بسم الله الرحمن الرحيم .. توفيق عبد الرحيم منصور (أبو مي) http://www.tewfikmansour.net تعرفت على الراحل المبدع الدكتور كمال حنفي (رحمة الله عليه) بدايةً عن طريق الانترنت التي كان سباقا في التعاطي معها منذ ولادتها, وقد كان لنا من خلالها (مجادعات) شملت بعض زوار موقعي الاليكتروني, وعكست وجهاً آخر لحنفي ملؤه الأدب والذوق الجم في المخاطبة والتواصل . هذا وسأورد هنا كمثال مختصر (مجادعة) ظريفة واحدة دارت بيننا وأحد القراء, ومن ثم سأنقل كلمات تناولني فيها والانترنت فقيدنا بعموده (إلا قليلاً) بالغراء (الرأي العام) قبل عدة سنوات, وهي كلمات إن دلت فأنها تدل على عبقرية المرحوم في صياغة الكَلِم, وتعكس ثقافته العالية اللا محدودة, ويقيني أن المرحوم قصد بأسطره تلك كل المغتربين وليس شخصي الضعيف.. انتقد الأستاذ حسن رمضان بموقعي الإليكتروني الراحل حنفي, واصفاً إياه بأنه وعلى الرغم من كلماته التي يسطرها بحرفنة وخفة جاذبة, ولكنه مقصر في حق الوطن, وتساءل أين كمال حنفي والاستراتيجيات ؟ وهل نأى عنها في بلد من حقه أن يُسخّر علمه وقلمه له؟! .. فرد عليه حنفي بكل ذوق رفيع قائلاً : الأستاذ رمضان له التحية والاحترام قد خلط ما بيني وبين شقيقي الأكبر بهاء الدين حنفي سفيرنا في المانيا, الذي سبق له أن كان مديراً لمركز الدراسات الاستراتيجية بالخرطوم لعدة سنوات ... هذا وبدوره رد معتذراً رمضان قائلاً: كنت أقرأ لحنفي لعدة سنوات ظاناً أنه (حنفي الاستراتيجيات). أما كتاباته فهي برقية وذكية وعلمية ووخزية حيناً, ومدغدغة أحياناً, وكل عمود له أظن وراء أسطره أسطر, ووراء ابتسامته من خلال صورته ابتسامات. وإن خلطت ما بينه وأخيه فله العتبى حتى يرضى.. أما ما سطره فقيدنا عني والانترنت, فيقيني أنه قصد به كل المغتربين (وقد كنت آنذاك مغترباً بالمغرب), وكان بعنوان (يشرق من المغرب) .. وجاء فيه : في شهر أغسطس يفيض النيل, و فيه يتذبذب تيارنا المائي و الكهربائي, و صدرت فيه الطبعة الأولى لقصة تمرد الجنوب, وفيه نال مصنع الشفاء ضربة جويّة .. و مع ذلك لا نجرؤ على وصف أغسطس بأنّه شهر كوارثنا, ففيه يعود المغتربون إلى وطنهم .. وفي هذا الشهر يكون دائما الوطن في حالة حضن لأبنائه و بناته العائدين. كانت المراسلة لوقت قريب ورقة وظرفا وطابع بريد .. احتفظ يافعون سودانيون كثيرون مع آخرين غير سودانيين بعلاقات حميمة دون أن يلتقوا .. صبى من أروما يراسل صبيا من روما .. و طفل من حاج عبد الله له صديق في رام الله .. و فتى من أم دقرسى له صديق بنيو جيرسى ! .. ثمّ جاءت المراسلات الالكترونية فصار لنا أصدقاء إليكترونيون نتواصل معهم دون أن تلتقي وجوهنا, ولقد (وقعت) في علاقات قوية من هذا النوع خاصة مع أحدهم, وهو من غير جيلي, بل من جيل يعلونا عمرا و رتبة .. توفيق منصور .. يعمل بالمغرب بمنظمة تابعة للجامعة العربية .. كلماته الإلكترونية تأتيني دافئة في الشتاء, ومثلّجة في الصيف, وبلغت العلاقة سنواتٍ دون أن تجمعنا أرض ثالثة تحيل مشاعرنا الالكترونية إلى شريان حيوي ! ثمّ جاءت فرصة اللقاء في حفل استقبال أقامه لأصدقائه الفعليين والالكترونيين بمنزله بشمبات.. جاء لقاء الأجساد فوجدته جرعة إنسانية زائدة, رأيت فيه بركة مستمدّة من المهدي بن بركة.. وخطاب وعى ينبع من خطاب محمد عابد الجابري, وصوت معزوف على النوتة الموسيقية لعبد الوهاب الدكالى! ليس النيل وحده في السودان الذي يفيض, فأبناء النيل يفيضون أيضا من السودان إلى كل العالم, فتشرق بهم الشمس من المشرق, وأحيانا تشرق بهم من المغرب .. (كمال حنفي) .. ألا رحم الله فقيدنا حنفي رحمة أكبر في حجمها من عدد الكلمات التي سطرها لأجل بلاده أضعافاً مضاعفة .. توفيق عبد الرحيم منصور (أبو مي) http://www.tewfikmansour.net