تقرير: عادل حسون قد لا يذكر هذا الجيل الماضي المخجل للدولة حين عين لها مقررا خاصا لحقوق الإنسان في التسعينات. لقد كانت الانتهاكات الواسعة في هذا المجال من مضرب المثل في ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، ويستوى في ذلك انتهاكات التمرد في جنوب السودان وانتهاكات النظام في عشريته الأولى. ورغم الإدعاء المطمئن بتوافر قدر من أسس الدولة القانونية الراعية لحقوق الإنسان بعد اتفاقية السلام في 2005م بخاصة من أنصار الحكم القائم بالبلاد ساسة وكتبة وصحافيون إلا أن الوقائع تمضي في كثير من الأحيان بعيدا عن ما يشتهي هؤلاء. فالواقع يشير إلى ثمة حاجة للبلاد لتعيين مقررا آخر إلى حين بتفويض مختلف عن التفويض السابق لكاسبار بيرو وسيما سمر، فحواه، مساعدة السودان في بناء القدرات وترقية أوضاع حقوق الإنسان بالبلاد. لقد أنيطت المهمة الجديدة بالأستاذ الجامعي النيجيري الأصل البريطاني الجنسية البروفيسور مسعود بدرين. وفي هذا الإطار زار بدرين البلاد عدة مرات آخرها الأسبوع الماضي تمهيدا لتقديم تقريره النهائي مضمنا الملاحظات والتوصيات إلى المجلس الدولي لحقوق الإنسان بجنيف في سبتمبر القادم. هناك طرف يبقى منشغلا بالنتيجة المتوخاة من سدنة "حقوق الإنسان" الدوليين. إنها معركة حول المبادئ والمثل وكذلك النجاح في الإدعاء اليقيني المعبّر عنه من قبل أنصار الحكومة. المجموعات المعارضة خارج الأحزاب لاحظت "تدهور أوضاع الحريات" في البلاد. فبالرغم من أن إهتمام المجتمع الدولي انصب مبدئياً على عملية السلام بين السودان وجنوب السودان والحرب الدائرة في دارفور، النيل الأزرق وجنوب كردفان، فإن الحريات الأساسية خاصة حرية التعبير وحرية التجمع وتكوين الجمعيات غابت على أرض الواقع وبما عوق المواطنيين السودانيين، المجتمع المدني السوداني والحركات الشبابية من المشاركة في عملية السلام والمشاركة السياسية ككل. وبالإمكان ملاحظة إغلاق بعض الصحف، "الميدان" الصحيفة الناطقة بإسم الحزب الشيوعي، وبعض الأنشطة "مؤتمر تيدكس"، المنظمة الدولية لتقنية المعلومات، ومنشط مركز الأستاذ محمود محمد طه، بإحياء ذكراه. التقارير تحدثت عن منع السلطات "لجنة طلاب المناصير" من إقامة مؤتمر صحفي بدار الحزب الإتحادي الأصل ببورتسودان، وكذا رفضها التصديق "للجنة المفصولين" بإقامة ندوة بدار المؤتمر السوداني. بتجاوز الإشادات التي تبرع بها كتاب محسوبون على الحزب الحاكم لحساب قيادات وزارة "العدل" والإشارة إلى ماضيهم الجهادي في كتائب الحرب ضد حركة "جون قرنق" في التسعينات، فاجأت الحكومة المبعوث الدولي بدرين بحديثها عن وضع خطة عشرية تنتهي في العام 2023م لحماية وتعزيز حقوق الإنسان. لقد إدعت الحكومة اشتمال خطتها على محاور متعددة، ومع ذلك ثبتت أن هذه الخطة ليست نهائية وتقبل كافة الملاحظات والأفكار. الأفكار لا تبدو غامضة فهي ظلت وتبقى المطالبة بالسماح للأحزاب السياسية، الحركات الشبابية والطلابية ومنظمات المجتمع المدني، الحرية في إقامة الأنشطة، ورش العمل، السمنارات، المؤتمرات وحتى المخاطبات في الشارع داخل السودان بدون مضايقات، اغلاق واحتجاز. وهي أيضا السماح للمنظمات الأهلية التي تم اغلاقها بإعادة فتحها ومزاولة أنشطتها بلا معوقات. مسعود بدرين لاحظ من جانبه ضبابية ما حول أوضاع المعتقلين