أمواج ناعمة (غزل) الاتحاد الأوربي في ديمقراطية السودان جعل البعض يتذكر الحكمة العربية تقول: "الحق ما شهدت به الأعداء"!.. لكن في نفس الوقت جعل البعض الآخر يقول أن (الغزل) مكافأة للدولة لتفريطها في جنوب البلاد!.. ماذا قالت بعثة الاتحاد الاوروبي لمراقبة الاستفتاء؟.. عبارات الغزل حملها بيان قبل يومين للبعثة جاء فيه: "ان عملية استفتاء جنوب السودان تمت بمصداقية تعكس الرغبة الساحقة من الناخبين في جنوب السودان للانفصال".. "إن عملية ادارة الاستفتاء عموما كانت ذات كفاءة ومنظمة ومعدة اعدادا جيدا".. رئيسة وهي كذلك عضوة في البرلمان الاوروبي تقول (بعضمة لسانها): "ان عملية الاستفتاء في جنوب السودان هي لبنة في بناء ديمقراطية ناجحة في السودان".. الحقيقة تقول وبدون الوقوف كثيرا عند رأي هؤلاء وأولئك أن السودان وشعبه دولة عصرية وليس غريبا عليه أن يجري استفتاءً بتلك الكيفية التي أبهرت العالم.. النجاح الذي أشارت إليه البعثة ليس ملكا لحزب معين أو جهة معينة وإنما ملكا للانسان السوداني.. التقرير الذي اشتمل على 56 صفحة أعترف بالدور المهم لحكومة السودان وحكومة جنوب السودان ومفوضية استفتاء جنوب السودان ووكالات الاممالمتحدة والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني والاحزاب السياسية في تنظيم واجراء الاستفتاء بطريقة سلمية.. لم نقل ولن نستطع القول أن العملية مرت بدون اخفاقات، لكنها اخفاقات لا تنتقص من النجاح الباهر للعقل السياسي في السودان.. الاخفاقات من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي، تتلخص فيما يعرف بالقضايا العالقة التي يرى الكثيرون ليس في الامر ارتباطا مباشرا بعملية الاستفتاء، فنجاح التأثير الدائم لعملية الاستفتاء في نظر الاتحاد مرتبط بقرارات لابد من اتخاذها مثل الديون الخارجية وترسيم الحدود والعملة والمواطنة وارباح البترول.. الاتحاد أعتبر أن تأخير تنفيذ استفتاء أبيي الذي كان مقرر عقده بالتزامن مع استفتاء الجنوب مسؤول جزئيا عن العنف وعدم الاستقرار في أبيي. لن يرتاح المتشككون وسيظل يتساءلون: ماذا وراء موقف بعثة الاتحاد الأوروبي (الايجابية)؟!.. ماذا وراء الأكمة؟.. تقول العرب "وراء الأكمة ما وراءها". وهي مقولة ذهبت مثلا في افشاء المرء على نفسه امرا مستورا.. ربما ضاق العالم (المتحضر) ذرعا بمقاطعته للسودان وحرمان شركاته من ثرواته بعدما أرهقته الأزمة المالية وأمسكت بتلابيبه، فجاء يسعى مفصحا عن (موقف جديد) و(جدي) تجاه السودان.. البعض سيسارع ويفسر الأمر على أنه بسبب (صمود) و(تحدي) السودان لكافة محاولات قهر الشعوب عبر الأدوات الاستعمارية المسماة دولية.. ربما من قائل آخر أن الموقف الجديد ناتج عن سياسة واقعية قائمة على قناعة متنامية بتراجع القوة وفشل نهج المقاطعة والضغوط.. مع ذلك كله نحذر من أن تنزلق الدبلوماسية السودانية مزالق الواقعية السياسية. (اليونميس) ستكون مختبرا لعلاقة السودان بالأممالمتحدة و(اليونمس) قوات للأمم المتحدة جاءت للسودان بعد إتقاقية السلام الشامل تحت البند السادس وينتهى أجلها بنهاية تنفيذ الاتفاقية فى 9/7/2011م تاريخ إعلان قيام دولة جنوب السودان.. الخارجية السودانية أخطرت الأممالمتحدة بأن على (اليونميس) الرحيل في الوقت المعلوم.. الناطقة بأسم الأممالمتحدة قالت أن بقاء (اليونميس) مرتبط (برؤية) الأممالمتحدة وليس جمهورية السودان!!.. الله يستر. آخر ما صدر عن أمريكا بشأن السودان أنه أهم دولة إفريقية بالنسبة لها.. يقيني أن الادارة الأمريكية لم تحتار في شأن دولة من الدول مثلما تحتار اليوم في السودان الذي اعتمد استراتيجية الصمود في وجه القرارات الأممية من لدن أمريكا طيلة عقدين مضت.. لا الضربات العسكرية (مصنع الشفاء نموذجا) ولا الحصار العسكري والاقتصادي لم تجد فتيلا مع السودان فقد ظلت إرادة القرار الوطني هي الغالبة.. سيكون أوباما على سبيل المثال أكثر شجاعة إن قرر زيارة السودان بدلا من ايراد المقارنات السخيفة بين دارفور والبوسنة.. المقارنة العابرة التي وردت في أحد خطاباته تشير إلى أن تركة جورج بوش مازالت تلقي بظلالها على حركية الفعل في السياسة الخارجية الأمريكية.