السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشاد تعارض أي مسعى للحل السلمي في دارفور بما لم يستجيب ذلك لاستراتيجيه مصالحها السياسية في المنطقة(تقرير خبراء الأمم المتحدة)! محمد علي كلياني


/[email protected]

لقد كانت دارفور ومازالت تعتبر جسراً للتواصل الشعبي بين تشاد والسودان, وترتبط علاقة البلدين بعرى اجتماعية نشأت منذ أقدم العصور، وهي أواصر دم وقربى ومصاهرة تكونت عبر التاريخ. وتلك السمة ذاتها تتميز بها قوميات كثيرة في البلدان القارة الأفريقية. وطبيعي إذن, أن يكون فهم العلاقة التشادية السودانية بأنها شائكة لأسباب التداخل العرقي والحدود الممتدة بدون حواجز طبيعية تحول دون التحرك فيها بسهولة, وبهذا يكون من الصعب طالما الأمر هكذا أن تلعب مجموعة قبلية واحدة تمتد على جاني الحدود دوراُ مؤثرا بين البلدين في ظل وضع مضطرب, كما هوا لحال في إقليم دارفور، بأن يلعب نخب الزغاوة دور شرطي الحدود نيابة عن الحكومة التشادية ومعارضة النظام القائم في الخرطوم, وهو الأمر الذي جعل في السابق أن تتوسع دائرة الاتهامات بين تشاد والسودان على المستوى الرسمي والشعبي, بأن الطرفين يدعم كل منهما معارضة الآخر.. وهي الاتهامات التي يكمن أن تصدرعن حقيقة أو غيرها) .
لان إقليم دارفور يعد وأحد من المعابر المهمة للشعوب الأفريقية التي ترتبط بمصالح عقائدية وتجارية واجتماعية, ومن هنا يكتسب الإقليم دوره التاريخي الفاعل منذ عهود سابقة, وهذه الأهمية الجغرافية والتاريخية لسكان المنطقة تكمن في موقع دارفور وتهم تطوراته أهل المنطقة.
ويذكران المنطقة تتميز بتداخل سكاني وعرقي في شبكة من العلاقات الاجتماعية تتخطي حدود" تشاد, أفريقيا الوسطى, السودان وليبيا "، وذلك مما يجعل أي حدث يؤثر على الأطراف الأخرى على امتداد مناطق التماس الحدودية لدول المنطقة، وواقع الحال يقول وبحسب وجه نظر القنصل التشادي السابق بالسودان أن معالجة الأوضاع الأمنية في تلك المنطقة عن طريق مفاوضات من شانها تحقيق السلام في دارفور"فقد كلفني الرئيس إدريس دبي بإجراء الاتصالات بقيادة المعارضة في الخارج , وبقدر الإمكان مع القادة الميدانيين لطرح الوساطة التشادية.. فقمت باللقاء مع د. خليل في شهر يونيو 2003م في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة ومهدنا بموافقة الحكومة السودانية مفاوضات أبشي في 3/8/2003م , وفي 30/8/2003م، وجرت المفاوضات بين الطرفين الحكومة السودانية والمعارضة بمدينة أبشي، وفي 3/9/2003م تم توقيع أول اتفاق لوقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة تحت رعاية الرئيس ديبي". ومنذ ذلك التاريخ ظلت العلاقات التشادية السودانية في حالة من عدم التوازن والاستقرار كما كانت في سابق عهدها خلال سنوات مضت، فقد وصلت إلى قاع من التشكيك وسوء الفهم الذي طفي على السطح ولازمتها وتيرة من الانخفاض والارتفاع، لأن المعالجات من قبل الوسيط التشادي لم تكن المستوي الذي يرضي طموح أطراف النزاع ورغبتهما في الحل السلمي, و بمعنى آخر أن الوسيط التشادي يخفي أجندة سياسية خاصة به لاستثمار القضية السودانية في دارفور من كل جوانبها وفق تحقيق مصالحه بالمنطقة أو يفهم من خلال ذلك أمور أخرى ظلت طي الكتمان حتى أماط عنها اللثام التصعيد بين البلدين.
