عندما توجه شعب جنوب السودان عن بكرة أبيه الى صناديق الاختراع فى الحادى العشر من يانير من العام الجارى. كان الشعب يدرك تماما أنه يوم القرار الحاسم والنهائى والتاريخى الذى لا سابقاً له فى تاريخيه. حيث انه هو القرار الذى سيقرر بموجبه مصيره ومستقبله ومستقبل أجياله القادمة. فلما أعلنت النتيجة لن تكن مخيبة للأماله. انما أثبتت ان أرادة الشعب أقوى من كل شى. لان الشعب قد قال كلمته التى لا رجوع منها ولا العدول عنها.كان يوماً عظيماً بل أغر, سطر الشعب تاريخيه الذى سيكون نير وناسق عبر الدهور والاجيال. فليس من الصعب على العالم ان يدرك لماذا قرر شعب الجنوب الانفصال بدلاً عن الوحدة. ولماذا أيضا هناك أجزاء أخرى من السودان فى طريقها الى المصير نفسه أو على الاقل الحكم الذاتى الاقليمى. لانه لم تعد وحدة السودان ممكناً فى ظل نظام البشير الذى لا يعرف الا الحروب و المأسى والتى لا غنى له عنها. فلذا لا احد يلوم شعب الجنوب على ذلك. رغماً من انه لم يكن هناك بديلاً للانفصال. الا انه شيئا مؤلماً حقاً أذ اننا نرى جزءاً عزيزاً من الوطن يذهب ونحن جميعا ننظر. لم يكن هناك ما يمكن فعله. لانه من الصعب أعادة الزمن الى الوراء. لان شعب الجنوب قد قرر هذا من خلال الاستفتاء. ولذا يستوجب الاعتراف به وأحترامه ايضا. ولكن أهم ما فى ذلك كله قيام دولة القانون التى تحترم حقوق الانسان الاساسية وأولها حق الانسان فى الوجود. ثم الحريات الاساسية. حرية التعبير و حرية النشر و حرية العبادة و حرية التجمع و حرية الاديان و حرية المسيرات السلمية وفوق كل ذلك حقوق المواطنة التى هى أساس العدالة الاجتماعية و كذلك مساواة كل المواطنين أمام القانون.وهذا يكون نابع من خلال أدراك لكل منهم لشئؤن وشجون الاخر.سيتمكنوا من العمل معا كشعب واحد متلاحم فى معالجة المشاكل التى تواجههم والمعضلات التى قد تورقهم بحيث ينعموا أخيراً بمستقبل زاهر أمن لهم فاما العامل الثانى هو التعلم من دروس الماضى التى ربما تفيد فى بناء دولتهم الجديدة حيث ان ذلك يساعد على توطيد دولة القانون اذا أرادوا الجنوبيين ان يروا دولتهم قوية وراسخة. فانه من الافضل عدم جعل مذهب الحركة الشعبية لتحرير السودان مسار كل شى فى دولتهم. حتى لا تكون كذريعة من أجل السيطرة وتهميش الاخرين وأيضا كمدخل لتحقيق مارب وأجندة قد لا تكون من مصلحة الدولة و الشعب. مثال لذلك دولة المهدية فان قائدها محمد أحمد الذى أطلق على نفسه صفت المهدى جعل الدين المسار الاساسى فى ثورته وعليه يجب ان تكون مسلماً أذ أنه هو الشرط الاساسى. لان الجهاد قام على هذا الاساس. فان عملية التعصب الدينى الشديد لا تساعد على الانصهار القومى. ولكن أنتهت الثورة المهدية بعد الهزيمة الكبرى على يد الجيش وبدأ عهد الحكم الثنائى الانكليزى و المصرى أى الاستعمار الاجنبى. لاننسى ان الجنوبيين ناضلوا بشدة ضد الاستعمار.ولكن نضال النوبة كان الاكبر. عندما حالوا البريطانيين فرض الدولة الجديدة عليهم. لان الشمال وقتذاك مهزوم بعد سقوط الثورة المهدية. فلما نال السودان أستقلاله حدثت مشكلة كبيرة بين الشماليين و الجنوبيين فيما تتعلق بسودنة الوظائف. الشماليين كانوا متعصبين ومتشددين على الكفاءة كمعيار أساسى لستيعاب الجنوبيين فى الوظائف. فقد كان عذر الشمالين هو ان الجنوبيين لا يملكوا هذه الكفاءة المطلوبة حتى يتم أستيعابهم فى تلك السودنة. و مما أثار غضب الجنوبيين لدى سمعاعهم النباء فارسلوا برقية عاجلة من مجلس ققريال فى الجنوب فى الثلاثون من أغسطس عام 1955 و كان نص البرقية كالتى. لقد كانت نتائج السودنة جاءت مخيبة للأمال بدرجة عظيمة أى أربعة مساعدين ومفتيش ومأمورين. يبدو أن قصد زملائنا الشمالين هو ان يستعمرونا لمدة مائة عام أخرى. فاما السبب الثالث هو الفريق أبراهيم عبود حيث أنه هو الذى عالج قضية سياسية بالقوة العسكرية. طرد المبشرين و منع صلاة الاحد فى الكنائس فرض الاسلام بالقوة و اللغة العربية أيضا. لذلك لم يخلق الجو الاخوى بينه و بين أخوانه الجنوبيين حيث ان ذلك هو الذى صعد الحرب فى الجنوب فى تلك المرحلة من مراحل التاريخ. لان عدم الدراية فى معالجة الامور بحكمة أشعلت الحرب و أودت بحياة اللألف من المواطنيين الجنوبيين. فها هو عمر البشير قد وظف الدين ايضا حتى لا يساعد على الانصهار القومى ولا حتى على وحدة السودان تراباً وشعباً. فان نجاح دولة الجنوبالجديدة يتوقف على الساسة الجنوبيين وخاصةً الذين على راس الدولة على ان لا يعيشوا فى الماضى أنما يتعلموا من دروسه. فان الامثلة الثلاثة التى زكرتها هى لب الصراع السياسى السودانى الاطوال فى أفريقية بل فى العالم. أذ أنها هى التى مزقت وشتت السودان الا ان أدت أخيراً الى فصل الجنوب.