محمد بحرالدين ادريس كاتب وناشط سياسي اشرنا في الحلقة السابقة (1- 3 ) والمنشورة بتاريخ 29 / 8 / 2013م على عدد من الصحف الورقية والألكترونية الي جملة من الأسباب الداخلية والخارجية أدت الي التراجع الذي أصاب جسد القضية في دارفور وتضخم دينامية الأحداث واتساع دائرة العنف والأقتتال ، كما أشرنا الى مجموعة من الأدوار التي كرستها اطراف الصراع في الداخل والاطراف الدوليين في الخارج والأعلام الفضائي في العالم ادت الي ضعف الاهتمام الدولي والاقليمي لأقليم دارفور من خلال التوليفة المتناقضة والمتنافرة (اطراف الداخل – والخارج و الاعلام ) ودورها في إعادة تدوير الصراع من جديد لجهة علاقتها بالجبهات المختلفة مثل السياسية والميدان والعسكرية ، واشرنا في خاتمة الحلقة السابقة ايضا بأننا سوف نتناول في هذه الحلقة علي ادوار اطراف الداخل ( الحركات – النخب السياسية والمثقفين والاعلامين في دارفور ) وتأثيراتها السلبية على المشهد الدارفوري ، ولكني اري من المفيد أكمال للقراء مقطعة صغيرة ضمن خاتمة الحلقة السابقة لم نتمكن من نشرها لدواعي فنية ، وننشرها اليوم في بداية هذه الحلقة في سطور قليلة تقريبا ومن ثم ندلف لموضوعنا الرئيسة كما وعدناكم عن دور الحركات المسلحة وابناء دارفور من الفئات المختلفة في تراجع وتيرة القضية وضعفها وموقعها من هذا المستنقع الأخذ في الاتساع يوما من ضمن سياق عنوان السابق . تتمة الحلقة السابقة من(1 الي 3 ) ومن المفيد ان نتوقف ايضا على الحالة الفوضوية التي سادت مدينة نيالا في مطلع يوليو تموز الماضي عقب سقوط المدينة في فوضى عارمة على ايدي الملشيات المسلحة وحولتها الى مدينة أشباح غارقة في بحر من الدماء في ظل قانون الغاب ، وسيادة العنف والتطرف والفوضى على المخارج والمداخل المدينة اسفرت عنها خسائر متعاظمة واضرار متضخمة ، هذه الحالة تحمل مؤشرات ما يمكن ان يحدث مستقبلا في الأقليم ما لم تتلافى وبسرعة كافة الظروف التي اتاحت لهذه الملشيات ومكنتها من السيطرة على الحياة والناس في مدينة نيالا فسيطرة هذه المجموعات المتعطشة للدماء للمدن اّهلة بالسكان أشبه تماما بمن يرتضي بوجود الثعلب في وسط القطيع، وهي في تقديري ان هذا المسؤلية لا يمكن ان نرميها على عاتق طرفا دون اخر فهي مسؤولية مشتركة بين المجتمع الدولي ، الحركات المسلحة ، والادارات الأهلية ومثقفي دارفور وعقلاء من أبناء القبائل التي يساهم ابناءها في صناعة العنف وسيادة الفوضي فعلي جميع ان يتقاسما نصيب من المساهمة في تأطير سبل إنهاء هذا الانحراف الخطير التي تهدد امن المواطن في المدن اذا سقطت مرة اخري في ايدي الملشيات التي تربت علي ارتكاب موبقات واشد جرائم قساوة للإنسان ----- نهاية تتمة
بداية الحلقة (2 – 3 ) ويجدر بنا ان نشير الي أنه لا يمكن تفسير الإنهيار المرعب والمخيف الذي يشهده اقليم دارفور وتراجع العمل النضالي فيه كما لا يمكن ان نرمي مسؤولية هذا الإنهيار والتراجع الي قلة الاهتمام الدولي ، وضعف العمل الدولي الإنساني او الملشيات القبلية المسلحة والنظام في الخرطوم دون ربطه بالحركات المسلحة المقاتلة من ناحية وابناء دارفور من الأعلامين والمثقفين وكتاب الرأي والنخب السياسة من ناحية أخرى . ذلك ان بعض من هذه الحركات والفئات المجتمع المذكورة بأختلاف قاماتها كانت وما زالت وعلى مر تاريخ القضية طرفا في مؤشرات الهبوط والنجاح ، فمثلما كان لهم دورا عظيما عام 2003 – 2007 م في الضغط علي النظام ، باتت ايضا الان دورههم