شرق السودان معاناة وتهميش إقتصادي وسياسي وثقافي واجتماعي كبير، تعمدته حكومات الخرطوم المتعاقبة الحزبية منها والعسكرية منذ خروج دولتي الحكم الثنائي(البريطاني-المصري) وبروز الدولة القومية السودانية في 1956م.بعد عامين فقط من استقلال السودان برز كيان سياسي اجتماعي مطلبي سلمي أطلق علي نفسه اسم مؤتمر البجا في 1958م.وكانت مطالبه تتلخص في التنمية المتوازنة والحكم الإقليمي وإشراك أبناء البجا في السلطة . وتوفير الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والمياه والعمل.وإحداث اختراق اقتصادي شامل لكسر منظومة الفقر والمرض والجهل التي تتربع علي عرش شرق السودان..لكن المركز الحاكم لا يعي ولا يفقه ولا يسمع ولا يري ..بل ولم يعير أي اهتمام أو مسؤولية لهذه المطالب الحقيقية لأهل الشرق وتعامل معها كحال وضع المريض الميئوس شفاءه بالتخدير والمسكنات والمهدئات والتأجيل والتسويف حتي الموت . و أحيانا إتباع سياسة الترغيب والترهيب وشراء الذمم وتفتيت النسيج الاجتماعي وإنشاء بعض المشاريع التي تخدم السيد الحاكم في الخرطوم...عاش إقليم شرق السودان خمسون عاماً يتنقل في حلقة مفرغة ويدور في دائرة شريرة عنوانها البارز التهميش المتعمد من حكومات مركز الخرطوم في كل شئ...في25 يناير 2005م خرج أبناء البجاء ببور تسودان في انتفاضة شعبية سلمية تقدمت بمطالب مشروعة ومستحقة بشكل حضاري وديمقراطي .ولكن المركز كعادته تعامل معها بقسوة وقوة مسلحة مفرطة خارج الإطار القانوني والدستوري . ونتج عن ذالك قتلي وجرحي تجاوز عددهم الثلاثون شهيداً . وتم فرض الحلول الأمنية والعسكرية علي الحلول السياسية والتنموية في خطوة تجاوزت كل الشرائع السماوية والأعراف المجتمعية والقانون الدولي الإنساني..وللأسف الشديد لازال قتلة شهداء 25 يناير ،طلقاء يمرحون ويصولون ويجولون خارج مظلة العدالة والمساءلة القانونية . حتي تحقيق محلي فاقد الشرعية والشفافية لم يجري بشأنهم وكأن الذين قتلوا قطيع من الخنازير وليسوا بشراً ..الدماء البجاوية الزكية التي سالت في شوارع بور تسودان غززت من موفق مفاوضي جبهة الشرق في اتفاقية أسمراء الجريحة 2005م وحملت الرفاق إلي القصر .ثم ما لبثت أن تبخرت في زوبعة خلافات وصراعات القيادة الثلاثية(موسي-آمنة –مبروك)..بعد عودة جبهة الشرق إلي الداخل شهدت الساحة السياسية في إقليم شرق السودان تطورات دراماتيكية وحراك سياسي كبير.حيث تصدعت الجبهة إلي أعدة أحزاب وكتل سياسية ضعيفة لم تستطيع أن تقدم برامج مقنعة لجماهير البجا التي تكابد الأمرين المعاناة والحرمان. مابين مطرقة مركز مكابر ومعاند و سندان قوي سياسية شرقية ضعيفة البنية السياسية والتنظيمية والمالية غرقت في بحر سلطان المركز وماله و لم تستطيع التعبير عن مطالب جماهير شرق السودان..مما أضعف ذالك من قوة وفعالية مطالب البجا التاريخية إمام جبروت المركز..هذه الفذلكة التاريخية للتطور السياسي في شرق السودان أردتها أن تكون مدخل حديثي اليوم ونحن نطالع ظاهرة حزبية جديدة في شرق السودان وليدة معاناة ومرارات اجتماعية وسياسية واقتصادية كبيرة تولي كبرها المؤتمر الوطني.وهذه الحركة لا تختلف كثيراً في مطالبها عن مطالب مؤتمر البجا الأول 1958م ولا عن بقية أحزاب الشرق الأخرى من حيث الأيدلوجية السياسية والبعد الجغرافي الجهوي باعتبارها أحزاب هامش اجتماعي .