إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    أيهما تُفَضَّل، الأمن أم الحرية؟؟    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة الإمام الصادق المهدي في الاحتفال المقام بذكرى الرجبية


بسم الله الرحمن الرحيم
هيئة شئون الأنصار للدعوة والإرشاد
أم درمان – كرري- الإسكانات
كلمة الإمام الصادق المهدي
في الاحتفال المقام بذكرى الرجبية
1 يونيو 2013م
نشكر لمحلية كرري المخضبة بدماء الشهداء الذين أثبتوا للعالم كله أن القوة المادية يمكن أن تهزم، ولكن القوة المعنوية يمكن أن تصمد لتصير بذرة لانبعاث جديد على نحو ما قال الحكيم:
كَم قَد قُتِلتُ وَكَم قَد مُتُّ عِندَكُمُ ثُمَّ اِنتَفَضتُ فَزالَ القَبرُ وَالكَفَنُ
نشكر لها الإقدام على تنظيم هذا الاحتفال بثلاث مناسبات هي: إسراء ومعراج إمام الانبياء، ومولد الإمام المهدي، وعيد توالد ذرية آدم عليه السلام.
أحبابي وأخواني وأخواتي، وأبنائي وبناتي،
سوف أتجاوز عن الحديث عن حيثيات المناسبات وأركز على معانيها.
المناسبة الأولى: سوف أتحدث فيها عن النبوة، النبوة وظيفة البلاغ. النبوة هي إنفاذٌ لوعد إلهي إذ قال تعالى: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى)[1].
الوصال الروحي بدرجة أقل متاح لكل بني آدم، قَالَ النَّبِيّ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ قَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ قَالَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ"[2].
وللوصال الروحي ثمار قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ)[3]. وفي دراسات علم النفس الإنسانية هنالك ملكة في الإنسان تجعله قادراً على استشعار عن غير طريق الحواس كما قال الحكيم:
ذَكِيٌّ، تَظَنّيهِ طَليعَةُ عَيْنِهِ يريكُ في يَوْمِهِ ما ترَى غَدَا
النبوة درجة عليا من الشفافية الروحية، ولذلك يصعب لمن كان أعمى البصيرة أن يدرك حقيقتها على نحو ما قال تعالى: (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ)[4] وهو المعنى الذي صاغة الحكيم:
لا يعرفُ الشوقَ إلا مَنْ يكابدُهُ ولا الصبابةَ إلا مَنْ يعانيها
النبوة مركبة في قدر الإنسانية، ووسيلتها مضبوطة بقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)[5].
أقول: كتاب السيرة النبوية الأقدمين حفظوا شيئاً وغابت عنهم أشياء. سأذكر هنا ثلاثة أشياء غابت عن أكثرهم هي:
أولاً: ركزوا على معجزات يصعب تصديقها مع أن مفردات السيرة النبوية حافلة بمعجزات لا يمكن إنكارها، أهمها: "أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أمي ومعروف بين الناس كشخص عادي: (قُل لَّوْ شَاء اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)[6]، وبعد الوحي جاءت على لسانه معجزة القرآن، بعض كتابات السيرة تصف النبي كأنه ليس ابن آدم، هذا يطعن في ألوهية الرسالة وفي الحجة القرآنية: (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ)[7].
ثانياً: صورت كتابات كثيرة السيرة كأنها غزو مستمر حتى سميت المغازي، والحقيقة هي أن القتال في الإسلام دفاعي، قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)[8]، والحقيقة هي أن أهم منجزات السيرة النبوية كانت بالقوة الناعمة: هكذا فتحت المدينة بالقرآن، واستميلت قبائل الجزيرة العربية للإسلام في عامي صلح الحديبية، وفتحت مكة بالموكب المنصور.
الدعوة للإسلام تؤسس على (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)[9]، وعلى قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[10]، وتؤسس مشروعية العلاقات مع الآخرين على قوله: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[11]. المعاملة بالبر درجة فوق المعاملة بالعدل.
