بهاء جميل اذكر عندما بدأت وسائل الإعلام غربية وعربية في نشر أكاذيبها عن امتلاك العراق لأسلحة الدمار شامل أني كنت أقول لأصدقائي المتحمسين جدا حينها آن العراق لا يملك أي أسلحة دمار شامل ، وان أمريكا تنوي تدمير قوته المؤثرة إقليميا لمصلحة دولة الاحتلال الإسرائيلي ولتحقيق العديد من الأهداف الأخرى . .. فكان أصدقائي جميعا يضحكون ويسخرون من أرائي وكانوا يردون بقولهم أن أمريكا لن تجرؤ على الاقتراب من العراق لأنها تعرف أنها لن تستطيع مواجهته وإنها ان تجرأت وفعلت فسيقوم الرئيس صدام حسين بتدمير جيشها و قواتها المهاجمة وسيلحق بهما شر هزيمة بعد أن يقتل جنودها عن بكرة أبيهم ( بالكيماوي ) .. لم أكن اقل منهم تعاطفا مع العراق فمثلهم كنت أتمنى أن لو كان العراق يستطيع هزيمة أمريكا فوقتها كان تلك أمنية معظم العرب والمسلمين في العالم تقريبا ولكن الأمنيات شيء والواقع شيء آخر . والحق أنّ الصّحاف كان بارعا جدا في رسم صورة زاهية لقدرات الجيش العراقي استطاع من خلالها أن يؤثر في الكثيرين ويجعلهم يحسنون الظن بالجيش العراقي إلى ابعد حد إلا أن مجرد تفكير بسيط بعيد عن العواطف والأمنيات وأحلام اليقظة كان كافيا ليمكّن الإنسان من رؤية الواقع كما هو لا كما يتمنى أن يراه . وعندما كان أصدقائي يتمادون في سخريتهم كنت ابتسم وأقول لهم أنّ الرئيس العراقي نفسه يعرف جيدا أن لا حول له بمواجهة أمريكا و أن أمريكا ستحتل العراق دون أن تخسر جنديا واحدا فكان البعض منهم يتحول من التهكم والسخرية لاتهامي بالغباء في صراحة مع إضافة العبارة الشهيرة في مجتمعنا وهي : ( هو أنت بتعرفي حاجة ) . وبدأت الحرب التي تمنيت ان لا تندلع والتي كانت أهدافها المعلنة هي تدمير أسلحة الدمار الشامل وإسقاط نظام الرئيس ( الدكتاتور ) صدام حسين كما كان يُقال وكانت أهدافها المخفية هي تدمير القوة العسكرية للعراق والتي تعتبر من اكبر واهم القوى الإقليمية لزيادة ترجيح ميزان القوى العسكري لمصلحة إسرائيل ولاستبدال ولتمكين حكومة موالية ولإبعاد السنة عن مراكز الحكم والقرار ولسرقة خيرات ومقدرات الشعب العراقي ولتحقيق أهداف أخرى كثيرة .. وتم احتلال العراق ولم تخسر أمريكا إلا ما لا يزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة . واختفى الرئيس البطل صدام فتحول حلم أصدقائي من الانتصار في المعركة الأولى إلى حلم اخر اشد رومانسية وهو عودة مفاجئة صاعقة للرئيس صدام لا يتوقعها الأمريكان فيحقق الانتصار المأمول وامضوا أياما طوالا وهم يتابعون الشاشات في قلق ينتظرون تلك العودة المظفرة . وقبض على صدام وحوكم واعدم فتحول الحلم إلى نوع من الوهم غريب سيطر على آذانهم وأعمى حتى أبصارهم فقد صدقوا ان الذي قبض عليه وجرت محاكمته وتم إعدامه ليس هو الرئيس البطل صدام حسين وان صدام في مكان ما داخل العراق وانه يعد العدة لهزيمة الأمريكان ..... ومر الوقت ولم يعد صدام فبدأت الأحلام تموت وبدأت الأوهام تتلاشى فقبِل بعضهم بالواقع على مضض . ظللت اكرر على أصدقائي ذات الكلام في كل