحديث الذي لا يخلو من السخف والسفاهة يقرع المنشور ناقوس الخطر من أيلولة مقاليد الأمر لعنصر الزغاوة في خاتمة المطاف ويقول: " هذا العنصر الزغاوي الجديد هو الذي سيكسب الجولة مستقبلاً على حساب العرب في دارفور وعلى حساب الفور الأصلاء (...) الزغاوة الآن ينشطون ويتحركون في شتى الاتجاهات ومنهجهم هذا قُرِر له منذ ثلاثين عاماً تماما كمقررات مؤتمر بني صهيون منذ مائة عام (...)نقول أن الزغاوة هم الذين سيكسبون الجولة إذا لم تعمل الحكومات لهم الحساب ".
يبدو أن معدو الوثيقة كانوا يتنبئون ببعض بمآلات الأوضاع في دار فور ويتجلى ذلك في العبارة الأخيرة "إذا لم تعمل الحكومات لهم الحساب ".حيث عملت الحكومة وفق مطلوبات هذه النصيحة وركزت على تحجيم دور العنصر الزغاوي في جميع الترتيبات المتلاحقة حول قضية دارفور كما يجب أن يلام بعض أبناء هذا الشعب لنزعتهم نحو الإنفراد بكل شيء و(استغباء) الآخرين .
ب-جمعية قريش
هذه جمعية سرية، تقوم بإصدار نشرات داخلية باسم (قريش) حيث تحتوي النشرات على برامج مصممة على نسق فاشي وشبيه ب(بروتوكولات حكماء صهيون ).ويبدو أن (قريش) اسم كودي يرمز لجميع العناصر العربية ( الجهينية) في دارفور. وقد أصدرت هذه الجمعية حتى عام 2000م ثلاثة منشورات هي:(قريش 1، وقريش2 ،وقريش3) ، وقد حصلنا علي المنشور( قريش2 ). والمفارقة أن برامج الجمعية تقوم على العكس من الافتراض الأساسي الذي ينهض عليه تحليلنا،أي وجود وشيجة أيديولوجية ثخينة بين الجماعات النيلية والمجموعة الجهينية ،إذ أن (قريش) تتحدث عن ( الثالوث) المتربع والمستدام على عرش الحكم في السودان" (...) فقد حال الجعليون والدناقلة والشايقية بيننا وبين حكم السودان لمدة تناهز عن القرن"(وأنَّ "الثلاثي [تقصد الجعليين والشايقية والدناقلة]قد أقسموا مؤخراً على أن تبقى السلطة تداولاً بينهم (...)"(وهو خطاب يتناص مع منطق (الكتاب الأسود).وكان مؤلفو (الكتاب الأسود) قد سجلوا نقطة فارقة لسياق طروحتهم عندما زعموا أن المنشورات التي تصدر باسم قريش واحد وقريش اثنين" تدبجها الأجهزة برعاية النائب الأول وتحت سمعه وبصره لانه المعني بملف القبائل"
وتتشكك جمعية (قريش) في نقاء عروبة المجموعة النيلية ، وتصف أفراد المجموعة بالهُجْنَة " مهما تدثروا بثياب العروبة (فهم) هجين أصبح عرقاً وثقافة من النسيج النوبي المتمصر"(وهو إسقاط مغالط من المنظور العلمي الأنثروبولوجي، لان المجموعة الجهينية-خاصة في التخوم والتماس- هي الأكثر اختلاطاً بالعناصر المحلية حتى كادت السحنات العربية المعروفة تندثر من وسطها .
