لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبيي .. الإختبار الأخير .. وإنفتاح كل الإحتمالات

فَشَلْ جانب المؤتمر الوطنى فى إجتماعات اللجنة السياسية برئاسة نائب رئيسه للشئون التنظيمية فى التلاحى حول القضايا الخلافية المطروحة٬ من بينها قضية أبيي٬ على طاولة التفاوض حملته إلى إسباغ صفة التنفيذية على طبيعة تلك القضايا والتى لا يملك تفويضاً بالتوصل فيها إلى إتفاقات وبالتالى كان ترفيع تمثيل وصلاحيات هذه اللجنة لتصير اللجنة السياسية التنفيذية العليا برئاسة الدكتور رياك مشار نائب رئيس الحركة الشعبية نائب رئيس حكومة جنوب السودان والأستاذ على عثمان نائب رئيس المؤتمر الوطنى نائب رئيس الجمهورية. ماهى العقبات والمطبات التى إعترضت تنفيذ الإتفاقية؟!
من العقبات ما يجد تفسيره فى تعاسر الإنتقال من حال الحرب إلى حالة السلم ودرجة العداء التى أستحكمت لدى الطرفين، ومنها ما هو إصطناعى أستجادت صنتعه دوائر مؤتمرفُتُّواتية صرفة. إبتداءاً برفضها تقرير الخبراء لمفوضية حدود أبيى Abyei Boundaries Commission ABCالمقدم فى 14 يوليو 2005 وإنتهاءاً، وللمفارقة، بإنكارها قرار محكمة التحكيم الدولية الدائمة بلاهاى Permanent Court of ArbitrationPCA حول أبيى ايضاً أخطر القضايا العالقة بين الطرفين بالإضافة إلى ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب والمشورة الشعبية فى المنطقتين من جانب وترتيبات ما بعد الإنفصال من الجانب الآخر. عليه كانت أبيى المعضلة والثيرومتر المَقِيس لعلاقة الشريكين لجهة عدم مبارحتها مضابط إجتماعاتهما مطلقاً مذاك التأريخ وحتى هذا الآن. فتقرير الخبراء الذى أغلظ المؤتمر الوطنى القسم بقبوله كنهائى وملزم كما تقول المادة (5) من الملحق المفسر لبروتوكول أبيى التى تؤكد تعهد الطرفين بقبول التقرير وإلتزامهما بنتائجه وتُقرأ: "ترفع (مفوضية حدود أبيى) تقريرها النهائى إلى الرئاسة قبل نهاية الفترة قبل الإنتقالية. ويصبح تقرير الخبراء الذى توصلوا إليه حسب المنصوص عليه فى قواعد الإجراءات بخصوص (مفوضية حدود أبيى) نهائياً وملزماً للطرفين"، يقف شاخصاً على صناعة "الخرخرة" لتعريف حدود مضارب بطون وأفخاذ نقوك الدينكاوية كما قالت المادة (1) من الملحق المفسر لبروتوكول أبيى نفسه والتى تُقرأ: "بعد التوقيع، وبالرغم مما تضمنته المادة (5-1) من برتوتوكول أبيى، يتعين على الطرفين تشكيل (مفوضية حدود أبيى) المكلفة بتحديد وترسيم حدود المشيخات القبلية التسع التابعة لدينكا نقوك الذين حُولوا إلى كردفان فى 1905، ويشار إليها فيما بعد بمنطقة أبيى". أنخرط الطرفان فى حوار سياسي دائرى حول "خرخرة" الوطنى إلى أن طار الملف إلى المحكمة الدولية. كما أن الحوار السياسي بين الطرفين حول العديد من بنود إتفاقية السلام الشامل لم يبارح لولبيته حتى تفجر الأمر بإنسحاب الحركة الشعبية لتحرير السودان من كل مؤسسات الشراكة وآلياتها بما فيها حكومة الوحدة الوطنية فى أكتوبر 2007 إحتجاجاً على تباطؤ الشريك فى، وعدم رغبته تنفيذ الإتفاقية.
