شاهد بالصورة والفيديو.. (فضحتونا مع المصريين).. رجل سوداني يتعرض لسخرية واسعة داخل مواقع التواصل الاجتماعي بعد ظهوره داخل ركشة "توك توك" بمصر وهو يقلد نباح الكلاب    بالصورة والفيديو.. شاهد ردة فعل شاب سوداني عندما طلب منه صديقه المقرب الزواج من شقيقته على الهواء مباشرة    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    إذا كسب المرتزقة الفاشر يعني ذلك وضع حجر أساس دولة العطاوة    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    عيساوي: البيضة والحجر    ماذا قال دكتور جبريل إبراهيم عن مشاركته في مؤتمر مجموعة بنك التنمية الإسلامي بالرياض؟    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    انجاز حققته السباحة السودانية فى البطولة الافريقية للكبار فى انغولا – صور    والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حربٌ لتراجع المدنيين عن صُنع القرار
نشر في سودانيزاونلاين يوم 21 - 06 - 2011


سُودانياتٌ قبلَ قرار ٍبقابل ِالأوْطاَن
"هتاف من قلب الشارع"
من أناشيد الموسيقار محمد الأمين
محجوب التجاني*
السبت: 18 يونيو2011
علي بساط البحث هذا الأسبوع مصادر خبرية وتحليلات أكاديمية في ظاهرة العِرْق، أثره السياسي، حَرّه العاطفي، وشيئا من أبعاده الوطنية والقارية والدولية. تبدو العلاقة لأول وهلة بعيدة لا رابط بينها. وهي خلاف ذلك، قوية، شديدة الدلالة علي رسوخ الرقعة الإثنية النفسية في السياسة العامة للدول والمجتمعات. لا خلاص منها ولا حراك عنها، ما لم تحل محلها سياسات موضوعية متحضرة، قوامها الإتفاق السياسي العريض، وآلياتها الإلتزام الكامل بالديمقراطية الدستورية.
نضرب مثالا بما يجري في سوداننا من فشل السلطة في جزئي القطر في منع الحرب وإهدار الأرواح والممتلكات، وإعلاء حكم الدستور والقانون، وصون سيادة الشعب، وتجنب تعريضها للتلاشي والتبدد التام، بما لا يصح تبريره بأي رأي. ندرس للحث والمقارنة، ما يجري في الولايات المتحدة الامريكية من خلافٍ كبير حول السياسات والإجراءات القانونية، دون مساس بوحدة السلطة أو كيان الأمة. فما أبعد الفارق بين الإثنين! والنظرية، أن المدنيين حين يتراجعون عن صنع القرار، يتقدم العسكريون، فيأخذونه أخذا، يسنون له السلاح، ويطبقونه علي الفضاء وشاغليه بالقوة. تتراجع الحقوق، يصبح الرعب، ويَمْسِي.
تخلف الحكم ومأساة الدمار
قالت كاثرين براق، نائبة منسق الأمم المتحدة لعون الطوارئ،"إن ما يقدر ب 70 في المائة من سكان العاصمة كادقلي صاروا نازحين، وتأثر أكثر من مليون و400 ألف إنسان يعيشون في 11 محلية يدور فيها القتال. الوكالات الإنسانية إستطاعت توزيع الغذاء... وإجراء معاينة طبية لبعض النازحين. لكننا قلقين من نقص الماء والمأوي" ((Washington Post, June 16, 20. وهذا يا صاحبي ما فعل الحاكمون بشعبنا في جنوب كردفان:
أعمل طريدا العدالة الجنائية الوطنية والدولية معاول الخراب في أبيي وكادقلي بلا إلزام رسمي أو شعبي لأي منهما بالقرار والتطبيق الحربي علي هذا النحو الظالم لأهل أبيي وكادقلي. فلا بد من طرح المساءلة المُشدّدة علي الأصعدة الرسمية والشعبية لهذا الإجرام المقيم. القائمة طويلة. ولم تمتد بعد أيادي الضحايا من أهل دارفور وكجبار وبورتسودان وشهداء الجيش لتصافح أيدي سلطةٍ مضرجةٍ بالدمآء. وبهذا، لا يمكن الحديث عن تصالح الجماهير مع السلطة، أو إعانتها علي استدامة نفس السياسات العدوانية. بل الواجب صدها وإنهاء وجودها السقيم.