ولأنَّ مناشير جمعية(قريش) قد صيغت بأسلوب الجماعات الباطنية والفِرَق الغنوصية فإنها تمور بالمفاهيم الملغزة والمصطلحات الكودية التي تستعصي على الفهم الفوري ، مثل مفهوم (الطريفيين) " أن السودان يمر بمرحلة مخاض حرجة والمطلوب من (الطريفيين) أن يتساموا عن الانتماءات الفكرية والعقائدية في سبيل تحقيق الأهداف المرجوة والمحافظة على الإنجازات التي تحققت حتى الآن وضرورة العمل الدؤوب لبلوغ الغاية ".وغاية محصولنا من جهد تفكيك مصطلح "الطريفيين" هو أن نزعم أن المقصود هو جهينة الشرق، (البطاحين والشكرية مثلاً)، وهي مجموعات أكثر ميلاً للانتماء للجماعة النيلية. ومن الملاحظ أن خطاب الجمعية يتساوق مع المآل الذي بلغه المجتمع السوداني في سيرورة (القَبْلَلَة) التي قادتها سياسات (الإنقاذ)اللاهثة وراء أي مصدر يمدها بنذر من الدعم والسند ولو إلى حين . لذلك تجد أن الجمعية تطلب أعضاءها (التسامي )عن الولاءات الحداثية (الفكرية والعقائدية) والعودة إلى ال(ما قبل الحداثية) مثل(العرقية والجهوية والعشائرية )!.
وقد حددت جمعية (قريش) عام 2020م كحد أقصى لتنفيذ برامجها وبلوغ الهدف النهائي ألا وهو حكم السودان ،على يبدأ التنفيذ مرحلياً بولايات الغرب الست . أما الخطط والبرامج والوسائل التي تراها مناسبة لتحقيق أهدافها فقد تمثلت في الآتي :-
"1-إيلاء اهتمام خاص بالتعليم، أفقياً ورأسياً ، وإعداد كوادر عالية التأهيل في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والإعلامية والأمنية والعسكرية.
2- إقامة مؤسسات اقتصادية .
3-الانخراط الواعي في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية .
4-مواصلة خط إظهار التعاون مع السلطة.
5-المحافظة على العلاقات القائمة مع بعض الشخصيات المحورية من أبناء الثالوث [ المقصود الجعليين والشايقية والنوبيين] .
6- التنسيق المحلي مع أبناء العمومة في الوسط والشرق .[ هذا البند يضيف مزيد من التأكيد على زعمنا القائل بأن القائمين بأمر هذه الجمعية ينتمون للمجموعة الجهينية التي توجد بعض عشائرها في الشرق والوسط ]
7-التأكيد على أهمية قبائل التماس وحث الدولة على المزيد من دعمها وتسجيلها وتدريبها [الدفاع الشعبي - الفرسان-المجاهدين -قوات السلام -الجنجويد]
8-حث القادرين من الأهل للانخراط في قوات السلام .
9- المحافظة على العلاقة مع الدينكا .
10-التقيد التام ببنود عملية (شاهين) ["شاهين" أيضاً من المصطلحات الكودية التي لم نستطع فك شفرتها ]
11-احتواء نذر الفتنة بين النهود والفولة ومناشدة الأهل في جميع أرجاء الوطن للنأي عن الصراعات الداخلية التي تبدد الطاقات .[ يبدو أن المقصود بين النهود والفولة هو تلك الاحتكاكات التي تحدث بين الحَمَر والمِسيريِّة من وقت إلى آخر].
12-عدم إثارة موضوع البترول قبل استخراجه الفعلي [ البند يوحي بأن المنشور كُتِب قبل التدفق للنفط ولكن البند التالي ينفي ذلك ]
13-احتواء آثار وتداعيات [ حادث نيالا في أضيق نطاق والسعي للإفراج عن الفرسان . [المقصود هنا حادثة السطو على فرع البنك المركزي(بنك السودان) في نيلا ونهبه في وضح النهار أواخر عام 1999م وواضح من هذا البند أن الحادث كان عملاً مدبراً وذات أبعاد سياسية (الإفراج عن الفرسان) وليس محض عملية لصوصية]
14- تأمين المراعي الكافية للرعاة في السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى .
15-محاربة الأعراف الخاصة بحيازة الأرض ( حواكير ، ديار ..الخ) بشتى السبل .
16-إبراز دورنا القومي في التصدي للقبائل غير العربية في الغرب كامتداد طبيعي للتمرد.