لقد كانت المشكلة في دارفور منذ بداياتها قضية سودانية محلية محضة، ولم يلتفت إليها المجتمع الدولي إلا بعد تأزمت الأحوال الإنسانية و اللجوء الكثيف الى ما وراء الحدود خاصة الى تشاد, وهي بدورها طلبت من المجتمع الدولي مساعدتها بعد أن تدفقت إليها أعداد هائلة من لاجئي دارفور.. ويري مراقبون أن تلك أيضا من ضمن الأجندة التي يروج لها نظام تشاد لمرحلة أولي في سبيل خطوات متتالية تسعي انجمينا إلي تحقيقها من وراء قضية الإقليم(لان جل المساعدات الآتية إلي اللاجئين في شرق تشاد بيعت في الأسواق التشادية بأسعار زهيدة), ومن هنا جاء التدخل الدولي بقوة وبطبيعة الحال كان لذلك دواعي الظروف الإنسانية التي تواجه لاجئي دارفور علي التراب التشادي وان التدخل العالمي يسعى بالمقام الأول إلي ازدياد حدة التنافس الدولي على الموارد التي نشأت هناك وهي مصالح حيوية لبعض الدول, لا سيما وان المنطقة شهدت أول صراع دولي أيام الهجمة الاستعمارية والتي سميت بمرحلة الهرولة الغربية نحو أفريقيا, وبدأ ذاك يتجدد أيضا وفق الفرص المتاحة في مناخ الأزمة الدار فورية, ثم إن أبعاد النزاع التقليدي بين كل من(تشاد والسودان)والمتمثل في تحجيم آثار النزاع ضمن نطاق نطاق الأحداث على الحدود فقد أضاف ذلك بدوره منطقاً آخرا للقوى الدولية, وهو لا يمكن أن يتم ذلك لولا التداخل القبلي والحدود المفتوحة وزيادة المخاوف التشادية السودانية من تهويل حجم هذا النزاع وامتداده إلى أراضيهما المشتركة.. وفي الاتجاه نفسه فقد نشر تقرير أعدته لجنة سودانية لتقصي الحقائق برئاسة وزير العدل الأسبق الدكتور/ دفع الله حاج يوسف جاء فيه التقييم عن هول الوضع" بأن ضباطاً تشاديين أدرجت أسماؤهم مع من تورطوا في أعمال العنف في دارفور"وذكر التقرير بأنه " ثبت للجنة ضلوع بعض ضباط وأفراد ينتمون للقوات التشادية المسلحة في الهجمات التي تعرضت لها منطقة كلبس, وقد ذكر شهود عيان أسماء ضابطين هما: محمد جمال وحسين جريبو, ولعل ذلك يعود للتداخل القبلي في المنطقة ومناصرة أفراد القبيلة عبر الحدود لبعضهما البعض وأعمال النهب المتبادلة"، وبهذا الصدد فأن تشاد أضحت محرجة حقا من هذا الموقف مع جارتها السودان، وبخاصة الوسيط إدريس ديبي, بأن حسن جريبو قام بالاعتداء على مواطني الحدود في دارفور لأخذ التأثر للقبيلة, وكونه في ذلك هو الوقت القائد العام للقوات المسلحة التشادية, وأنه يزيد من تعقيد موقف ديبي ويكون الأمر سيئاً ومحبطاً أكثر وبصفة خاصة لأولئك الأطراف المعنية بالتفاوض في تشاد, وهنا يصبح دور الرئيس ديبي باعتباره القائد الاعلي لقبائل الزغاوة على جانبي الحدود والوسيط غير نزيه آن واحد, وان أية فعلة فعلها نخب الزغاوة والذين هم تحت قيادته سواء كانوا سودانيين أو تشاديين تحسب له وهو المسؤل عنها، وهو تطرق إليه أيضاً الرئيس البشير في أحد لقاءاته مع ديبي بأن "ديبي يرتبط اجتماعياً بالسودان", وذلك للإشارة إلى الرابط الاجتماعي له بقبائل الزغاوة في السودان.. وهي عقدة اجتماعية بين البلدين تطفي علي السطح وتحسب لكل من ارتكب جرما او خطئا اجتماعيا أو سياسيا فادحا أوساط المجتمعات في المنطقة(تمتد جريرته لتشمل باقي كل عشيرته او قبيلته التقليدية).
