السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.التجاني الطيب إبراهيم : انفلات في الانفاق، تذبذب مربك في سعر الصرف

الخبير الاقتصادي الدولي يقيّم أداء الموازنة في الربع الأول
تصريحات المسؤولين أكثر ضرراً من تقلبات الأسعار
الحل في إصلاح مالي واقتصادي مستدام وليس في اتفاقية تنفيذ المصفوفة
حاوره: د.أنورشمبال
حذر الخبير الاقتصادي الدولي د.التجاني الطيب إبراهيم وزير الدولة الأسبق بوزارة المالية وممثل مقيم سابق لصندوق النقد الدولي بالعراق، مما سماه بالانفلات في الانفاق، والتغيرات المفاجئة لسعر الصرف (صعوداً وهبوطاً)، معتبراً أداء موازنة العام الجاري هو الأصعب، ويجب أن يتبعه إجراءات للإصلاح المالي والاقتصادي.
وقال في حواره مع (الأخبار): إن السودان بات يسير في الاتجاه المعاكس لموجهات الألفية، وأن كل المؤشرات في حالة تدنٍ، مبينا أن الفقر والبطالة في البلاد في حالة تزايد، والصحة والتعليم، والإنتاج في حالة تدهور.
ونشير هنا إلى أن د. التجاني الذي تخرج ونال الدرجات العليا في الجامعات الألمانية وعمل أستاذاً بها وبجامعة الخرطوم، كما عمل مستشاراً ثم منسقاً وممثلا مقيما لصندوق النقد الدولي في أكثر من دولة، وخبيرا اقتصاديا بالبنك الدولي، ومستشاراً اقتصادياً ومالياً لعدد من المؤسسات المالية والتنموية الإقليمية والدولية، يعد في قائمة الاقتصاديين السودانيين المميزين على مستوى العالم، الذين يعتمد عليهم في تقييم اقتصاديات الدول النامية، فإلى ما دار في الحوار:
* في البدء ما تقييمك لأداء الموازنة في الربع الأول من العام المالي الجاري؟
- أولا الموازنة غير واقعية، بالتالي من الصعب إنزالها على أرض الواقع، لأنها مبالغة في جانب الإيرادات، ومنفلتة من جانب الانفاق، ففي الربع الأول حققت الضرائب الهدف المطلوب(الربط المحدد لها) فيما هناك مشاكل في الجمارك مما يعني أن مجمل التحصيل الإيرادي دون الهدف المطلوب، ويبدو أن الانفاق توسع بصورة أكبر مما هو معتمد في الموازنة، حتى قبل تطبيق الحد الأدني للأجور الذي جاء بقرار فوقي ولم يضمن في الموازنة.
*على أي أساس استنتجت هذه النتيجة؟
- أرقام التضخم تبين ذلك جلياً حيث انخفض معدل التضخم في يناير لأن الحراك الاقتصادي فيه عادة ضعيف، ثم ارتفع في فبراير وهو الشهر الذي يوضح إلى أين تتجه مؤشرات التضخم، وأنا أتوقع أن يتواصل التصاعد في مارس وما بعد مارس، وهو يؤشر إلى إن هناك انفلاتا في جانب الانفاق مما ينعكس سلبا على معدلات النمو والتي نتوقع لها أن تتجاوز (-7 – -8%) مقارنة (-11%) عام 2011م، وكذلك ينعكس سلباً على الاوضاع المعيشية، ويؤثر على الطاقة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود، مما يعني المزيد من الفقر بجانب التراجع في الاقتصاد والمزيد من معدلات البطالة، مما يدعني القول ان العام 2013م هو من أصعب الأعوام من حيث الأداء الاقتصادي، والتدهور في المؤشرات الكلية للاقتصاد.
*وماذا تقول عن سعر الصرف المتذبذب هذه الأيام؟
- سعر الصرف تأثر بالاتفاق على تنفيذ (مصفوفة تنفيذ الاتفاقات مع حكومة الجنوب)، وبالتالي يحاول السوق التكيف مع ما هو واقع، وكان ذلك التذبذب، والانخفاض السريع في أسعار الدولار وقد يستمر الانخفاض لمدة أسبوع أو أسبوعين، ولكن بكل أسف هذا الانخفاض نفسه مؤشر سلبي خطير لأن الهبوط السريع يضر بالوضع المالي والاقتصادي ككل كما هو الضرر في حالة الارتفاع المفاجئ.