17- توسيع فجوة الثقة بين المركز [يقصد به النطاق النيلي] وأبناء القبائل غير العربية بدفع أبناء (الزُرقة)![ الأقواس وعلامة التعجب من عندنا] إلى المزيد من التطرف في التعبير عن الظلم الواقع على الغرب ومجاراتهم بوعي في النعرات الجهوية والعنصرية.
18-السعي للحصول على المزيد من المناصب الدستورية في المركز والولايات .
19- الحفاظ على برنامج الجاموس لغرب دارفور بتداعياته المقصودة[ ربما المقصود ببرنامج الجاموس هو الحرب الطاحنة التي دارت بين القبائل العربية وقبيلة المساليت وما تبعها من اغتيال أحد قادة المساليت وزوجته .ووجود هذا البرنامج ينفي عفوية الأحداث التي جرت]
20-على الطريفي 2 والطريفي 3 تمكين القريشيين في دارفور [ربما المقصود البطون الجهينية في بادية كردفان وشرق النيل]
21-الاستعداد لأي انتخابات ولائية
22-الحرص على الانضباط والنأي عن السلوكيات الطائشة كالحديث عن دولة البقارة الكبرى .
23- ضرورة اهتمام القيادات بالإعلام الإيجابي .
24-ضرورة ترقية الأداء المالي للقريش.
25-تبقى القيادات البارزة من القريشيين في المؤتمر الوطني 3من بين قريش3 وضع القرار حسب مقتضيات الحال" [ الجزء الأخير من الجملة مبهم]
هذه البنود الخمسة والعشرين تمثل برامج قريش الداخلية أما البرامج الخارجية فتتمثل في الآتي:-
1- تقوية التنسيق والتشاور مع القريشيين في دول الجوار .[ غالباً ما يكون المقصود العشائر العربية في جمهورية تشاد]
2-تطوير التفاهم الاستراتيجي مع (الجماهيرية الليبية) على هدى ما اختطه الباقلاني، وأصيل، الشيخ بن عمر ،هنا ثمة خلط ربما كان متعمدا فمثلا المرحوم (محمد الباقلاني إمام )لا شيء يثبت إنه ينتمي عرقيا إلى العشائر العربية في تشاد، وقد تخرج في جامعة أمدرمان الإسلامية ، وهو من مؤسسي جبهة التحرير الوطني التشادي " فرولينا" في نيالا عام 1966. وانشق فيما بعد وأسس جبهة "البركان" التي ضمت عدداً كبيراً من الشباب السوداني كان على رأس هؤلاء المرحوم (حافظ جمعة سهل "قتل في تشاد ") و المرحوم (آدم ترايو مناوي " قتل في جنوب السودان بعد أصبح ضابطا كبيرا في الجيش السوداني") والمرحوم (مجذوب الخليفة "قتل في حادث سير في شمال الخرطوم بعد أن أصبح سياسيا مرموقا") وغيرهم . وقد اغتيل الباقلاني في حادث غامض في مدينة بنغازي الليبية عام 1976م، حيث أشير أصابع الاتهام إلى أعدائه من العروبيين والفرانكوفونيين في إطار الثورة التشادية ،فكان الباقلاني إسلاميا أصوليا ،فلذلك من صعب أن يدعو إلى الشعوبية التي تدعو إليها جمعية قريش. أما أصيل أحمد أغبش والشيخ بن عمر فهما من قادة المجلس الديموقراطي الثوري(C.D.R ) وهو الفصيل الذي ظل يستوعب العناصر العربية في تاريخ الثورة التشادية - وكلاهما صار وزيراً لخارجية تشاد – فيجوز للقريشيين أن يعتزوا بهما.
3-تطوير برنامج سباق الهجن والاستفادة منه في توثيق الروابط مع الأشقاء في الخليج "
لقد وصف منشور (التجمع العربي) السابق منهج الزغاوة بأنه "قرر له منذ ثلاثين عاماً تماماً كمقررات بني صهيون منذ مائة" ولكن كل من لديه الإلمام ب(برتوكولات حكماء الصهيون) ويطلع على هذه البنود لا يمكنه إبعاد ذهنه عن المقاربة بين الاثنين .