خرج المارد الدار فوري إلى السطح والساحة الإقليمية والدولية تكتنفها تطورات ومتغيرات كبرى, خاصة في أفريقيا, ولازالت أزمات منطقة البحيرات الكبرى تتفاعل يوماً بعد آخر, ولم تحرك الأمم المتحدة ساكناً حيال الوضع هناك, بل اكتفى المجتمع الدولي بإرسال قوات أممية إلى هناك, بينما تورط تلك القوات في عمليات اغتصاب النساء القرويات وتجلل نبأ عملية القوات الأممية أرجاء المعمورة وتناقلت وسائل الإعلام الفضيحة.. ورغم تشبيه ما حدث في دارفور بالوضع نفسه, والذي جاء على لسان ممثل الأمم المتحدة في السودان الكنغولي السيد/موكاشي كابيلا بأن" الوضع أصبح اليوم أكبر كارثة عالمية على الصعيد الإنساني وعلى صعيد حقوق الإنسان". وتبعاً لذلك تكثفت الضغوط على حكومة السودان حسبما جاء في تقارير وإحصائيات منظمات حقوق الإنسان والإغاثة وهي تتحدث عن حالات القتل والاغتصاب والتدمير وحرق القرى والنزوح واللجوء ودعن تلك المنظمات حكوماتها الي التدخل من اجل إنقاذ الموقف. فضلا عن اهتمام حكومات الدول الغربية من أمريكا إلى أوربا بالأمر, وكذا أجهزة الإعلام العالمية, واضحي الكل يضغط بالاتجاه المعاكس للحكومة السودانية. رغم أن الحكومة السودانية في ذات الوقت في أوج مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية في ضاحية نيفاشا الكينية للتباحث لإيجاد صيغة للحل وتوقف نزيف الحرب في جنوب السودان, إضافة إلى آثار الانقسام الداخلي والذي لم تخمد ناره بعد بين تياري المؤتمرين الوطني والشعبي بقيادة البشير والترابي، والذي ظل يزداد ضراوة مع كل يوم، وهو الصراع الذي أصطلح على تسميته ب"نزاع القصر مع المنشية"، و فوق هذا وذاك تأتي مشكلة دارفور لتفرض هي الاخري واقعاً جديداً كلياً على الساحة السودانية بأجمعها لتشغل بال الحكومة جراء الضغط الدولي, وكذا اندهاش الرأي العام السوداني من تطورات القضية علي حدود بلادهم الغربية بصورة لافتة, بحيث صارت بلادهم تنقسم فوق رؤوسهم وفق إستراتيجية تزعم الخرطوم بأنها خطط لها من لدن عواصم دول غربية لتغيير وجهة السودان سياسياً, اقتصادياً واجتماعياً, وتصف حكومة السودان ذلك بأنه انتهاكا صارخا لسيادة البلاد وهذا املأ منها في تهدئة مشاعر الرأي العام الداخلي وتهيئته لمواجهة تلك التحديات، بينما ترى المعارضة المسلحة في دارفور بأن ظلماً وجوراً وقع على دارفور وأهلها ودعتهم الحالة الى حمل السلاح في وجه الخرطوم من اجل تحقيق مطالب قضية عادلة في الإقليم, وطبيعي أن تتلقى الدعم والتأييد من المجتمع الدولي والذي وجد الفرصة جيدة لتصفية حسابات قديمة مع إسلاميي الخرطوم, وتأتي تشاد لتكون طرف إقليمي يرتبط بالمشكلة على اعتبارات ديمغرافية جيوسياسية وتقف الى جانب المجتمع الدولي لإضعاف حكومة البشير سياسيا، لأنها أصبحت تتندر انعكاسات القضية داخليا(انشقاقات قصر ديبي وتنامي المعارضة الداخلية)وكذا النتائج السالبة المترتبة على ذلك على أراضيها. وهنا نركز على ارتباط تشاد بصراع دارفور خاصة عبر الحدود المفتوحة رغم نفي الرئيس دبي بعدم دعمه المعارضة المسلحة في دارفور والتي تتشكل من عناصر مزدوجي الاستقرار في البلدين، فقال" إنني انفي بشكل قاطع التقارير التي تتحدث عن ضلوع تشاد في دارفور.. هذه شائعات مغرضة", وفي وقتها قبل الرئيس البشير في بداية الأمر نفي ديبي للشائعات التي حامت حوله واصفاً ذلك"جاء إلينا أخونا ديبي ليؤكد لنا نفيه للشائعات، ومثلما هو حريص على أمن السودان, فإننا أيضاً حريصون على أمن تشاد"وتلك الشائعات التي أشار إليها البشير بالتأكيد ودون أدنى شك هي أن ديبي قدم دعماً مادياً وعينياً للمعارضة المسلحة في دارفور ضد حكومة البشير، ونظراً لأن ديبي على راس الدولة التشادية فإنه دفع بالمحاربين لمناصرة القبيلة التي تتعرض للاضطهاد كما وصف الأمر القيادي في الحكومة السودانية السيد/ حسن برقو بان الخرطوم تضطهد قبيلة الزغاوة.. وذلك المفهوم كان سائداً في السابق لدى أذهان السودانيين في دارفور حينما دخل ديبي عام 1989م إقليم دارفور متمردا علي نظام حسين هبري ولاحقته قوات تشادية داخل دارفور، وكان يرتسم إلي المخيلة السودانية آنذاك بأنه"ينظر إلي العقيد إدريس ديبي عندما خرج على نظام هبري واحتمى بالحدود السودانية انه جزءا من حكومة هبري التي كانت تعادي السودان"، إذن أن تلك الحماية بالحدود لها بعدها الاجتماعي والعرقي, وهذا أمر طبيعي بالنسبة للروابط الاجتماعية ولا غضاضة أن يحتمي الإنسان بأفراد عشيرته في أوقات الشدة, وتظل هي الملاذ الآمن وهذا ما تقره الأعراف القبلية بين البلدين تقليداً تلقائياً، وبذلك تظل الحدود السياسية للدولتين بلا معنى، وهذا يعتبر جزءا من المشاكل العالقة في الحدود بين تشاد والسودان، أي عدم اعتراف قبائل التداخل القبلي بالحدود الإقليمية للبلدين في إطار التمدد الاجتماعي للقبائل إلى عمق الدولة الأخرى، وهذا وجه آخر يظهر لنا الكثير من التناقضات السياسية والاجتماعية في تشاد والسودان.