في الضغط علي المواطن وصناعة الرعب والترهب وتخويف متفاخم بدرجة كبيرة وخاصة الحركات المسلحة . فسلوك بعض الحركات في إطار ممارستها لمنطق النضال والثورة تتلائم مع منطق النظام ومنطق الملشيات الفبلية المسلحة على سواء ، فهذه الحركات التي تدعي قياداتها السهر علي الحقوق والمطالب ومصالح شعب دارفور باتت تشكل خطرا على هذه المصالح وعلي الجماهير المحبطة والمزعورة من أفعالها ، وتمارس العنف والتطرف ضد كل أنواع التفكيرالمعارض لخطابه التحريضي وسياستها المتبعة وأساليب تعاملها مع مكونات المجتمع ، وباتت تمثل سببا لمعظم الإنعكاسات السالبة علي القضية وتراجعها وكذلك تشكل عاملا من عوامل الضعف والوهن في مسار العمل الثوري والنضالي المشهود ، وذلك من قبيل التشظي والإنكثار الأميبي والأنحطاط الأعلامي ونفخ في نيران العداء وسط المجتمع والقوى الثورية ، والابتعاد والانحراف من مسار الأساسية للثورة وتحولها الي سفاسف الأمور ، ذلك المسار الحمراء‘ كالجمر وقوية كالفولاذ كما يقوله (المناضل جيفارة ) تم رسمه بدماء وحافظه الأغيار تماما ودفعوا فيه ثمنا خالية في سبيل الحفاظ علي التقدم والصدارة القضية في أولويات الدولية والأقليمية وعلى رأس هؤلاء الشهيد الدكتور خليل ابراهيم ورفاقه الذين رحلوا عن دنيانا ، ففي حياة الشهيد خليل ورفاقه الشهداء كان اسم دارفور يتلألأ في السماء ويتصدر نشرات الاخبار والتحليلات علي الشاشات التلفزة العالمية والصحف والمقالات والكتب واليوم نكاد نري اسم دارفور حتي على شريط الانترنت كما لو كان قضيتها منسية . ذلك ان هذه الحركات المسلحة كانت لها دور ليست في الفشل في تحقيق أهدافها الثورية والحفاظ على مسارها فقط ولكن في ديمومة أمراض الوعي والخلافات البينية والقبلية المفرطة والإنشطارات والفشل السياسي وعجزها في تأطير السبل لمعالجة اسباب الفشل من اجل الوصول الي النجاح . ففضائح الحركات المسلحة هي فضائح النظام وفضائح الملشيات القبلية نفسها على الأقل وان اختلف أشكالها بأختلاف درجات هذه الفضائح . ولا غرابة لو كررنا هنا كما نكررها مرارا ولمرة الألف ان توحيد هذه الحركات وتوحيد قيادتها وعملها السياسي والعسكري وأصلاح خطابها السياسي ونهوج مسار اعلامي جديد وهادف هي في تقديري السبيل الحقيقي الذي يعجل من إنهاء معاناة الناس في الاقليم والخلاص من النظام وتوابعه وكسب التعاطف العالمي والاهتمام من جديد. أما النخب السياسية ومثقفيي دارفور والاعلاميين وكتاب الرأي لا يمكن اعفاءهم اواستثناءهم من مسؤولية تضخم الاوضاع في دارفور وضعف العمل الاعلامي ودورهم في الغياب الدولي والاعلامي المعولم او عجزهم في نقل المشاهد المروعة ومظاهر الدمار التي تختزل احيانا بتداول محلي ومناطقي فقط دون تحرك هذه الفئات لأبرازها في المحافل الدولية واوساط اللوبيات الضاغطة في الغرب او نقلها الي شاشات التلفزة وشبكات الانترنت التي تعج يوميا بصور وفديوهات الناجمة عن الاحداث المروعة حول العالم وتشاهدها ملايين من الأشخاص من مختلف بلدان العالم ' هذا الاعلام الذكي الذي يتسم بسرعة نقل الخبر وقوة تأثيره على المجتمعات المتحضرة ومتاح بأقل أكلاف ومتوفر في معظم مساحة اليابسة تقريبا. لقد ابلي فئة الاعلاميين والمثقين والنشطاء والنخب السياسية في الداخل والخارج بلاءاَ حسناَ خلال الاعوام الأولي للأزمة وكان لهم اسهامات كبيرة ومقدرة وفاعلة في تحويل القضية من فسحة ضيقة الي الاقليمية ثم الي الفسحة العالمية ثم تدويل واكتساب التعاطف