على كلٍ ،فأن مثل هذه النشاطات الفالتة عادة ما تقوم بها جماعات سرية صغيرة من المتطرفين القوميين والفاشيين حتى من دون علم الأغلبية التي تتحدث باسمها .
ج- مشاريع ليبيا القذافي
في ندوة عقدت في الخرطوم في 11مارس عام 1998م تحت عنوان "التواصل العربي الأفريقي على جانبي الصحراء" بتمويل من جمعية الدعوة الإسلامية العالمية الليبية ، جاءت في إحدى توصياتها ما يلي:"الاتصال بجميع القبائل ذات الأصل العربي بالمنطقة وتشكيل وفد من شخصياتها الاعتبارية التي تمثل هذه القبائل لعقد ملتقى عام ويقترح أن يكون في طرابلس" . وتبدو هذه التوصية تتويجاً علنياً لنشاط ليبي محموم ومموهة انطلق منذ عقد السبعينات القرن الماضي لدعم الاتجاهات العروبية في السودان وتشاد؛ تحت أغطية كثيرة مثل برنامج إعادة تأهيل مشروع" ساق النعام " جنوب شرق الفاشر وعمليات الإعادة القسرية المفاجئة لآلاف من العمال السودانيين إلى بلادهم ، أو حتى بالاختراق المباشر للحدود غير المحمية .
وظللنا نقرأ منذ سنين التقارير التي تزعم أن عدداً من القبائل العربية في شمال وغرب دارفور تعتزم الهجرة إلى (ليبيا) ، وتقول- أي التقارير - أن تلك القبائل قد حصلت هذا الاقتراح منذ السبعينات إلا أنها أرجأته إلى حين ، حتى عرضت عليها طرابلس الهجرة إلى أراضيها عام 2003م.
ويقول المصدر الذي اعتمدنا عليه أن قيادات أهلية ومجموعات من مثقفي عرب دار فور انخرطت في مفوضات سرية مع ليبيا منذ بداية عام 2003م إثر تجديد ليبيا الدعوة إليهم للهجرة وأوضح مثقفون من (الحلقة المؤثرة) أن زعماء الإدارات الأهلية وقاعدة البدو قد وافقت مبدئياً على مشروع الهجرة وأن التفاوض مع ليبيا قد وصل مراحله النهائية.ومن واضح أن المجموعة المشمولة في المشروع هي العشائر الشمالية من رعاة الإبل مثل المهرية والمحاميد والعيطفات والعريقات والخزام والشطية وبني حسين وأولاد زيد وأولاد راشد والعطوية ..الخ.
وقد أوضح مثقفون من أبناء هذه العشائر لصحيفة (الخليج) مرة بأن الدافع الأساسي للهجرة هو تعرض هذه العشائر لحروب منهكة مع الأثنيات الأخرى غير العربية مثل الزغاوة والفور والمساليت، ولفشل الحكومات المتعاقبة في أيجاد حل لهذه المشكلة الأبدية ، وإخفاقها في إنشاء مشاريع لتوطين البدو الرحل . ويرون أن تلك المشاريع التي أقاموها بجهودهم الذاتية مثل مشروع (الواد ي الأزرق)!حيث جهزوها بالآبار والحفائر ولكن لعدم قيام الحكومة بواجب الحماية الأمنية أدى إلى تعرضها لهجمات من قبل عصابات (النهب المسلح) والقبائل الأخرى المناهضة لاستقرار الرحل .
