تعد برامج التمويل الأصغر واحدة من الآليات التي اعتمدها صندوق النقد الدولي للحد من الفقر بعد تنفيذها في أكثر من دولة أثبتت نجاحها، وأصبحت واحدة من آلياتها التعامل والتعاون مع الدول الأعضاء في تقديم خدماته لها، ومن أجل هذا صارت الحكومة تروِّج له وتدفعه بالدعاية أكثر من الممارسة العملية. والشاهد في ذلك أن ربع الأموال المخصصة للبرنامج بالبنوك لم يتم استغلالها، في وقت أن أكثر من(60%) من التمويل المصرفي يذهب إلى (300) شخص فقط من جملة أكثر من(32) مليون نسمة تعداد السودان (الباقي)، وبالتالي أصبح المال دُولة بين الأغنياء، والأمر الذي تراه المؤسسات المالية الدولية خلل بيِّن. خمس سنوات من تنفيذ البرنامج وما زالت هنالك مشاكل في الضمانات والمشروعات الاستثمارية، والتي باتت تتشابة إلى الدرجة التي جعلت البنوك تحجم من الدخول في التمويل. كما أن الدولة لم تحسم الصيغ التي يجب أن تقدم التمويل الأصغر عبرها، وهو أمر يدعو للغرابة، لدولة تعتبر هذا من أولوياتها، كما أن التمويل لم يذهب إلى كل الولايات بتمويل يتناسب مع حجم سكانها، أو نشاطها الاقتصادي والاستثماري. وقد أقر محافظ بنك السودان د.محمد خير الزبير في المؤتمر الصحافي أمس والذي خصصه للتمويل الأصغر بعدم وجود صيغ تمويلية محفزة للأطراف (البنوك وطالبي التمويل)، باستثناء صيغة السَلَم للتمويل الزراعي، لكنه في ذات الوقت منع البنوك التعامل بصيغة المرابحة في التمويل الأصغر، كما اعترف أن لانخفاض قيمة العملة الوطنية وارتفاع معدلات التضخم تأثير سلبي مباشر على البرنامج، تأثيره على مجمل النشاط الاقتصادي، وأن بنك السودان يضع اعتبارات لهذه التغيرات، ويحاول الحد من آثارها بقدر المستطاع، ومنها رفع حجم التمويل، من (10-20) ألف جنيه. جميل جداً أن يدعو النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه أمس في الاحتفال بتخريج (1050) من ضباط التمويل الأصغر إلى عدم الأخذ الحرفي بتجارب الآخرين واستنساخها، وأنه بالضرورة تطوير تجربة السودان الاجتماعية القائمة على الفزع والنفير لصالح البرنامج، وهو أسلوب مفقود في الممارسة العملية للحكومة، في غالبية الأنشطة المتعلقة بالجمهور.