العالمي لمعاناة ومأسي السكان في الاقليم وذلك عبر تدجين المقالات ونشرالصور المروعة علي الاعلام وأقامة ندوات ولقاءات السياسية واحتجات الدائمة والحديث علي الاعلام الفضائي خاصة في اوربا وامريكا والقاهرة هذه الفئات المثقفة والنشطة قد اصابها الأعياء وبلغت من اليأس الى حد التكيف مع الأوضاع الراهنة وأعتبارها أقدارا مقدرة لا مناص منها ، وعطلت دورها السياسي والاعلامي المساهم جنباُ الي جنب مع العمل الميداني والأعلامي ، وأنهت بشكل محرج دورها ونشاطها النضالي وانسحبت من حقل الكتابة والتدجين والتوثيق وتناول الواقع السياسي والأعلامي عن احداث وتحولات البشعة على الارض في الأقليم إلا بنذر يسير ومحدود لا تتعدي اصابع اليد الواحد في الشهر لا تقوي تأثيرها على المشهد وتغلب عليها مغالطات لمسار العمل الثوري وبأثر رجعي تتطرق على الأخفاقات وهواجس الماضي دون ان يحظً المستقبل نصيبا وافرا من التناول الموضوعي الذي يرسم لغد تتغلب على هواجس الماضي ، فمثل هذا التعبيرات ينتج عنها مناخات مقلقة من الاحباط والارباك الملائمة احيانا لتكريس الضعف والخوف وجعل من هذه الاهداف بعيدة لدرجة خيالية ان لم نقل عصياَ على التحقق وان مثل هذا الفهم من النقض والرجوع الي الوراء وبأثر رجعي يكرس لثقافة الاستسلام ويرسخ ثقافة التكيف مع الضعف والوهن والاذعان للاقدار ، وهذا تتنافر وتتعارض مع ادوار ينتظرها شعب من هذه الفئات مستقبلا . وعلى رغم من تجرؤ بعض من هذه الفئات على قلتها تناول عن علاة وانحرافات وضعف الحركات المسلحة ودور اهل السلطة وغيرها في تأثير سلبا على الاوضاع في الاقليم الا ان هذه الفئات المثقفة اغفلت تماما التناول او الحديث عن دورها هي وفشلها ونصيبها من هذا الفشل الذي اصاب جسد القضية ، فبمثل ما يقال عن ان الحركات المسلحة هي سبب في التراجع المشهود في دارفور ايضا يقال منذ فترة ان إنكفاء هذه الفئات وغيابها عن المشهد وتبرءها عن النضال سببا مضاعفا لهذا التراجع الملحوظ ولن يؤدي سوي على مزيد من الفشل والوهن اذا استمرت في غيها الجدير بذكر بأن ضعف أعلام الثورة وتأثيره على العالم وتراجع دور مثقفي واعلاميي دارفور وكتاب الرأي المعادين للنظام بشكل مقلق وقلة مساهمتهم في العمل الأعلامي الثوري تحول لصالح النظام والأعلام الحكومي وأعلاميي المركز والموتمر الوطني الذي قطع خطواط متسارعة نحو العالمية وتوسع متدرج في تعزيز تعبئة اعلامية داخلية وخارجية لأزاحة الانتباعات السيئة والمربكة عن النظام في العالم إزاء موبقات المحرمة دولبا التي يرتكبها النظام يوميا في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق ، وتمكن النظام بتثمير ذلك الضعف الاعلامي وقلة أليات المنافسة الاعلامية لدي المعارضة والحركات وحاول مرارا عبر هذا الضعف تخبش الوعي العالمي وتموضع كضحية لأجندات خارجية وكسب موالاة في الداخل والخارج في الوقت الذي يملأ فضائحه وجرائمه البر والبحر. هذا الاعلام الحكومي الذي تم قوننته وتجهيزه وتمكينه من خلال قنواة فضائية وصحف متخصصة ومراكز شديدة الأكلاف انيطت ادارتها لكوادر نخبوية متمرسة في الاعلام التحريضي التعبوي مكن النظام من اللعب ادوار مختلفة في المجال الاعلامي وقفز بسرعة من تلفزيون حكومي واحد عام 2003 الي أكثر من عشرة قنوات مدولة قادرة على البث عبر أكثر من 500 قمر اصطناعي حول العالم يديرها رجالات الانقاذ والمقربين من حزب المؤتمر الوطني . محمد بحرالدين ادريس كتاب وناشط سياسي 31 /8 / 2013 م