ثالثاً: صورت كثير من كتابات السيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم شهوانياً يغشى نساءه التسع في ليلة، ويتزوج طفلة مرفوع عنها القلم؛ هذا يناقض وصف الباري لحياته: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا* نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا)[12]، ووصفهم يتناقض مع مفردات حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد أمضى شبابه مع زوجة واحدة السيدة خديجة (رض) سيدة تكبره سنا فأين الشهوانية؟
نعم تزوج السيدة عائشة (رض) وتحقيقي بيّن أن سنها كان على الأقل 17 سنة، كما تزوج عدداً من الأرامل والثيبات لأسباب عامة.
نحن اليوم بحاجة لسيرة نبوية تصحح تلك المفاهيم ومن حيثياتها تخاطب عصرنا على نحو ما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ أُمِرْنَا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ"[13] وكما روى البخاري عن الإمام علي عليه السلام: " حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ".
الأمة الإسلامية اليوم في حاجة ماسة لإنقاذها من أزمة مركبة بحيث يبدو كأنها تحقق أغلى أماني إعدائها. النظرة الموضوعية لأمتنا الآن تجد أقطارها مشتبكة في اقتتال كأنها تنتحر، وحركات تهجم على الآخرين فتوجه بأسهم على الأمة، وفتاوى تكفيرية تربط التكفير باستباحة الدماء والأعراض والأموال، هذا التكفير الذي يصدره الأفراد ضد غيرهم جريمة أكثر خطراً على السلام الاجتماعي من جرائم السرقة والمخدرات لأنه يبيد البشرية، و(مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)[14].
علينا بأقوى ما يمكن أن نقول:
أولاً: كل موحد مؤمن بالنبوة وأركان الإسلام الخمسة مؤمن لا يجوز لأحد تكفيره، والتكفير نفسه إجراء قضائي، وقد أوضحت في كتابي "العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الإسلامي" أنه لا يترتب عليه حد.
ثانياً: المعرفة في الإسلام ليست نقلية وحسب، بل تعتمد أربعة مصادر: الوحي، الإلهام، العقل، والتجربة؛ وهي مصادر تتكامل ولا تتناقض.
ثالثاً: إن للأخلاق في الإسلام أسساً موضوعية هي: المعاملة بالمثل، والكلية التي يجسدها المعروف والمنكر، والإيثار.
رابعاً: الولاية في الإسلام تقوم على أسس أربعة هي: المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون: كما أوضحت في كتابي "نحو مرجعية إسلامية متجددة متحررة من التعامل الانكفائي مع الماضي والتعامل الاستلابي مع الوافد" بالبراهين الإسلامية.
خامساً: مقاصد الإسلام في نظام المعايش هي الكفاية والعدل.
سادساً: وكما أوضحت في كتاب "الإنسان بنيان الله" فإن الإسلام يكفل حقوق الإنسان من أصول خمسة: الكرامة، العدل، الحرية، المساواة، والسلام.
سابعاً: ويكفل الإسلام حرية البحث العلمي في كل ما يتعلق بعالم الشهادة.
ثامناً: ويتطلب الإسلام سلامة البيئة الطبيعية.
تاسعاً: ويؤكد الإسلام تنوع البشرية (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ)[15]، كما يحرص على العالمية الحاضنة للتنوع.
إن دفاتر الإسلام تؤكد هذه المعاني، ولكن الحاجة الآن لاستنباطها كما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِين"[16].
في الستينيات من القرن الماضي زار أحد المستشرقين الواعين بقيمة رسالة الإسلام السودان، وكان من تقديراته أن السودان مرشح لبعث إسلامي حديث يستصحب حقوق الإنسان، ويمثل توجهاً إسلامياً ديمقراطياً، وهي معانٍ صاغتها عدد من التيارات الإٍسلامية معنا في جماعة الفكر والثقافة الإسلامية الواعدة.
هذا الوعد الحق أجهضته تجربتان: تجربة مايو بوعدها الإسلاموي الكاذب، ثم تجربة الإنقاذ التي ربطت الإٍسلام بالاستبداد والتمكين وأساليب القهر فكانت إجهاضاً ثانياً، والله المستعان.
