ورحل القائد محمد النور محمود الحاج الرياض انتقل إلى الدار الآخرة صباح الجمعة 29/4/20111م في لندن المناضل الشجاع عبد الله إدريس محمد سليمان بعد معاناة شديدة على سرير المرض جعل الله المرض كفارة لذنوبه، والموت راحة له من كل شر، رحل القائد عبد الله إدريس بعد أن ترك بصمة واضحة في تاريخ إرتريا الحديث، وسطر صفحات مشرقة من النضال لتحرير إرتريا كتبها بدمه ودموعه وأفنى فيها شبابه وكهولته جندياً مستبسلاً، وقائداً عسكرياً محنكاً، حتى وافته المنية ثابتاً على مبدئه. ولد الفقيد رحمه الله في قرية قرابيت إحدى قرى وادي شلاب، قرب مدينة أغردات، وقرية (قرايبت) مسقط رأس الفقيد قريبة من قرية (أفئدة) التي عرفت كمنارة للعلم فضلاً عن تنوعها الاجتماعي حيث جمعت منذ بدايات القرن العشرين نخبة من العلماء والوجهاء والنبلاء، بقيادة الشيخ محمد ود الأمين ود حامد ود شيخ، وكان والده رحمه الله من وجهاء أفئدة والقرى التي حولها، وقد أقام أولئك النبلاء نوعاً من العقد الاجتماعي فيما بينهم مرجعيته الشريعة الإسلامية، والأعراف الحميدة، وأثر هذا الكيان الاجتماعي على واقع الناس في حياتهم ومعاشهم وشؤونهم كلها، وأصبحت (أفئدة) قرية في مواصفات مدينة يقصدها الناس لتعلم القرآن والتفقه في الدين، وقامت بين سكانها روابط قوية من المودة والرحمة والتآلف جعلت منهم أسرة واحدة رغم اختلاف قبائلهم وعشائرهم. في هذا المناخ التربوي ولد الفقيد ونشأ وقرأ القرآن وارتوى من القيم النبيلة كالشجاعة والكرم والمروءة التي عرف بها سكان وادي شلاب عامة، وأفئدة وما جاورها من القرى خاصة. ولم يطل مقامه في مسقط رأسه وصباه بل ارتحل لطلب العلم، لكن إعلان الثورة الإرترية ألهبت مشاعر العزة والكرامة في نفسه فالتحق بها في ريعان شبابه، وتدرج في مناصب عسكرية عديدة إلى أن أصبح رئيساً للمكتب العسكري عام 1975م ، فرئيسا لجبهة التحرير الإرترية عام 1982م، ولم يفارق الخنادق إلا بعد أن أثقله المرض والجراح. وإذا كان الرعيل الأول ممن كانوا مع الزعيم حامد عواتي أشعلوا شرارة الثورة، فإن الفقيد كان من جيل التأسيس الذين أكملوا بناء جيش جبهة التحرير بعد أن تسلموا الراية من ذلك الرعيل، وبز أقرانه في الشجاعة والإقدام والتضحية، وزادته الدورات العسكرية التي أخذها في سوريا حنكة وخبرة، مما مكنه من الجمع بين الدراسة النظرية والممارسة والخبرة القتالية الفريدة. لا تذكر سيرة الفقيد إلا مرتبطة بمسيرة جبهة تحرير إرتريا (الأم) فهو جزء من تاريخها، ومن صناع قراراتها المصيرية، وقد بلغت جبهة التحرير الإرترية منتهى مجدها في سبعينات القرن الماضي حيث تحولت إبان فترة رئاسته لمكتبها العسكري إلى جيش متكامل مهيأ لإعلان استقلال إرتريا، فقد غطى معظم الريف الإرتري وطرق أبواب المدن الإرترية، ولم يفصله بين إعلان الاستقلال إلا دخول أسمرا حيث كانوا على مشارفها. هنا حصل تحول دراماتيكي في الساحة الإرتري قلب الموازين فجأة، فقد أصاب القوى الإقليمية والدولية الذعر مما يجري في إرتريا، وعرفوا أن إعلان استقلال إرتريا في هذا الوقت وعلى يد جبهة تحرير إرتريا يعني قيام دولة عربية تعتبر امتداداً طبيعياً للدول العربية وعمقاً للأمن العربي، ويتحول معها البحر الأحمر إلى بحيرة عربية إسلامية، وهو ما يعني إضرار بأمن إسرائيل، فصدر قرار القوى الإقليمية والدولية بتصفية جبهة التحرير وإحلال تنظيم الجبهة الشعبية الطائفي بقيادة أسياس أفورقي محلها في خطوة التقت فيها الأطماع الدولية مع شغف المتطرفين المسيحيين الذين لم يؤمنوا باستقلال إرتريا إلا حين رأوه حقيقة قريبة المنال، وفي غفلة أيضاً من قيادات جبهة التحرير عن أبعاد هذه المؤامرة حيث انشغلوا بصراعاتهم الداخلية عن مواجهتها، وتسارعت وتيرة الأحداث في مسرحية تراجيدية خطيرة، وانهارت جبهة التحرير بدخول جيشها الجرار إلى السودان، وإخلاء مواقعها في إرتريا كلها لتنظيم الجبهة الشعبية الذي لم يحلم يوماً بالوصول إلى منخفضات إرتريا الغربية أو سواحلها الشرقية في دنكاليا، لكن الحق إن المؤامرة كانت أكبر بكثير من حجم الجبهة كما يقرر ذلك القادة والخبراء العسكريين أمثال المناضل/ أحمد جاسر. وحتى يكتمل إنهاء الجبهة عسكرياً وسياسياً قامت الجبهة الشعبية بقيادة أسياس أفورقي باغتيال القيادات العسكرية والسياسية