علي الرُغم من فقدان الدينكا٬تاريخياً٬ وللأبد٬ الكثير من الأراضي التي هُجروا منها قسراً بسبب الهجمات المنظمة التي أعملتها الحكومات المركزية عن طريق المسيرية٬ أصبحت تلك المناطق٬ فقط٬ ذات قيمة تأريخية لهم.فقد مارسوا أقصي درجات ضبط النفس إلتزاماً بالمحاولات التي أعمتلها الحركة الشعبية لتحرير السودان في السابق٬ وتلك التي تعملها حكومة جنوب السودان وصولاً٬ كما تظنوا٬ إلي آخر محطات القضية لاهاي ونص قرار محكمتها الذي كانوا به أرضياء. في ذات تلك الأثناء "هلل" و"كبر" وكلاء المؤتمر الوطني بأيلولة بعض حقول النفط إلي شمال السودان بذات القرار وكانوا٬ أيضاً٬ به فرحين٬ ولم ينشغلوا كثيراً بمصالح مواطنيهم "المسيرية" المتعلقة بنمط حياتهم ونمط حياة ماشيتهم التي خلقهم الله عليها٬ ولكنها إرادة ذات الخالق التي جعلت بصيرة أولئك الوكلاء كأنعام المسيرية إن لم يكن أضل منها سبيلاً ولله٬ دوماً٬ في خلقه شئون.
عجبي من المسيرية الذين يؤثر العوراء علي العيناء!!
جمع الوسيط الطرفين للتفاوض بصورة تمكنه من التعمق في فهم تعقيدها ولكن تَعضَّلت٬ لمرة أخري٬ قضية أبيي بعد إنتقالها إلي المنبر الجديد إذ علقت الحركة الشعبية لتحرير السودان مفاوضات ترتيبات ما بعد الإستفتاء فى مارس 2011 إحتجاجاً على دعم، تسليح وتمويل المؤتمر الوطنى والقوات المسلحة للمليشيات الجنوبية. ودعمت موقفها ذاك بالعديد من الوثائق والمكاتبات الصادرة عن وزير الدفاع السوداني٬ زعيم الفُتُّوات٬ وإشترطت عودتها للتفاوض توقف الوطنى عن ممارسة٬ توجهاته العدائية ضد٬ وسياساته التوسعية في٬ جنوب السودان. إثر ذلك التطور٬ إنعقدت لأول مرة بإشراف لجنة الإتحاد الإفريقى قمة بين الرئيسين كير-والبشير لإتخاذ قرارات مصيرية وإستراتيجية فى إتجاهى إما السلام أو الحرب إن لم ينجحا فى لجم قياد المتفلتين ضمن حزبيهما. خرجت القمة بإتفاق الطرفين على تشكيل لجنة أمنية من الطرفين بمشاركة الإتحاد الإفريقى لإستقصاء الحقائق على الأرض حول الإتهامات التى وجهتها، والدلائل التى قدمتها الحركة الشعبية لتحرير السودان وحكومة الجنوب. لم تشكل اللجنة ولما تستقصى شيئاً إلى أن تفجرت الأوضاع فى أبيى٬مايو 2011 ٬ وفى جنوب كردفان٬ يونيو 2011 ٬ تاركة وميض نار تحت الرماد.
توصل الطرفان إلي إتفاق لتنفيذ الإتفاقيات التي توصلا إليها سابقاً لحل الوضع المعقد الذي وصلت إليه قضية المنطقة. في 20 يونيو 2011 مهرا الطرفان٬ باقان أموم عن الحركة الشعبية لتحرير السودان وأدريس عبد القادر عن حكومة السودان٬ إتفاقاً أسمياه "ترتيبات مؤقتة لإدارة وأمن منطقة أبيي" وشهد عليه الرئيس السابق تابو أمبيكي نيابة عن اللجنة الإفريقية حول السودان. إشتمل الإتفاق علي العديد من القضايا 1) الأمنية٬ تكوين القوات الأمنية الدولية وتلك المشتركة بينالبلدين٬ 2) الإدارية٬ تكوين الأجهزة الإدارية والتشريعية بالإضافة إلي اللجنة الإشرافية للمنطقة٬ 3) الإنسانية٬ حقوق النازحين ووصول المساعدات الإنسانية وعمليات إعادة تأهيل العائدين٬ 4) المالية وأخيراً 5) هجرة الرعاة وضمان حقوقهم في الوصول إلي الماء والكلأ. في ذلك الإتفاق تواضع الطرفان وبشهادة الرئيس أمبيكي علي ثلاثة أشياء محورية الأولي: طلب إنخراط المؤسسات الإقليمية والدولية: "The Parties request the African Union and the United Nations to support this agreement and its implemntations"٬ االفقرة الثالثة من ديباجة الإتفاق ويقابله في العربية: "يناشد الطرفان الإتحاد الإفريق والأمم المتحدة دعم الإتفاقية ودعم تنفيذها"٬ الثانية: تعلقت بتكوين الإدارة المشتركة للمنطقة وعدد مرشيحها من كل طرف المادة الخامسة من الفقرة الأولي:
