فى مدرسه بيت الامانه الاوليه ، كان ناظرنا المربى الرائع الشيخ شعيب الذى كان يسكن فى ود درو ، يدرسنا مبادئ الدين الاسلامى . واذكره يتحدث عن الطمأنيه ، ويشرح لعقولنا الصغيره ان الطمأنينه مهمه فى الصلاة . ويقول ، الانسان ما يكون مشغول اذا كان بصلى فى راكوبه وبخاف انه الراكوبه حتفع فيهو . او خايف انو حمارو يشرد . او فى كلب والزول خايف منو . لازم الزول يصلى بطمأنينه . حتى تصلح الصلاة . عندما ينعدم الامن والطمأنينه . يهرب الناس من ديارهم واهلهم ، كما كان يحدث فى الجنوب ويحدث الآن فى دارفور واماكن اخرى فى السودان . اكبر انجازات الاوربيين ، هو انهم احسوا المواطن بالأمن والطمأنينه . والمواطن لا يخاف ويضطرب عندما يرى رجل الامن . بل على العكس يحس بالامن والطمأنينه . بعد الزلزال اليابانى الاخير والذى هو اسوأ كارثه حلت باليابان . كان اليابانيون يقفون فى صفوف وبإنتظام وادب . وبأمن وطمأنينه ، يتلقون المساعدات من ماء وشرب وخيام وعلاج . بل كانوا يفضلون الآخرين على انفسهم . ولم نرى تدافعاً او هلعاً فى عيون الناس . لانهم كانوا يعرفون بأن الدوله هنالك ، لكى تساعدهم . وبنى جلدتهم قد تركوا كل شئ وتطوعوا لمساعدتهم . وكانوا يعرفون بأن المسئولين يفكرون فيهم فى كل لحظه . واعيد بناء طريق سريع فى فترة سته ايام . ولم يقم اى انسان بسرقه الاسمنت او المواد ، او يضاعف الموردون اسعار المأكولات واسعار المعدات . نحن نعيش فى حالة هلع . وحتى عندما لا يكون هنالك سبب نتدافع ، لاننا لا نحس بالأمن والطمأنينه . فى التسعينات حضرت الى القاهره . وتصادف حضور طائره سودانيه من السودان . وكان الركاب فى حالة ركض ودفع وصراخ واندفاع اهوج نحو البوابات ، وبرطعه وبردبه فى السلالم . وعندما انجلت المعركه التى اخذت دقائق كانت هنالك ثلاثه كعوب لاحذيه انخلعت ولم يهتم اصحابها . يوم الاحد الماضى الموافق 24 ابريل 2011 ، بدأنا رحله العوده الى السويد من برلين ، بعد ان تطمنا على نجاح عمليه اختى ميسون ، وعدنا ونحن فرحون . وكان طريقنا الى العباره فى شمال المانيا يأخذ عدة ساعات . وتوقفنا فى الطريق . وطبعاً فتحت الابواب بالطريقه السودانيه . وتدافع خمسه من الابناء يحملون الجينات السودانيه . واصاب الباب الامامى سياره اسره المانيه . فاندفعت نحونا سيده المانيه بطريقه هستيريه . وبدأت فى الصراخ . فطلبت من ابنائى ان لا يتكلموا معها وان يتركوا الامر لوالدتهم . ولكن كالعاده كان الجميع يتحدثون فى وقت واحد . وبما ان هذا الجزء من المانيا كان الى وقت قريب تابعاً الى المعسكر الاشتراكى ، فان حيازه عربه قديما كانت تعتبر معجزه . والمواطن كان يكون فى الانتظار لمده قد تصل الى عشرين سنه ، قبل ان يسمح له بشراء عربه ماركه تربانت . وهى صندوق من البلاستيك بماكينه دراجه بخاريه . السيده وزوجها كانوا فى حاله صدمه . وبما ان سيارتهم كانت جديده ، فلقد كان الامر بالنسبه لهم كارثه . ولم يصلح الحال ان اكبر الاولاد ومن ارتفاع مترين كان يخاطب السيده بشراسه . واندفع آخر يقل عنه طولاً قليلاً . وثالث بجسم متماسك