فمشكلة سعر الصرف ليست في ضخ نفط الجنوب بقدر ما هي خلل في الاقتصاد الكلي، والذي يتمثل في عدم ضبط الانفاق، ومشكلة العرض، والمتمثلة في إهمال قطاعات الإنتاج الحقيقية، بالتالي إذا لم تعالج هذه المعادلة بكاملها فلن يستقر سعر الصرف على المديين المتوسط والطويل، بل العكس يكون في حالة صعود متوالٍ.
فالتقلبات التي نراها حاليا هي تقلبات مؤسفة، والتصريحات التي نسمعها من المسئولين أكثر سوءا وضررا في سعر الصرف لأنها تخلق نوعا من البلبلة والهلع النفسي في السوق لا معنى لها، وفي نفس الوقت هي تصريحات غير مسئولة، ليس لها أسس علمية، وعندما تعيد العناصر المتعاملة في السوق ثقتها فلا تجد جديدا وتعود الأسعار للارتفاع بمعدلات مسرعة جداَ مما يسبب أضرارا اقتصادية واجتماعية كما ذكرت.
فسعر الصرف محوره محور أساسي لكنه مربوط بالانفاق الحكومي على وجه الخصوص، والذي هو مرتبط بالتضخم وهو المشكلة الأساسية ولا يتم الإصلاح إلا إذا ضبط الانفاق.
* ألا تعتقد أن التفاهمات التي تجري مع حكومة الجنوب تنقذ الموقف؟
- حتى لو تم ضخ بترول الجنوب عبر الأنابيب السودانية فإن جملة عائده في العام (1.8) مليار دولار، وقد تكون مناصفة بين الخزينة العامة والشركات العاملة في مجال النفط، ونصيب الخزينة العامة والذي يقدر بحوالي (925) مليون دولار وهو عبارة عن دعم الجنوب بالإضافة إلى رسم الأنبوب، وهو مبلغ يغطي فقط زيادة الحد الأدنى للأجور، والتي صدرت بقرار فوقي خارج الموازنة، ولذلك الوضع المالي يظل كما هو بل أسوأ لأن العجز يكون أكثر من (10%) الذي اعتمدته الموازنة، كنتاج مباشر لزيادة معدلات التضخم، ومزيد من الانفاق، بالتالي فالموازنة مواجهة بتحديات كبيرة جداً، وإذا لم تتم معالجة الموازنة فلا يمكن معالجة مشكلة التضخم، وإذا لم نعالج المشكلتان، سيظل الوضع المالي والاقتصادي في حالة تراجع.
* حديثك هذا يدعم اتجاه البرلمان لتعديل الموازنة استجابة لهذه المستجدات؟
- الموازنة غير محتاجة لتعديل، بل محتاجة لإيرادات، وما يصل من الجنوب يساعد في الحل إلى حد ما لكنه لا يحل المشكلة المتجذرة، فإذا لم يتم الإصلاح المالي لا يمكن معالجة جانب العرض وهي انعاش قطاعات الإنتاج الحقيقية، وخلق المزيد من الإنتاج للحد من التضخم إلى درجات أقل.
*ما السلع والخدمات التي تستنزف النقد الأجنبي؟
- الإيرادات ككل، لأن اقتصاد البلاد في حالة تراجع، بجانب الانكماش الذي حدث للواردات في يناير وفبراير، مقارنة بنفس الفترة من العام الفائت2012م، حيث تقلصت الواردات بمعدل(50%) حسب الإحصاءات الرسمية، فيما يعتقد السوق أن نسبة التقلص أعلى من ذلك بكثير، وهو مؤشر لوضع خطير جدا.