"The Chief Administrator shall be a nominee of SPLM, agreed by GoS. The Deputy Chief Administrator shall be a nominee of GoS, agreed by SPLM. In each instance, the nominating Party shall make three nominations for each position, from which the other Party must agree one. Of the five heads of department, three shall be nominee of SPLM, and two shall be nominees of GoS”
"سيكون رئيس الإدارية مرشح الحركة الشعبية لتحرير السودان٬ توافق عليه حكومة السودان. نائب رئيس الإدارية سيكون مرشحاً من حكومة السودان توافق عليه الحركة الشعبية لتحرير السودان. لكل مقترح٬ سيطرح الطرف المُرشِّح ثلاثة مرشَّحين لكل منصب يوافق الطرف الآخر علي واحد منهم. علي أن ثلاثة من رؤساء الإدارات الخمس سيكونون من مرشحي الحركة الشعبية لتحرير السودان٬ وإثنين من مرشحي حكومة السودان". أما الثالثة والأخيرة: تكليف الوساطة الإفريقية إقتراح تصور حل للوضع النهائي للمنطقة٬ المادة الأربعون من الفقرة الثامنة:
“The parties reiterate their commitment to resolve peacefully the final status of Abyei, and shall therefore consider, in good face, proposals that the African Union High Level Implementation panel shall make to resolve this matter. The Panel shall be advised by the President of Sudan and the President of Government of South Sudan, on the timeframe within which to present its proposals”.
"يجدد الطرفان إلتزامهما بالتوصل إلي حل سلمي لتحديد الوضع النهائي لأبيي٬ وسيتعاملان بشفافية٬ مع إية مقترحات تتقدم بها لجنة الإتحاد الإفريقي رفيعة المستوي لبلوغ هذه الغاية. ستحدد اللجنة بالتشاور مع رئيس السودان ورئيس حكومة جنوب السودان الإطار الزمني الذي ستتقدم خلاله بمقترحاتها".
مضت الترتيبات وأعلن جنوب السودان عن قيام دولته المستقلة في يوليو 2011 وتَسعَّرت أنشطة الفُتُّوات وتَسرَّعت٬ لتفجر الإحتقان الحاصل بين الدولتين بإندلاع المواجهة المباشرة بينهما في فانطو/هجليج في 26 مارس 2012. إندلاع تلك المواجهة جاء في أعقاب زيارة تأريخية لوفد عال المستوي من جنوب السودان لا سيما وفدها المفاوض ترأسه كبير مفاوضيها باقان أموم. هدف الزيارة كان دعوة الرئيس البشير إلي قمة رئاسية تجمعه إلي الرئيس كير بمدينة جوبا في إبريل 2012 لدفع وتسريع التفاوض حول القضايا التي تعثرت اللجان الفنية والسياسية في معالجتها من ناحية٬ ولتأكيد التوجه الإستراتيجي الذي تبناه وفديهما التفاوضيان. بعد أن عقد وفد جنوب السودان إجتماعاته مع نظرائه من الوفد السوداني وأختتمت تلك الإجتماعات بلقاء رئيس الجمهورية نظم للوفد الجنوبي إجتماعاً أخيراً بوزير الدفاع السوداني٬ عبد الرحيم حسين٬ لهدف يتيم٬ هو إقناعه بالقبول بالتوجه الإستراتيجي الذي توصل له كبير مفاوضي جمهورية السودان٬ إدريس عبد القادر٬ الذي لم يقو علي حضور الإجتماع بوزير الدفاع وإن حرص علي قيامه!! وفي ذلك من الإشارات والدلالات الموحيَّة لكل فطن.
