نقولها بصراحة وبكل شفافية ان للمصريين الحق وكل الحق في أن يندهشوا كثيرا عندما ينبغ فينا أحد الأفذاذ وتصل شهرته الى شمال الوادي فيستمعوا اليه ياستغراب وتعجب .فاعلامنا غير مسموع أو مشاهد وتاريخنا في فترة من الفترات لا يخلو من صورالبوابين القابعين على أعتاب القصور والعمارات , وان كانت قد زالت هذه الصورة في واقعنا الحالي ، الا أنها لا زالت عالقة في بعض الأذهان . على الرغم من ذلك لم يخف أهل الصفوة من اخواننا المصريين اعجابهم ببعض النماذج التي فرضت نفسها في الساحة .ألم يسهب الكاتب الفذ مصطفى أمين في عموده المشهور ويخصصه للاشادة بالمستوى الرفيع لثقافة الصادق المهدي وعلو هامته الفكرية بل ذهب الى أن العالم الثالث أجمع يكاد أن لا تجد فيه رئيسا واحدا للوزراء يضاهي قمة الصادق المهدي فكرا وعلما وثقافة . ولقد سمعت قبل عدة قرون أي في أواخر الستينات أن الفقيه الدستوري عبدالرازق السنهوري قال معلقا على مسودة الدستور المقترح لاحدى الدول الشقيقة والذي وضعه الدكتور الترابي وقد عرض عليه ذلك الدستور للمراجعة " لماذا لايصدر لنا السنودان قليلا من أولئك الشباب الاكتوبريين " مشيرا الى ثورة أكتوبر التي كانت في أوج عنفوانها آنذاك, بينما كان السنهوري متململا من النظام الناصري الذي عمد الى اقصائه من الحياة العامة . والآن ما هو الجديد الذي سيحمله الترابي الى أرض الكنانة بعد أن قامت فيها ثورة مجيدة تسعى الى تحطيم الأغلال ونبذ الظلم ورفع الرؤوس المشرئبة الى عنان السماء . خطابه الذي كان له بريق ودوي قد خفت الآن . وعصاه السحرية التي كان يحرك بها قلوب الشباب قد اضمحل تأثيرها منذ أمد بعيد ولم تعد تلك العصا الآسرة الباهرة . لن تستفيد مصر على وجه العموم ولا الحركة الاسلامية على وجه الخصوص من قدوم الترابي ولا من محاضراته أو ندواته ان كان سيعقد ثمة ندوات أو محاضرات ، اللهم الا اذا كانت الفائدة ستأتي من باب العظات والعبر والتبصر فيما آلت اليه الحركة الاسلامية في السودان من شتات ما بعده شتات . فالمأزق الذي تواجهه الحركة في السودان ليس بفعل مارد يحاول أن ينقض عليها من الخارج فيقال للحركة اصبري وصابري حتى يأتيك الفرج من عنده ، بل من لدن الحركة ذاتها ومن صميم دواخلها . كان قدرها أن تتشعب أمامها الطرق فيسلك كل فريق منها دربا من الدروب فيوغل فيه ولا يلتقي بالآخر. فريق أعجبته دعاوى التجديد في الفكر الاسلامي وان اشتطت تلك الدعاوى حنى كادت تخرجه من الملة . وفريق لوى عنقه وآثر المال والثروة وأصبح من ضمن الذين لا يشبعون أبدا كما قال عنهم المصطفى صلى الله عليه وسلم ( منهومان لا يشبعان : طالب علم وطالب مال ) . وفريق حاول الاختفاء حينما تبدلت الأرض غير الأرض وآثر الصمت والنسيان . حينما يصل الترابي الى مصر سيأتيهم ببضاعة مزجاة سترد اليه في حبنه . سيصلها ومن ورائه صحراء خاوية لا تنبت زهرة كما يقولون . قد يحدثهم بأنه قد عبأ الجيوش في يوم من الأيام وملأ الشوارع رجالا ونساء ودك الحصون وناطح الصخور ولكنه قد أتى الى مصر الشقيقة في النهاية بطبل أجوف و قرن خائر مكسور .