ونظرات ناريه . واثنين اصغر سناً اكتفوا بنظرات عدائيه . وكان احدهم يطلب منى ان اخرج من السياره حتى اخيفهم . وكان يطالب باخافتهم . فرفضت ان اخرج . السيده كانت مضطربه . وكنت على وشك ان اقول لها يمكنك ان تأخذى رقم السياره ورقم التأمين ويمكنك اصلاح السياره وسيتكفل تأميننا بالتصليح . الا انها كانت فى حاله صدمه . وكانت تطالب زوجها ان يأتى بمن يعمل فى محطه البنزين والمطعم لكى يدعم موقفهم . وقام زوجها بالاتصال بالشرطه . ووقف امام سيارتنا حتى لا نهرب . وقال لنا بأن الشرطه فى طريقها وستأتى فى نصف ساعه . وبدأت احس بحرج الموقف . لاننا يمكن ان نتأخر على آخر عباره فى ذلك اليوم . وقد نضطر لقضاء الليل فى شمال المانيا . وكنت احسب ان الشرطه ستتأخر . ولكنهم بدلاً ان يحضروا فى نصف ساعه. حضروا فى ظرف ربع ساعه . الشرطى الالمانى كان عملاقاً حليق الرأس يضع على اذنه اليمنى ثلاثه من الحلقات الذهبيه ، فى شكل فدوه صغيره . وكان يتكلم الانجليزيه بطلاقه ، على عكس سكان شرق المانيا . واستمع رجل البوليس لموال السيده المكلومه . التى تحدثت عن الكارثه وسيارتهم الجديده . وكانت تشير كل الوقت على اخدود فى باب سيارتها . وبعد ان استمع رجل الامن بصبر . قال لها هل تظنين ان هذه السياره السبب فى هذه الاصابه .؟ وعندما كانت الاجابه طبعاً . قال الرجل بكل هدوء ( او مقليش ) او غير ممكن . وقال لها انه حسب خبرته كشرطى يعرف ان اصابه عميقه بهذا الشكل تحتاج لان يكون الباب مسافراً بسرعه 300 كيلو متر فى الساعه . وهذا غير ممكن اذا كانت السياره واقفه . ثم فتح الباب بهدوء وحركه حتى لامس سيارتها . وقال لها مرة اخرى ( او مقليش ) . لان الباب ليس مسطره او سكين بل الباب له تعرجات . وهنالك شريط معدنى كزينه فى البابين . ولن يسمح باحداث اصابه كخط مستقيم . بل ستكون هنالك عدة نقاط ، وليس خطاً مستقيماً . ولكى يحسم رجل البوليس الامر طلب منا ان نجلس جميعا فى السياره . حتى تكون السياره فى نفس الارتفاع عندما فتح الباب . وطلب منى تحريك السياره عدة سنتمترات للامام وللخلف . وقال بطريقه حاسمه للسيده ( او مقليش ) . واعتذر لنا الرجل العملاق الالمانى ، الذى يذكرنى شكله بافلام هوليوود عندما يصورون الجنود الالمان . واحسست بالامن والاطمئنان . وقالت زوجتى حسى ده ممكن يحصل لاجنبى فى بلدنا او فى اى بلد افريقى او عربى ؟ . هذا الامن والاطمئنان الذى يجب ان نحس به فى الصلاة هو شئ مهم لكى نقف امام الخالق . وهو شئ رائع وجميل عندما يتوفر للانسان . وقديماً كان هذا متوفراً للسودانيين . والدليل مثلاً اننى عندما كنت فى الثانيه عشر من عمرى كنت اسافر فى البواخر والقطار الى جنوب السودان لوحدى فى الاجازات المدرسيه . وكان اهلى في حاله امن واطمئنان . وكان خالى اسماعيل خليل يرسلنى عائداً الى امدرمان بالباخره . وهو آمن مطمئن . وفى الاجازه المدرسيه كنت اجوب اعالى النيل على ظهر قندران بصحبه الرجل الرائع واستاذى سائق القندران محمد يسن واخيه عوض المساعد . وكنا نذهب الى اى مكان وننام فى العراء . صديقى ايفان كرنه