هذا الفهم كان ولا يزال سائداً بالنسبة لدي تشاد و السودان في إطار اكتساب حق الجنسية للقبائل المشتركة وفق اتفاقية مبرمة بين البلدين، وأصبح ذلك فيما بعد عندما تأزم الموقف بين الدولتين كان مبرراً كافياً لتوجيه أصابع التهم إلى النخب القبيلة التي تنمي إلي الشق التشادي او السوداني, هذا الاتهام الذي يدعمه منطق التداخل القبلي ويعززه المشروع المشترك لقبائل الزغاوة لحكم تشاد وتعهدهم لدعم نظام ديبي بكل الوسائل، وهو ما أكده الدكتور خليل إبراهيم لإذاعة فرنسا الدولية بأنه بإمكان قوات حركة العدل والمساواة تعزيز استقرار سلطة ديبي أو الإطاحة بها إذا اقتضي الأمر ذلك، وهذا ما حدث بالضبط عندما شاركت تلك القوات في تعزيز أمن حكومة ديبي حينما قربت المعارضة التشادية من إسقاط في 2فبرايرعام 2008م، حيث دخلت قوات الحركة في مناوشات مسلحة مع المتمردين التشاديين واستباحت العاصمة أنجمينا تحت مرئ ومسمع من أعين المجتمع الدولي والذي أقر لاحقاً خطة نشر قوات في شرق تشاد وشمال أفريقيا الوسطى(يوروفور)تحسباً لمثل تلك الأعمال والتي تهدد الأمن القومي في المنطقة، كما دفع هذا الاتجاه الخرطوم الى عدم فرز من هو العدو الحقيقي على الحدود التشادية السودانية, وأن هذا الموقف ذاته قد اتخذته حكومات تشادية سابقة ضد مواطني السودان في الحدود، فلنأخذ على سبيل المثال ذلك الموفق في عهد الرئيس السابق حسين هبري والذي أضمر العداء للسودان على ضوء التداخل القبلي، فتوجه هبري الى مخاطبة رئيس حكومة الأحزاب السيد/ الصادق المهدي، قائلا" إن على السيد المهدي ألا يغمض عينيه تجاه ما يحدث لبلادنا من مؤامرة في دارفور", وكان هبري متوجهاً بالحديث الى الحكومة السودانية مبرراً توغل قواته داخل أراضي السودان بحجة ملاحقة قوات تشادية متمردة يعتقد هبري تجد الدعم والإيواء من أهالي دارفور وعلي رأس التمرد العقيد/ إدريس ديبي الذي احتمى بدار(بريا)، أي دار زغاوة في ولاية شمال دارفور، ووصل الأمر بهبري إلى معاقبة قبائل الزغاوة التشادية والسودانية معاً،(حتى تولد لديها إحساس عميق بان حسين هبري لا يستهدف ديبي ومن معه، بل يستهدف القبيلة كلها، فأصبحت القضية لديها قضية حياة أو موت). ولأن القوات التشادية التي ظلت تطارد ديبي قد استباحت الأرض السودانية باستهدافها مواطنين سودانيين عزل في الحدود على خلفية انتماءاتهم العرقية.
وبالمقابل كانت الخرطوم" تنظر إلى العقيد ديبي بوصفه جزءا من حكومة حسين هبري التي دخلت في مواجهة مع السودان وليبيا في وقت واحد". ولأن القضية في دارفور تتعلق بالأمن والاستقرار بين البلدين, فان القنصل التشادي الاسبق السيد/ حسن داسيري الذي تعرض لإطلاق نار أثناء عبوره الحدود بين الجنينة وأدري، يرى الأوضاع في الحدود عكس ذلك تماماً مدافعاً عن حكومته، قائلاً " نعتقد أن فهم الأوضاع بهذه الطريقة خاطئ ويتعارض مع اهتمام تشاد وموقفها من حل المشكلة".
وفي مضمار استعراضنا لتطورات الأحداث في دارفور وعلاقتها بتشاد ماضياً حاضراً, خاصة فيما يتعلق بانعدام الرؤية حتى اليوم وتعثر الحل السلمي وسوء الفهم بين القيادات السياسية في البلدين والتي كانت قد عقدت المشهد كثيرا, ونرى في الماضي, لاسيما في عهد هبري انه قد اتهم الزغاوة بشكل مباشر في تصعيده التوتر بين البلدين باستعمالهم أراضي السودان وبُعدهم القبلي ضد انجمينا، وكان هبري في أوج عنفوانه وكانت قوته قد خرجت للتو منتصرة في حربها مع طرابلس في منطقة(وادي الدوم )في أقصي الشمال التشادي، وهو النصر الذي ظل يردده هبري في مناسبات سياسية عديدة هو يحس بالفخر والاعتزاز الوطني، ويصف نصر قواته بأن(la revolution Tchadienne vaincre)أي ان الثور منتصرة ويحلو له ترديدها بلغة فرنسية بليغة ودقيقة في تعبيراتها وفي مقاصد معانيها.. وكانت عبارته أنشودة الشباب التشادي في تلك الأيام.