(هناك مثل سودانى يقول اليتيم ما بوصوه على البكاء) فاذا كان هدف الجنوبيين السلام و الا ستقرار و الازدهار فما عليهم الا الابتعاد عن تلك الاشياء التى مزقت السودان و فصلتهم عنه. ومن الافضل أيضا عدم فرض مذهب الحركة الشعبية لتحرير السودان كمسار أحادى او رؤية دون غيره فربما يودى هو الاخر الى خلق صراع سياسى و أجتماعى. بعد ذلك تولد القبلية والمحسوبية والفساد وغيرها من نزعات لا يحمد عقبها. مثال لذلك هناك من يريد ان يخلق أنشقاقات بين الناس حينما يقول ان ذاك النفر لم يكن من المحاربين فى صفوف الجيش الشعبى لتحرير السودان أو تلك المجموعة لم تكن هى أيضا من المحاربين فى صفوف الجيش الشعبى وهكذا. لاننسى ان بناء الدولة من لاشى ليس أمراً سهلاً ولا بسطاً أيضا. أنما يتتطلب تكاتف وتضامن شديد حتى يقوى عودهم وعزيمتهم. لاننسى أيضا ان الجنوب به عدة أعراق لكل منهما لغته و ثقافته و معتقداته الخاصة به. فلذا يستوجب الاعتراف بذلك كتنوع. حيث ان ذلك يساعد فى وحدتهم و قوتهم بعيداً عن هيمنة و سيطرة مجموعة على السلطة و أبعاد الاخرين و التى ربما توقع الحرب فيما بينهم. ماذا قالت مذكرة مجلس ققريال يبدو ان قصد زملائنا الشماليين ان يستعمرونا لمدة مائة عام أخرى. لذلك سيكون من الصعب جداً اذا حاولت مجموعة السيطرة على الاخرين كما هو الحال فى دولة السودان القديم. أضف الى ذلك تجربة الهوتو و التوتسى فى دولة روندا. عندما سيطروا التوتسى على الهوتو و أبعدوهم من كل شى وهمشوهم و جعلوهم مواطنين من الدرجة الثانية لعقود من الزمن. فعندما الت مقاليد السلطة للهوتو قاموا بحملة التطهير العرق ضد التوتسى فكانت فظيعة و بشعة حيث أودت بحياة أكثر من 100 ألف توتسى. لاننسى أيضا تجربة يوغسلافيا بين الصرب و الكروات و البوسنيا و البان كوسوفو حيث قتل الألف على يد الجيش الصربى. فكلها تجارب يستوجب أستيعاب دروسها حتى لا يقعوا فى تلك الاخطاء. عليه يجب على السياسيين الجنوبيين ان يدركوا ان للاخر حق الوجود وان للبسطاء حق فى الحياة و الكرامة. فاما جبال النوبة جنوب كردفان سيكون من الصعب بعد التاسع من يوليو القادم ان تكون الحركة الشعبية لتحرير السودان مسار شى فى جنوب كردفان. النوبة غير ملزمين وغير مقيدين بالحركة الشعبية كاطار سياسى اوحد للنوبة لماذا؟ لان النوبة (اولاً) لم يوقعوا معهدة مع الجنوبيين عندما أنضموا لأول مرة.(ثانياً) لم يدخلوا النوبة الحركة الشعبية بأجندة ذات مضامين تفصيلة.(ثالثاً) لم يوقعوا أتفاقية مع الجنوبيين ذات برتكولات ملزمة. (رابعاً) لم يوقعوا النوبة على عقد يلزم ويقيد النوبة من عدم خرقه. عليه يجب علينا كنوبة ان ندرك تماماً أننا كنا مجرد شركاء وحلفاء للجنوبيين. سنتخلى عن كل ذلك فى التاسع من يوليو القادم عندما يصبح دولة الجنوب قائمة بذاتها حرة ومستقلة وذات سيادة. اما بالنسبة لوضع العام لجبال النوبة ما بعد التاسع من يوليو هو ان جبال النوبة ليست دولة او جزء من الجنوب. انما جزء من السودان الشمالى.ولكن لم يكن من الممكن ان تبقى جبال النوبة دون مستقبل. وها هم الجنوبيين قد قرروا مصيرهم و مستقبلهم. فانه من حق النوبة تقرير مصيرهم ومستقبلهم من خلال الحكم الذاتى الاقليمى.لانه أصبح من الصعب جداً على النوبة مواجهة القتل و الفرار بعشرات اللألف الى مكان غير أرضهم وبيوتهم وتاريخهم وذكرياتهم وحياتهم وجبالهم باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان. من هو الذى وقع على أتفاقية نفاشا بالانابة عن النوبة. ولماذا وقعت الاتفاقية بالانابة عن النوبة. وماذا قدمت الاتفاقية الى النوبة حتى الان .واين هى تلك الوعود التى وعدت به الاتفاقية النوبة منذ 6 سنوات.عليه يجب طرح الامور بمسمياتها بعيداً عن الطرح العاطفى الانفعالى الذى لا يخدم مصلحة جبال النوبة وشعبه. فان تجربة الماضى قد ماتت على ان لا تعود أبدا. لقد أنتهى عهد ذلك التحالف. وأنه لبداية عهد جديد و مستقبل وجديد فى جبال النوبة.