اعتورنى حزن بالغ بوصفى احد ابناء ولاية جنوب كردفان وبحكم انتمائى لحزب الامة القومى السودانى اكبر الاحزاب قاعدة وتاريخا ؛ أثر تفاقم احداث الصدامات المسلحة الاخيرة التى وقعت بمنطقتى ابيى و كادقلى . وارى ان الواجب الوطنى - وان كنت مريضا اتلقى العلاج حاليا بلندن- بعد تطواف شامل اجريته مؤخرا فى تلك المنطقة ؛ يحتم على ان اوضح بعض جوانب الإشكالية التى تشظت إحداثياتها الدامية بين الجيش السودانى وقوات الحركة الشعبية من خلال رؤيتنا للخروج من المأزق الذى جره إلى البلاد السلام الأمريكى المقتصرعلى طرفى اتفاقية نيفاشا 2005. إن سيناريو العنف الدامى الراهن سيعصف بأمن واستقرارالولاية ويمزق نسيجها الاجتماعى بتقاطعاته الإثنية التى تضم شعب النوبه والدينكا والعرب والذى ترسخ لأكثر من 500 عام مهما تخللته من نكسات . لقد تأثرت خصوصية ولاية جنوب كردفان بالآثار السلبية التى نجمت عن اتفاقية السلام الشامل من حيث تميزها عن بقية ولايات السودان . فهى الولاية التى تحادد 3 ولايات شمالية -شمال كردفان وجنوب دارفور والنيل الابيض- و4 ولايات جنوبية - الوحدة واعالى النيل وأوراب وشمالى بحر الغزال . فهى اكبر ولايات الجنوب الجديد لشمال السودان بعد أنفصال الجنوب مطلع الشهر القادم. ومن حيث موقعها فى السافنا الغنية فهى الاغنى مقارنة بولايات الشمال لعوامل الزراعة ووفرة الثروة الحيوانية والمعدنية ؛ وهى الولاية التى تنتج النفط السودانى ولكنها رغم ذلك تعد الأفقر حاليا . وهى الرابط بين شمال السودان وجنوبه لأنها ملتقى لتلاقح الثقافات العربية والافريقية . فاذا اتجهت منها شمالا يممت صوب نطاق العروبة واذا اتجهت منها جنوبا توغلت فى حزام الافريقانية . فهى قنطرة انصهار التعدديات الاثنية والثقافية والدينية . وهى الموقع الذى انطلقت منه شرارة الثورة المهدية حيث كانت مسرحا لأكبر معاركها ضد الاتراك والانجليز فى القرن التاسع عشر. وانطلقت منها كذلك ثورتى الفقيه على الميراوى – منطقة ميرى- بالقرب من كادقلى والسلطان عجبنا - منطقة النيما - بالقرب من الدلنج . سياسيا ظلت المنطقة محكومة بثلاث بروتوكولات : بروتوكول سويسرا الخاص بمنطقة جبال النوبة و بروتوكولى ولاية جنوب كردفان وابيى المضمنين فى اتفاقية السلام الشامل ولذلك اذا لم يتم احتواء الاحداث الجارية من قبل حكومتى الشمال والجنوب والقوى السياسية الحاضرة فى الحراك السياسى بالولاية وابنائها بالداخل والخارج فأن تعقيدات القضايا الشائكة والعالقة بين حزب المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية ستجعلها عرضة للتفلتات الامنية وتأزم الاوضاع فيها مما يؤدى إلى وقوع كارثة انسانية واسعة النطاق . بالرغم من ترحيب حزب الامة وقبوله على مضض باتفاقية نيفاشا المبرمة بين حكومة السودان والحركة الشعبية فى يناير 2005 لكن مؤسسات الحزب اوضحت بشأنها العديد من الملاحظات من منطلق الحرص على تحقيق الوحدة الجاذبة و السلام الحقيقى الشامل ومن اكبر عيوب الاتفاقية التغييب المتعمد للقوى السياسية الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدنى بالشمال والجنوب . ولقد فشلت الفترة الانتقالية فى التنفيذ السلس للاتفاقية وتحديد آفاق التعاون والمصالح المشتركة لما شابها من مشاكسات وانتكاس فضلا عن تبادل الاتهامات والشحناء بين طرفيها مما مهد للإنفصال والتغابن بدلا عن الوحدة الجاذبة والسلام العادل مخيبة بذلك آمال قطاعات كبيرة من الشعب السودانى. يشهد