وانطلاقا مما سبق ذكره، فيطرق ذهن هبري المتقد سؤال محير كيف تستطيع قبيلة واحدة فقط تحديه بهذه الطريقة إذا لم يقف ورائها احد؟!. وكان يردد في أحد لقاءاته الجماهيرية الحاشدة لحزبه(UNIR)عبارة أخري باللغة الفرنسية كانت تلك منه محاولة تحييد بعض قيادات أبناء قبائل الزغاوة التشادية التي تعمل ضمن نظامه, وتعميق الشقة مع الأخرى من الجانب الآخر من الحدود قائلاً :
( vrais Zaghawa sont la les)، أي أن قبائل الزغاوة الأصيلة موجودة، وهو يشير الى قبائل الزغاوة التشادية ويعني بالأصالة بالفرنسية(الوطنية)وهي تقف الى جانب حكومته, وكان يقصد بالا خري هي قبائل الزغاوة السودانية بدارفور هي ليست تشادية لأنها كانت تأوي المعارضة وتقف ضد نظامه.
كان هذا قبل سبعة عشر عاما بالتمام والكمال"1989 2006م"، ولتعود الكرة مرة أخرى بعكس عقارب الساعة هذه المرة باتجاه السودان بدلاً من تشاد وقد ظهر ذلك من خلال التوتر التشادي السوداني, ولكن اللاعب في الحدود واحد" أي نخب قبائل الزغاوة المتطلعة الى السلطة في السودان وتشاد معا"، مع إضافة بعض العوامل والأبعاد الأخرى من عناصر الصراع في دارفور والحدود بين البلدين وهي: قبائل الفور والمساليت والقبائل العربية كأطراف متناقضة في الحالة السودانية، بالإضافة على عامل التدخل الدولي والإقليمي, وهي أبعاد تحمل معاني ومضامين تنطوي عليها تعقيدات كثيرة تشغل بال أغلب الناس في هذه المنطقة، ونذُكر هنا إشارة بسيطة لحقائق مرة بين البلدين وتظل شائكة على الدوام, ربما يجهلها الكثير من السودانيون والتشاديين على حد سواء, وربما بعض أطراف النزاع في دارفور أيضاً. وهي أن مثل تلك المغامرات لنخب القبائل المشتركة في الحدود تبدو مكلفة جداً لهم أولاً، ثم أنها تمتد لتشمل مهدد للأمن والاستقرار في البلدين وكذا المنطقة، وعلى الرغم من أن الواقع في تشاد يحتم ومن منطلق مسؤولية الحكم والسلطة التي يتمتع بها أبناء الزغاوة في تشاد ومن يشاركهم فيه من دارفور، يلزمهم بأن يكونوا أكثر عقلانية لضبط الأمور في تشاد وعلى الحدود ليس ليصبحوا حماة ظهر السودان, بل لاعتبار أصحاب مصلحة في السلطة وأول المتضررين في حال حدوث اضطراب في الأوضاع في المنطقة واشتعال أي حرب فيها، كما ذكر بذلك القنصل داسيري, وهو واحد منهم"إنه لا يمكن إغفال دور تشاد ظللنا طيلة السنوات الماضية نحمي ظهر السودانيين"، نعم بهذا المفهوم ممكن، ويبدو أن الأمر كذلك قبل سنوات خلت ولا يزال المشوار طويلا حينما يريد المرء الحفاظ علي قمة القيادة السياسية التي يجب أن تتناغم مع محيطها من الكيانات السياسية التي تشاطرها الانسجام والمصالح للحفاظ علي الموقع السياسي، ووجهة نظر القنصل التشادي تلك قد تكون اقرب إلي مطابقة تماماً لوجهة نظر الدكتور.عبد الله حمدنا الله الأستاذ الجامعي الذي عمل بالجامعات التشادية ضمن البعثة السودانية العلمية بأنجمينا، وهو ناشط أكاديمي في إطار برنامج التعاون الثقافي والعلمي بين البلدين, فقد شخَص طبيعة الأوضاع بوضوح وصراحة ملخصاً الأزمة بين البلدين واصفاً إياها في لحظاتها الحرجة من تاريخ الشعبين بان"الحرب في دارفور جاءت لتبدل المعادلة، ولتضع الرئيس ديبي في خيارات صعبة في حالة استمرارها، فكان لابد من السعي لإيقافها لخدمة الطرفين" أي إيقاف الحرب بين قيادات قبيلة الزغاوة الذين يتزعمون التمرد ضد حكومة السودان صديقة الرئيس ديبي، وإن هذا ما يؤكده المسار السياسي في البلدين باستمرار وبحسب التجارب والواقع, ووفقا لنظرة د.