سمعنا وقرأنا كثيرا عن مدن سادت ثم بادت رأينا ذلك في الصور والآثار وسمعناه في القصص ولكن ما نشاهده اليوم في ثغرنا الحبيب ... يختلف عن ما سمعناه وقراناه وما روي لنا ... فنحن نشاهد ونرى ( ونشوف ذلك شوف العين ) مدينة تنهار بكل ما يعني الانهيار من معنى ... الكل فيها لايهمه ولا يعنيه شيء آخر ... غير انه يحمل ماعونا في يده يبحث به عن شربه ماء تقيه من الموت الزؤام وتبقيه ولو لبعض الوقت على قيد الحياة حتى يجد لنفسه مخرجا . سرف اربعات نضب نهائيا واضحى اطلالا من طين متراكم تحفره بارجلها اطياف من الحيوانات الاليفة والضالة علها تروي ظمأها منه ... فتلحس اكوام هذا الطين لتملأ بطونها الخاوية منه وبعد ان يمتلأ جوفها بترابه تجدها صرعى وجثثا هامدة بأطراف هذا الخور ... مياه آسنه ذات رائحة نتنة ومذاق غريب لا يعلم أحد مصدرها تحوم بها تانكرات في منتصف الليل حيث يسهر الجميع بجركاناتهم في الشوارع ليتم شرائها منهم وفق السعر الذي يحدده صاحبها . وفي خضم هذا الوضع المأساوي وبعد اغلاق الجامعة والمدارس بكل مستوياتها ضاق الموظفون والعاملون بكل المؤسسات والمصالح بالكلفة العالية للمياه والتي فاقت مرتبات كل الأفراد ولم يعد العائد الشهري يغطي حتى قيمة مياه الشرب فاكتظت المناضد بكل المكاتب بالطلبات العاجلة للجميع في وقت واحد ولمنحهم الاجازات الشيء الذي يعني توقف دولاب العمل بميناء بورتسودان واسواقها تدريجيا . اما العاملون بالشركات والقطاع الخاص اكتظ بهم السوق الشعبي للحجز بالبصات التي صار من المستحيل لها استيعاب هذه الاعداد الغفيرة باسرهم . وبما انه لم تعد هنالك حلول سريعة في متناول اليد ذهبنا لاستطلاع نواب المجلس التشريعي والرقابي كمرفق معني بوضع واقتراح الحلول لمشاكل كل الشعب والولاية . وكان اول من التقينا به النائب المثير للجدل علي بالعيد والذي سألناه عن الامكانات التي وفرتها السلطة التشريعية والتنفيذية بالولاية لانقاذ الموقف ؟ جاءت اجابته : ان الولاية ومنذ التطور الخطير في نقص المياه او نضوبها بنبع اربعات كثفت جهودها باستجلاب طلمبات غاطسة لرفع ما يمكن من المياه الجوفية ولم تتلقى الولاية أي عون اتحادي يذكر حتى الان وبما ان لحكومة المركز مؤسسات تابعة لها تستنزف كميات هائلة من المياه كالاسواق الحرة والجمارك والموانئ والمواصفات والتي تدر دخلا ماديا عاليا لحكومة الخرطوم كنا نتوقع منها على أسوء الفروض ان تتكفل بتوفير الماء لمؤسساتها المذكورة وهذا واجبها واقل ما يمكن ان تقدمه وان تسارع في سبل ومقترحات انقاذ الموقف حتى لا تتعرض الميناء للاغلاق وهي كارثة تهدد الامن الاقتصادي للسودان باكمله وليس للشرق . واضاف اننا لا نريد من قاطني البحر الاحمر من أبناء السودان الاخرين ابناء الولاية الشمالية ونهر النيل على وجه الخصوص والالاف منهم ببورتسودان من مواليدها ومواليد الشرق ان لا يركنوا لمسألة قرب مناطقهم ليلجأوا للسفر اليها اذا اضطرهم الامر . فنرجو من هؤلاء ان يخرجوا عن صمتهم وان لا يعتمدوا على سهولة الهروب إلى مناطق النيل القريبة فاعمالهم وحياتهم مرتبطة باستمرار الحياة بالبحر الاحمر . وعلى هؤلاء وعلي بقية المواطنين استنفار منظماتهم الاهلية بالمدينة وروابطهم وايصال صوت الولاية للمنظمات الاقليمية والدولية فالمسألة لم تعد مجرد كلام وانما هي مسألة حياة او موت . السيد بالعيد رأينا ان تصريحاتكم كانت من الوزن الثقيل مما يدل على سابق عتاب لكم مع حكومة الخرطوم فهل كان ذلك عفويا ام ... ؟؟ وهل بوسع الولاية تفادي هذه الازمة حتى لا تستفحل اكثر بامكانياتكم المتاحة لكم ؟؟ فاجاب : كما رأيتم ورأينا استهوان وزير الكهرباء والمياه والسدود بمسألة ذات أهمية قصوى كالمياه ... فان ذلك حز في انفسنا كما علمتنا التجارب ان التفاؤل وحده وفق الاحاديث المنمقة لمن لا يحسون بواقعنا لم يعد أمرا مجديا ... اما عن الامكانات المتوفرة للولاية فحدث ولا عجب فكل الموارد من ذهب وجمارك وغيرها تتلقفها الخرطوم فور تحصيلها ولو توفر ولو اليسير من النسبة للولاية لامكن تفادينا للكثير من الازمات . واخيرا افادنا السيد بالعيد بان السيد الوالي قد تم استدعائه للخرطوم ونحن نتوقع الخير من ذلك ولعله دليل تجاوب مع ازمات مواطنينا . كما ان اللجنة المكونة من المجلس التشريعي لدراسة الامر ستقدم تقريرها غدا الثلاثاء ... ونعرب عن امانينا باجتياز هذه الازمة الطاحنة . ونشير إلى اننا تمكنا من اللقاء مع السيد بالعيد بمكتبه الانيق بالمدينة ولم تتح لنا فرصة اللقاء بالمهندس محمد طاهر محمد الامين رئيس لجنة تقصي الحقائق وبقية النواب الذين كانوا في جولات لتفقد الموقف باحياء المدينة