الدعوة المهدية
المهدية هي وظيفة إحياء الدين. كل تراث الإنسانية فيه تطلع لمخلص، وفي تراث الإسلام كل فرق المسلمين قالت بالمهدي المخلص، ورويت في ذلك أحاديث نبوية فسرتها مدارس المهدية في الإسلام العشر بطرق مختلفة. أهم مدرستين في شأن المهدية المدرسة الشيعية الاثني عشرية التي تبشر بعودة الإمام محمد الحسن العسكري الذي اختفى في سرداب في (سر من رأى) قبل 14 قرناً من الزمان مهدياً، والمدرسة السنية التي تبشر بالمهدي قادماً في آخر الزمان.
لكل أن يعتقد في هذه الأمور ما يشاء ومردها لرب العالمين (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)[17].
ولكن نقول إن عودة شخص بذاته بعد 14 قرناً ضد طبيعة البشرية لأنه تعالى قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ)[18].
وقدوم شخص لهداية البشرية آخر الزمان ضد منهج الإسلام لأنه تعالى يقول: (فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ)[19].
أما مدرسة المهدية لدى الإمام محمد أحمد المهدي فهي تقول: إن المهدية هي وظيفة إحياء الدين، وظيفة واحدة ولكن أطوارها تتجدد، وباعثها خطاب إلهامي، وما حققته للأمة إنجاز عظيم خلاصته:
· المرجعية الملزمة هي لقطعيات الكتاب والسنة أما اجتهادات الرجال جميعاً فليست ملزمة وعلى الخلف أن يجتهدوا كما اجتهد السلف.
· استصحبت ما تفرق من حقائق بين الفرق: اعتماد مرجعية السنة كما يقول أهل السنة، واعتبار أن للقيادة في الدين دوراً مهماً، ولآل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذين يصلي عليهم المسلمون في تحيات الصلاة مكانة كما يقول الشيعة، وأن لمبادئ وأحكام الإٍسلام أغوار روحية كما تقول الصوفية:
· أوجبت الحركة المستمرة في أحكام العادات والمسائل الاجتماعية على أساس "لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال" ما يلزم الناس بمهمة إحياء الدين بلا انقطاع.
· وجوب التحرر من الاحتلال الأجنبي (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[20].
هي هي المهام التي تقلدها الإمام المهدي، وهي مهما اختلف الناس حول مضمون الأحاديث استجابة لتوجيه رباني، قال تعالى (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ)[21] وقال: (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ)[22].
وعلى نفس هذا الدرب أحيا الإمام عبد الرحمن الدعوة.
واليوم نقول: إن واجب دعوتنا العمل على الاستجابة لنداء التأصيل والتحديث كما أوضحنا في أدبياتنا، والعمل على توحيد أهل القبلة، وفيما يتعلق بالسودان العمل على إقامة نظام جديد بوسائل خالية من العنف، وفيما يتعلق بهذه الحروب كوسيلة لإقامة نظام جديد نحن نرفضها ونرى أن أية جهة أطاحت بنظام بالقوة سوف تفرض إرادتها الأحادية على الكافة. إن الجبهة الثورية تنطلق من حقوق مشروعة للعدالة والمساواة، ونحن نتبنى إقامة نظام جديد يعطي كل ذي حق حقه، وما دامت هذه المطالب تجد تأييداً قومياً ودولياً فلا معنى لإحتراب يزيد من سفك الدماء وإتلاف الأموال، وقد قدمنا مشروعاً كاملاً وخريطة طريق للنظام الجديد ووسائل تحقيقه بلا عنف.
أما دور القوات المسلحة السودانية فنحن مع دعمها باعتبارها مؤسسة قومية للدفاع عن الوطن، وسيراً في طريق القومية ننادي برد اعتبار منسوبيها الذين أبعدتهم سياسة التمكين الخاطئة، كما نرجو أن تفتح أبوابها للتجنيد من كافة عناصر الوطن، ونحن أنصار الله نوجه نداء لكل أنصار الله أن ينخرطوا في القوات المسلحة، راجين أن يجد ذلك تجاوباً من كافة مواطني السودان.
هذه هي المعاني الإحيائية التي نستلهمها في يوم ميلاد الإمام المهدي. ونقول للمسئولين لا تدخلوا البترول في مساجلات السياسة ليستمر انتاجه وترحيله بلا عائق لأن ذلك في مصلحة الشعبين ونقول ينبغي الدخول في حوار السلام عبر مجلس قومي فالاقتتال مهما كان لن ينتهي إلى حسم نهائي، نحن ندعو لحزب السلام ويسقط حزب الحرب.
