تقرير: عادل حسون في وقت سابق من العام 2002م، سمحت الحكومة السودانية للجيش الأوغندي بالدخول إلى جنوب السودان لمطاردة جيش الرب الأوغندي المتمرد بعد توقيع بروتكول "ماشاكوس" بين أقوى أطراف الصراع الشمالي والجنوبي في السودان في خطوة بدت غريبة ولم يعرف لها مثيلاً. مِن سخرية الأقدار، مَن عمل لإنجاز "البروتكول" بين وزارتي الدفاع في البلدين، كان مساعد رئيس الجمهورية وقتها، السيد مبارك الفاضل المهدي. الرجل، قيل بأنه من أول المعارضين الملتجئين إلى الحضن الأوغندي في الفترة الأخيرة. فإذن هي حرب الوكالة ولما تزل تطل برأسها بين البلدين حيناً وآخر. اتهام كمبالا للخرطوم احتضان كوني، عني اعتراف ضمني بإستخدام كوني وجيشه، بالوكالة، رداً على انطلاق التمرد المسلح ضد السودان من قاعدته الأوغندية. في العام 2005م صرّح النائب الأول لرئيس الجمهورية السابق د. جون قرنق، غداة حلفه اليمين الدستورية رئيساً لحكومة جنوب السودان، أن من أولى المهام الإستراتيجية لحكومته، هي طرد فلول جيش الرب الأوغندي. لم يطرد جوزيف كوني أو يلقى القبض عليه. في الحقيقة مكان وجوده أضحى لغزا محيرا آخر. فقبل أيام قال تقرير عن مجموعة "آر. ال. آر. ايه كرايسيس اينيشياتيف" التي تتخذ من واشنطون مقرا لها أن "السودان لا يزال يوفر ملاذاً آمناً لجيش الرب للمقاومة وقائده جوزيف كوني". واستند التقرير في زعمه إلى "شهود عيان" أدعوا أن بعض قادة الجيش السوداني أستبقى كوني وقواته منذ 2009م حتى يناير من هذا العام. وتضمن ما قال بأنها صور أتخذت عبر الاقمار الاصطناعية من معسكر أخلاه مقاتلو جيش الرب مؤخرا بعد رصد كوني، فيه، نهاية العام 2012م على الأراضي السودانية على طول الحدود المتنازع عليها مع جنوب السودان". وتعليقاً على التقرير قالت الخارجية الأمريكية أنها "كانت أبدت قلقها في ديسمبر 2012م أمام مجلس الأمن الدولي من احتمال وجود جيش الرب في كافيي كينجي بجنوب دارفور، المنطقة التي تتنازع عليها دولتا السودان". وعلق المتحدث باسم الجيش الأوغندي، فيليكس كولايغي، على هذا التقرير بالقول إنه "يدعم تكهنات أوغندا بأن السودان يدعم جيش الرب للمقاومة". ونقلت وكالة (سونا) الرسمية عن الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة العقيد الصوارمي خالد سعد، تكذيبه للتقارير الخارجية. وقال "الجيش السوداني ليس به قيادات أو قادة عسكريون منفصلون وإنما هو جيش واحد لا مجال فيه لتبني تصرفات فردية". ويتهم جوزيف كوني، وقواته، بجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بينها عمليات اغتصاب وبتر أطراف وقتل وتجنيد أطفال. وفي العام 2006م طرده الجيش الأوغندي ثم توزع عناصره في الغابات الكثيفة للبلدان المجاورة ومن بينها إفريقيا الوسطى. ويعتقد أن كوني، مختبئ في منطقة تقع بين إفريقيا الوسطى والسودان وجنوب السودان. ومنذ أواخر العام الماضي تقوم جيوش من دول المنطقة مدعومةً بمئة من عناصر القوات الخاصة الأميركية وقوات من حلف الناتو بملاحقة جيش الرب للمقاومة في المناطق المتوقع تواجده بها. وكانت وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت في فبراير الماضي عن رصد مكافأة بقيمة خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تتيح إلقاء القبض على جوزيف كوني. وذكرت الوزارة أن هناك ثلاثة مكافآت أخرى مماثلة للمكافأة الموضوعة للقبض على كوني، لكل من يدلي بمعلومات تقود إلى القبض على أحد مساعديه الثلاثة المطلوبين وهم، اوكوت اديامبو، ودومينيك اونغوين، وسيلفستر موداكومورا. وقال السفير الأمريكي لقضايا جرائم الحرب، ستيفن راب، خلال مؤتمر صحفي، إن جيش الرب للمقاومة هو إحدى المجموعات المسلحة الأكثر وحشية في العالم، مؤكداً أن المكافآت التي رصدتها الولاياتالمتحدة للقبض على المتمردين الأربعة هدفها احقاق الحق لهؤلاء الرجال والنساء والأطفال الأبرياء الذين وقعوا ضحايا لجرائم هذا التنظيم. جوزيف كوني المولود في 1961م تزعم جيش الرب الأوغندي منذ تأسيسه كحركة تمرد مسيحية مسلحة. تأسست الحركة من قبائل الأشولي المتاخمة لجنوب السودان في العام 1986م بالتزامن مع استيلاء الرئيس يوري موسيفيني، على السلطة في كمبالا. وإدعى بإهمال الحكومات الأوغندية للمناطق الواقعة شمال أوغندا. بدأ نشاطه منذ عام 1988م في الشمال إلا أن مقاتليه أخذوا بالانتشار في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية وفي أفريقيا الوسطى وفي جنوب السودان منذ عام 2005م. يسعى جيش الرب إلى هدف رئيسي وهو الإطاحة بنظام موسيفيني، فضلاً عن إقامة نظام حكم "ديني" يتأسس على الكتاب المقدس "العهد الجديد والوصايا العشر". فشل كوني في الإطاحة بموسيفيني. فشل جنوب السودان في طرد كوني ومقاتليه خارج حدوده. وفشلت أمريكا وحلف الناتو في إلقاء القبض عليه أو اغتياله رغم الأقمار الاصطناعية والمكافآت التي تسيل اللعاب. ربما الأخيرون لم يفشلوا ورأوا بإستمرار "خدعة" اختفاء المتمرد الوحشي جوزيف كوني، فلا تزال كذبة "أسلحة الدمار الشامل في العراق" تعلم على الخدود. ما يهم، قول وزير الدفاع، الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين، أن قوات "المرتزقة" التي هاجمت مدن في شمال كردفان مؤخراً تلقت الدعم من أوغندا ودول أخرى لم يسمها. الدعم الأوغندي، بحسب وزير الدفاع في تصريحاته لدى تفقده مواقع الهجمات، عينه الحرب بالوكالة. السودان اكتسب خبرة لا بأس بها عندما عرف تلك الحروب سلباً وإيجاباً منذ عقدين أو تزيد مع الجوار الشرقي والجوار الغربي معاً وكذلك في إتجاه الجنوب عند أوغندا تحديداً. الجانب الأوغندي، الذي تعامل بوقاحة مفرطة مع الخرطوم حينما استضاف في الأشهر الأخيرة تحالف المعارضة المسلحة الذي يهدف إلى تغيير السلطة وإسقاط النظام السوداني بالقوة الجبرية، لم يبدو مقتنعاً برفض الحرب بالوكالة. للأسف وحده، ُوضع السودان، في خانة الإتهام رغم الضجيج، كون استبقاء جوزيف كوني، بحفرة النحاس أو بغيرها، بقصد أو بدونه، يعني على أية حال، استمرار الحرب بالوكالة.