*ألا تعتقد أن إعادة ضخ النفط قد تعالج مشكلة الوقود في البلاد؟
- إعادة الضخ يستفيد منها السودان مادياً وليس عينياً، إلا إذا فشل إخواننا الجنوبيون في الوفاء بالتزاماتهم المالية، ولجأ السودان إلى الخيار الآخر في الاتفاقية، وهو أخذ نصيبه عيناً، ولكن حتى إذا أخذنا حقنا عيناً نأخذه على أساس (15) دولارا للبرميل، بالتالي فإن العائد هو واحد إن صدرناه أو أخذناه عيناً، ولكن هذا قد يساعد في استقرار سعر الصرف إلى حد ما، لكنه لن يعالج الخلل.
*لكن بحسب تصريحات الحكومة فإن عائدات الذهب بإمكانها سد العجز الدولاري؟
- حسب تقديرات الحكومة عائدات الذهب التقليدي هي (2.5) مليار دولار في السنة، وإذا تمت إعادة تنشيط التجارة بين الشمال والجنوب والتي يتوقع لها أن تستجلب حوالي ملياري دولار، وإذا أضفنا الصادرات التقليدية ستكون الجملة حوالي (5.5) مليار دولار، ونحن توقعاتنا للإيرادات التي تأتي عبر ميزان المدفوعات حوالي (8) مليارات دولار، وإذا أخذنا بقية الطلب على الدولار للسفر والدراسة والعلاج، وتهريب رؤوس الأموال وأرباح الأعمال وغيرها فقد نحتاج إلى ستة مليارات دولار إضافة لهذه المبالغ، لتظل الفجوة الدولارية باقية، وبالتالي الحديث عن انخفاض مريع في الدولار واستمرار هذا الهبوط نوع من التهريج السياسي، وليست له أي أسس اقتصادية.
*ماذا تقصد بالتصريحات الأكثر سوءا؟
صدرت عقب الإعلان عن اتفاقية تنفيذ المصفوفة تصريحات من ثلاثة مسئولين مختلفين في يوم واحد، أحدهم قال إن الدولار قد يصل ثلاثة جنيهات والثاني قال يصل إلى خمسة جنيهات، والثالث سيستقر في ستة جنيهات، هذا كله بلسان حكومة واحدة، وكان يتطلب منها أن يكون لها توقع واحد للدولار، وحديثها بثلاثة ألسن هو بمثابة رسالة للسوق أن يشتعل، لأن الحكومة نفسها ما (فاهمة) ماذا يحصل في سعر الصرف، فمثل هذه التصريحات سالبة لها آثار نفسية وانعكاسات تؤدي إلى تقلبات سريعة صعودا وهبوطا في سعر الصرف وهذا غير مطلوب، وافتكر أن السوق يعمل نفس العملية بعد اتفاق سبتمبر وأحجم عن البيع ويترك الأسعار تهبط، ومن ثم يدخل في عملية الشراء وبعد ما يجفف السوق من الدولارات المعروضة من الناس البسطاء الذين ليس لهم دخل بعدها يبدأ الصعود إلى أعلى.
الحكومة وقعت في نفس الفخ الذي وقعت فيه من قبل أنها تماشت مع الهبوط في السوق لأنها بدأت في خفض سعر الصرف الهامشي، وهي عملية اعتقد انها خطأ لأن السوق يخلق فجوة مريحة جدا بينه والسوق الرسمي، وبعدها يبدأ في الصعود ويعقد المشكلة للدولة إذا سار السوق بنفس المستوى وبنفس الخطأ الذي ارتكبوه من قبل.
كان المنتظر من الدولة عند هبوط سعر الصرف أن تسير بخطى حثيثة وتنتفع من هذه الأجواء ويكون السعر الرسمي أقل من سعر السوق بكثير لأن السوق قد يخرج الحكومة والبنوك والصرافات من التعامل بالنقد الأجنبي خاصة فيما يختص بالشراء.