حمدنا الله التي ساقها بهذا الشأن"وكل متصل بطبيعة التغير السياسي في تشاد يعلم أنه هذا التغير لا يأتي إلا من الشرق حيث الأراضي السودانية"، وهي عبارة لماحة من أستاذ جامعي مطلع على خفايا الأوضاع التشادية السودانية وارتباط تشابكها المعقد، وذهب د.حمدنا الله مستقرءاً تطورات الأحداث مشخصا انه"احتفظ الرئيس ديبي للحكومة السودانية بيدها عليه وحافظ على علاقات حسن الجوار، وبذلك أتاح استقرارا لًحدود السودان الغربية والتي (لم تشهده في عهد قريب)الأمر الذي جعل الحكومة السودانية منذ سنوات(فلم تسمح لأي فصيل معارض بالعمل داخله، بل تسعى للمصالحة مع عدد من الفصائل مع نظام الحكم في أنجمينا وقُدِمَت مساعدات لم يفصح عنها لصالح الاستقرار في تشاد). ولكن كان هذا قبل تطورات الأحداث في دارفور وعلاقتها بتشاد وإطلاق حالات العداء والقطيعة والتوتر وتوسع دائرة التهم بدعم المعارضات المسلحة علي جانبي الحدود المشتركة, وعلي عكس ذاك الصعيد في السابق تظل قضية دارفور إستراتيجية لدي الطرفين وان"عدم الإخلال الأمن على الحدود السودانية سياسة إستراتيجية لدى حكومة تشاد، وإن كل مهدد يحول دون بسط الحكومة السودانية لسلطتها في دارفور فهو مهدد لتشاد بذات القدر الذي يهدد السودان، والحكومة التشادية تعلم بأن عدداً من الحركات الهامدة الآن ستعود إليها الحياة في حالة فقدان الأمن في دارفور، لكل ذلك لابد أن يتحرك الرئيس ديبي لأنه صاحب مصلحة". وثبت فيما بعد أحداث داخل تشاد في 13ابريل2006م-2فبراير2008م، حيث جرت محاولات عسكرية متتالية لإسقاط ديبي من قبل المعارضة التشادية المسلحة المدعومة من السودان.
هذا كله كان بداية لعمليات التصعيد والتوتريين البلدين، وتباعد الشقة ووجهات النظر حول معالجة القضايا في دارفور ثنائيا، ثم تحديد طبيعة التركيبة السكانية في الحدود وتوجيه الاتهامات بأن كل طرف يسعى إلى تكوين فصائل مسلحة موالية له لتتولى مراقبة الحدود وبسط السيطرة في المنطقة مما شكل نوعا من صراع النفوذ بين انجمينا والخرطوم علي الحدود الي أن جاءت التسوية بينهما وإنشاء القوات المشتركة لتحل محل الخلافات رغم وجود بعض الأمور التي لا تزال قائمة وتنتظر المعالجة الثنائية بين الدولتين.
تلك هي عوامل أخري ضمن سلسلة من حلقة التطورات التي تحكم بعض أوجه الصراع في دارفور(صراع النفوذ علي الحدود), بعيدا عن مفاوضات سلام دارفور عبر المنابر الإقليمية والدولية, وهذا ما يمكن أن يشكل بعداً آخراً ويشكل هاجسا أمنيا خطيرا يرشح قضايا الإقليم للأسوأ رغم الجهود المبذولة من قبل دول المنطقة من اجل تحقيق السلام هناك, ويعتبر ذلك أيضا وجها خفيا ينشط خلف الكواليس تسهب فيه تقارير خبراء الأمم المتحدة كلما ينشب خلاف بين تشاد والسودان، وفوق هذا وذاك، فيرى د. حمدنا الله" فالملم بطبيعة التركيبة السكانية في دارفور يدرك مدى تداخلها وتشابكها مع تشاد وإن الحدود السياسية ليست فاصلاً يحول دون الإصلاح". ولكنه، من الثابت بأن" تظل حقيقة ثابتة ينبغي الاهتمام بها وهي أن اي مشكلة في المناطق الحدودية في البلدين مهما كان حجمها لا يقتصر أثرها في نطاقها الوطني, بل سرعان ما تعبر حدود البلدين.. ومهما يحاول البلدين النأي بنفسه عن شئون الآخر, فإنه من الصعب تطبيقها ".. ومن هنا تتكشف أمامنا حقائق