ولكن من حيث المنظور التنظيمي ولدت الحركة التواصل من رحم المؤتمر الوطني الحاكم...عندما غابت العدالة وانعدمت الشفافية والمساءلة والتنمية المتوازنة وضاقت مواعين الديمقراطية وحرية الرأي داخل الحزب والدولة..حزب التواصل السوداني اسم جميل له بريق ورنين وتأثير في النفس، فلإنسان بطبيعته يحب الاجتماع والتواصل مع جميع الناس ويرفض الانغلاق والانزواء بعيداً خارج منظومة الحياة الجامدة. ومن هنا أتي حزب التواصل السوداني تحت التأسيس كحزب سياسي سوداني ولد بأسنانه بشرق السودان ولاية البحر الأحمر (بورتسوان) .وقائده ومؤسسه هو السيد حامد محمد علي عضوا المكتب القيادي للمؤتمر الوطني بولاية البحر الأحمر سابقاً ووكيل البني عامر سابقاً أيضا ..عندما ضاق الرجل ذرعاً ولم يسمع لصوته ونداءاته .. بلا للظلم ..نعم للعدالة للجميع ..الإنسان محور التنمية..لا للتنمية الديكورية .. وفشل في محاولات إصلاح مؤسسات الحزب مركزياً وولائياً .خرج الرجل من تحت جلباب الحزب الحاكم معارضاً ومنتصراً لكرامته وعزته ومنتقداً الطريقة التي تدار بها البحر الأحمر من قبل واليها الحالي محمد طاهر ايلا ومستهجناً السكوت المريب للحزب والدولة في المركز بترك الحبل علي القارب للوالي يفعل ما يشاء دون مساءلة . وبسبب انتقادات حامد محمد علي اللاذعة وتصريحاته المزلزلة والمناهضة للوالي ايلا. تم عزله من وكالة البني عامر بطريقة تعسفية دراماتيكية في أمر دبر بليل بهيمٍ وفي تدخل غريب ومستهجن من سلطات الولاية في شئون الإدارة الأهلية التي تحكمها الأعرف الاجتماعية وتدجينها وتسييسها لتصبح ضمن منظومة حزب الدولة الذي يفعل ما يريد..حزب التواصل السوداني تحت التأسيس ارتكز في خلافه الذي شكل أيدلوجياه السياسية مع المؤتمر الوطني إلي عدة نقاط : 1-انعدام العدالة والشورى داخل مؤسسات الحزب 2-عدم ترتيب الأولويات في التنمية ..وأي تنمية لا يكون محورها الإنسان تكون تنمية مظهرية وديكورية 3-تخلي ولاية البحر الأحمر عن مسؤولياتها في دعم إيجارات طلاب الولاية الدارسين بالخرطوم –علماً بأنهم ضمن الشرائح الفقيرة مما أدي ذالك لتشريدهم 4-عدم قيام الحكومة بمسؤولياتها عند ما تعرضت مناطق طوكر وجنوبها إلي كارثة الفيضانات والفجوة الغذائية التي تعاني منها المنطقة حتي اليوم 5-عزل وكيل الناظر حامد محمد علي بطريقة دراماتيكية وبتدخل مباشر من حكومة الولاية وخرق اتفاق لجنة إبراهيم احمد عمر بالخرطوم 6-إغلاق دار منظمة التواصل(الجمعية الخيرية لأبناء البني عامر) بواسطة الشرطة ..إضافة للفساد الإداري في الولاية والظلم والتعتيم الإعلامي ورفض سلطات الولاية تسجيل منظمة التوصل الخيرية ذات الطابع الإنساني ...النقاط الستة أعلاه اقتبستها باختصار شديد من مسودة تعريف حزب التواصل المنشورة في موقعهم علي الشبكة الدولية (الإنترنيت) وهي التي شكلت الحافز المعنوي والنخاع السياسي لتأسيس حزب التواصل السوداني.ومن الملاحظ هذا الحزب شكلته مجموعة تنتمي إلي نسيج اجتماعي واحد داخل نظارة أهلنا البني عامر عندما تلاشت مساحات الحوار وتقلصت مسافات تقبل الرأي الأخر في إطار العشيرة والحزب والدولة.