تقرير ... حسن بركية مع أتفاقية نيفاشا عاد الحديث عن ملكية الأرض إلي واجهة الأحداث في كثير من مناطق السودان وتصاعد الجدل حول ملكية الأرض وتشعبت الصراعات بين الأهالي والحكومة حول الأرض ، في المديرية الشمالية أو الولاية الشمالية بسمي اليوم ظلت قضية الأرض من ثوابث المعادلة الاقتصادية والاجتماعية القائمة هناك ، وعبر القرون كانت هناك أعراف تنظم ملكية الأرض والإنتفاع منها ، ومن قديم الزمان استقر أهل المديرية الشمالية علي شريط ضيق على ضفتي النيل وكانت للأرض قدر كبير من القداسة والاحترام ، وذكر الدكتور أبومدين الطيب البشير في كتابه – العرف والأرض في السودان / الولاية الشمالية - في المديرية الشمالية الأرض محددة الرقعة وبالتالي فهي محددة الريع والفائدة وبالعكس ذلك فإن ملاكها يزدادون جيلاً بعد جيل حتى أصبحت ملكية الفدان الواحد تؤول لأكثر من اثنتي عشرة أسرة ، فقننت الملكية ونشأت عن ذلك قواعد عرفية استدعتها تلك الحاجة وأصبحت القاعدة " أن تملك خير من أن تكسب " وبمقتضى هذه القاعدة أصبح من الواجب مستلزمات وجود الإنسان الشمالي وكينونته الاجتماعية أن يكون صاحب ملك حتى ولو لم ينتج شيئاً من هذه الأرض. وظلت قضية ملكية الأرض من القضايا الشائكة رغم أن هذه المسألة ظلت منظمة عبر مئات السنين ولكن الواقع يقول أن المحاكم تنفق جل وقتها وجهدها في النزاعات حول ملكية الأرض ، وشهد العام 1903م صدور قانون لتقنين الحيازات على الاراضى وتبعه قانون 1905 لتسجل الاراضى ثم صدر قانون 1925م لتسوية وتسجيل الاراضى ثم قانون 1970 الذي اعتبر كل الارضى غير المسجلة لإفراد أو شخصيات اعتبارية أراضى حكومية ولكن لم تتخذ اجراءت لتسجيل الاراضى غير المسجلة بل اعتبرتها كما لو أنها سجلت باسم الحكومة أخيرا جاء قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م و تطورت حيازة الأراضي وشملت "3" أنواع من حيث الملكية والمنفعة ، الأولي : الاراضى المملوكة عينأ للإفراد ، حيث توطدت الملكية الفردية للحيازات الزراعية في الولاية منذ عهد بعيد بحكم الأعراف التي ظل الناس يتوارثونها ومن بينها أن الأصل في الملكية يمتد لأرض الساقية. والثانية أراضي غير خاضعة لحقوق الآخرين ،قامت الإدارة البريطانية بأجراء التسوية في بعض المناطق وسجلت الأراضي باسم الحكومة وأقامت عليها مشاريع اعاشية ( البرقيق ، الغابة،الكلد،نورى والقرير)وأجرت للمواطنين بعقودات لتسعة وتسعين عاماً. والثالثة : أراضى حكومية خاضعة لحقوق الآخرين ،تضم كل الاراضى غير المسجلة بأسماء أفراد أو شخصيات اعتبارية وهي أراضي خالية من الموانع ومنحها يتم بموجب قانون التخطيط العمراني والتصرف في الاراضى لسنة 1994م وهي تشمل أراضى الوديان والسهول والأراضي القفار وبصفة عامة درجت السلطات على السماح للمواطنين بالانتفاع من هذه الاراضى للزراعة والرعي والاحتطاب وأصبحت هذة الحقوق حقاً مكتسباً وفق قانون المعاملات لعام 1984م. وظلت مناطق كثيرة في الشمالية تعاني من النزاعات حول ملكية الأرض خاصة في أقصي الشمال النوبي حيث توطنت الكثيرمن العديد من المشاكل المصيرية التى تتعلق بالانسان النوبى ومستقبله ومن اهم هذه المشاكل والقضايا تلك التي تتعلق بوجود الارض النوبية نفسها وضمان حق الانسان النوبي في العيش عليها، وخاصة أن تلك المناطق تعرضت الى نكبة كبيرة جداً تمثلت في تهجير النوبيين في ستينات القرن الماضي نتيجة لبناء السد العالي وكانت النتيجة أن فقد الانسان النوبي أرضه وهجر قسرياً إلي أرض غير أرضه. ولاتزال الذاكرة هناك منتعشة بتداعيات القرار الجمهوري رقم 206 لسنة 2005بنزع أراضي الولاية الشمالية لصالح وحدة تنفيذ السدود وقوبل القرار برفض قاطع من كيانات وروابط ومنظمات الولاية الشمالية وبلغ الرفض قمته في منطقة القولد عندما تصدت الهيئة الشعبية المكلفة انتخاباً من مواطني القولد لمتابعة ومعالجة تداعيات وآثار القرار الجمهوري رقم (206) لسنة 2005 بنزع أراضٍ بالولاية الشمالية لأحدي الشركات التي قامت بشراء مساحات واسعة من أراضي القولد وكاد الأمر أن يتطور إلي نزاع عنيف لو تدخل بعض الحكماء لإحتواء الموضوع غير أن الأوضاع لاتزال تنذر بالخطر مع تدفق عدد من الشركات الكبيرة وشراء مساحات زراعية كبيرة جداً الأمر الذي يثير الغبن ويفجر براكين الغضب ، وعلمت ( الجريدة) من مصادر مطلعة في دنقلا أن إحدي الشركات المنفذة للطرق في الولاية قد إستحوذت علي مساحات كبيرة من الأرض مقابل تنفيذ الطريق وأضافت المصادر أن الأوضاع هناك ملتهبة وخاصة أن رائحة هذه الصفقة السرية بدأت تفوح ولم تقم الجهات الرسمية بإعلان هذا الأمر حتي الآن والمساحة الممنوحة لتلك الشركة تمتد من شمال مدينة دنقلا حتي تقترب من الحدود مع مصر وهي مساحة طولية علي جانبي الطريق – دنقلا – أرقين. ويري عدد من الخبراء أن بيع مساحات واسعة وكبيرة من أراضي الولاية الشمالية دون تمحيص ودون الحفاظ على الحقوق المكتسبة لمواطنى الولاية والاجيال القادمة ومع عدم قيام الدولة فى كل الحقب الماضية بتوفير متطلبات التنمية اللازمة لبناء المشروعات لا يمكن أن يكون الحل ان يفقد مواطنى الشماليةواجيالهم القادمة حقوقهم المتمثلة فى توفير المياه اللازمة لري اراضيهم الزراعية مستقبلا. المشروعات التى تم حصرها سابقا فى هذه المنطقة هى فى المقام الاول لمواطنى المنطقة ومن ثم يمكن النظر في مشاركة الدول الشقيقة والصديقة وشركات القطاع الخاص من خارج الولاية .