لا يمكن إغفالها في مسيرة العلاقات التشادية السودانية, ألا وهي إن العمل الذي يجب القيام به بين البلدين, لابد من أن يقنن ويخاطب ضمير المجتمعات الحدودية وتوجهاتها وتبصيرها حيال قضاياها المصيرية والملحة. كالأمن والاستقرار والتعايش السلمي بما يتيح فرصة لإحداث التنمية المستدامة وتحويل مناطق التوتر والنزاع في الحدود إلى مناطق آمنة ومستقرة كما يصف ذلك د. مصطفي عثمان إسماعيل مستشار الرئيس السوداني وتفاديا الفخ الدار فوري في المنطقة أو استنساخه مجدداً في المنطقة(نزاعات الحدود الأفريقية المشتركة), وفق حسابات سياسية خاطئة تجعل من النزاع المسلح قائماً حينما تفشل اي نوع من مساعي التسوية السلمية في إقليم دارفور في الدوحة او كما تم التطرق إليه أنفا في الوساطة التي قادها ديبي وفشلت نظرا لمعاييرها الإثنية الضيقة، وإذا كانت متغيرات السياسة الدولية تملي ضرورة قيام نمط جديد ومتوازنة في العلاقات الإقليمية والدولية ترتبط بالمصالح القومية, فإن الأمر بين تشاد والسودان يحتاج إلى آليات اگثر فاعلية للتعاون والتخطيط عبر مدخل ثنائي أو جماعي في المنطقة ووفقاً لمنظومة الاتجاه العالمي الذي يتكيف مع المعطيات الراهنة بعد التجارب المريرة التي مرت بها البلدين وتتخطى كل معضلات السلام والتنمية وتستجيب كذلك لتطلعات الشعوب في المنطقة وتضمن مصالحها في العيش والاستقرار دون تمييز او اعتلاء مصالح قوم علي حساب آخرين بسبب السلطة والجاه والنفوذ, وفي عصرنا الحالي ليس بمقدور طائفة بعينها احتكار السلطة والتحكم في مقدرات الشعب دون رقيب ومحاسبة مهما طالت أساليبها في الفساد والاستبداد، ونري من الفشل الذريع أن تتوجه نخب سياسية ما القيام بإذكاء نيران الحروب والتحريض على القتال في حال فشلها في تسوية قضايا معينة وتتستر خلف المشاعر القبلية التي تضعف الانتماء الوطني للدولة القومية. وإن تصريحات الرئيس ديبي للصحافة الغربية في 25/11/2005م بأن"السودان يكذب وهو الذي يسعى لتهديد أمن تشاد وزعزعة استقرارها، وأن لدينا أدلة دامغة عن دعم السودان لمعارضة تشادية"، ينم ذلك التصريح عن عدم مسئولية لا تخدم الأغراض العامة للاستقرار في المنطقة, بقدر ما تعطي إشارة سالبة تأتي برد فعل محبط للعلاقات بين السودان مع بلاده ويعرض مصالح مواطنيه في السودان الي مضايقات كثيرة كما هو الحال لما تعرض له التشاديون في ليبيا وأفريقيا الوسطي وليبيا هذه الأيام حيث أصبح ما لا يقل عن 40000 تشاديا عالقا في الحدود الليبية مع دول الجوار بينما اختبأ رعايا تشاديون آخرون في سفارة تشاد ببانغي خوفا من هجمات عدائية يشنها سكان محليون من أفريقيا الوسطي ضدهم خاصة من قبل أولئك الغاضبين من سياسة بلادهم التي يعتبرونها مسخرة لخدمة مصالح تشاد وقياداتها أكثر من مصالحهم الوطنية, ورغم ذلك ان نظام ديبي يغمض عينيه عن عمد حيال قضايا شعبه وما يتعرضون له في الخارج .. وان سياسته تلك قد ألحقت ضررا كبيرا بمصالح الشعب التشادي في الداخل والخارج وهي علي الدوام تعطي إشارة سالبة.. وفي الآونة الأخيرة أطلق مسئولون تشاديون كبار تهديدات لترهيب قيادات سياسية وعسكرية في بانغي بان الطوفان سيأتي من انجمينا لخلعهم إذا لم تتحقق مطالبهم في مواجهة مشاعر شعب تلك الدولة علي اعتبار أن نظام بانغي محسوبا علي قيادات تشادية تقوم بالاتجار بالمعادن الثمينة الألماس والذهب في هذه الجمهورية الصغيرة.
