د. ابومحمد ابوامنة ولد محمد طاهر حمد بمدينة مسمار بشرق السودان في نصف الاول من القرن العشرين من عائلة بسيطة الحال وكغيره من ابناء تلك المناطق النائية عرف شظف الحياة وراي بعينيه كيف ان انسان الشرق يكابد لكي يعيش. راي كيف ان المجاعات تتوالي علي الشرق وتهلك الانسان والحيوان والامراض المعدية كيف تنتشر والمجاعات كيف استوطنت. قرر وهو تلميذ في المدارس ان هذا الوضع لابد من ازالته. قرر الالتزام جانب الفقراء, والوقوف في صفهم والنضال حتي تتحسن احوالهم وتلحق بالاطراف الاخري من القطر. في سبيل هذا صار يدفع كل المثقفين والحادبين من ابناء الاقليم للتوحد وللنضال من اجل تغيير الاوضاع للالتي هي احسن. جعل من منزله الحكومي مقرا لتلاقي كل القيادات البجاوية للتفاكر في حل لمعاناة اهل الشرق.
وفي منزله برزت فكرة التمسك والدفاع بلا هوادة عن ضرورة انشاء اقليم شرقي يحكم فيه ابناء الاقليم انفسهم بانفسهم كخطوة ضرورية للتنمية والازدهار, كان ذلك في ثمانيات القرن الماضي, عندما برزت فكرة تذويب جزء من شرق السودان في الولاية الشمالية والجزء الآخر في الجزيرة في العهد المايوي. قوبلت هذه الفكرة بامتعاض شديد واستنكار من كل ابناء البجا بصرف النظر عن توجهاتهم السياسية. كانت تسري في ذلك الوقت الاحكام العرفية واي تحرك جماهيري كان سيقابل بعنف مفرط واحداث الجزيرة ابا لم تكن غائبة عن الاذهان. الا ان محمد طاهر حمد قبل التحدي وعرف كيف يواجه النظام. كون بدبلوماسيته المميزة راس رمح من ابناء البجا الناشطين داخل الاتحاد الاشتراكي وخاصة اعضاء البرلمان منهم ليدافع عن مطالب البجا وعلي رأسها التمسك بالاقليم الواحد, كانت تلك المجموعة المصادمة تتكون الي جانب محمد طاهر حمد من محمد بدري ابوهدية وابراهيم عمر ومحمد طاهر ابوبكر ومحمد طاهر ادريس وهاشم خليفة ومحمد الامين حمد وحسن الطويل, بينما كان كباشي عيسي يوفر لهم الحامية من بطش السلطة.
عقد محمد طاهر حمد ومعه تلك المجموعة لقاءات واجتماعات مضنية مع كل العناصر الفعالة في السلطة كالرشيد بكر وحسن الترابي وعبد الله الحسن ولمحوا بذكاء بان اي اجراء لضم الاقليم لمناطق اخري سيدفع البجا الي حمل السلاح. تحت هذه المحاولات الدؤوبة والالحاح المتواصل والتهديدات المبطنة رضخت السلطة وتكون الاقليم الشرقي. وكان حامد علي شاش الإداري المعروف هو اول حاكم للاقليم الشرقي في حقبة مايو وكان كل وزرائه من ابناء الاقليم. هذا كان في حد ذاته انجاز تاريخي عظيم حققه ابناء البجا تحت اصرار وصمود راس الرمح الذي شكله محمد طاهر حمد.
أخي محمد طاهر ... لقد كنت صاحب شخصية قيادية مميزة لجماهير البجا، ومصدر إلهام للمناضلين وبنيت علاقات سياسية واسعة مع كل المتعاطفين والحادبين علي قضايا الشرق, مما ادي الي مساندة نضال شعبنا ودعم قضيته العادلة.