ولعل أدق توصيف لوضعهم الحالي هو قولهم بأن " الحكومات المركزية جعلتهم مخزوناً للأصوات في الحقب الديمقراطية ومجرد "عصا" في وجه قبائل دارفور غير العربية في العهود الشمولية ". وحتى برنامج فتح المسارات التاريخية (المراحيل )لمنع احتكاك بالمزارعين ؛ يرونه قد فشل بسبب الغياب الكامل لسلطة الدولة . وقد زعموا أنهم أرجئوا فكرة مغادرة السودان كل هذا الوقت؛ أملاً في إصلاح الحال ، وعودة التعايش السلمي بين القبائل. وعندما سئلوا عما إذا كانت الهجرة تمثل تخلياً نهائياً عن فكرة الاندماج في النسيج السوداني ، قال مثقفو القبائل العربية بأنهم "قد سئموا من الحرب وخيار الحرب ويشعرون بأن التعايش السلمي بات مستحيلاً في ظل المعاناة التي تتجاذبهم بين سندان اتهام قبائل دارفور لهم بموالاة أنظمة الخرطوم والتسبب في الحروب ومطرقة التهميش السياسي وانعدام أبسط المقومات (...) وإن راودهم حلم العودة إلى السودان فسيكون ذلك مصحوباً بوعي كامل لمستقبل حياتهم ".ويذكر المصدر بأن مجموعة صغيرة من المهرية والمحاميد قد استجابت للفكرة وتم توطينها في الكفرة وإجدابيا.
ومن الواضح أن كل هذه ال(ترهات ) كانت من (خزعبلات ) العقيد الراحل معمر القذافي حيث تقوم فلسفته على قاعدة (إرهاق الجميع باللعب على جميع الخيوط بهدف السيطرة عليهم جميعا ) !لذلك كان هو الداعم الأساسي للحركات بالمال والسلاح ( كان القذافي يوزع دولارات نقدية على قادة الحركات في خيمته بأمر سكرتيره قائلا : أعطي فلان كذا وعلان كذا !!) ويطبطب على كتوف المتقاتلين منهم قائلا لهم (كلكم أباني ) ! وعندما يُسأل عن قضية دارفور يقول :( هذه مجرد صراعات قبلية ) ! وعند تُذكر مأساة النازحين واللاجئين أمامه يقول : "هؤلاء قد استمرءوا الأكل ب"البلاش" لذلك لا يريدون العودة إلى قراهم ) !...الخ وكان يزود الجنجويد بالمال والسلاح وبصفها بالقوة الثورية العربية .. وهو في نفس الوقت مدافع قوي لوجهة نظر الحكومة السودانية في المحافل الدولية والإقليمية ( لاحظ موقف علي التريكي المتشدد والضاغط على الحركات في محادثات أبوجا) وهكذا .
في كل الأحوال ، كان حلف الجنجويد هو المستفيد الأكبر من ( ليبيا القذافي ) حيث كانت بمثابة مصدر تمويل مباشر وغير مباشر له ، لأن العشائر العربية هي الوحيدة التي حافظت على قطيعها بل و زادتها بمعدلات تفوق الزيادة الطبيعية بنهب مواشي الآخرين ( فقدت عائلة كاتب هذه السطور ألف رأس من الضأن الصحراوي الممتاز في يوم واحد بعد أن ساقتها جماعة من الجنجويد على مرأى من قوات الحركات وعندما استنجد بهم قالوا "نحن هدفنا إسقاط الحكومة في الخرطوم وليس حماية المواشي من اللصوص" !! وأذكر إنني أمام هذه الكارثة المروعة أسرعت إلى الاتصال بأحد أبناء عمومتي والذي كان يحمل رتبة كبيرة في إحدى الحركات المتواجدة في المنطقة لأسأله عن ملابسات الحادث فكان الرجل لا مباليا لهذا الشأن إلى حد لا يصدق إذ ترك الموضوع الأساسي وطفق يطلب مني أن أرسله له بطاقة تعبئة هاتف "الثريا " الذي يحمله ،ولم استطع أن أتمالك أعصابي أمام بلادة الحس وبرود العاطفة إلى هذه الدرجة و قلت له : الله يلعنك أنت وهاتفك والذي أعطاك وعجز عن تعبئته )!! بعد اضطراب الأوضاع في دارفور توقف الجميع عن ممارسة التجارة مع ليبيا إلا العشائر العربية التي احتكرت هذا النشاط وجنت من ورائه أرباحاً طائلة.
