تقرير: عادل حسون أحزاب دولة إسرائيل منذ عهد ديفيد بن غوريون إلى زمان بنايمين نتنياهو تميزت بالتوحد فيما بينها إذا كان الخلاف يتعلق بأمن إسرائيل ومصلحة الدولة. يبدو أن المصريين قد تعلموا الدرس فتماهوا مع جيرانهم الشرقيين بالتحلي بذات السمة. لبرهة ظّن كثيرون أن في الإعلان المفاجئ من قبل إثيوبيا عن البدء في البناء الفعلي لسّد النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق بالشروع في تحويل مجراه الرئيسي متسع لخصوم الإخوان المسلمين حكام مصر في هذه الأيام لتصفية حسابات مؤجلة معهم. الحقيقة كانت بخلاف ذلك إذ التحمت المعارضة المصرية المؤسسة من قوى "جبهة الإنقاذ" مع أحزاب "التيار الإسلامي" الحاكمة في المغالاة بالتعبير عن موقف موحّد يرفض خيار إثيوبيا المعلن. نحن في السودان بدأنا ندفع ثمن عدم وضوح المواقف في قضايا المصلحة الوطنية العليا للبلاد. فسريعا صب الحزبيون المصريين جام غضبهم على بلادنا فجاءت أحاديثهم المذاعة على الهواء مباشرة خالية من اللياقة الأدبية والدبلوماسية. وكما المعتاد لا يرى في السودان سوى حديقة خلفية وكيان تابع لا بد أن يبقى خادما أمينا للمصالح العليا المصرية. لم تبدو الحكومة السودانية في مقام إقامة "مناحة" على شرف عدم الأدب المبدئ من الساسة المصريين. لكنها انتفضت في خطوة بدت نادرة ضد الصلف والتبجح المصرييْن فعّبرت أخيرا عن موقف إيجابي لا يرى في سد "الإثيوبيين" خطرا ماحقا مع الدعوة إلى "القاهرة" للتأدب ومراعاة مصالح السودان بالضرورة. مما بات منقولا على الوكالات وشاشات "التلفاز" الوصف الجزافي من السياسي المصري زعيم حزب "غد الثورة" أيمن نور، للموقف السوداني حيال "أزمة" سد النهضة "بالمقرف" دون أن ينسى التذكير بهشاشة الموقف الداخلي في السودان وإثيوبيا بأثر فرقة القبائل وتناحرها. قال في لقاء جمع ممثلي الأحزاب برئيس الجمهورية لمناقشة أزمة السد الإثيوبي "محتاجين فريق عمل سياسي مخابراتي في إثيوبيا مش سفارة"، "المجتمع الإثيوبي مهترئ لأقصى درجة ويجب استغلال هذا الضعف للتأثير على قرارات إثيوبيا فيما يتعلق بقضية سد النهضة". لم يختلف عن سباب نور العلني دعوة السياسي محمد أنور طلعت السادات، ابن اخ الرئيس الراحل أنور السادات، ذي الجذور السودانية، للعب على الجوار الإثيوبي وإحداث الفتنة الداخلية بين قبائل إثيوبيا وبينها وجارتيها إرتريا وجيبوتي من عمل المخابرات المصرية. أما الإسلامي مجدى حسنين، فتلمظ الشتائم وتقيأ سم الدبولوماسية الحربية والضرب تحت الحزام الإثيوبي. للمفاجآت المصرية بأثر الصدمة الشديدة التي عانتها النخبة المصرية المتوحدة بفعل الأزمة الأخيرة وجوها أخرى. فقد علّق عمرو موسى، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية، على ما نشرته وثيقة "ويكيليكس" نافياً ما ذكرته من أن الرئيس السابق محمد حسني مبارك طلب من الرئيس السوداني عمر البشير إنشاء قاعدة عسكرية مصرية في السودان. أكد موسى أن "التعاون المصري السوداني وصل للاستعداد العسكري فقط". أضاف موسى في لقاء خاص ببرنامج "هنا القاهرة" المذاع على فضائية "القاهرة والناس"، الثلاثاء، إن "إدارة الأمور الخارجية سيئة للغاية، وكان ينبغي على القيادة أن تقوم بالتعبئة الكاملة لمصر في مواجهة المشاكل"، واستبعاد وزارة الخارجية وإيكال المهمة للمخابرات العامة المصرية من إدارة أزمة اثيوبيا يضر بالأمن القومي". الليبرالي والموظف الدولي السابق محمد البرادعي، أعتذر عن التجاوز العلني من ساسة مصر في حق الدولتين الجارتين في الحوض الشرقي للنيل. الرئيس المصري د. محمد مرسي، سارع إلى التأكيد أن ما صدر عن مسئولين بمصر تجاه السودان لا يعبر عن موقف الحكومة. وعلى الأرض استضافت "الخرطوم" مدير المخابرات المصرية اللواء رأفت شحاتة، في زيارة للتنسيق العاجل حول موقف دولتا المصب من التطورات الأخيرة. وكان الناطق الرسمي بإسم وزارة الخارجية، أبو بكر