*سبق أن احتجت البنوك من تآكل رؤوس أموالها بسبب تصاعد أسعار الدولار؟
- نعم هذه التقلبات تحتم ضرورة تقييم الأصول، والتعاملات المالية خاصة فيما يختص بتعاملات النقد الأجنبي بالبنوك، وحتى الحكومة نفسها تضررت في الضرائب في فرق السعر بين السوق الرسمي والأسود وارتفاعه وهبوطه، لأن هذه التقلبات سريعة جداً لا تترك السوق يتكيف مع أي سعر، بالتالي تبقى الأسعار على المستوى العالي، حتى إذا انخفض الدولار إلى(6.3) جنيه، فسوف تبدأ الأسعار في القفز مرة أخرى قبل أن يتكيف السوق، بالتالي لا تنزل أسعار السلع وإنما تتواصل في الصعود، وتستمر الهرجلة في العملية التسعيرية التي أحدثتها الفوضى في التعامل مع سعر الصرف على المستوى الرسمي.
هذه العملية تحتم أن يفهم أن ضخ بترول الجنوب ليس هو البديل للإصلاح المالي والاقتصادي، وهو ذاته المطلوب من التحويلات التي يفترض أن تكون مساعدة للسودان لمدة ثلاث سنوات، وهي الفترة التي يفترض فيها أن تبدأ الحكومة في إصلاحات جذرية على أساس أنه بعد ثلاث سنوات يكون السودان قد تكيف على مرحلة ما بعد الانفصال، أي أن هذه الموارد مؤقتة تختفي بعد ثلاث سنين.
فمبلغ (821) مليون دولار تقديرات التحويلات الانتقالية في السنة هذه مقدّرة على أساس أن الجنوب يصدر(150) ألف برميل في اليوم، إلى أن تصل إلى الثلاثة مليارات دولار المتفق عليها في نهاية السنة الثالثة، بعدها لا تحويلات مالية .
* هذا يعني أن الحكومة حتى الآن لم تبدأ إصلاحات مالية؟
- لم تبدأ بعد.. وللأسف حتى الإصلاح الإسعافي في العام الماضي بات لا معنى له لأنه لم يتواصل، فعملية الإصلاح ليست هي خطوة أو خطوتين بل هي عملية متواصلة، فالإجراءات الإسعافية لابد من تواصلها ودعمها بإجراءات طويلة المدى، وألا تلغى العملية لأنها أعلنت في يوليو العام الماضي وهي الآن لا وجود لها والحكومة لم تأت بجديد بل هي في أساسها بدأت خطأ، فمثلاً في أسعار المنتجات النفطية حصل العكس، فالبترول بالدولار أصبح أرخص مما كان عليه قبل الإجراءات بمعنى إذا أردت الإصلاح عليك أن تزيد جنيهين في جالون البنزين للعودة إلى السعر القديم.
*يبدو أن الحكومة تبحث الآن عن مبررات فشل الموازنة، وقد تعلقه على الحرب؟
- هذا تبرير خطأ بأرقام اعتمادات الموازنة للأمن والجيش والشرطة حوالي (8.6) مليار جنيه، وفي تفاصيل المبلغ نجد أنه (7.3) مليار منها عبارة عن مرتبات وأجور والمتبقي (1.3) مليار ليس فيه ولا ثمن طلقة واحدة ، لأنه موضوع في بند شراء السلع والخدمات مثل الشاي والقهوة، فالموازنة ليس فيها حرب على الإطلاق، والكلام الذي يدور حول ميزانية الحرب والأمن عبء إضافي لم يوضع في الموازنة وأنه يمول من خارج الموازنة. حتى مبالغ بند الطوارئ قليلة ، فالحرب لم تمول من الموازنة وإنما من جهة ثانية.
* المعارك القبلية الطاحنة بجبل عامر بشمال دارفور كان سببها الذهب، هل تعتقد أن الذهب قد يكون صانع بؤر توتر؟
- (والله شوف) مشكلة الذهب مثل مشكلة البترول، والخطأ الكبير أننا وظفنا (80%) من الاستثمارات في مجال البترول وركزنا عليه وتركنا القطاعات الحقيقية وهو مورد طبيعي ناضب، نفس الخطأ بدأنا نرتكبه مع الذهب بمحاولة الحكومة توجيه جل الاستثمارات أو القدر الكبير منها إليه، وهذا الذي أحدث لنا عدم التوازن في الاقتصاد الكلي، التي هي مشكلة لابد من مواجهتها حتى لو أستخرجنا ذهب الأرض كله، لأن منتج الذهب نفسه هو طالب للغذاء، فبقدر ما ننتج الذهب بقدر ما سنضطر نمشي لجانب العرض ونوفر له من الإيرادات لأننا أهملنا جانب العرض المحلي، والاعتماد على الذهب يكون على المدى القصير ولكن على المدى المتوسط والطويل يعقد المشكلة بغض النظر من أنه يحقق كما من العائدات.