ه/مجلس تنسيق القبائل العربية
يمثل هذا المجلس الواجهة الرسمية /الخارجية التي ينتظم عليها العشائر العربية، وهو بمثابة كيان معنوي لكل عرب دارفور نبت -مع غيره من الأطر الأثنية (مجالس الشورى )- في بيئة (القبللة)التي وفرتها (الإنقاذ).يبدي المجلس- ربما لعلنيتها-مواقف أكثر اعتدالاً تجاه الأحداث في دارفور مقارنة بمواقف الجمعيات الباطنية السابقة . وفي بيانه الذي حَمَلَ رقم (1) وضع المجلس رأيه حول أحداث قائلاً :" (...)وبتأمل الموضوعي والتقصي لمجريات الأمور ومن واقع البيانات الصادرة عن هذه المجموعات القبلية (...) أن المقصود ليس هو المطالبة برفع الظلم ولكنه تحرير دارفور من العنصر العربي وكل من يتحالف معه سعياً لتفتيت دولة الإسلام والعروبة في السودان (...)وحتى تجلى الحقائق للجميع فإن مجموعة القبائل العربية في دارفور الكبرى وجنوب دارفور خاصة لم ولن تجتمع لإقصاء أحد فأهدافنا تتمثل في دعم الجهود الرسمية والشعبية لبسط الأمن والسلام" ويرى المجلس أن مهددات الأمنية في دارفور تتمثل في " 1-النهب المسلح 2-النزاعات القبلية 3-العصبية القبلية" أما وسائله ومقترحاته لدرء آثار تلك مهددات فتتمثل في:-" 1-التقرير بأن تداول السلطة يجب أن يتم عبر الشورى والعصبية الحزبية ومنظمات المجتمع المدني وليس على أساس القبيلة أو الجهة 2-دعم الجهود الرسمية محلياً وقومياً لتحقيق التنمية في دارفور 3-مد جسور التآخي مع الشقيقة تشاد تأكيداً للعلاقات الأزلية 4-أن يتحلى المثقفون وذوي المكانة من أبناء الإقليم بالتجرَّد من أي مصلحة ذاتية من أجل مصلحة دارفور 5-أن يكون رأب الصدع الاجتماعي لأهل دارفور هو الهدف الأكبر والأسمى في هذه المرحلة 6-أن يكون هنالك هيئة لدعم السلام في دارفور 7-إنشاء هيئة إقليمية لتوفير مشاريع المياه وصيانة الموجودة منها 8-أن تتم وضع برامج علمية وعملية لمكافحة الجفاف والتصحر9-أن يتم إلغاء كل القرارات التي صدرت في عهد الإنقاذ لتفتيت ديار القبائل 10-تثبيت ديار القبائل مثلما كانت في ماضيها وعدم سماح للقبائل التشادية الدخول للاستقرار في الإقليم 11-إعادة الإدارة الأهلية وتمكينها من القيام بواجبها في الحفاظ على النسيج الاجتماعي والقبلي لأهل دارفور 12- الاستفادة من الخبرات العالمية في دعم التعايش مثل "مشروع أبيي" الذي طبقته وكالة المعونة الأمريكية13-التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة من خلال اعتراف الحكومة للطبيعة السياسية لمشكلة دارفور والإسراع في إثبات جديتها تجاه ذلك."
يشتمل هذا البيان على الكثير من النقاط الإيجابية ، ولكنها تقريرية ومكررة، وهي المقررات عينها التي ترد في جميع مؤتمرات الصلح القبلي تقريباً ، فضلاً عن ذلك فقد حاول البيان التوفيق بين المتناقضات مثل احتذاء خطاب الحكومة ونفيه في الآن . خلاصة القول أنَّ هذه الكيانات هي التي شكَّلت الإطار الفكري للنشاطات والمسلكيات، القولية والفعلية، الصادرة عن العشائر العربية في دارفور والجماعات المسلحة التي تتبع لها .
والآن ، بعد أن قوي حلف الجنجويد إلى حد فرض أجندتها على الجميع بما فيها السلطة التي راعته سنتوقع أشياءً كثيرة نتحدث عنها في الجزء الثاني من المقال إن شاء الله .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.