عاش سوداننا، لا ريب، أحسن حالا، واستطلع أفضل مآلا، قبل أن تُسْتَحوذ السلطة، وتلعب بها بالكامل حكومتان حربيتان بإتفاقية السلام. تراجع في التطبيق إلي نقطة الصفر، أو ما دونها علي مدي خمس سنوات دور العقل المدني في عملية القرار، وضاعت أحلام شعبنا الجميلة بصنع سودان مُوّحد متقدم، إضطرادا مع تصاعد واقع عسكري دموي إستعاده القابضون علي السلطات، بالرغم من حرص قوي إجماع السودانيين كل الحرص علي رفض ذلك الواقع، وسعيهم الدائم لتغييره بالسلم والحوار الرشيد، وطرحهم الجديد السعيد محله، بمنهج الحركة الجماهيرية السودانية، ورصيدها الثمين.
يلزم للخروج من هذه الكارثة الفادحة، إقامة ديمقراطية دستورية راشدة في دولتي الشمال والجنوب بإنتخاباتٍ صحيحةٍ، خالية تماما من إستبداد الطغم وتسلط العسكر، قوات أو مليشيا، علي إرادة المدنيين؛ وإمهال الحكومتين المنتخبتين في جزئي القطر لتثبيت الحكم الدستوري في كل دولةٍ منتخبةٍ بالعمل الجماهيري المستقل، في ظل برلمان ديمقراطي، وسلطة تنفيذية تطبق قراراته، وقضاء مستقل يفصل في خلافاتهما، ولا يخشي باس الجندرمة والافندية.
تعاطفٌ عالميٌ مع ضحايا الهجوم
في 16 يونيو، ذكر كولم لينج في مقال نشرته Washington Post "قلق الرئيس أوباما العميق من إتساع وهدة العنف في السودان، مع تأهب مبعوثه الخاص برنستن ليمان لزيارة المنطقة للإعانة علي حل نزاعاتها السياسية والعسكرية، التي تهدد بوضع حدٍ لواحدٍ من أولويات الولايات المتحدة في إفريقيا، تقسيم السودان سلميا لدولتين:
"يتزامن قلق الرئيس مع إجتماعاتٍ بأديس أبابا بين ممثلي حكومتي السودان، لتسوية الخلاف علي مصير أبيي عقب هجوم حكومة الشمال عليها هذا الشهر، بعمليةٍ حّذرت الأمم المتحدة من أنها ربما تؤدي إلي تطهير عرقي. المبعوث الخاص في بيان صحفي للبيت الأبيض يسعي لسحب القوات من أبيي، وقف العداوات، والسير قدُما في فصل السودان لدولتين "تخرجان في سلام".
"ناقشت حكومة الخرطوم والحركة الشعبية صفقة علها تقود إلي إنسحاب قوات الحكومة من أبيي، ووضع آلاف من قوات حفظ السلام الإثيوبية في المنطقة، طبقا لمصادر دبلوماسية قريبة من المباحثات. في الأثناء، إنتشر القتال خلال الأسابيع المنصرمة في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان المتجاورتين؛ قصفت قوات الخرطوم المنطقة قصفا جويا، ووالت قواتها ومليشياتها تمشيط المنطقة ممن يُرتاب في دعمهم لقوات الجنوب حول العاصمة كادقلي. وفي أسابيع لاحقة، حّذر كبار مسؤولي إدارة اوباما الخرطوم من أن عملياتها العسكرية في أبيي وجنوب كردفان وما ورآءها، ربما تثلم التطبيع المُرتقب لعلاقات الولايات المتحدة مع السودان.
