بعد لت و عجن النظام الحاكم و بعد أن جاء رأس النظام بنفسه إلى منطقة جنوب كردفان و توعد و هدد الناس هُناك بالحرب و التشريد إذا خسر النظام تلك الإنتخابات، ها هو المؤتمر الوطني ذاته عبر المفوضية المشكوك في أمرها يريدنا أن نصدق و نؤمن بالنتيجة المضروبة التي إستقبلها هو نفسه على إستحياء و دون قناعة بصدقيتها. ما يعني من الآن ( و مقدماً) أن المشورة الشعبية ( مشورة المؤتمر الوطني) مضروبة حتى النخاع. أي أن ثمن أرواح و دماء و تفكك النسيج الإجتماعي لأهل جبال النوبة قد ضاع أدراج الريح و قبض الناس هناك الهواء. إذ كان الأمر جلياً منذ البداية و تمثل في تسخير موارد الدولة بكاملها لخدمة مرشح المؤتمر الوطني و ذهاب رأس الدولة بذاته إلى الولاية ليبث سموم و أراجيف و كلام مختل في حق شعب جبال النوبة. تماماً مثل ما جرى في الإنتخابات العامة الماضية و إنتخابات الرئاسة. و أكد ذلك من جديد أن هذا الكابوس اللعين الذي يُطبق على رقابنا و يكتم أنفاسنا لا يؤمن بهُراء ( ساذج! ) يُسمى ديمقراطية يتحدث عنه العالم المتحضر، و لا يرمش له طرف من فزاعة ( بائسة! ) إسمها إنتفاضة ظلت تهضرب بها المعارضة من سنين طوال و لا يحين أجلها. لقد سبق و أن قلت أن هذا الشعب ( للأسف الشديد ) قد أُصيب بداء مزمن و فتاك جراء سياسة ( فرق تسد ) التي إنكبت العصابة الحاكمة على تنفيذها منذ يومهم الأول و بإصرار عجيب. و هو داء ( القبلية ) الذي سينسف عما قريب سنسفيل أبو السودان. القبلية البغيضة و التي أول خصائصها أنها العدو اللدود لوحدة و تماسك جبهة الشعب الداخلية التي إن حدثت فالناتج الاول و القاطع هو ( إنتفاضة هوجاء عارمة ) بحسبان الظروف الرهيبة التي نحياها الآن و يا ليتنا متنا قبل ذلك!. فكما أن المريض العقلي أو المضطرب نفسياً دائماً من أبرز سماته أنه لا يكون مستبصراً أبداً بحالته كونه مريض أو مضطرب، فأن شعب السودان الآن هو كالمريض ذاك، غير مستبصر بإضطرابه الذي بدأ يستفحل فيه كالسم الفتاك. الشعب الآن في غيبوبة عميقة سببتها سياسة الإنقاذ القبلية بحيث أن أحدهم لو جاءوه و قالوا له أعطنا أهل بيتك نفعل بهم كذا و كذا لقبل طائعاً سعيداً!. و لو قالوا له أذهب و تلاشى و عش مشرداً في منافي العالم لإستجاب فوراً، و إن خيروه في أن يأكل من خشاش الأرض و يربط بطنه من فرط المسغبة لإنصاع بكامل إرادته. أنه حال شعب بأكمله راح في غيبوبة لن يفوق منها طويلاً. غيبوبة أطاحت بأهلية الشعب و جعلت إرادته بكاملها في يد غيره تماماً و دونكم قضية جنوب السودان دعك من حكاية إنتخابات تُذور. ففي العام 1964م زمن ثورة إكتوبر كانت قضية الجنوب و إستفحال الحرب هُناك هي القشة التي قصمت ظهر البعير و أطاحت بنظام حكومة الجنرال عبود، و حدث ذلك فقط تحت ظل تماسك جبهة الشعب الداخلية، و الإحساس بوحدة الكيان و روح المسؤلية الوطنية. أما الآن و في هذا الزمن الثقيل نرى الكثيرين من الشعب يفرح و يهلل لفقد الجنوب كجزء عزيز من كياننا و يقولون في بؤس (( الحمد لله الذي عافانا من الأذى )). و مع ذلك سوف يظل البعض ممن إمتطوا صحوة الخيال الجامح يرددون متلازمة ( الشعب و الإنتفاضة) مُدركين أو غير مُدركين أن الطُغمة المتحكمة هذه قد وأدتها كامل الوأد. فعلوها و فككوا تماسك الشعب يوم أطلقوا فيه كلاب الأمن الضالة لتبث أحاديث القبيلة المقيتة في الناس في العلن و في الخفاء. و ما أشرطة النكات السخيفة تلك التي تتحدث قبلية و تقطر عنصرية إلا حلقة من حلقات المؤامرة المشؤمة التي ينسجها النظام بإصرار عجيب حول الناس هُنا. ثُم السياسات المكشوفة و المتحيزة و التي لا يستحى منها هؤلا الذين نزع منهم الله نعمة الحياء لحكمة يعلمها سبحانه لوحده. السياسات مكشوفة الظهر و الوجه من مثل ترجيح كفة إثنيات معينة في حظوظ التوظيف في قطاعات الخدمة العامة و في صفوف القوات النظامية التي تُسمى أيضاً (و بلا إستحياء ) بأنها قومية. ثُم أخيراً أراجيف و تخاريف الغفلة في زمن (الإنتباهة) التي تُمثل قمة رأس ( اللا إستحياء )، الظاهرة التي تُعبر بوضوح جداً عن حالة المرض النفسي المُزمن الذي بات يعيشه كثير من أفراد هذا الشعب الفاقد الإرادة، مهرولاً خلف هذا المريض المذعور و المتوتر صاحب الإنتباهة و زفراته الحرى التي سوف يحترق بها لا محالة في زمن آخر قادم. إني أقول لجميع الحالمين أن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، و هي مقولة قديمة قالها شخص ذو رأي صائب و حكيم للغاية. إذن فلا نتباكى على إنتخابات و لا على ديمقراطية وئدت قبل أن تتنسم الهواء، و لا ينبقي أن نظل ننعق كالحمقى بإنتفاضات وهمية لم تعد تُجدي مع شعب قمة أمانيه أن يرضى عنه شُرطي المرور المرتشي المتربص وأن يأكل الحصى و خشاش الأرض، و أقصى ما في مقدوره هو أن يحزم حقائبه و يُغادر صوب منافي الشتات غير مأسوف عليه. [email protected]