تقرير: عادل حسون هل يعد ملهاة أن تولي السياحة بما يغلب عنها من تصور شائع لمجون ولهو غير برئ لوزير من "أنصار السنة"، الجماعة المحددة بالمحافظة؟. ولما تبدو "السياحة" مطروقا عليها بشدة وقد نفض الغبار عن الإهمال الذي لقيته كقطاع استثماري بطبعه؟. بإفتتاح المهرجان الدولي الأول للسياحة بمشاركة الولايات المختلفة بمعرض الخرطوم الدولي ببري أمس الأول، برعاية رئيس الجمهورية وبتشريف مساعد الرئيس العقيد عبد الرحمن المهدي، ثارت التساؤلات السابقة على خلفية الظن الأكثر شيوعاً كون السياحة وزارة من الوزارات الهامشية مثلها ووزارة الغابات أو الثروة الحيوانية والسمكية. المعروف كذلك أن حقيبة "السياحة" تودع عادةً بيد الأحزاب الصغيرة أو الوزراء المنشقين عن أحزابهم الكبيرة في سياق الترضيات السياسية التي احترفتها حكومات "الإنقاذ" المتعاقبة. وكان لافتاً مشاركة واسعة من السفارات والممثليات الأجنبية بالسودان في المعرض الأول للسياحة وقد بدا تطور الفهم الإداري إلى عرض السياحة كسلعة ربحية بدلا عن السياحة كمجرد نزهة غير مضمونة العوائد المادية. وكان الوزير إنخرط في لقاءات محمومة منذ أسابيع تحضيرا لهذا الملتقى الهام، مع سفراء الدول المستهدفة باستقطاب السواح منها كبريطانيا، إيطاليا، والنرويج، السعودية والإمارات وقطر، وجنوب إفريقيا ومصر ونيجيريا. هناك عروض لطالما اختفت عن ساحة السياحة مثل (السيرك المصري الإثيوبي) الذي يفتتح أبواب عروضه للجمهور بدءا من 20/ أبريل الجاري، "بالساحة الخضراء" جنوب شرق العاصمة الخرطوم. الاهتمام الكبير سيمنح مواطني الخرطوم فرصة أن يروا عروض السيرك وألعابه الشيقة. المهرجانات الولائية التي انتظمت الولايات مؤخرا مثلت تغييرا بنيويا في قطاع السياحة المهمل عندما توقف على مدى عقود في محطتي التصييف في "أركويت" على مقربة من ساحل البحر الأحمر أو السفاري في محمية "الدندر" الطبيعية جنوب شرق البلاد. ظهر على المشهد المهرجانات المتتالية لولاية البحر الأحمر، وقد سجلت نجاحا ملحوظا بجذبها للسواح الداخليين على مدى دوراتها المتتالية، ثم ولاية كسلا في السنتين السابقتين، وفي الطريق ولاية شمال كردفان. وبدا وزير السياحة المهندس محمد عبد الكريم الهد، جديرا بالتفاخر في خطاباته الأخيرة، فالسودان في قول الوزير في كلمته بإفتتاح مهرجان ولاية كسلا السياحي الأسبوع الماضي، يعد موئلا لأنواع مختلفة من ضروب السياحة، الدينية/ الآثارية/ الغطس/ السفاري/ النيلية/ والسياحة الجمالية. الوزير مضى لأكثر من ذلك حين كشف عن فتوحات أثرية قد تغير وجه التاريخ والرواية المعتمدة عن دخول الإسلام إلى السودان. من المشروع أيضا أن يفخر الوزير بسياحات أخرى غريبة، كسياحة العلاج الطبي بالدفن على الرمال. لكنه بدا منشغلا بالتأكيد على أن السياحة التي يعرضها للجمهور هي من السياحة "الشرعية"، من معنى السياحة التي لا تشوبها الخمور وأندية القمار والدعارة المشهرة. ولكن ذلك لم يبدو غريبا باستذكار أن المدرسة السياسية التي دفعت بالوزير الهد إلى كابينة الوزارة، هي جماعة "أنصار السنّة المحمّدية". ولذا لم يبدو مستغربا اتجاه الوزارة لتوسيع استثماراتها مع مجموعة "رتاج" القطرية التي تستثمر في السياحة العقارية والفندقية في أكثر من بلد إفريقي اشتهر بسحر الطبيعة. الشريك القطري لا ينسى التأكيد بدوره على أن السياحة التي يعرضها على المستسيحين في البلاد هي من نوع السياحة "النظيفة". ومن المتصور أن تشهد القفزة التعبوية في القطاع السياحي التي يراهن عليها الوزير الهد تطبيقات متفردة عن السياحة بحكم تفرد البلاد نفسها. لأول وهلة، السياحة النظيفة تتسق مع السياحة الدينية، لكن هذه الأخيرة تمثل بذاتها لغما أرضيا يعترض طريق الوزير الهد وخطته للعمل في هذا القطاع الهام، إذ تتهدد الأضرحة والقباب والمزارات الصوفية أخطارا جدية من قبل بعض التيارات المتطرفة التي جاهرت بتكفير مثل هذه المحضورات في وقت لم تبد فيه تراجعا من فكرة نسفها وتدميرها. هذه التيارات غير بعيدة عن الحزب الذي دفع بالوزير إلى تشكيلة الحكومة وتلك بحد ذاتها جانباً آخر من "الملهاة". البنى التحتية للسياحة بالبلاد تشهد بدورها تطورا ملحوظا إذ تبين جليا تضاعف نسبة شغور النزل والشقق الفندقية والسياحية إلى جانب اتساع رقعة طرق المواصلات والاتصالات بأنواعها. وزارة السياحة معروف أنها أستحدثت باستقلال في التشكيل الوزاري الأخير فيما أعتبر القطاع السياحي موردا يجب التعويل عليه من ضمن تسع موارد راهن عليها البرنامج الإسعافي الاقتصادي الثلاثي لمعالجة آثار انفصال الجنوب وخروج النفط الجنوبي من معادلة الحسابات. الموسومية في ابتدار الأعمال نمط أشتهرنا به. قد تنقضي أيام المهرجان الأول (الفترة من 8- 12 أبريل الجاري) ومعرضه المصاحب سريعا كحال الأيام، ويمضي كل في حال سبيله، فتخفت حمى الاهتمام. قد تكشف وزارة السياحة عن وجها مغاير فتظهر جديتها في وعودها لجعل السياحة موردا لا يقل في أهميته عن منشآت البترول المستثمرة في النفط من دولة جنوب السودان، أو الزراعة، أو التعدين، بالاستمرار في تنمية القطاع الذي أهمل طويلاً. فيما يبدو، استحداث الوزارة وإصرارها على مفهوم السياحة "النظيفة" تمشياً مع المزاج الحكومي "الإسلامي"، هو تحد بذاته يسبق ما عداه من تحديات. بالأحرى، هل بمقدور الوزارة التحكم في مزاج "السائح" بفرض شكل محدد للسياحة "النظيفة"، الشرعية من قصد معناها، أم ستخسر التحدي؟؟.