كم نفتقدك الآن يا محمد طاهر والسماء صارت ملبدة بالغيوم السوداء؟! هذا الانجاز التاريخي الذي حققتمونه لنا صار يتعرض لهزة عنيفة قد تطيح به, هل تتخيل ان بعض الكيانات بلغ بها الاحباط من ممارسات سلطة الانقاذ حتي صارت تسعي لتشتيت الاقليم الواحد والانضمام الي ولايات اخري؟! هذا الاقليم الذي بذلتم الغالي والنفيس من اجله. كم نحتاج لك اليوم؟! أكيد كنت ستقف ضد الانقسام والتشتت وتقول للقوم ثابروا وناضلوا حتي تحقق مطالبكم داخل اقليمكم هذا, اما الانشقاق والتشتت فلا والف لا. فقد عرفناك صاحب رأي صديد وداري بالنفوس وتطلعاتها، ولك في قلوب الناس, كل الناس الحب والتقدير, انت صاحب فكر وتتمتع بحكمة اهلك الموسياب, فعندما تقول للاهل لا لدعاوي الانشقاق سينصتون لك. هم رأوا عطائك, وتضحياتك من اجلهم ومن اجل القضية, رأوا فيك الصدق والاخلاص، فصرت موضع احترام وتقدير. فانت العملاق الشامخ الذي يقدره جميع اهل الشرق.
اخي هل تدري ان نميري كان يشكل حكوماته من امهر التكنوقراد وخيرة المثقفين واميز رجالات الخدمة المدنية؟؟ هل تذكر ان قامات مثل د. طه بعشر وجمال محمد احمد وجعفر بخيت ومحمد عبد الله نور ومنصور خالد ومحي الدين صابر كانوا من وزراء عهد مايو؟ لقد اتي بك نميري وزيرا وكان الوزراء حينها من العمالقة, فيكفيك هذا لوحده دليلا علي شموخك وعلو مكانتك ومهاراتك ومقدراتك وعطائك.
لقد قضيت بعض الوقت كمعلم في معهد تدريب المعلمين ببخت الرضا, وحينها كان من يعمل في هذا المكان من خيرة المدرسين في وزارة التعليم, عرف المعهد عمالقة امثال عبد الرحمن علي طه, عوض ساتي, النصري حمزة, جمال محمد احمد, مندور المهدي والعشرات غيرهم من رواد التعليم. في بخت الرضا كان يعمل خير المعلمين وكنت انت منهم. هذا يكفي ليبرز علو مكانتك لمعلم في ذلك الزمن. ربيت اجيالا بعد اجيال, طلابك اليوم صاروا اساتذة جامعات ومهندسين واطباء وقضاة ومحامين, ووزراء, وللاسف ان بعض الجهلاء من الذين لا يعرفون للمعلم قدره, صار يتطاول على سمعته الطيبة ومكانته السامية. لكن انت عملاق من عمالقة الشرق لن تضيرك سهام القوم الجهلاء. يكفي ان يفتخر بك الآلاف ممن تتلمذوا على يديك, فمهما تطاول المتطاولون فلن ينالوا من مكانتك السامية.
هل نسي المتطالون ان الله سبحانه وتعالي قال:
لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا؟ هل نسوا ان ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساوئهم. وعن عمرو بن عنبسه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شاب شيبة في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة. ربي اهدي القوم الجاهلين.
لقد كنت صاحب شخصية قيادية مميزة لجماهير البجا، ومصدر إلهام للمناضلين وبنيت علاقات سياسية واسعة بين قيادات الاحزاب وكل المتعاطفين الحادبين علي انسان الشرق, مما ادي الي مساندة نضال شعبنا ودعم قضيته العادلة . فليتواصل النضال الذي ساهمتم في وضع اسسه لينعم الشرق بالعدل والمساواة والديموقراطية ولنتمسك بالاقليم الواحد وبالحكم الفيدرالي الحقيقي ونزيل بذلك كل اركان الفساد والاستبداد والاستعلاء ومص الدماء.