أ/عزيز كافى ظهر العديد من المصطلحات في التاريخ السياسي العربي الحديث والمعاصر منها مصطلح «المستقلون»، الذي ظهر مع بداية فترة الإستعمار على الدول العربية، وإستمر تداوله بعد إستقلالها وحتى الان هذا المصطلح، كان يعني بأن من يدعون أنهم مستقلون يريدون الإستقلال لبلدانهم، ومن ثم هم ليسوا تابعين للنظام السياسي القائم آنذاك أو لأية جهة أخرى. ثم أخذ هذا المصطلح أبعاداً أخرى مع مرور الزمن من قبل القوى والأحزاب السياسية فالإستقلال بالرأي مبدأ ظهر لدى المثقفين العرب، لكن المفهوم يشوبه الغموض لدى الأفراد والجماعات والأحزاب، وكثيراً ما إستغل سياسياً واجتماعياً فهل يعني الإستقلال الحياد أم الموضوعية، أم يعنى عدم الإنتماء لتيار من التيارات السائدة في مرحلة من المراحل التي نعيشها؟ ويبدو أن مفهوم الإستقلال والمستقلين يختلف من مجتمع لآخر، ومن وقت لآخر ، ففي الإمكان تحديد معنى ومفهوم الإستقلال بشكل عام، ولكن من الصعب تحديد ذلك في دولنا العربية، التي إختلط فيها السياسي بالإجتماعي بالاقتصادي، وكثيراً ما نسمع عن مستقلين في حياتنا السياسية ولكنهم ليسوا كذلك في حقيقة الأمر. فقد إستخدم هذا المصطلح تكتيكياً في الممارسة سواء من قبل بعض الأفراد أو بعض الأحزاب والقوى السياسية في مناسبات وأحداث عاشتها دولنا واعتبروا ذلك شطارة وجزءاً من العمل السياسي،على سبيل المثال يستخدم هذا المصطلح كثيراً في الإنتخابات العامة في دولنا، معظم الذين يرفعون ذلك الشعار ليسوا مستقلين! حيث نكتشف بأنهم منتمون لجماعات وقوى لكنهم إستخدموا شعار الإستقلال ليحققوا نجاحاً بكسب أصوات البسطاء من عامةالناس. بسبب قصور ربما في الوعي السياسي والثقافة. علينا ألا ننكر بأن هناك مستقلين ،حقيقة لا يرغبون أن يصنفوا على أنهم من هذا التيار أو ذاك، لكن المشكلة التي نحن بصددها هي من يدعون الإستقلالية وهم غير مستقلين. علينا أن نتيقن ونتأكد من مدى صدقية المدعي بالإستقلال، وماذا يعني بهذا المصطلح. لقد اختلطت في دولنا النامية المفاهيم، وأصبح صعباً التمييز بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي، وبناء عليه لا بد من الحذر والتدقيق لأن المصطلحات مثل الإستقلال لها مفاهيم قد يستخدمها البعض بعيداً عن المصلحة العامة للناس ، وقد تكون صادقة لكن المهم كيف نعرف أن أغلبها ليس كذلك، الذي يحدد ذلك الثقافة ومدى الوعي السياسي لدى المواطن. وما يلفت الإنتباه أن بعض أولئك الذين يدعون الإستقلالية في الرأي والموقف نكتشف بعد فترة بأنهم منتمون لتيار معين، وأنهم قد إستغلوا ذلك المصطلح، ويلاحظ الكثيرون بأن عدداً من القوى السياسية والدينية السياسية في دولنا تستخدم ذلك في الإنتخابات، وقد تجني ثمار بعض مرشحيها (المستقلون) بنجاح ولكنها بكل تأكيد خلقت إرتباكاً وإضطراباً وإستغلت العامة من الناس، وربما أوصلت بذلك النهج أناساً إلى مواقع هم لا يستحقونها . إن بعض العناصر لها إرتباطاتها الحزبية والسياسية تطرح نفسها على أنها مستقلة لماذا؟! لماذا لا تكشف عن هويتها الحقيقية ويكون الرد هذا جزء من العمل السياسي، انه جزء من الخداع السياسي لكسب أصوات الأغلبية الصامتة والتي يكون وعيها السياسي محدوداً، ولأن تلك القوى تخشى عدم قناعة الناس بأطروحاتها فتلجأ إلى ذلك الأسلوب. وكثيرون يتجهون لإنتخاب ما يسمى بالمستقلين لعدم قناعتهم بتلك القوى وخطابها، ويبقى السؤال من هم المستقلون فعلاً؟ أثناء الحدث تختلط الأوراق لكن مع الوقت وبعد إنتهائه يكتشف المواطن حقيقة الأمر، عندها يشعر بأنه خدع ويبدأ الشك، والشك ليس جريمة، وإنما كما يقول ديكارت الشك طريق اليقين. نحن أمام ظاهرة اسمها المستقلون وبخاصة في الإنتخابات العامة في مجالسنا أو في مؤسسات المجتمع المدني أو غيرها في بلداننا، وهي ظاهرة تستحق التأمل، فهل هذا تيار جديد إسمه المستقلون لكن كيف نحدد ملامحه وفكره؟ فهو خليط غير متجانس، ولا يعبر عن إتجاه أو تيار أو ثقافة لها أسسها ووضوحها يمكن أن يكون أولئك من أغلب التيارات ويمكن أن يكونوا بعيدين عنها وعن السلطات وهم مستقلون فعلاً. فهل هي ظاهرة في حياتنا السياسية، وكيف نتعامل معها؟ أو أن هذا السؤال يحتاج إلى البحث والدراسة لكن المهم أن ندرك حجم وتأثير أولئك المستقلين. إن إصطفاف عدد كبير منهم خلف ذلك المصطلح يفسح المجال أمامهم لكسب الناخبين، والفوز بما يريدون، وفي الوقت نفسه يستطيعون بذلك الإقتراب من السلطة للحصول على مواقع مهمة بعد إنتخابهم أو حتى بعد فشلهم. ومن خلال دراسة متأنية لمرشحين ونتائج الإنتخابات العامة في عدد من دولنا نعتقد بأن عدداً من المستقلين لا هم مستقلون ولا من يحزنون، وأن الناس قد أدركوا حقيقة أولئك، وعرفوا دوافع وإتجاهات ما يسمى بالمستقلين، مع علمنا بأن بعض المستقلين كانوا صادقين في حملهم لذلك الشعار. المراقب لهذه الظاهرة يكتشف بأنها جزء من التراث السياسي في العالم الثالث لشدة تخلفه وقد يرد علينا البعض بأن استخدام هذا المصطلح موجود في العالم وحتى العالم الأول المتقدم، الجواب نعم ولكن معظم أولئك المستقلين في العالم المتقدم مستقلون فعلاً. ونحن لا ننكر أن مسألة الإستقلال بالرأي، موقف إيجابي لكن في ظل واقعنا السياسي والإجتماعي المضطرب لانريد إستغلال الإستقلال.