السياسيين. هؤلاء تقول مصادر خارجية أنهم بعداد المئات في جنوب كردفان والنيل الأزرق بينما هم في وجهة نظر الحكومة مجرد مجرمون جنائيون. الخبير لاحظ اضطراد العنف في دارفور. لقد ألقى في مؤتمره الصحفي بالخميس في ختام زيارته للبلاد، بالمسئولية عن ذلك على الجميع، القبائل والمتمردين والحكومة، فالجميع يحارب الجميع والخلاصة توقع وقوع كارثة إنسانية بسبب نقص الخدمات الصحية والغذائية ومعدات الإيواء، فعلى الأرض ثمة أكثر من 4500 نازح بحاجة للمساعدة وتقديم الدعم، علاوة على مئات الألاف ينتظرون سماح السلطات لمنظمات العون الإنساني الوصول إليهم في مناطق جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. لقد اطمأنت الحكومة لتطور موقفها ناحية الأفضل في الآونة الأخيرة بما يجلب لها الإشادة من قبل المبعوث الدولي. فقد أطلقت سراح معتقلي "التخريبية" ورفعت الرقابة عن الصحف وسمحت بقدر لا بأس به للأحزاب الحديث عن إسقاط النظام في مدى مائة يوم. لكن وزير العدل رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان مولانا محمد بشارة دوسة، بدا يحرث في حقلا آخر. إنه يتحدث بثقة عن إلتزام حكومة السودان بالاستمرار في تطوير وحماية وتعزيز حقوق الإنسان عبر التعاون والتنسيق وتبادل الخبرات بين كافة الأطراف بما فيها المجتمع الدولي والإقليمي. لقد قال الوزير خلال مخاطبته ببرج "العدل" برنامج تدشين "الخطة الوطنية العشرية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان في السودان" أنه من خلال التقييم المستمر لأداء المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان وانجازاته في هذا الملف يمكن "وضع رؤية" تؤدي إلى الوصول إلى "معرفة حقيقية بحقوق الإنسان وسيادة حكم القانون وتنفيذ العهود الدولية والإقليمية وتثبيت دعائم حقوق الإنسان تشريعاً وتطبيقاً". إنها رحلة لا تزال بعيدة غير مأمونة النتائج بالنسبة للوزير المتفائل كثيرا لوضع تشريعات ومراقبة تطبيقها وأداء تقييم مستمر لعمل المجلس الإستشاري وما يسمى ب"إنجازاته" وتبادل الخبرات والتعاون والتنسيق مع كافة الأطراف بالمجتمعين الإقليمي والدولي لوضع، في خاتمة المطاف، رؤية تؤدي إلى معرفة حقيقية بحقوق الإنسان وسيادة حكم القانون وتنفيذ العهود الدولية والإقليمية المصادق عليها من قبل الدولة. إنها عبارات "إنشائية" وجمل "اعتراضية" لا يتورع "الوزير" من إطلاقها وبثها على الملأ دون التعقيب على الملاحظات الواقعية في شأن حقوق الإنسان بالبلاد التي أبداها الخبير الدولي في خاتمة زيارته الأخيرة. إنه من المثير للغثيان حديث البعض بطريق غير "مهنية" عن "مجاهدات" الصف الأول لرعاة "حقوق الإنسان" في قتال السوداني ضد أخيه السوداني وإن كان ذلك في الماضي وسط إدعاءات مرضية عن تحلي ذلك الصف بأخلاق الإسلام والوفاء بالعهود. إنه من الثابت أن التفويض الأممي للمبعوث الدولي حول تنمية القدرات في مجال حقوق الإنسان لا يعني عدم تسجيله لخروقات الأطراف لحقوق الإنسان بما في ذلك الجرائم التي ارتكبها التمرد في كردفان مؤخرا. بوسع "الوزارة" الحديث المطلق عن الأوضاع "الوردية" لحقوق الإنسان بالبلاد. لكن أجهزة "الفاكس" و"البريد الإلكتروني" لمكتب المبعوث الدولي بوسعها أيضاً تلقي الأخبار والبلاغات عن الانتهاكات التي تقع بالفعل على هذه الحقوق.