السودان الآن فترة ما قبل الانفصال المحدد له التاسع من يوليو 2011 ومن أهم قضاياها التى لم تحل بعد : ابيى وترسيم الحدود بين الشمال والجنوب والترتيبات الامنية والمشورة الشعبية لولايتى جنوب كردفان والنيل الازرق. وبعد الانفصال سيدخل طرفا اتفاقية السلام الشامل فى مفاوضات بهدف الاتفاق على مرحلة ما بعد الاستفتاء . وبشهادة المنظمات والدول الموقعة على الاتفاقية تتعلق تلك بالمسائل التالية: الجنسية ؛ العملة؛ الخدمة العامة؛ وضع الوحدات المشتركة والمدمجة ؛ الامن الوطنى والمخابرات ؛ الاصول والديون ؛ الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ؛ حقول النفط وبيئتها وانتاجه وعقوده وترحيله وتصديره ؛ والملكية ومياه النيل. وكل القضايا العالقة المذكورة لم يصل فيها الطرفان لاتفاق بعد بل يسود مناخ من التوتر والاحتقان السياسى والاجتماعى والامنى مع ا نعدام الثقة التامة ؛ إضافة إلى الدعم المباشر وغير المباشر لمعارضى كل طرف لو جستيا وعسكريا وانكار كل طرف لذلك . فما حدث فى ولا ية جنوب كردفان مؤخرا يعتبر جسا للنبض لما سيحدث مستقبلا مما يوجب على كافة الحادبين من ابناء الوطن الاعتبار والاستفادة من تجارب الماضى والعمل على معالجة القضايا بالتعرف على جذورها والاهتمام بجوهرها وتلبية استحقاقات متطلباتها . الشاهد ان ولاية جنوب كردفان لم تستفد من اتفاقية السلام الشامل بل تتعرض الآن لاثقال تبعاتها وارثها المتمثل بالتحديات التالية: 1- المشورة الشعبية التى لم يبت فى امرها حتى الآن لارتباطها بالانتخابات التكميلية والفترة الانتقالية التى اتى أجلها دون تحقيق اى منجزات ملموسة على صعيد البروتوكول الخاص بالولاية 2- وضع القوات المشتركة وابناء الشمال المجندين فى جيش الحركة الشعبية الذين أهمل امرهم ولم تعالج قضاياهم أو تسوّى حقوقهم المشروعة بالجدية والسرعة الناجزة والمطلوبة من قبل حكومتى الشمال والجنوب 3- الوضع الجغرافى الجديد للولاية بعد انفصال الجنوب ؛ والتى ستصبح جنوبا جديدا للشمال وتتعرض لكل مشاكل المناطق الحدودية والجوارغير الآمن ومشاكل التمازج والتداخل السكانى بين دولتى الشمال والجنوب . وسوف تكون ارضها مسرحا للعمليات العسكرية او الانتقامية فى حالة نشوب اى صراع مسلح بين الدولتين وهو ما تشير اليه المؤشرات السائدة حاليا 4- انتشار السلاح بأيدى المواطنين والمجتمعات القبلية فى ظل وجود قطاعات واسعة من الفاقد التربوى 5- عدم الوفاء بالتعهدات المقطوعة حيال تنمية المنطقة واعادة بناء ما دمرته الحرب الاهلية وتقديم الخدمات الاساسية الضرورية وانشاء البنية التحتية مما انعكس فى زيادة وتيرة التردى التنموى بالمنطقة وتفاقم حدة الفقر 6- التنازع على منطقة ابيى سياسيا وقبليا والاستقطاب الحدّى للمجتمع هناك وتدخل الأيادى الاجنبية فى المشكل على اثر اللجوء إلى التحكيم الدولى بلاهاى وما صدرت عنه من أحكام جائرة بحق المسيرية الثابت بموجب القانون الدولى نفسه . 