عندما نسأل عن حال التعليم اليوم في السودان أو حتى في عالمنا الثالث أو الاسلامي يبطل العجب ونتذكر قول الشاعر: مررتُ على المروءةِ وهي تبكي فقلتُ: عَلامَ تنتحبُ الفتاة؟ التعليم قضية حساسة تمس الأمن الوطني ويجب التعاطي مع فكرة تركه لقمة سائغة في قبضة المال أمر يحتاج لكثير من الحذر.. في كثير من الأحيان نجده التعليم الخاص وكأنما انشىء من أجل طبقة اجتماعية دون سواها حيث لا تتم مراعاة الأسرة المتوسطة الدخل.. ينظر البعض إلى التعليم على اعتباره نوعا من الاستهلاك والاستثمارا في الوقت ذاته، وهنا يقفز تساؤل مهم حول من المسؤول عن التعليم، هل هي الدولة ام المجتمع؟.. وبدون تردد يمكن أن نقول الدولة هي المسؤول الأول، وذلك في اطار مسؤولياتها تجاه إعداد المواطن الصالح، ومما يؤكد ذلك أن التعليم إلزامي.. لكن في المقابل يمكن للدولة أن تعطي القطاع فرصة لبناء المجتمعات من خلال التعليم. ومعروف أن الدولة تنفق على التعليم الحكومي بغية الحصول على نتائج قومية، لكن المستثمرين ينفقون على التعليم غير الحكومي بهدف الحصول على ارباح!!.. منذ فترة إعلن أحد البنوك عن إتفاقه مع إحدى المدارس الخاصة فى ولاية وسطى لإدارة إصدار أسهم أولية لتحويل احدى المدارس إلى شركة مساهمة عامة يتم إدراج وتداول أسهمها فى سوق الخرطوم للأوراق المالية، برأس مال (10) مليون جنيه وقيمة السهم جنيه واحد وهناك (5) ملايين جنيه مطروحة للاكتتاب العام.. لا ندري اليوم أين وصل تلك الفكرة أو ذلك المشروع، ولا ندري مدى واقعية مسؤول البنك حينما سوّق للفكرة باعتبار أن اكمال (الصفقة) من شأنه المساعدة فى استبقاء مواطنى الولايات فى مناطقهم وايقاف الهجرة للعاصمة.. لكن ودون الوقوف كثيرا عند قول المسؤول المصرفي الكبير بأن تلك الخطوة تؤكد البعد الاجتماعى المنوط بالمؤسسات المالية، فإن من الواضح أن الاستثمار في مجال التعليم قد أصبح أحد الاستثمارات ذات المردود المادي الجيّد الذي تسعى إليه الجهات المستثمرة، وهذا الهدف الأساسي للبنك وليس البعد الاجتماعي. ولندرك مدى اهمالنا للمعرفة والتعليم لنتطلع على استحياء على هذه الأرقام (المفجعة)، ففي العالم الإسلامي كله، هناك فقط 500 جامعة.. في الولاياتالمتحدةالأمريكية وحدها 5758 جامعة، في الهند 8407 جامعة.. في عدوتنا إسرائيل 6 جامعات في قائمة أفضل 500 جامعة في العالم، لكن لا توجد جامعة إسلامية واحدة في قائمة أفضل 500 جامعة في العالم.. نسبة التعليم في الدول الغربية 90%، بينما في الدول الإسلامية 40%.. هناك 15 دول في العالم نسبة التعليم فيها 100% ، بينما لا توجد أي دولة مسلمة وصلت فيها نسبة التعليم إلى 100%. تصرف الدول الإسلامية ما يعادل 0.2% فقطمن مجموع دخلها القومي على الأبحاث والتطوير، بينما تصرف الدولة الغربية ما يعادل 5% من مجموع دخلها القومي على ذات الأغراض. في بريطانيا يتم توزيع 2000 كتاب لكل مليون مواطن، وفي مصر يتم إصدار 17 كتابا لكل مليون مواطن. إذا ببساطة فإن الدول الإسلامية لا تملك القدرة على صنع المعرف، لا على نشرها ولو كانت مستوردة.. اليهود وصلوا إلى ما وصلوا إليه لأنهم تبنوا التميز المعرفي ولم يولدوا وفي أفواههم ملاعق ذهب.. الجميع يعرف قصة إنشتاين وفشله في الرياضيات وأديسون وطرده من المدرسة لأنه (غير قابل للتعلم).. ماذا عن أبنائنا؟ هل نبني أشخاصا مميزين قادرين على صناعة المعرفة يوما؟.. هذه الحقائق المؤلمة نقلناها، لعل الله يكشف الغمة ويقيل العثرة.