امتهنت كثير من امهاتنا نحن السودانيون مهناً شريفة، من اجل اعالتنا وتربيتنا وتعليمنا. ولهن يرجع الفضل من بعد الله تعالى في نجاحنا في هذه الحياة، حيث كان المجتمع يشملهن بعين العطف والرعاية ويشجعهن ويشد من ازرهن. فكم من أُم تخلى عنها عائلها او فقدته لسبب او لآخر، تاركاً لها من ورائه زغباً صغار، لا حول لهم ولا قوة، فضلاً عن مسؤوليات جسام ينوء عن حملهن العتاة من الرجال، فلم تركن لليأس والقنوط، بل اقتنعت بواقع الحال رغم مرارته، وشمرت عن ساعد الجد والمثابرة، وامتطت صهوة الصعاب والمستحيلات، وارتضت لنفسها أن تصنع الكسرة او الطعمية او الزلابية، أو اي عمل شريف يسد رمق ابنائها، ويساعد في تعليمهم. ومن منّا معشر القراء من لا تحوي ذاكرته قصص امهات صابرات مكافحات، رفدن هذا الوطن برجال افذاذ، برزوا في كل المجالات، فكان منهم المشاهير من الاطباء، والمهندسين، والعلماء، والحكماء الذين ذاع صيتهم خارج حدود الوطن. فكانوا قرة اعين لامهاتهم ولأهلهم وللسودان. ظاهرة بائعات الشاي المتفشية في الشارع السوداني، ملفتة للنظر ولا يتقبلها أي رجل غيور على عرضه، واعتبرها وصمة عار في جبين حكومة فشلت في خلق مشاريع صغيرة تستوعب هؤلاء النسوة المغلوب على امرهن وتحفظ كرامتهن وتصون اعراضهن الممتهنة في قارعة الطريق من اصحاب الغرض والنفوس المريضة من الرجال، علماً بأن من واجب الدولة مساعدة هؤلاء الامهات في تربية اولادهن وتخفيف الحمل عنهن، وذلك باعتبارهن مساهمات في بناء الوطن برجال المستقبل الذين يُعتمد عليهم في النهضة والعمران. أما اضعف الايمان من جانب الدولة هو اعفائهن كليةً من الضرائب والاتاوات المفروضة عليهن، والتي غالباً ما تذهب الى جيوب اناس أُنتزعت من قلوبهم الرحمة والشفقة. أقول قولي هذا وأعلم علم اليقين الذي لا يخالطه شك، بأنني وللاسف الشديد أُأذن في مالطة حيث كالعادة لا حياة لمن تنادي، لكن ضميري يلح علي أن ارفع الظلم ولو بشق كلمة عن نساء بائسات يستحقن الشفقة والمؤازرة والله المستعان.