إلتأم إجتماع القمة الرئاسية في سبتمبر 2012 بأديس أبابا بدلاً عن جوبا بسبب توجهات الزعيم سالف الذكر الذي نجح في إنتزاع رئاسة وفد بلاده٬ بإنقلاب أبيض٬ من الوزير المغلوب علي أمره إدريس عبد القادر بعد أن أذاقه صنوفاً من الإذلال والمهانة.في 17سبتمبر٬ وفي ظل ذلك الجو المشحون بالتوتر والخلافات بينهما٬ بعث الرئيس أمبيكيبرسالة إلي رئيسي البلدين قبل حضورهما للقمة المزمعة بينهما. هدفت الرسالة إلي تهيئة الرئيسين قبل أن يحطا برحالهما في العاصمة الإثيوبية لكونها كانت تحليلاً للوضع المتفجر لمنطقة أبيي أكثر من كونها رسالة تهدف إلي إبلاغهما بأمر القمة. مُتن الرسالة نزع إلي تفسير وتحليل لبعض البنود الأساسية في بروتوكول إبيي الموقع في يناير 2005٬ وقرار محكمة التحكيم الدولية وتشاركها مع الرئيسين قبل أن يتسلما مقترح الحل النهائي الذي إتفق عليه الطرفان٬ وألزم به مجلس السلم والأمن الإفريقي. جاء في الرسالة: عند إعتبارنا لمقترح الحل النهائي لمنطقة أبيي توقفنا عند بعض الإعتبارات المهمة٬ واحدة من هذه الإعتبارات: "طموح الطرفين عند التفاوض والتوقيع علي برتوكول أبيي أن تكون المنطقة جسراً للتواصل بين الشمال والجنوب" وأن الطبيعة الخاصة لهذه المنطقة إقتضت أن تكون لها إدارة خاصة تختلف عما عداها من مناطق. وأنه قد تمت هزيمة هذه الروح بعد أن أصبحت أبيي عامل شقاق وخلاف بين الطرفين أثناء الفترة الإنتقالية وبعد قيام دولة جنوب السودان٬ وعليه ستعني نتيجة الإستفتاء حول منطقة أبيي "ربح" أو "خسارة" لأي من الدولتين مما سيترتب عليه أحد أمرين:
· هزيمة المصالحات بين دينكا نقوك والمسيرية وبالتالي تقويض قدرتهما علي تجسير التعاون المأمول بين الدولتين
· خلق مناخ سلبي بين البلدين فيما يتعلق بتحقيق الهدف الذي إلتزما به وهو تحقيق القابلية المتبادلية بينهما.
وبناء علي ذلك إقترح الرئيس مبيكي علي الرئيسين أن يتفاوضا بدلاً عن ذلك٬ حول حل يشكل فوزاً للطرفين معاً. إنتقل الرئيس مبيكي٬ في خطابه التحيليلي٬ إلي تشجيع السودان لإحترام القرار الداعي إلي٬ والسماح لدينكا نقوك والسودانيين الآخرين المقيمين في المنطقة بإجراء الإستفتاء كما تم النص عليه في بروتوكول أبيي قائلاً:
المدة التي إستغرقتها القوات الأممية في منطقة أبيي مكنتهم من دراسة وضعها المعقد من ناحية العلاقة بين مجتمعي الدينكا والمسيرية من ناحية٬ ونمط حياة المسيرية من الناحية الأخري. خلصت تلك الدراسة إلي أن طبيعة ونمط حياة المسيرية غير معني بالإستقرار في المنطقة٬ وإنما عبورها إلي ما بعدها حيث المرعي والمياه. كشفت الدراسة أن المسيرية يمضون ما لا يقل عن 45 يوماً في الترحال من مناطقهم في شمال أبيي إلي أعماق جنوب السودان في فصل الصيف٬ فيما لا تتجاوز رحلة العودة 1520 يوماً دون الإستقرار في المنطقة.
لهذا٬ فإن إستغباء المسيرية وإستغلالهم الذي تمارسه الخرطوم تترتب عليه الكثير من الإشكاليات التي ستؤثر علي مصيرهم وعلي مستقبل علاقتهم بجنوب السودان بعد إستعداء دينكا نقوك بإغتيال زعيمهم يمكن أن نجملها في عدة أمور:
أولاً:تعقد علاقات المسيرية بدينكا نقوك ودينكا بحر الغزال٬ حيث أن إغتيال السلطان كوال قد لا يمر دون أن ينتقم أبناء دينكا نقوك عموماً٬ وأسرة الراحل دينق مجوك علي وجه الدقة والخصوص الذين تقيحت جراحهم أكثر من غيرهم بالإغتيالات والمآسي التي تعرضوا لها علي أيدي مليشيات المسيرية٬ إن هم حاولوا العبور إلي المنطقة أو إلي ما ورائها قبل أن يتم التوصل إلي حل نهائي وجذري لمشكلة المنطقة. من الناحية الأخري٬ فإن ولايات شمال وغرب بحر الغزال وكذا الحال بالنسبة لولاية الوحدة٬ المسارات التي قد يلجأ إليها المسيرية بدلاً عن أبيي؛ لن يسمحوا بإستقبال رعاة المسيرية إن لم يَكُ تعاطفاً مع مواطنيهم من دينكا نقوك٬ فتخوفاً من السمعة "الإستيطانية" التي تسبقهم. عليه فإن العلاقة التي إغتالتها السلطة المركزية في الخرطوم من أعيان المسيرية "المُستَغلون"٬ وفُتُّوات المؤتمر الوطني ستكون عاملاً حاسماً في تَغيُّر نمط حياتهم لا سيما هذا العام.
