ليه الدمع عيب من عين رَجَّال حتى الجبال تسقط أحجارها ليه الألم نخفيه و نقول رَجّال لو تتحطم السفن قبل إبحارها الدمع جمرة في عيون الرَجّال ما اظن الشعر يطفي نارها ما بكت عيني على منصب و ما لو لا بكت عيني على أطلالها البكا عندي على عزن زال مثل ثكلى تبكي اطفالها شعر نبطي "تساقط دمع سخين من عينيّ نائب من أعيان كردفان داخل المجلس الوطني و ذلك حين خنقته العبرة و هو يستمع لإجابة السيد وزير المالية عن عدم تنفيذ طريق أم درمان - جبرة - بارا" أثار هذا الموضوع في ذاكرتي مسألة الهجرة إلى الهامش أيام الانتخابات استجداءً للأصوات و التي كانت تمارسها الأحزاب في سالف العهود و غابر الأزمان حيث يخاطب المرشح المحترم مواطني الدائرة ...بس أدونا أصواتكم و بعدها نجيب ليكم الدونكي و نحفر الحفير و نبني المدرسة ...إلخ لكنه يختفي بانتهاء مراسم "التصويت" - كأنما كُفِّن في صندوق الاقتراع - و لا يرونه إلا في الانتخابات القادمة. هذا المسلك الانتهازي الوصولي مارسه – دونما استحياء- حزب المؤتمر الوطني مع أهلنا في كردفان خلال الانتخابات الأخيرة. فإبّان الانتخابات التكميلية الأخيرة في جنوب كردفان أرسل الوالي "تناكر" ماء لتنقل الماء و توزعه على سكان بلدة الدبيبات في منازلهم فأدرك الناس اللعبة و قرروا أن لا تنطلي عليهم الخدعة و أرسلوا في طلب الوالي ليقابلهم شخصياً و عندما حضر إليهم واجهوه بأنهم ليسوا سذجاً أو مغفلين و سألوه عما إذا كانت تلك العربات دائمة أم من قبيل "ينتهي الحفل بانتهاء مراسم التصويت" .... فأسقط الأمر في يده و ربما أجابهم مضطرا انها دائمة ..... " و الدوام لله". سئل ذلكم النائب في مقابلة صحفية: فاذا لم ينفذ الطريق ماذا انتم فاعلون؟ أجاب:(هذا هو برنامجنا الانتخابى وقد أدينا قسما غليظا..... و بايعنا رئيس الجمهورية على أن «يقيم الدين ويبسط الشورى ويسعى فى مصالح الناس» ولذلك إذا اختلت البيعة فلا بيعة، ولا أحد يضرب سيفاً على أعناقنا، فقد ولدنا أحراراً وسنظل أحراراً، ولا نخاف العصا الغليظة ولا يستطيع أحد أن يرفعها علينا.) غير خافٍ أن النائب كما يقول أهلونا في الفرقان "تنفس كانون" – كناية عن شدة الغضب. و من متابعتنا لردود الأفعال على ما يبدو تنصلا من جانب الحزب الحاكم من وعوده، اقترح البعض انسحاب نواب كردفان من البرلمان و رأى آخرون تقديم استقالاتهم و انسلاخهم من الحزب و كثير غير هذا من كلام الزعل*.أيضاً مما رشح من أخبار ولاية شمال كردفان أنه وقع خلاف بين معتمد إحدى المحليات و رئيس حزب المؤتمر الوطني وقياداته في تلك المحلية فزج بهم السلطان صاحب الصولجان في السجن بسبب سوء مخاطبتهم لجنابه العالي، ما أدى إلى تهديد خمسمائة من مناصري الرئيس السجين بالانسحاب من حزب المؤتمر. اللهم لا شماتة. يبدو أن من أسباب تشظِي الجماعات المسلحة و الأحزاب السودانية علة كامنة في مزاج الشخصية السودانية و لا أميل إلى اتهام حزب المؤتمر بأنه السبب وراء ذلك- طالما هو نفسه بدأت تنتابه تلكم الأعراض. فالأمر له صلة بكيفية إدارة إختلاف الرأي. فالمفترض أن تؤدي الخلافات إلى التنفيس عن المشاعر والإحباطات و تفتح الباب أمام مناقشة موسعة حول المشكلات المشتركة. كما أنها توضح اتجاهات الناس وتولد كثيراً من المناقشات والمناهج لحل المشكلات. غير أنه