"في نيويورك، أدلي كبار مسؤولي حفظ السلام والإغاثة الإنسانية حديثا كالحا وراء الأبواب لمجلس الأمن، عن الأحداث الجارية في كردفان. هرب أكثر من 60000 إنسان من ديارهم. ونقلت الأمم المتحدة تقاريرعن أن تعزيزاتٍ من الجيش الشعبي ربما كانت تتقدم نحو كادقلي، مما يبعث الخوف من إندلاع حربٍ اهليةٍ شاملة. ولم ينس كاتب الواشنطن بوست تذكيرنا بان الخرطوم "مارست حربا من أدمي الحروب الاهلية وأطولها ضد الجنوب:
"حرب ال22 عاما التي بدأت عام 1983 خلفت أكثر من مليوني قتيل. يتوقع أن يعلن الجنوب إستقلاله في 9 يوليو. جري الإستفتاء بقليل من العنف. إلا أن الجانبين بقيا منقسمين حول موضوعات حّرجة: ترسيم الحدود بين الدولتين؛ المواطنة؛ حقوق المياه؛ شراكة دخل النفط؛ ووضع أبيي التي يطالب بها الطرفان... ومع تخوف المجتمع الدولي من إلتهاب الحرب الأهلية، إحتجزت القوات المسلحة السودانية الأمم المتحدة دون الوصول إلي مطار كادقلي أو التوصل الكامل لآلاف من المدنيين النازحين المنتشرين في مداخل المدينة وما ورآءها".
عثرات في سياسات الكبار
علي غير ما تبدو عليه تضاريس المعايش في أطراف البسيطة، تنوء الحياة في العالم الجديد علي رحي العمل الجهيد وأشراط ملاكه؛ يطل بها تساويٌ غائمٌ تحت أعراض التمايز، لكأنه الأرض ساعة إشراقها: فضاء بنفسج غامق يحيط هالة من النور. الطيبات وافرة في هذه القطعة المزخرفة بكل جميل في أرض الله. ومافتئ النضال مريرا لكسب العيش وصنعة الأرزاق: يظل المرؤ إنسانا، يحقق نصرا، أيا كان مقداره. نري سيكولوجية نافذة من خلال الصورة: الإصرار علي الكسب، والخوف من الخسارة.
نتفكر مدي تطابق هذا الصورة المثيرة، بما بها من تناقض حياتي كبير، بالسياسة الأمريكية في منطقتنا العربية والإفريقية: نحّذر بداية من صعوبة المقارنة علي مستوياتٍ ثلاث: مثاليات الحياة الأمريكية؛ واقع نضالاتها المرهقة؛ وآثارها الكثيرة بين مواعينها القومية وما ورآء بحارها. الأسباب عديدة: البلاد بحجمها الواسع، وتاريخها المزحوم بالحرب والمعارك، وأصولها القارية التي لا ينقطع حجيجها عن الهجع والترحال، لا يوجد لها مثيل في عالمنا الحاضر.
ما هكذا سياسة إداراتها المتعاقبة: تواصل نهجا متفردا في فهم المواقف وتقدير المواقع وأخذ القرار، منذ أن رفض مهاجروها الأوائل في مينآء بوسطن أوامر التاج البريطاني بدفع الضرائب الثقال، والإنصياع. قالوا وقتها ما يجب أن تقوله الشعوب في كل زمان ومكان. لكأنما نطقوا بما تعلمه الشرق وأهله، حيث كانوا، من رسله ومصطفاهم، معلم البشرية أرقي إنسانيتها: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". أما تري اليوم الشعوب تقولها داوية لحكامهم في سوريا واليمن، وأبنآء عمومتنا المصريين، وأشقائنا التوانسة: إهمال مطالبنا معصية للرب. إزالة المعصية موجب للرفض. وواجب الساعة الفض، وإقامة العدل.
مثقفو الأمريكان، وأربابهم في جامعاتهم ودور أبحاثهم التي لا تقل عن خمسة آلاف مؤسسة، الواجب ذكرهم بالخيرعلي ما بحثوا وطبعوا ونشروا عن السودان والسودانيين. منهم من قضي العمر باحثا منقبا في أسرار تاريخنا المجيد، وأنماط حياتنا الطاعمة بحب الضيف وإكرام الغريب. أكثرهم يشيد بتصدي شعبنا للإستعمار بكل قوةٍ وإصرار، مطالبا بكل الحريات طوال تاريخه القديم والحديث: وكلهم محبٌ يُعجب بتسامح السودانيين، ومجتمعهم المفتوح بلا حائل علي الأفكار والعلوم، وحرية الرأي، وممارسة القرار بمشاركة الجميع، فوق كل انفرادٍ، أيا كان.