للجبهة من أمثال المناضلين محمود ود حسب، وسعيد صالح، وإدريس هنقلا، وولد داويت وغيرهم من المناضلين الشرفاء، وكانت أكثر القيادات استهدافاًُ بالتصفية والاغتيال هو القائد الفقيد عبد الله إدريس وحين فشلت محاولاتها كلها والتي تصدى لها الفقيد بكل جرأة وبسالة قامت بحملة اغتيال معنوي وتشويه منظم لم تؤت ثمارها بسبب وعي الشعب الإرتري وثقته في وطنية وإخلاص الفقيد، وأصحابه الشرفاء الذين أفنوا أعمارهم في سبيل استقلال إرتريا. إن الثورة الإرترية وخاصة مسيرة جبهة التحرير الإرترية تتشابه إلى حد التطابق مع مسيرة منظمة التحرير الفلسطينية في البناء والتوسع والتمكين ثم التآمر عليها ثم إنهاء وجودها العسكري في لبنان وتشتيت جيشها ومناضليها في الدول العربية كتونس والجزائر واليمن والسودان، والشأن ذاته ينطبق في تصفية القيادات، وإلصاق التآمر بالقيادات النزيهة، والتمكين للمشبوهين في قيادة الثورة. ولا يستغرب هذا التشابه بين الثورتين مادام التشابه ممتداً إلى جوانب أخرى، فحساسية الموقع الجغرافي لإرتريا حيث قربها من باب المندب المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، من جهة، وامتداد شواطئها على أكثر من 1000كم على الساحل الغربي للبحر قبالة أرض الحرمين هذا الموقع المهم جعلها أطماع المستعمرين منذ القدم، وهو ما يجعله قريباً من أهمية موقع فلسطين، كما يتشابه نضال الشعبين في موقف الآخرين منه، فقد شكا الشعب الفلسطيني عبر مسيرة نضاله الطويلة من جرائم الأعداء وخذلان الأشقاء باستمرار، والشيء ذاته يقال في نضال الشعب الإرتري الذي عانى من تنكر الأشقاء العرب لهم، وقبولهم بنظام أفورقي الذي مسخ هوية الشعب الإرتري. إن انهيار جبهة التحرير الإرترية ودخولها إلى السودان لا يقرأ بموضوعية بعيداً عن الموقع الجيوسياسي لإرتريا، وأطماع القوى الكبرى عليها. وعوداً على ما بعد صدمة انهيار الجبهة فإن الفقيد كان أول من أعلن مواجهته لهذه المؤامرة، واستبسل في إعادة بناء كيان الجبهة من جديد. وجاء تحرير إرتريا المزعوم في بداية التسعينات بعد تغير موازين القوى، وإبعاد الاتجاه العربي والإسلامي من الثورة، وقطف ثمرته تنظيم طائفي مسخ هوية الشعب الإرترية الدينية وثقافته العربية، وعزله عن أشقائه المسلمين والعرب، وجعل من إرتريا كائناً غريباً ليس له مبرر تاريخي أو جغرافي بمحيطه، وما كان لأمثال المناضل عبد الله إدريس ليرضى بهذا الوليد المشوه، فاستمر في نضاله، حتى مات بعيداً عن إرتريا كبقية الأحرار من قادة المسلمين الذين نشهد رحليهم المتتابع في السنين الأخيرة. لئن فقد الشعب الإرتري هذا القائد الفذ، والرمز الوطني الكبير، فإنهم لا يفقدون ثقتهم بالله وبأن اللحظة التاريخية التي أفنى فيها الفقيد حياته قادمة بإذن الله، وسيجعل المناضلون الشرفاء موته عهداً جديداً يزيدهم تمسكاً وإصراراً في إسقاط نظام أسياس الطائفي. قد يختلف الناس في الحكم على تفاصيل سيرة القائد عبد الله إدريس، شأنه شأن كل زعيم تولى الشأن العام، ونصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل، لكن مهما اختلف الناس في تقييم مسيرة الفقيد فإن أعداءه ومحبيه يجمعون على أمرين: الأمر الأول: شجاعته وإقدامه في المعارك بشكل يذهل له أولو الألباب. الأمر الثاني: اعتبره المتطرفون من المسيحيين خطراً شديداً على مشروعهم الإقصائي، وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل. ويزيد المنصفون على ذلك أمراً ثالثاً وهو الشهادة بإخلاصه ووطنيته الصادقة التي لا يشكك فيه إلا من كان في خانة المتآمرين على جبهة التحرير الإرترية أو كان مخدوعاً بتلك المؤامرة. عزائي لأفراد أسرة الفقيد فرداً .. فرداً.. بدءً بالابن الأكبر للفقيد الأخ/ إبراهيم عبد الله إدريس وإخوانه وأخواته في السودان والسعودية ومصر ولندن، والعزاء قبل ذلك لشقيق الفقيد العم الأستاذ/ محمد إدريس محمد سليمان، ولأبناء إخوان الفقيد وأبناء أخواته، الأعمام والعمات المرحومين عثمان، ومحمد صالح، ومحمد علي، وفاطمة، ومريم، رحم الله الجميع، وبارك الله في الأحياء منهم، وجمعنا بهم مع والدينا في جنات النعيم. وعزائي موصول لرفقاء دربه المناضلين الشجعان الذين فجعوا بموته، وللشعب الإرتري الأبي. رحم الله الفقيد، وتجاوز عنه، وعامله بكرم جوده وإحسانه