ليجعلوا من القبيلة منبع للتوصل والتلاقي مع بقية شعوب وقبائل السودان فيما يصلح البلاد والعباد في معين حزب سياسي أشمل انتزع عن نفسه عباءة القبيلة والعشيرة الضيقة إلي رحاب التواصل السياسي والاجتماعي والاقتصادي المفتوح علي جميع مكونات شرق السودان خاصة وعموم أهل السودان. اليوم إمام حزب التواصل السوداني مسؤلات كبيرة في التخلص من حواجز القبيلة الضيقة ومشاكلها وعقدها الجهوية والمناطقية إلي مرحلة الانفتاح المجتمعي و طرح برامج سياسية تسع كل الشرق وإرساء قواعد حزبية متينة قائمة علي النضج السياسي الراشد .والانفعال بقضايا الناس الحياتية اليومية من خلال طرح مشاريع تنموية تجعل من الإنسان محوراً لها وشريكاً في صنعها ومستفيداً من نتائجها..حزب قائم علي الشفافية والمحاسبة والحرية والعدالة والتداول السلمي للسلطة والنقد الذاتي والتزام المؤسسية في إدارة أجهزة الحزب وتحمل المسؤولية في حال وقوع التقديرات الخاطئة التي تضر بمصالح الجماهير..حزب التواصل السوداني حزب شرقي ألهوي والهوية والايدولوجيا والجمهور والمقر وعليه مطلوب منه الخروج من قوقعة القبيلة إلي ميدان جماهير الشرق الفسيح ومن قضايا إنسان طوكر وجنوبها الجزئية إلي كل إنسان وجغرافيا الإقليم الشرقي من الخياري للبحر ومن شلاتين إلي قرورة شعاره في ذالك كلنا في الهم شرق .وان يبدأ في خطابه وتفكيره وإستراتيجيته من حيث انتهي الآخرون.. فهناك إخفاقات وسلبيات وانتكاسات مرت بها القوي الحزبية في شرق السودان ابتداءً من مؤتمر البجا الأب والمؤسس للحركة المطلبية البجاوية الشرقية ومروراً بالقوي الحزبية الجديدة التي جاءت بعده ،فلابد من اخذ العبر والدروس والاستفادة من أخطاء السابقين لتصحيح المسار وتحقيق الأهداف لأي حزب سياسي يتلمس خطاه ويدخل المعلب السياسي الشرقي. كحزب التواصل السوداني الذي أمامه رصيد ضخم من التجارب حتي لا يقع فريسة أخطاء سياسية وتنظيمية لأفراد أو جماعات تؤدي به إلي التشققات وظاهرة الأجنحة المتصارعة التي تضرب الكيانات السياسية السودانية في المركز والولايات . وتعودنا في شرق السودان إننا بسهولة يمكن أن نؤسس حزباً ونكتب شعارات جميلة وندغدغ مشاعر الجماهير المغلوبة ويلتف حولنا الملايين من الأنصار والمؤيدين ولكن سرعان ما تتبخر هذه الأحلام عندما تلامس الواقع الحقيقي وتواجه محك التطبيق العملي حيث تتلاشي الأفكار الجميلة كفقاقيع الصابون في الهواء وتموت الفكرة ويتفرق الجمع..فالعبرة بالاستمرار ووضوح الأهداف والاستفادة من أخطاء الآخرين في تجويد الأداء وإتباع تكنولوجية المؤسسات.فأي حزب فدرالي كحزب التواصل السوداني تواجهه أعدة تحديات منها ما هو محلي يخص مجتمعات شرق السودان التي تكثر فيها الأمية والجهل والفقروالتخلف وقوةالحساسية القبلية والمناطقية الجهوية وكيفية تطويرها لتواكب الحياة المدنية المعاصرة. بالإضافة الي تحديات الدولة المركزية التي تفرض آلياتها السياسية والقانونية والمالية مسنودة بقوي سياسية حزبية مركزية لا تريد للأحزاب الإقليمية أن تقوي وتتوسع وتحتل مساحات واسعة علي حساب جماهيرها ونفوذها السياسي ،لأن ذلك يقلص من تربعها علي احتكار السلطة والثروة وبالتالي تسعي قوي المركز الحاكمة في أضعاف وتفتيت وتمزيق الأحزاب الإقليمية وأضعاف نفوذها والتشكيك في مصداقيتها إمام جماهيرها بشراء الذمم والإغراء والوظيفة والمال واستخدام جميع الوسائل الفاسدة في سبيل تقويض القوي الحزبية الإقليمية ولكم في مؤتمر البجا أسوة وكيف حولوه من عملاق ضخم إلي حمل وديع تحت رحمة المؤتمر الوطني...