ثانياً: فشل قائد القوات في تقدير حجم الخطر المحدق٬ والعواقب التي قد تنجم عن إغتيال السلطان كوال ومرافقيه٬ وقد فعلوا تحت بصر ونظر القوات الإثيوبية٬ إستغله المؤتمر الوطني لخدمة عدة أغراض: 1) إرسال رسالة بعدم قدرة تلك القوات علي توفير الأمن٬ وحفظه في المنطقة بحسب التفويض الممنوح لهم بموجب إتفاقية 20 يونيو ٬2011 2) إصرار الحكومة السودانية ومن خلفهم المسيرية علي رفض أية حلول لا تعتبر المسيرية مواطنون يتساوون مع دينكا نقوك ٬ 3) عرقلة عمليات عودة دينكا نقوك الطوعية للإستقرار والمشاركة في الإستفتاء المزمع وبالتالي تسهيل وتسريع محاولات إحتلال المنطقة بكاملها.
عليه يستوجب الأمر ويستأهل ترقية قواعد الإشتباك تحت البند السابع لمواجهة التوترات التي ستنشأ بين الدينكا والمسيرية من جهة وبين المسيرية والحكومة السودانية من الجهة الأخري٬ لجهة كون الأخيرة عضواً في مؤسسات إقليمية ودولية وتترتب عليها بموجب تلك العضوية إلتزامات لا يمكن التنصل منها.
ثالثاً: إستعصاء تشكيل المؤسسات المدنية٬ الإدارية والمجلس التشريعي٬ والأمنية٬ الشرطة٬ المشتركة للمنطقة. فالشروط التي ظل يضعها المؤتمر الوطني بتشكيل تلك المؤسسات بالتناصف أُعطبت بإغتيال السلطان كوال بالإضافة إلي خلو المنطقة من المسيرية عقب ذلك الإغتيال تخوفاً من عواقبه. أما فيما يتعلق بالشرطة المشتركة فقد كشفت حادثة إغتيال السلطان كوال إستمرار وجود القوات المسلحة في المنطقة بدليل إرسال القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية ضابطاً برتبة رفيعة لمكان الحادث رداً علي إتصال قائد القوات الإثيوبية الذي أشرنا إليه سابقاً مما يشي بعواقب وخيمة حال إستمرار الحكومة السودان في نشر وإستبقاء قواتها الأمنية٬ المليشيات٬ شرطة البترول وغيرها من المسمسات٬ رغماً عن قرارات مجلس الأمن الدولي ومناشداته لسحب تلك القوات.
رابعاً: التوتر٬المكتوم٬ الحادث بين السودان وإثيوبيا بعد مقتل الجنود الإثيوبيين العاملين ضمن قوات الأمم المتحدة والتحقير Humiliationالذي لاقته تلك القوات منذ دخولها إلي أبيي من ناحية٬ والتوتر الذي قد ينشأ بين إثيوبيا وجنوب السودان من الناحية الأخري إن أقدم دينكا نقوك علي إجتراح أفعال إنتقامية من شأنها أن تحرج حكومة جنوب السودان والقوات الإثيوبية علي حد سواء٬ بعد أن تم عجزت تلك القوات في حماتيهم وفي حماية زعيمهم الذي أغتيل تحت نظر ذات القوات.