حرب حديثة خاضتها أمريكا منفردة مثل حرب أفغانستان أو خاضتها ضمن حلف الناتو مثل الضربات التي وجهت لليبيا فغير البعض منهم من أفكارهم مع صدق توقعاتي وامنوا بالتفوق الأمريكي بل وبدوا يتبنون ذات الطرح ويحاولوا أن يقنعوا به آخرين ، ولكن بقى بعض الذين يعشقون العنتريات يحلمون حتى اليوم - مثل الكثيرين من الحالمين في العالم العربي - بان حزب الله يستطيع هزيمة إسرائيل إذا دخل معها في مواجهة عسكرية شاملة . حقيقة الأمر انه لا توجد الآن في العالم كله دولة واحد لها القدرة على الدخول في حرب مفتوحة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية والصمود في مواجهتها ذلك أن أمريكا تملك من ترسانات الأسلحة المختلفة والمتنوعة والنوعية ما يجعلها قادرة على الانتصار في أي حرب ضد أي عدو تضطرها الظروف للدخول معه في مواجهه فقد أنفقت أمريكا الكثير من وقتها ومن ميزانياتها لتطوير أسلحتها و جيشها ورصدت لذلك كل الإمكانيات الممكنة مثلما سخرت له أفضل العقول الموجودة على وجه الأرض . ولو استحضرنا الأثر الذي أحدثته القنبلتين النوويتين اللتين ألقيتا على هيروشيما وناجازاكي اليابانيتان في أوائل الأربعينيات ولا زلات تحدثه في الأطفال حديثي الولادة من تشويه وعرفنا إلى إي مدى قد قامت أمريكا بتطوير تلك البدائية إلى قنابل هيدروجينة وجرثومية و نيوترونية وقنابل مملحة وقنابل انشطارية الخ وإذا نظرنا إلى خارطة توزيع القواعد العسكرية الأمريكية في العالم وإذا القينا نظرة سريعة على البوارج وحاملات الطائرات التي تجوب البحار طولا وعرضا لأدركنا ان الجيش الأمريكي المدعوم بالأقمار الصناعية والمسلح بأفضل أنواع التكنولوجيا لعرفنا حجم القوة العسكرية الأمريكية الحقيقي . ومثلما لا توجد قوة قادرة على الدخول في حرب مع الولاياتالمتحدة عالمياً كذلك لا توجد قوة إقليمية واحدة قادرة على الدخول في حرب مع إسرائيل وهزيمتها بالمعنى المحدد للكلمة وذلك لنفس السبب الذي يجعل أمريكا قادرة على الانتصار على أي عدو وهو التفوق العسكري لإسرائيل على كل الدول الإقليمية الموجودة في المنطقة ناهيك عن حزب الله ، فإسرائيل تحذو حذو أمريكا في رصد الميزانيات الضخمة للبحث العلمي ولتطوير أسلحتها وجيشها فهي تنفق 4,7 % من دخلها القومي في مجال البحث العلمي، وذلك يساوي إجمالي ما تنفقه الدول العربية مجتمعة كما أنها تتلقى مساعدات عديدة وتمتلك العديد من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة الفتاكة التي تستطيع قنبلة واحدة منها تزن 200 ميجا طن أن تدمر مدينة بأكملها في لمح البصر. خلاصة القول اذا سلمنا جدلاً بان هناك دولة وليس حزبا قادرة على هزيمة إسرائيل ودخلت معها في حرب فان كل الدول الكبرى ستهرع بجيوشها إلى المنطقة بمجرد شكها بان إسرائيل يمكن أن تهزم فكفانا أحلام يقظة لان احلام اليقظة - كما اقول دائما - قد تريح صاحبها ولكنها قد تكون مؤشرا على مرض خطير يستوجب مقابلة الطبيب ..
مقالات قادمة ( جون جارانج تساؤلات الرحلة الاخيرة - المؤتمر الوطني والسلطة )