الكرواتى كانت له مقهى فى وسط البلد وهذا فى السبعينات. وكان اليوغوسلاف وكثير من الاجانب يأتون الى المقهى . وكان البعض يقوم بسرقه الاشياء من المتاجر . ويبيعونها فى المقهى . وصار المقهى مكان لتجمع اللصوص والمشترين . فاراد البوليس ان يقفل المقهى . فاستدعوا الاطفائيه . فأتى رجل يقترب من الستين فى عمره وهو مهندس حريقه ( سلامه ) . وبينما هو يكشف على المكان . حضر بعض الزبائن . فطلب منهم البوليس والانصراف قائلا ان المكان سيقلق ، لان التوصيلات الكهربائيه غير سليمه وهى خارج الجدار . فقال المهندس لرئيس المجموعه من الشرطه . ( اذا اردت ان تقفل هذا المكان ، فيمكنك ان تفعل هذا . ولكن لا تقحمنى فى الامر . لاننى كشفت على المكان وليس هنالك اى خطأ . وعندما اشار رجل البوليس للتوصيلات خارج الجدار . قال المهندس ( هل انت مهندس السلامه ام انا ؟ . وجود الاسلاك داخل الجدار ليس بالزامى . بل هى عمليه تجميل فقط . ونحن نفضل الاسلاك خارج الجدار . لانه يسهل مراقبتها . وليس لك حق فى ان تقفل هذا المقهى بسبب السلامه . لان صاحبه قد التزم باسباب السلامه . وليس لك حق فى ان تحرمه من دخله . ) فى السبعينات كانت هنالك عداوه مكشوفه بين الاتحاد السوفيتى والسويد . وكان السويد يتهم الاتحاد السوفيتى بانهم يرسلون غواصات باستمرار للشواطئ السويديه للتجسس . وصرح الاتحاد السوفيتى بانه لا يحتاج للتجسس على السويد . لانه يحتاجون ليومين فقط لاحتلال كل السويد . وعندما سؤل رئيس الاركان السويدى فى التلفزيون عن صحه زعم الاتحاد السوفيتى . قال رئيس الاركان ان هذا مستحيل . ثم واصل بعد فتره ان الاتحاد السوفيتى يحتاج لاسبوع لاحتلال السويد . وقلنا غفر الله لرجل عرف قدر نفسه . والسويد اخترعت الديناميت . وتنتج احسن مدافع فى العالم واحسن رشاشات فى العالم . وهو النوع الذى قتل به السادات ويعرف بكارل قوستاف . وينتجون خيرة الطيارات المقاتله التى تشترك الآن فى ليبيا . ويصنعون الغواصات . وبالرغم من هذا لم يتبجحوا ، كما يعمل قادتنا فى السودان ويهددون كل العالم ويغنون روسيا امريكا قد دنا عذابها . فى تلك الايام العصيبه ، اصطدم كابتن ناقله نفط روسيه بصخره فى قاع البحر خارج ميناء اوديفالا فى الشاطئ الغربى فى السويد . وسببت الباخره خسائر ضخمه وتلوث بيئي . وطالبت الحكومه السويديه الاتحاد السوفيتى بمبلغ كبير تعويضاَ عن الخساره . وعندما طلب من كبير الادلاء فى الميناء وهو سويدى قح ان يدلى بشهادته فى المحكمه ، وهذا فى تلك الايام الملتهبه ، والسويد تحسب ان الاتحاد السوفيتى يتحرش بها . قال كبير الادلاء ان الغلطه هى غلطه السويد . لان تلك الصخره موجوده ويعرفها كل الادلاء ولكنها ليست موضحه فى الخرط البحريه . والتزمت السويد بالخساره واصلاح الناقله والحموله . ولم يشنق الدليل السويدى . ولم تكن هنالك عمليه شواء . ولم تذهب المظاهرات لتحطيم منزله بسبب الخيانه الوطنيه . بل ان بعض الصحف قد اشادت به . والانسان عندما يكون آمناً ومطمئناً يكون معقولاً . ويكون صادقاً مع نفسه ومع الآخرين . التحيه ... ع س شوقى ...