الصديق، كشف في تصريحات صحفية الخميس، إن سفير السودان بالقاهرة كمال حسن علي، التقى بوزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو، وبحثا العلاقات بين البلدين والتعاون بين السودان وكل من مصر واثيوبيا حول مياه النيل والمشروعات التى تحقق الفوائد للدول الثلاث وضرورة التعاون والتواصل بين الدول الثلاث فيما يتعلق بسد النهضة. السودان بدأ تسديد فاتورة مؤجلة عن مواقف متسرعة من قبله في الماضي آزرت مصر دون النظر للمصالح الحقيقية للدولة. عّبر لاحقاً وزير الثقافة والإعلام المتحدث الرسمي بإسم الحكومة دكتور أحمد بلال عثمان، موجزا بالقول "سد النهضة للسودان بمثابة السد العالي لمصر". وقال بلال في تصريحات خاصة لقناة "الميادين الإخبارية" إن إيجابيات السدّ الأثيوبي "إمداد السودان بالكهرباء وتنظيم مياه النيل الأزرق طوال العام". داعيا مصر إلى "الكف" عن "استفزاز السودان". وقال إن "مصلحة الجارة مصر هي التنسيق مع بلاده". "البلبلة" سمة لما يخرج عن "القاهرة" فقد قال وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو، الخميس، إن الحوار مع إثيوبيا حول سد النهضة كفيل بتحقيق "أهدافها التنموية" ومصالح دولتي مصب نهر النيل مصر والسودان. ومع ذلك أعلنت مستشارة الرئيس المصري للشؤون السياسية، باكينام الشرقاوي، بحسب "وكالة أنباء الشرق الأوسط" المصرية الرسمية "مينا" إن القاهرة ستطلب من إثيوبيا "وقف مشروعها". مضيفة أن "مطالبة إثيوبيا بوقف البناء في السد ستكون خطوتنا الأولى". لكن مستشارا آخر للرئيس المصري ألمح إلى اضطرار مصر لاستخدام "الخيار العسكري" للتعاطي مع التهديد الإثيوبي لأمنها المائي. وقال أيمن علي، بحسب "فرانس برس" الأربعاء "كل الخيارات مفتوحة أمام مصر في التعامل مع قضية السد الأثيوبي"، مضيفاً "لا بد لمصر أن تضمن مصالحها المائية وتدافع عنها". إثيوبيا التي ُهددت في أمنها الداخلي بوقاحة شديدة من قبل الساسة المصريين في لقاءهم المبثوث على الهواء مباشرةً مع رئيس الجمهورية المصري، أعلنت الخميس، عن تصميمها على بناء سد النهضة. وقال غيتاشيف ريدا، المتحدث بإسم رئيس الوزراء الاثيوبي هايلي مريم ديسالين، "سنواصل مشروعنا"، معتبرا أن بناء السد لا يتوقف على "إرادة السياسيين المصريين". وأوضح المتحدث أن إثيوبيا "دعت الرئيس المصري لبحث موضوع السد"، لكن "التفاوض" بشأن وقف المشروع "غير وارد". إزاء التشدد الإثيوبي بثت رسالة "هامة" للمعنيين بها في "القاهرة" لا يسع المصريون إنكار "الحكمة" المتلبسة بها. ففي واشنطن دعت وزارة الخارجية الاميركية كلا من مصر وإثيوبيا إلى "التعاون" لحل هذه الأزمة. وذكرت الوزارة في بيان بأن مصر واثيوبيا "تعاونتا جيدا" خلال العام الجاري بخصوص هذا السد عبر تباحثهما سويا في الأضرار التي يمكن أن تنجم عن بناء السد. وأضاف البيان "نحض البلدين على الاستمرار في التعاون سويا بشكل بناء للحد من تداعيات السد عند المصب وتطوير النيل الأزرق بما يفيد جميع شعوب المنطقة". الوقاحة المبدية من ساسة مصر للاستهلاك السياسي محليا وتهدئة الأصوات غير العقلانية المطالبة بالدفع بالطائرات الحربية المصرية لقصف إثيوبيا. في رواق الدبلوماسية سددت "القاهرة" الثمن إلى حين اقتناعها بجدوى النصيحة الأمريكية بالتعاون مع "أديس أبابا" وليس الدفع بالمخابرات أو الطائرات للإضرار بها. ففي أنباء الجمعة طلبت أديس أبابا من القاهرة وقف التحريض ضد سد النهضة. واستدعت الخارجية الإثيوبية سفير مصر لدى إثيوبيا مستفسرة عن الإساءات المصرية لإثيوبيا المبثوثة على شاشات التلفاز. وذكرت الخارجية في بيانها عقب اللقاء أن السياسيين استغلوا الفرصة لإبداء العداء لإثيوبيا والسودان دون أن يلاحظوا أن من شأن ذلك تأجيج العداء بين شعوب المنطقة. وشدد البيان على حرص إثيوبيا على إقامة علاقات تعاون مع القاهرة لفائدة الطرفين على إعتبار أنهما لن يستفيدا من العداء المتبادل.