غالباً ما يقع الأمر على هذه الصورة: يبدي أحد الأطراف رأياً فيسفهه الطرف الآخر أو ينعته بالجهل و من ثم تتصاعد الأحداث حتى تصل مرحلة السباب و الشتم و الاشتباك بالأيدي فالانشقاق و الفراق ثم "المفاصلة" ، و ما ذلك إلا بسبب ضعف ثقافة الاختلاف أو عدم وجود ثقافة قبول اختلاف الرأي. إن الأحمق شخص ارتفعت نسبة الأدرينالين في دمه فمنعته إلا أن يرى أضيق الأبواب و اقتادته عنوة ليسلك أعوج الطرق و أخطرها. و لسوء الحظ فإن أهل السودان هم أشهر من ينسب إلى تلك الصفة الذميمة- أعني الحماقة التي أعيت من يداويها. و لو كنت زعيم حزب أو على رأس جماعة سياسية لجعلت من مستلزمات الانتساب و القبول حضور دورات إجبارية في التحكم في الغضب و السيطرة على ردود الأفعال و الانفعالات و لألزمت كل عضو بدراسة النظريات و المقولات من أمثال "قس اللوح مرتين لأنك تقطع مرة واحدة"** و غيرها مما يحث على التؤدة و التأنّي في اتخاذ القرارات في كل شئون الحياة. اقترح على قيادات الأحزاب تعليم كوادرها أدب الاختلاف و أدب إبداء الرأي و أدب مخاطبة من هو فوقك مرتبة و من هو دونك مرتبة و من "أضحى مساويك"! فإذا حرصت الأحزاب على اتباع مثل هذه المعالجات من المحتم أن تمضي التجربة الديمقراطية في سلاسة حتى تبلغ نهاياتها مبرأة من كل عيب و سوء و مكللة بالنجاح. ليتها تفعله و لو على مستوى الكادر القيادي –ذلك أضعف الإيمان نحن كمراقبين-إن جاز لي أن أنطق بلسانهم- لا نؤيد أو نشجع وقوع المزيد من التشظيات و الانقسامات في أجساد الأحزاب التي هي أصلاً تعاني ما يفوق طاقتها من أمراض عضال و فقر دم و هشاشة عظام. كما ينبغي علينا ألا نغفل حقيقة كون الإنسان فُطر على استعجال النتائج مصداقاً لقوله تعالى "خلق الإنسان من عجل" حيث جاء في تفسير الجلالين: أي أنه لكثرة عجله في أحواله كأنه خلق منه. و في الجامع لأحكام القرآن: قوله تعالى: "خلق الإنسان من عجل" أي ركب على العجلة فخلق عجولا. و طبع العجلة لا يناسب العمل المطلبي و على الفرد أن يطرق أبواب أصحاب القرار و يزعجهم و يقلقهم و لا يتخلى عن قضيته بل يتابعها في حماسة و إصرار مع التحلي بالصبر و طول البال حتى يظفر بمراده .... و من سار على الدرب وصل. أخي مهدي رجاءً (No more tears, please) و نتمنى على أولئك الحمقى أن يتريثوا قليلاً و ألا يغادروا السفينة عند هبوب أول عاصفة. هلاّ سألتم أنفسكم أي جهة سوف تساعدكم على تحقيق ما فشل فيه الحزب الأوحد و الأقوى؟ و هل كلما اصطدمت آمالكم بجدار خيبة نفضتم يدكم و انتقلتم إلى حزب آخر؟ إذا انتكس الحزب أو تراجع أو عدل في برنامجه فذلك من الأمور التي يمكن مناقشتها و حمل الحزب على الوفاء بوعوده بل و إجباره على تنفيذها كل ذلك بطرق غير الصدام و التدابر. فمما ينسب للإمام علي –كرّم الله وجهه في الحث على الإلفة وترك لوم الأصحاب واحتمال الأقران قوله : ( كدر الجماعة خير من صفو الفرد ). رضي الله عن أبي الحسن. لكي نؤسس لممارسة ديمقراطية سليمة لا بد لكل حزب من أن يرسخ في وجدان جماهيره مبادئ و موجهات عامة و يعمل بها كالصدق في التعامل و بذل الوعود و معقوليتها و الوفاء بها. كذلك على الحزب أن يتبنى مبدأ الشفافية و تكوين آلية لمراجعة و تقويم أدائه و ما يتبع ذلك من محاسبة و من ثمّ تحمّل النتائج و التبعات و ألاّ حصانة لمخطئ أو مقصّر مهما كان مركزه و أن يعمل الحزب أو التنظيم على نشر هذه الثقافة بين جماهير أفراده – فعبارات من شاكلة "عفا الله عمّا سلف" قد تكون مقبولة لإسقاط الحق الخاص (الشخصي) فيما بين الأفراد، لكن لا محل لها من الأعراب في العمل السياسي لأن التقصير أو الجرم في هذه الحالة ضرر وقع في حق الجماعة أو المجتمع الكبير و أصبح حق عام – فمن يملك حق التنازل؟ لو حدث هذا الشيء عندها ستدرك جماهير الأحزاب حقيقة المثل العامّي "كبير الجمل!" و لأتقن السياسيون أداءهم و حرصوا على تنفيذ برامجهم الانتخابية بصدق و شفافية و إذا حدث تعسر فإنهم لا محالة أحرص من يريد إبراء ذمته من تهمة التقصير التي ستوجهها إليهم جماهير الدائرة الانتخابية قبل آلية المراجعة و المساءلة في أحزابهم و من ثم تعرضهم للمحاسبة و "البهدلة". أيضاً يتوجب عليّ الإشارة إلى تفشي روح القبلية و الجهوية التي ساهمت الإنقاذ أيام رعونتها في إذكائها و قد أشار إليها السيد الرئيس من ضمن ما انتبه إليه في صحوته الأخيرة. و من الإنصاف أن نسجل اعترفنا أن مايو تسامت فوق النعرات و العصبيات المدمرة، فما سمعنا أيامها أن إقليماً أو ولاية أقامت الاحتفالات و المهرجانات فرحاً و ابتهاجاً بأبنائها "العباقرة الأفذاذ" ممن تبوؤا أكثر من مائتي منصب دستوري كما في دولة الإنقاذ!(طيب و فضلتو شنو لباقي مثلث حمدي؟) هذه الاتجاهات القبلية و العصبيات الجاهلية أبداً لا تتناسب مع النشاط الحزبي الديمقراطي. فالحزب الذي يمارس السياسة و لم يستطع أن يتحرر من تلك المعوقات أو يستصحب جزءا منها أشبه بمريض السرطان الذي استشرى المرض في أحشائه و هو يحسب أنه سليم و عندما تظهر عليه دلائل المرض و أعراضه يكون قد فات الأوان و أنه لا محالة هالك!! أختم بالدعوة إلى تكوين جماعات ضغط تؤثر في القرارات في داخل الحزب و التنظيمات بغرض تحقيق ما تصبو إليه من مصالح تجارية أو تعليمية أو دينية أو اجتماعية أو اثنية. فنحن كثيرا ما نسمع عن اللوبي الصهيوني أو الإسرائيلي في الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلاً ، فهو ليس حزبا حاكما ولا يسعى للحكم، ولكنه تنظيم قوي له حضوره القوي في كل طيف الحياة السياسية الأمريكية و يسعى لحماية مصالحه ومصالح إسرائيل. كما ننبه إلى ضرورة ممارسة الضغط بحكمة و ألا يخرج الأمر عن طوره. أذكر أنه حدث ذات مرة أن شكل أبناء الغرب الكبير جماعة ضاغطة في حزبهم العتيق و كما يقال "الجماعة أدوها كوز و زودوها حبتين" ففازوا تقريباً بجميع مكاتب اللجنة التنفيذية . لكن ... تخيلوا ماذا فعلوا حين دنا موعد انعقاد الجمعية العمومية التي تحتاج لأموال للترحيل و ضيافة الوفود و النثريات و خلافه؟ و قف الآخرون فرّاجة و قالوا ليهم "خُمّوا و صُروا"! ذلك لأن الجماعة من فئة فصيح اللسان فاضي "الجزلان". ذكرنا ذلك حتى ننبه للمخاطر و المشاكل غير المرئية التي قد تنجم عند التبنى غير المتوازن لخيار لوبيات الضغط لأن من يأكل العظم وحده "يَخنق" و عندها حتماً سيستنجد بأولاد البحر و يضطر أن "يَسردِب" لهم طائعاً مختاراً ليشبعوه "أم دلاديم" و ربما "شلاليت" كما جاء في رواية جهاز الأمن! *(ز ع ل : فعل ثلاثي. لازم، متعد بحرف:زَعِلَ من تصرفاته: غَضِبَ، اِسْتَاءَ، حَنِقَ، سَخِطَ) **Measure Twice, Cut Once