ماحدث في مصر، زلزال، وهو زلزال له توابعه- دون ادنى شك- في المنطقة كلها. هذا من جانب، ومن جانب آخر، يعيد هذا الزلزال، إلى الأذهان، ماحدث في الجزائر، حين فاز الإسلاميون في الإنتخابات، وتدخل الجيش، لتغرق الجزائر، على خلفية هذا التدخل، في أنهار من الدم. بالطبع مصر الميادين التي احتشدت بالملايين، لتقول للرئيس مرسي ارحل، ليست جزائر الانقلاب على الديمقراطية، ذلك لأن هذه الحشود التي تقول كل التقديرات، إنها الاكبر في تاريخ مصر، أعطت الجيش ( الذريعة) للإنحياز، لما بات يتردد في مصر، بإرادة الشوارع. شرعية الصندوق الإنتخابي، ام شرعية الحشود التي تزأر في الميادين؟ هنا هو الخلاف.. الرئيس مرسي، تمسك يالشرعية، لكن الجيش انحاز، إلى الحشود، وكان منطقيا- بمنطق عدم توازن القوة- ان يخسر مرسي، لكن هذه الخسارة، على الأرض، هى في حسابه وحساب حشوده- انتصار للفكرة: فكرة ان يظل أول رئيس منتخب في تاريخ مصر، متمسكا بشرعية إرادة الصناديق، حتى ولو بذل لأجل هذه الشرعية، حياته! جملة الرئيس مرسي، وراءها ماوراءها. هو لن يكون وحده، من يدفع حياته، ثمنا للدفاع عن هذه الشرعية. أظن أنني من هنا، قد توصلت إلى ما قد يخاف منه كل الحريصين على امن واستقرار مصر، سواء كان هؤلاء الحريصون ، هم سواد الشعب المصري نفسه، ام أحباب مصر في كل العالم.. وما يثير خوف كل أولئك، هو ان تنزلق مصر، في ما انزلقت فيه الجزائر، من عنف عنيف، خاصة بعد ان تجاوزت مصر بثقافة المراجعة، سنوات من العنف، وإهراق الدم. بوادر العنف، بدأت للأسف.. والرصاص الذي لا يصيب يدوش، وهو بالتأكيد يسبب حالة من انعدام الطمأنينة العامة، وحين تنعدم هذه الطمأنينة ترتبك الحياة إجمالا.. وفي حالة مصر التي تعتمد خزينتها العامة على السياحة، يتضاءل بصورة واضحة، دخلها السياحي! الإسلاميون فشلوا في إدارة الدولة؟ ذلك سؤال..وهو سؤال تصعب الإجابة عليه، خاصة إن سنة من الزمان- وهى عمر توليهم الحكم، في الزمن الضنك، ليست فترة زمنية كافية للحكم، بنوع من التجرد والنزاهة. السؤال الذي يفرض نفسه، لماذا لم يعط المعارضون ، الوقت الكافي للإسلاميين، برغم أنهم يدركون تماما حجم التحديات التي تواجه أي حاكمين، تأتي بهم الأقدار، في أعقاب حكم ترك ماترك، من التركات الثقيلة؟ في ظني، ان أعداء الإسلاميين في مصر، كانوا يرمون بأبصارهم جنوبا، إلى السودان، حيث أول تجربة للإسلام السياسي، في المنطقة.. وهى تجربة فاشلة بكل المقاييس.. يكفي انها أدت في النهاية، إلى انشطار ثلث الوطن، وأشعلت حروبا، لا تزال نيرانها تتسعر، مما قد يشير إلى مزيد من الإنشطارات المدوية. أبرز ما يأخذه المعارضون للإخوان في مصر على الإخوان، انهم يسعون إلى ( أخونة الدولة) في دولة بتنوع مصر السياسي والديني، كانت على امتداد التاريخ دولة للمواطنة، وهذه (المواطنة) هى التي حفظت مصر على امتداد التاريخ. تجربة ماوراء حدود مصر، جنوبا، حول شكل الدولة، في زمن الإسلاميين، تجربة مثيرة للخوف، في أي دولة، يشكلها التنوع.. سواء كان هذا التنوع دينيا، او عرقيا، او لسانيا، او ثقاقيا.. ولعل هذه التجربة- للمرة الثانية- هى ما أثارت خوف معارضي الإسلاميين، في أم الدنيا! نعود للزلزال، في وصف مايحدث في مصر، الذي افتتحنا به هذه الزاوية. توابعه ربما تبدأ في تونس التي راحت تستنسخ تجربة ( تمرد) المصرية، في جمع التوقيعات التي تقول إرحل لحزب النهضة! من تونس، عبر شعار( الشعب يريد اسقاط النظام) الحدود اولا، إلى مصر، فسقط نظام مبارك مباشرة بعد سقوط نظام بن على، وهاهو الآن، يصدر المعارضون للإخوان في مصرشعار( تمرد) إلى تونس، وليس هنالك حد أحسن من حد، في تصدير الشعارات، في زمن الفوضى الخلاقة، التي تريدها امريكا لما تسميه الشرق الأوسط الكبير!