حدثنا من علماء الأمريكان في مؤتمراتٍ عارفةٍ، ولقاءاتٍ متعارفةٍ عن شعبنا المحبوب: "الحرية والسودان شعبٌ واحدٌ وشئٌ واحد. يجهر السودانيون بالحرية والوحدة منذ خُلِقوا. الله أعلم بكم"، قالوا؛ "وما كل العالم بمدركٍ لحبكم العدل، ورفضكم الظلم، وإقدامكم علي المقاومة - حتي ليقول عنكم بطل بريطانيا شارلس غوردون، فتي الخديوية في التركية السابقة، إنكم "قومٌ غير قابلين للحكم".
قال جمعنا: أثلجتم صدورنا. أنتم أصدقاؤنا، ومحبو شعبنا. أهلا بكم مع شعبنا. حبيبنا. صف المواجهة. صنو الشجاعة، ومنبع الإنصاف. تلك صورة زاهية دائمة عن صداقة الشعبين السوداني والأمريكي، بعيدا عن الرسميات والدبلوماسية. وما يزال أمريكيون عارفون، يرون السودان جسما واحدا، ولو تقسّم.

في الديمقراطية دروسٌ وعبر
تأمل أممٌ في قارتنا الأم ومنطقتنا العربية أن يصير حالها حال العالم الجديد؛ تنتصب قلعة عالية، ولاياتٍ صناعية، فاحشة الثراء. تود لو تحظي بدُور علمها الوفرة. لا بأس، إن أحسنوا وأحسنت تحسين حياة الفقراء، وتلبية مطالب الأقليات، وإنصاف البؤساء.
البنية الدائمة - علاقات السلالة والعرق وجماعات الأقلية. كتاب من إعداد مايكل س. ليماي (New Jersey, 2nd edition, 2003)، يتتبع بدراسة سوسيولوجية مجتهدة، علامات التغيير القانوني والسياسي الجاري في المجتمع الأمريكي لأكثر من مائتي عام متصلة، لإزالة التمييز بين الناس باللون والعرق، أوالإنتماء إلي أقلية إقتصادية أو إجتماعية بعينها. إنها صفحاتٌ مؤثرة من عذابات الشعوب والقبائل التي تزخر بها بلاد الأمريكان من قارات العالم، علي اختلاف جماعاتها السكانية وثقافاتها، وأشخاصها القومية – إفريقية، آسيوية، أوروبية، فأمريكية. وما أنجزت الأمة من تقدم.
يلاحق الباحث بوجهٍ خاص "السياسات العامة للمشاركة السياسية، وحالة المجتمع التي تغيرت طبقا لها، من مجتمع يمتنع بمنهج ثابتٍ علي أقلياته، إلي مجتمع يكفل الآن حقوقا مدنية أساسية للمشاركة. ويُظهر التحسينات الدراماتيكية التي تحققت في المشاركة الحقيقية للأقليات – زيادة في تسجيل أصوات الناخبين ومعدلات التصويت، والنجاح في إنتخاب مسؤولين من نفس الأقليات للمناصب العامة...
"إن قدرا كبيرا من إنخفاض المشاركة، يعود بلا شكٍ إلي انخفاض الوضعية الإجتماعية والإقتصادية. وهي أهم عامل في رأي علماء العلوم الإجتماعية يحدد المشاركة السياسية. فكلما ارتفعت الوضعية الإجتماعية والإقتصادية، ترتفع إمكانية المشاركة. يمكن للعرق أن يتنفذ المشاركة السياسية بشكل ٍمستقل. ولقد لجأت بعض شرائح الأغلبية إلي استخدام السياسة العامة لإستبعاد الأقليات العرقية، مما جعل السياسات العامة أداة حاسمة في تطوير إرتباط ما بين إنخفاض الوضعية الإجتماعية والإقتصادية، والمشاركة السياسية.