عيد الأسرة
نحن البشر والحيوانات وصف حالنا القرآن بأنهم (أُمَمٌ أَمْثَالُكُم)[23]، وهي حقيقة ففي أمور كثيرة توجهنا غرائز الجوع والعطش والتوالد، لكن التوالد الإنساني مؤنسن يحفه التكريم الذي يليق بابن آدم الذي قال عنه تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)[24].
علاقة الزواج قال عنها النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "لَمْ يُرَ لِلْمُتَحَابَيْنِ مِثْلُ النِّكَاحِ"[25].
وقد كتب بعض أئمة المسلمين في هذا الموضوع. قال ابن حزم في كتابه "طوق الحمامة": إن للحب علامات فالنفس الإنسانية حسنة وتولع بالحسن، وقال ابن القيم في كتابه "روضة المحبين": إن قلب المحب يملؤه المحبوب فيؤثر من يحب على جميع المصحوب. وقال جلال الدين السيوطي في كتابه "شقائق الأترنج في رقائق الغنج": المحبة حلالها حلال وحرامها حرام.
والقرآن وصف هذه العلاقة الخاصة بين شخصين صفة هي جوهر المحبة إذ قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)[26].
مقاصد الشريعة أن يكون الزواج مؤسساً على تعارف، وأن يكون سهلاً في غاية السهولة، بسيطاً في غاية البساطة، ولكن مجتمعاتنا التي خربتها عادات الطبقية خربت الزواج وجعلته أعقد ما يكون.
المفاخرة والمباهاة عطلتا الزواج وبالتالي فتحت الباب واسعاً لانحرافات: المخادنة، والعلاقات المثلية، الذرية مجهولة الآباء، هذه كلها مضار وهي نتيجة مباشرة لصعوبات الزواج ولثقافة المباهاة التي فرضت:
- كرت الدعوة الاستعراضي.
- فستان الزفاف الاستلابي.
- الشيلة التفاخرية.
- الحفلة المكلفة.
- إيجار الصالة المخملية.
وحتى من لا يدخل في هذا الإسراف يجد نفسه مهما كان دخله مرهقاً بالملايين، لذلك تدنت نسبة الزواج إلى 25% من الشباب وزادت نسبة الطلاق للإعسار.
الإمام المهدي أوقف هذا الإسراف بالأحكام، وجعل للزواج حداً لا يتعداه، والإمام عبد الرحمن حد من هذا الإسراف بالتزام مجتمعي، ولكن الحالة الآن صارت حالة إسراف لا يطاق ما جعل الأشعار الفولكلورية تردد الحسرات؛ بنات قلن:
نحن البايرات يا جماعة
ولي الله ايدينا بنرفع
شعارنا عريس متواضع
يا حي يا واهب اسمع
ما همنا حفلة وشيلة
بحاجة قليلة بنقنع
ما همنا كبدة وشية
بي ويكة وكسرة بنشبع
ما شرط نجيب ثلاجة
يكفينا الزير البنقع
مع هذه المرافعة المؤثرة رد لسان حال الشباب الذين استمرؤوا العزوبة:
شعارنا العالي بنرفع
يا جكس العالم اسمع
حنقعد لما نعجز
لما الرسين تتصلع
أماتنا بيغسلوا لينا
وننوم نرقد نتجدع
بس مالنا ومال الشبكة
والضغط بالنزل ويطلع؟
هذه مأساة كبيرة، وقد تحدثنا عنها كثيراً، ولكن لم نفعل شيئاً يذكر وإن كانت بعض العشائر فعلت خيراً.
وأنا أعدكم بمناسبة عيد الأسرة هذا أن ندعو لمؤتمر لدراسة هذه المشكلة وإقرار صيغة عملية للزواج الميسر، وبعد ذلك نجعل الالتزام به جزءاً من عهد الأنصارية، ونوجه الدعوة للآخرين ليجعلوه التزاماً مجتمعياً ليصير يوماً ما أساساً لتشريع يضع حداً لهذا الإسراف المدمر باسم الزواج.
فالذي يحدث الآن هو انتحار مجتمعي لا بد من وضع حد له.
وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر)[27]
والسلام عليكم ورحمة الله،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.