أن "عملية" إغتيال السلطان كوال تتحمل مسئوليتها بالكامل حكومة المؤتمر الوطني وعلي رأسها الرئيس البشير. فالعميد طارق عبد الكريم كارم عضو اللجنة الإشرافية عن جانب السودان إلي جانب رئيسها المشترك٬ مساءلون فقط أمام رئيس الجمهورية كما تم النص عليه في إتفاقية الترتيبات الإدارية والأمنية الموقعة في 20 يوينو 2011. كما أنه كان النقطة المحورية focal Point في الإشراف علي تنفيذ الخطة التي أُسلفت الإشارة إليها. وهو من قام بتثريب حركة السلطان و خط سير موكب القوات والذي تم إعتراضه بعد مسافة مقدرة من معسكر القوات الذي إنعقد فيه الإجتماع الطارئ. عليه فإن ضلوع عضوي اللجنة الإشرافية لمنطقة أبيي٬ الخير الفيهم والعقيد طارق عبد الكريم يلقي بمسئولية قانونية٬ إغتيال السلطان كوال٬ وأخلاقية٬ إستغباء المسيرية وإستغلالهم وبالتالي الإضرار بمصالحهمعلي الحكومة السودانية.
خلاصة
بعد إندلاع المواجهة العسكرية المباشرة بين جنوب السودان والسودان في منطقة فانطو/هجليج في مارس 2012؛ إستصدر مجلسا السلم والأمن الإفريقي والدولي في إبريل٬ مايو من ذات العام خارطة طريق قارية/كونية ألزمت فيه البلدين٬ وفي إطار زمني محدد التوصل إلي حلول نهائية في أربعة قضايا إساسية من بينها قضية أبيي٬ المواد(13) و(2) علي التوالي. وفي مادتين تاليتين٬ (14) و(5)٬ كُلف الرئيس أمبيكي بتقديم مقترحات حلول تفصيلية حول القضايا الخلافية التي لم يتوصل الطرفان إلي نتيجة بشأنها لإجازتها كحلول "نهائية وملزمة". وكذا الأمين العام للأمم المتحدة بعد التشاور مع رئيسي الإيقاد والإتحاد الإفريقي.
فيما تواصلت الإجتماعات بين الطرفين دونما حلول تذكر؛ إستمرأ المؤتمر الوطني تحدي الإرادة الإقليمية والدولية وتفنن في إيذاء مواطني جنوب السودان في ولاياته الشمالية التي تحادد السودان جنوبا بالقصف الجوي والهجوم البري٬ بدعاوي ومبررات مكرورة٬وعلي رأسهم مواطنوا أبيي. والمجتمعان الدولي والإقليمي الذين أحالا ملف قضية المنطقةإلي مؤسساتهما٬ لا سيما العدلية منها والتي إتخذت قرارتها٬مطالبين بحمل السودان علي الإنصياع إلي٬ وتنفيذ تلك القررارت وبالتاليحماية دينكا نقوك من الإبادة التي يتعرضون لها. أو٬ والحالة هذي٬عليدينكا نقوك الإلتجاء إلي التمرد علي "الشرعية" الدولية والإقليمية والإنضمام إلي تمرد المجموعات المسلحة في منطقتي جبال النوبة والنيل الأرزق لتحقيق مطالبهم المشروعة٬ وإنشاء تحالف يجمعهم علي إعتبار أنه لم يتم تنفيذ أي من بروتوكولات المناطق الثلاث المضمنة في إتفاقية السلام الشامل يناير ٬2005 أو الإعتماد علي أنفسهم في إبتداع وسائل لتحقيق تلك المطالب٬ أدناها الأمن وأعلاها قيام الإستفتاء٬ وتجنب حالة المنطقة الحالية وفق السيادة المشتركة shared sovernigty التي لا تُقعد حكومة جنوب السودانعن تحمل مسئولياتها نحو مواطنيها٬ وتستغلها حكومة المؤتمر الوطني وفُتُّواته٬ في تسليح وتحريض مليشياتها من أبناء المسيرية علي إحتلال المنطقة علي حساب سكانها الفعليين.
نخلص أخيراً إلي أن الحل النهائي لذلك الوضع الملتهب يرقد في قبول المسيرية والحكومة السودانية "لعودة" منطقة أبيي إلي جنوب السودان وضمان حقوق المسيرية في المراعي والمياه كما جاء في مقترح الرئيس أمبيكي وخلق حالة فوز للطرفان معاً. وأن كانت تجربة إستفتاء جنوب السودان قد مرت بطريقة شبة سلمية٬ فإن إستفتاء منطقة أبيي قد لا يكون٬ لإن أبناء دينكا نقوك سيصوتون بالضرورة لعودة المنطقة وسيكون دافعهم في ذلك تأريخ ممارسات المسيرية والحكومة السودانية السيئة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.