"وجد الباحث سيقلر إنه بين كل الحقوق المتاحة للمواطن الديمقراطي، لا يوجد حقٌ أعلي شأنا علي العموم من الحق في التصويت. فالإنتخاب هو الفعل المُعّلي. وبدونه تتعرض كل الحقوق الاخري للخطر، لأن أقلية يمكن أن تمنع التمتع بالحقوق الاخري بفرض قوتها علي الحكم، بلا تناسب. التمتع بالحق في التصويت إختبار للديمقراطية... تبدو السانحة في قلب الحق في التصويت للجماعة، كي تحمي نفسها من السياسات الحكومية الضارة بمصالحها. الحقُ متاحٌ لكل الأفراد. ولكنه أيضا ضمان للجماعات.
"يستعمل مجتمع الأغلبية القوانين والسياسة العامة، وتدابير غير رسمية مثل العنف والإرهاب، لتحجيم حق الأقليات في المشاركة. إن فرض ضريبة علي الإنتخاب، وإختبارات ما قبل التصويت، ووضع أولويات إنتخابية بحسب اللون، والتحديد العنصري لمناطق السكن، وأحكام التصويت، كلها استهدفت الأقليات. وقد حُجر الحق في الإنتخاب علي المرأة الأمريكية حتي صدور التعديل التاسع عشر للدستورعام 1920.
"لم يكن التصويت ممكنا للمهاجرين الآسيويين، إذ حُرموا من الحصول علي الحق في المواطنة بموجب الدستور [عقب الحرب العالمية]. تمكن الهنود الأمريكيون من المشاركة في الإنتخابات العامة، ولم تكن لهم مشاركة غير إختيار زعمائهم القبليين، حتي إصدار الكونغرس قانونا للمواطن الهندي عام 1924. برغم القانون، قيدت بعض الولايات الهنود الأمريكيين من ممارسة إنتخابات الولاية والمناطق المحلية، حتي مجئ الأربعينيات.
"إن أشد الحالات إستعمالا للسياسة العامة لتحجيم حق الأقليات تعود إلي قوانين جيم كرو التي تعقبت الأفارقة الأمريكيين – السود كما يُدْعَون. لقد كان التمييز العنصري والتمييز بحسب النوع – نساءا ورجالا – من التركز بحيث أن 17 ولاية سمحت لرجال مهاجرين بالتصويت؛ لكنها منعت نساء أمريكا وأفارقتها من ذلك الحق. كان قانون حقوق الإنتخاب عام 1965 [عقب حركة الحقوق المدنية] الأداة الحقيقية لحماية حقوق الأقليات في التصويت. قام الكونغرس بتمديد العمل به في الأعوام 1970، 1975، و1982، مشتملا موادا مستديمة وأخري مؤقتة. أزال القانون معوقات الإقامة والإرهاب، وفرض الإختبارات الأدبية وغيرها من الوسائل، مؤهلاتٍ ضرورية للتصويت" (366).
هذا يا صاحبي ما تُشّرع القوانين له في المجتمعات المتحضرة. فتمعن دعاء الصالحين في بلادنا: ربنا ولي علينا خيارنا، لأنهم يخدمون الرعية بأحسن أحكام. يتخيرون لها أفضل نظام. ولا يعيثون في الأرض فسادا بإسم الإسلام.
الدولة الدستورية ضمان الحرية الأوفي
ناتي الإن إلي مقطع سياسي آخر يُنبئ عن نجاح الأمة الأمريكية في التعايش تحت ظل الديمقراطية الدستورية، الراسخة في نظام قانوني فريد من الإتفاق مع الإختلاف.