*وما هي الآثار الاجتماعية في التعامل مع معدن الذهب؟
- الآثار الاجتماعية مدمرة لأن التعامل معه بطريقة عشوائية بدائية، وقد تكون آثارا بيئية وقد تكون كارثية، وقد تثير النعرات القبلية والمحلية وهذا يزيد من التعقيدات الأمنية والعسكرية، في بلد يعاني مسبقا من صراعات داخلية، فلابد من إعادة النظر في كل العملية وترتيبها في إطار الاقتصاد الكلي، وتكون الدولة هي المشرفة والموجهة، ولا تكون عملية عشوائية همجية تتم في مناطق مختلفة وحساسة.
*ما تفسيرك لما حدث في ديوان الضرائب بشأن تعيين أمين عام ليومين ثم إقالته ليظل المنصب شاغرا؟
- هذا يؤكد أن هناك عدم توافق وتفاهم من الجهات المختصة في اتخاذ القرار، فيما يختص بالتطبيقات التنفيذية الكبيرة، كما يعد مؤشرا له أهداف ثانية لأن جهاز مثل الضرائب من الصعب جدا تتركه من غير أمين عام فترة طويلة، ولا افتكر أن نساء السودان عاقرات لهذا المستوى ولا ينجبن غير أمين عام واحد.
هناك كوادر كثيرة موجودة ومؤهلة في المجال وقادرة على قيادة الضرائب في المرحلة القادمة، فالقرار في حد ذاته يعكس حالة الهرجلة وعدم التنسيق في اتخاذ القرارات السياسية.
*إلى أي مدى يسير السودان وفق موجهات الألفية؟
- نحن بعيدون جدا عن موجهات الألفية نحن مؤشراتنا للألفية جميعها كارثية تسير في الاتجاه المعاكس، فالفقر في إزدياد وكذلك البطالة والتعليم والصحة في تدهور وكذا الإنتاج حتى الناتج المحلي الإجمالي في تدهور فحصة الفرد من الناتج المحلي في تقلص، فنحن نسير في الاتجاه المعاكس لمؤشرات الألفية.
*في تقييمك كاقتصادي أسباب تزايد المهاجرين؟
- الهجرة هي انعكاس لضيق الفرص للعمالة في السوق المحلي، والهجرة في المقام الأول لتحسين الوضع المعيشي، والذين يهاجرون للأسف هم الكوادر المطلوبة لإحداث عملية الإصلاح والتغيير فإذا أنت فقدت أميز الكوادر وأحسنها في المجالات المختلفة فعملية الإصلاح ستكون عملية عرجاء لأن الكوادر المطلوبة لإحداث العملية غير موجودة .
خذ مثلا كنا في العمالة اليومية نعتمد على إخواننا الجنوبيين والآن نعتمد على الاثيوبيين والاريتريين، وهذا في حد ذاته جزء من مشكلة النقد الأجنبي لأن هؤلاء إذا صحت الاحصائية لدينا حوالي اربعة ملايين من هذا النوع من العمالة فهؤلاء إذا اشتروا كل يوم دولارا واحدا فقط يعني هناك اربعة ملايين دولار تذهب يوميا خارج البلد، فالمشكلة الأساسية في هذه البلد هي في وجود الدولار لضروريات النمو الاقتصادي وتحسين الأحوال المعيشية، ولذلك لا داعٍ لمنع الناس من الهجرة، ولكن ذلك بالضرورة بدء عملية الإصلاح حتى يتحرك الاقتصاد الكلي لخلق الفرص الملائمة للحفاظ على الكوادر المميزة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.