الإسلام السلفي و الإسلام العصري بقلم / نوري حمدون – الأبيض – السودان القرن الحادي و العشرين ليس قرنا من القرون .. فكثيرة هي العلامات الفاصلة التي تميزه عن ما سلف .. و لكننا هنا بصدد علامة واحدة من تلك العلامات العديدة و التي تهمنا كمسلمين .. ألا و هي الإسلام . لقد أمكننا في القرن الحادي و العشرين أن نلحظ وجود إسلامين يقعان على طرفي نقيض و لا نكاد نعثر على الكثير مما يجمعهما حتي ننتهي الى أن الذي يفرق بينهما لهو الأكثر . رغم أن الجميع يتفق في أن المرجعية الأساسية للإسلام هي النصوص المختلفة (القرآن و الأحاديث و الإجتهادات) التي وصلتنا ضمن ما وصلنا من تراث غطى فترة زمنية تقدر بأكثر من ألف عام تبدأ منذ العام 10 قبل الهجرة و حتي اللحظة .. الا أن الجميع يعرف أن العبرة ليست في معرفة المراجع و النصوص .. بل العبرة في المعرفة و الفهم المستنبط من هذه النصوص و تلك المراجع . و عليه , فإن من بين الأفهام العديدة التي خرجت من تلك النصوص المرجعية فهمان كونا نوعين من الإسلام : الإسلام السلفي و الإسلام العصري . الإسلام السلفي يعتمد على كافة النصوص المرجعية (القرآن و الأحاديث النبوية .. المتواترة و غير المتواترة .. و إجتهادات الفقهاء القديم منها و الجديد) , و لكنه يرفض رفضا قاطعا أن يضيف اليها أي نصوص وضعية قديمة أو جديدة من نوع مبادئ الديمقراطية و أسس حقوق الإنسان التي تدعو لعدم التمييز مثلا .. ففي الإسلام السلفي الرجل أفضل من المراة و له القوامة.. و الأئمة من قريش .. و أهل الكتاب يعطون الجزية صاغرين .. و المشركين عبدة الأوثان يقتلون . بينما الإسلام العصري يعتمد على القرآن و الأحاديث النبوية المتواترة فقط . إنه لا يأخذ من أجتهادات الفقهاء الا في غير الملزم و يعتبرها نصوصا وضعية بمعنى أنها من وضع الفقهاء .. بينما يضيف الى منظومته المرجعية بعضا من النصوص الوضعية الحديثة والتي تعرف بإسم المبادئ الجديدة و هي تضم مبادئ الديمقراطية و أساسيات حقوق الإنسان و قواعد العلم . ففي الإسلام العصري لا تمييز بسبب الدين أو اللون أو الجنس أو العنصر . فلا أفضلية لرجل أو إمرأة الا بالعمل . و أصحاب الأديان متساوون في الحقوق و الواجبات . هذان إسلامان , كما ترى , على طرفي نقيض . فالإسلام السلفي يقبل الأحاديث غير المتواترة رغم علمه بكونها ظنية الورود (بحسب ضوابط الفقه التي وضعها السلف) و لكنه يستنبط منها أحكاما إلزامية من نوع التحليل و التحريم . و حجته في ذلك أن الأدلة الظنية المتعددة في المسألة الواحدة يقوي بعضها البعض بإتجاه اليقين مما يمكن المستنبط من أن يرجح أحد الإحتمالات بنسبة كبيرة من اليقين . و لذلك فالإسلام السلفي يحرم زواج المسلمة بغير المسلم و يحرم إمامة المرأة الرجال للصلاة من ناحية و يبيح قتل المرتد عن الإسلام و رجم الزاني المحصن من ناحية أخرى . و كل أولئك بسند من الأحاديث الظنية و الغير متواترة . بينما الإسلام العصري يرفض تماما الإعتماد على الظني في التحريم و التحليل . و لا بأس لديه في إستنباط أحكام أخرى من نوع المستحب و المكروه (الغير ملزمة) من تلك النصوص الغير متواترة و الظنية . فعند الإسلام العصري التحليل و التحريم لا يقع الا بدليل صحيح و صريح . و هذا التشديد في مسألة التحليل و التحريم سببه أن المقصود أساسا هو التعرف على حكم الله في المسألة المعينة .. و لا يمكن أن نبني أحكام الله في التحليل و التحريم على الظن و التخمين و الترجيح . و قاعدة تقوية