7- الأطروحات المتطرفة حول مستقبل الولاية من حيث وحدتها الجغرافية والاجتماعية المنشطرة مابين الدعوة لتقسيم الولاية اوالمطالبة بتقريرالمصير والالتحاق بدولة جنوب السودان. هذه التحديات تجعل ولاية جنوب كردفان أحوج ما تكون إلى برنامج قومى جامع بعيدا عن التصنيف الأثنى والاقصاء السياسى لكى يتم تمثيل كيانها المجتمعى تمثيلا حقيقيا يهدف إلى المحافظة على تماسكها ووحدتها لدرء نشوب الحرب مجددا على مسرحها . كما يؤسس لعلاقات ايجابية بين مكوناتها الإجتماعية والسياسية مع الولايات السودانية المحاددة لها شمالا وجنوبا ؛ بما يحقق الإستقرار ويعيد السلام الإجتماعى وزخم التواصل الانسانى ويحفظ المصالح المشتركة لسكان المنطقة . وهذا لن يتأتى إلا بالإستجابة لمطالب اهلها ووعى ابنائها بواقعهم الذى يتطلب التصالح مع النفس اولا ومن ثم التصدى بتجر د لحل القضايا المتشعبة . الانتخابات التكميلية ونذر الصراع المسلح: ان الجهود المضنية التى قامت بها قيادة حزب الأمة القومى ومؤسساته على مستوى الولاية والمركز والدراسات التى اجريت بشأن الأوضاع بجنوب كردفان قبيل الانتخابات توصلت الى قناعات بأنها تشكل هاجسا وطنيا وتحديا كبيرا لكل الغيورين من ابناء الولاية والوطن ممن يهمهم امرها ؛ وهى اوضاع فرضتها ظروف الأزمة السياسية السائدة فى البلاد وظروف إشتعال الحرب لعقدين فى المنطقة. فبعد أن كانت الولاية موضع القلب من الخارطة السودانية وصورة حقيقية نابضة لتركيبته الإجتماعية اضحت منطقة حدود دولية وبؤرة امنية وسياسية واحتقانات إجتماعية خطيرة تؤذن بتجدد نذر الحرب وفتح الثغرات العديدة للتدخل الاجنبى والأجندة الخارجية مما يستوجب البحث الجاد عن صيغة فاعلة تمكن الحادبين من ابناء الوطن من التصدى للمسؤولية ولعب دور إيجابى للسيطرة على تداعيات اوضاع الانتخابات التى جرت مؤخرا وما افرزته من استقطاب اثنى - دينى-سياسى وجهوى . ولقد اعلن حزب الأمة قبل وقت مبكر ان الظروف الراهنه تحت ظل الإستقطاب الحاد بين طرفى اتفاقية السلام غير مناسبة لإ جراء الانتخابات لأن الطرفين سوف يخوضانها بمنطق الفوز لنا اوالطوفان ؛ وأقترحنا تأجيلها مع استمرار الإلتزام بالمشورة الشعبية وهى صيغة غير متفق عليها ويشوبها الغموض وتعد بشكلها الراهن إحدى الثغرات الكثيرة التى حوتها اتفاقية نيفاشا . واقترحنا تشكيل إدارة انتقالية قومية لجنوب كردفان تعنى بالتنمية وإحداث التعايش بين مكوناتها السكانية . ولكن الحزبين الشريكين قررا المضى فى أجراءات انتخابات الطريق المسدود . وقبل اجرائها خاطب الحزب كتابة قيادتى الحزبين الشريكين مقترحا وضع برنامج مشترك مؤسسا على ميثاق وطنى يتم التراضى عليه يفضى إلى تكوين إدارة قومية بغض النظر عما تسفر عنه نتائج الانتخابات . وسبق ايضا ان اعلن الحزب نداء للالتزام بميثاق شرف إنتخابى والكف عن إستصحاب الخطاب الإستقطابى المتمثل فى شعاريهما الإنتخابيين " النجمة أو الهجمة" شعار الحركة الشعبية و" احمد هارون او القيامة تقوم " شعار المؤتمر الوطنى . ثم طلبنا منهم حال وجود طعن فيها من أحد الاطراف فليكن بالوسائل القانونية والمدنية مع تفادى الإتيان بإى تصرف من طرف واحد يؤدى للاحتراب . وكل ما توقعناه من سيناريو حارق قد حدث حيث افرزت عملية قيام الانتخابات فى ظل التوتر صراعا على السلطة لتصبح جزءا من المشكل . وبعد إعلان لجنة الإنتخابات النتائج الأولية بادرنا بإعلان موقفنا إنطلاقا من متابعتنا اللصيقة لسيرها بأن الحزبين الشريكين خاضا انتخابات تحد ومواجهة بين دولتين ومهما كانت درجة نزاهتها فإن الحقيقة الباقية أن الولاية باتت مستقطبة اثنيا وان الإستمرار فى حكمها وفق النسب الإنتخابية الحسابية سيجلب الويلات ان لم يكن مستحيلا . والخيار الأوحد المعقول يتمثل بإستمرار التظلم بالوسائل القانونية والسياسية وان يتجه الجميع لصيغة تراض لحكم انتقالى تجرى فى ظله إدارة مصالح كافة سكان المنطقة وتتم فيه المشورة الشعبية وتضمن نتيجتها فى الدستور الذى سيعقب دستور اتفاقية السلام المنتهية مدته فى مطلع يوليو القادم. وفى هذه المرحلة المفعمة بالتوترات السياسية والاحتقانات الإجتماعية والأمنية تحتم علينا متطلباتها الإجابة على الأسئلة التالية: ماذا تريد ولاية جنوب كردفان؟ كيف تحقق الولاية ما تريده ؟ ومتى يتحقق ذلك المطلب؟ أهداف المبادرة المطروحة: ولذلك نطرح هذه المبادرة التى تهدف إلى تأسيس عقد سياسى وإجتماعى وامنى جديد (اتفاقية سلام جديدة) لتجاوز إفرازات الأنتخابات وسلبيات اتفاقية السلام الشامل أخذا فى الاعتبار كل التوصيات التى سبق ان تقدم بها حزب الأمة وكتلة البرنامج القومى بولاية جنوب كردفان وبناء خارطة طريق لحاضر عفى خال من الإستقطاب الإثنى والدينى والجهوى توطئة لتحقيق التالى: 1- رفض عودة الحرب إلى المنطقة مهما كانت الأسباب والدوافع ووقف كافة العمليات والعدائيات من الطرفين 2- تغليب مصلحة المنطقة على غيرها من المصالح الحزبية والقبلية والجهوية من اجل بناء مجتمع آمن ومتثاقف مع تراثه وموحد حول مفاهيمية سلام يعاد اكتشافه وتدعمه القيم والعلاقات الموضوعية والتكافل بعيدا عن التداعى الاممى الذى يخيم على القارة الافريقية حاليا . 3-رفض مبدأ استخدام العنف لحل المشاكل بين مكونات الولاية الرسمية والشعبية ونبذ التصعيد وروح العداء والتنابذ واعتماد الحواروالوسائل السلمية عبر الاعراف والآليات المجربة والتى اثبتت التجربة جدواها وفاعليتها 4-إزالة اسباب النزاع والصراع السياسى والإجتماعى بخلق البرامج المدروسة التى تلبى طموحات الجميع وتحقق مصالحهم المتفق عليها المحاور الأ ساسية للمبادرة : 1-المصالحة الاجتماعية الشاملة: وتتمثل فى عقد مؤتمر يضم كل فعاليات الولاية بهدف رتق الفتوقات التى طالت النسيج الإجتماعى واجراء المصالحات الاجتماعية والمصارحات العرفية الحقيقية بين مكونات المجتمع بعيدا عن الاستغلال السياسى وإزالة التشوهات التى احدثتها سنوات الحرب الماضية وجمع صف ابناء الولاية وتوحيد كلمتهم وتوجهاتهم 2-استحقاقات المشورة الشعبية: وتهدف إلى العمل على خلق توافق حول مفهوم المشورة الشعبية وآليات إدارتها بما يضمن تحقيق مخرجاتها للمكاسب المطلوبة للولاية الترتيبات الامنية وقضية ابناء الولاية بالجيش الشعبى : ان القصور الذى شاب الترتيبات الأمنية لقوات الجيش الشعبى بالولاية قد يؤدى إلى تفلتات امنية ان لم يتم علاجه. ويتطلب الموقف تشكيل لجنة عليا من قادة الجيش السودانى والشعبى من ذوى الكفاءة والقدرات لوضع اجندة الترتيبات الأمنية وتسوية الاوضاع مع التزام الممارسة الديمقراطية وتشكيل حكومة قومية. ويجب كذلك تهيئة المناخ السياسى السليم الذى يؤسسس لممارسة ناضجة وراشده ترتقى بوعى المجتمع وتدفعه للتفاعل الإيجابى مع قضاياه السياسية وكفالة الحريات الأساسية وحقوق الانسان ويتطلب ايضا التراضى على حكم انتقالى تحت مظلة حكومة قومية لتحقيق مصالح الجميع. واخيرا يقتضى الموقف توظيف الحكمة السياسية والعمل الصادق لإمتصاص الآثار السلبية التى نجمت مؤخرا نتيجة الانتخابات التكميلية ؛ وضرورة الحفاظ على التوازن بين متطلبات حفظ الأمن والنظام والاستجابة للمطالب والحقوق المشروعة لأهل الولاية ومعالجة تحدياتها وفق صيغة واولوية التمييز الايجابى . كما ينبغى بذل الجهد الوطنى لتهدئة الأوضاع الملتهبة للحيلولة دون حدوث التصعيد والتصعيد المضاد لأجل الحفاظ على وحدة الاقليم والنأى عن استخدام أهله فى متوالية حروب اثنية تدار بالوكالة .