ولابد من الإشارة إلي أن احتواء التوتر بين تشاد والسودان مهم وضروري لاستقرار المنطقة، وان المعالجات بهذا الصدد والتي تمت في كل من(طرابلس والسعودية والسنغال) لفض النزاع كانت جهودا خيرة لإيجاد التسوية السلمية للبلدين، ولكن أنجمينا والخرطوم فضلتا عدم كشف المستور والمسكوت عنه بينهما في كثير من الحالات، بعد ان فشلت كل اطر المساعي في الماضي ل( لتنقية الأجواء العكرة وإعادة المياه إلى مجاريها)، وتوصلتا الاثنان معا في نهاية المطاف إلي قناعة أن عدم الإخلال بالموازين بين أنجمينا والخرطوم لها بعد سياسي كبير"يؤكد إستراتيجية العلاقات بين البلدين وما يمكن أن يؤديه لصالح الاستقرار ويؤكد لنا أهمية غرب أفريقيا في استقرارنا", وبذلك خلص ديبي إلي نتائج مفادها(يجب الذهاب الي الخرطوم وعقد المصالحة دون وسيط خارجي)وهو الأمر الذي أكده البشير قائلاً "مثلما حرص أخي ديبي على أمن السودان فنحن أيضاً حريصون على أمن تشاد"، وطالما الأمر كذلك، وبحكم تبادل المصالح المشتركة فإن" السودان لن يسمح لأي جهة مسلحة تقوم بتهديد استقرار الشقيقة تشاد". وهذه العبارة هي التي يريد الشعب التشادي سماعها من الرئيس البشير كتعهد شخصي للاطمئنان على أمنه واستقراره والذي عبث به ديبي كثيرا في اغلب مغامراته العسكرية بالمنطقة خاصة تلك التي يستفاد منها التشاديون في حلهم وترحالهم بدلا من بث المخاوف التي يسوقها نظام ديبي لتصوير اي قضية خارجية بأنها تهدد شعب تشاد ويجب إدارة الحرب ضد التهديد الخارجي.. وترديد بأن" أي خطر على تشاد يأتي عبر البوابتين الشرقية والشمالية، حيث ليبيا والسودان"، إذن كيف أستطاع نظام أنجمينا الصمود عشرات السنين لولا دعم اليد السودانية والليبية له إذا لم يستغل الساسة التشاديون الدهماء قضية الحدود والمتاجرة بها؟، وتسخين أجواء التوتر فيها على أسس غير محسوبة, وإلا وكيف يمكن تفسير استقرار العلاقة بين انجمينا والخرطوم لفترة طويلة قبل مشكلة دارفور؟، مع أن حكومة البشير ذاتها كانت تدعم وبعلم تام عرقية واحدة في تتربع علي سلطة أنجمينا لصالح استقرار الحدود ضمن برنامج(مشروع الأمن الغربي)، كما أوضحه القنصل داسيري أنهم ظلوا يحمون ظهر السودان طيلة السنوات الماضية!.. وأكده د. حمدنا الله بأنه(قُدِمَت مساعدات لم يفصح عنها لصالح الاستقرار في تشاد).
ومما تقدم يتبين لنا أيضا من خلال التصعيد بين تشاد والسودان وعبر التصريحات الصحفية والبيانات الملتهبة وتبادل التهم.. ويمكن القول وبلا تردد إن تردي الأوضاع التي أشرنا إليها في كل من تشاد وأفريقيا الوسطى والسودان وليبيا هي تندرج ضمن نطاق المناطق الملتهبة والقريبة من أقاليم دارفور والتي تتقاطع فيها مصالح إستراتيجية لقوى دولية قادرة بلمح البصر تحريك مجريات الأحداث من العدم وتحويل الأنظارتجاهها ك(الحملة العسكرية التي قادها حلف الناتو ضد دكتاتور ليبيا)دعك من المؤامرات السياسية الطائشة لقيادات المنطقة؟، ونري كيف أن تشاد وليبيا اللذين ظهرا كأطراف متناقضة في قضية النزاع في أفريقيا الوسطى عام 2003م، فقد اقدمت حكومة ديبي إلى الإطاحة بالرئيس السابق آنش فليكس باتاسي ونصبت بدلا عنه الجنرال فرنسوا بوزيريه رئيسا خلفا لغريمه بدعم عسكري واضح, مما نتج عن تلك الأزمة اضطراب وعدم استقرار لازم أفريقيا الوسطى حتى اليوم, ولم يحدث قط في التاريخ تشاد السياسي ان تم استهداف وقُتل مواطنين تشاديين على خلفية أحداث سياسية تورطت فيها حكومتهم بالتدخل في شئون بلدان مجاوره كما حدث للتشاديين حالياً في دول المهجر(ليبيا وأفريقيا الوسطي).

وننمي أن لا تتبدل مواقف ديبي هذه المرة إذا تم اتفاق سلام سياسي في الدوحة بشأن دارفور وإن لم يصب ذلك في صالح سياسته في الإقليم.. وننمي أيضا أن لا يكون نظام ديبي جحر عثرة أمام طريق تحقيق السلام .. ونرجوه كذلك الكف عن سياسة المغامرات العسكرية وإدارة"الحروب بالوكالة"وان يترك أهل دارفور وشانهم, وندعوه كذلك إلي مساعدة أهل دارفور إذا أمكنه الإسهام في الحل والتعايش السلمي وعدم تعويض مساعي السلام الحميدة التي تبذل من خلال جهود التسوية الإقليمية والدولية لصالح إقليم دارفور حتى لا تصبح تشاد مادة إعلامية صائغة لوسائل الإعلام والتقارير الدولية وبالشكل الذي كان في عام2006م بان(تشاد قامت بتضليل مهمة خبراء الأمم المتحدة بتلفيقها معلومات مغلوطة وكاذبة حول الوضع في الحدود بين تشاد والسودان).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.