الظنيات بعضها بالبعض في الإسلام مرفوضة لأنها أشبه بمن يصدق الشائعة فقط لأنها وردت من العدد الكثير . يرى الإسلام العصري إن أحكام الله لا تقوم على الشائعة و إشتهار الخبر . و لذلك ففي الإسلام العصري ليس هناك ما يمنع زواج المسلمة بغير المسلم أو إمامة المرأة للرجال في الصلاة .. و فيه أيضا أن المرتد لا يقتل و أن الزاني المحصن لا يرجم . الإسلام السلفي , رغم قناعته بعدم وجود كهنوت في الإسلام , لكنه يؤمن بوجود الجماعة الإسلامية التي تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر .. أي أنها مأمورة بأن تزيل أي سيادة لأي أحكام غير إسلامية . و فوق ذلك يؤمن الإسلام السلفي بأن الإسلام دين و دولة .. و ذلك يعني قيام تلك الدولة بفرض قواعد الإسلام على المجتمع فرضا عبر الحكمة و الموعظة أو عبر القانون و الشرطة . و يأتي كل ذلك كما ذكرنا من أن الإسلام السلفي يرى أن لا شئ يعلو على أحكام الإسلام .. فالإسلام يزيل ما قبله و لا يسمح بأي أحكام وضعية بعده . و في أحسن الأحوال فالمطلوب أن تتوافق الأحكام الوضعية مثل مبادئ الديمقراطية و حقوق الإنسان مع الإسلام و ليس العكس . بينما يرى الإسلام العصري أن هناك مجموعة من المبادئ الإنسانية التي توصلت لها البشرية عبر تجاربها المختلفة بإختلاف المكان و الزمان .. و التي باتت تعرف بإسم مبادئ الديمقراطية و حقوق الإنسان و العلم .. هذه المبادئ صارت نصوصها في مرتبة النصوص القطعية لأنها نتاج التجارب الحية و لأنها عند التدقيق و الدراسة وجد أنها تتوافق مع كافة الأحكام المستنبطة من أي نصوص قطعية لأي دين من الأديان . و هي تتوافق تحديدا مع النصوص القطعية للإسلام (المقصود القرآن و المتواتر) و التي وجدت لأنها أساسا تتوافق مع الفطرة و الطبيعة الإنسانية في كل زمان و كل مكان . و الإسلام العصري يرى أن المبادئ الجديدة هي الجديرة بالفرض و إلزام الكافة بها بقوة الكلمة و حرية التعبير أو بقوة القانون الدولي و الشرطة الدولية لأنها هي الضامن الوحيد للحرية الفردية و العدالة الإجتماعية لكافة أفراد المجتمع البشري من غير تمييز أو عصبية . لقد إندلع الصراع بين الطرفين منذ فترة ليست بالقصيرة .. لكنه في السنوات الأخيرة أخذ أشكالا حادة أدت الى نتائج وخيمة . تتم محاصرة إيران الممثل للسلفية الشيعية .. و يطاح بحكم طالبان الممثل للسلفية السنية .. و يقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن الممثل لكافة أطياف السلفية الثائرة .. و يزج بأشباه بن لادن في غياهب سجون قوانتانامو . و من ناحية أخرى تتم الإطاحة بممثلي الإسلام العصري مثل نظام بن على في تونس و مبارك في مصر مثلما تمت الإطاحة بالديمقراطية الثالثة في السودان . و أيضا يتم حصار أنظمة أخرى ممثلة للإسلام العصري في ليبيا و اليمن و سوريا . كما تم قتل فرج فودة في مصر و محمود محمد طه في السودان المحسوبين على الإسلام العصري . و يولد هذا الصراع سؤالا ملحا : هل من سبيل للجمع بين الأسلامين أو جعل أحدهما يتنازل طواعية للآخر ؟ و إذا كان لابد من الحرب .. فلمن سيكون النصر فيها يا ترى ؟ لقد علمنا التاريخ أن الحرب لا تقوم الا عندما يكون مشعليها على طرفي نقيض . كما علمنا التاريخ أنه ما من صراع نشب في هذه الدنيا الا و إنحسم في نهاية المطاف بشكل من الأشكال . إضافة الى ذلك علمنا التاريخ أن بعض الأسئلة وجد و ليس له إجابة . الإسلام السلفي و الإسلام العصري بقلم / نوري حمدون – الأبيض – السودان