أصدر الكونغرس قرارا غير إلزامي يعبر عن إستيائه من فشل الرئيس أوباما في تقديم "مبرر مقنع" لتورط إدارته في الحرب التي يقودها الناتو علي ليبيا. "الرئيس يواجه معارضة الحزبين لسلطات الحرب" – عنوان تقرير خبري للأسوشياتت برس في موقع msnbc (16 يونيو) حول معارضة جمهوريين وديمقراطيين في الكونغرس إدعاء الرئيس باراك أوباما الخميس الماضي، بأن هجوم الولايات المتحدة الجوي علي ليبيا لا يشكل عدآءات؛ ومطالبتهم القائد الأعلي للجيش بالحصول علي موافقة الكونغرس للعملية العسكرية الجارية طوال الأشهر الثلاثة الفائتة.
"إنه عراك دستوري"، يصف التقرير الموقف. "المحصلة الآيلة من كل هذا التأخر والربكة والتغييب، وقفة جامعة في الكونغرس ضد سياسة الإدارة"، أعلن السناتور جون ماكين، أكبر شيخ جمهوري في لجنة الخدمات العسكرية، والمؤيد لقرارات أوباما بحق ليبيا. من جهته، "هدد النائب الجمهوري جون بوهنر، زعيم مجلس النواب ، بإيقاف الصرف علي العمليات العسكرية، مما يثير الكونغرس المتلهف لممارسة سلطاته المالية في مواجهة البيت الأبيض.
الخلاف بين أعلي سلطتين في أمة الولايات المتحدة خلافٌ قانونيٌ دستوري: "يمنع قانون 1973 الجيش من الخوض في أعمال عسكرية لأكثر من 60 يوما بدون تصريح من الكونغرس، زائدا 30 يوما تنتهي بحلول الأحد المقبل. أما الإدارة، فتري ألا حاجة بها للرجوع للكونغرس في دعمها للناتو، لأن القوات الأمريكية لا تواجه عدآءات تتطلب الحصول علي موافقة الكونغرس علي قرار الرئيس".
همٌ أساسيٌ آخر في عراك السلطة التشريعية الأمريكية مع السلطة التنفيذية الرئاسية، يتمثل في تضخم نفقات المشاركة العسكرية في حملة الناتو، لإسقاط نظام الجماهيرية الليبية. "قدر تقرير الإدارة للهيئة التشريعية تكلفة العمليات العسكرية بحوالي 715 مليون دولار إعتبارا من 3 يونيو، مع ازدياد الحملة إلي 1و1 مليار دولار فاتحة سبتمبر: "ننفق يوميا 10 مليون دولار. ونحن جزء من جهد مبذول لإلقاء القنابل علي مقر القذافي. لا يجعلنا هذا في مكان غير بؤرة العدآء"، تسآءل السناتور بوهنر. وكان رد البيت الابيض "السناتور بوهنر لم يطالب دائما الرؤساء بالإمتثال لقرار سلطات الحرب".
وراء هذا التعليق ما ورآءه من تعريض: فالرئيس الجمهوري السابق جورج بوش لم يستصدر قرارا من الكونغرس قبيل إجراء الحرب علي العراق، وقد أجاز الكونغرس العملية العسكرية بعد مدةٍ من قيام الجيش بها بأمر قائده الأعلي، رئيس الولايات المتحدة". إنتهي تقرير الوكالة. ولا يجب أن يغيب عنا أن الإنتخابات علي الأبواب، وأن الجمهوريين لا يرتاحون للبقاء زمنا طويلا خارج البيت الأبيض. والفيصل بصناديق الإنتخاب، لا بنهب الضمان!

تعليقنا:
الظاهر في مسير عملية تطوير المجتمع الأمريكي ترسخ حقوق التساوي والتمتع بالحريات، مع ثبات التعدد السياسي والإجتماعي، وطمأنينة التعايش بين الجهاز التشريعي والسلطة التنفيذية في إدارة الدولة، وهيبة القضاء وإستقلاله التام عن السلطتين.
ما من حاجة لرئيس بإزالة برلمان عن الوجود، أو التحكم في إنعقاده أو إنفضاضه، مثلما تأذن بذلك مواد الدستور الإنتقالي المعيبة في بلادنا المنكوبة. ولا يعني كل هذا الفلاح خلو المجتمع الأمريكي من الحاجة الملحة لتطوير وضعية الأقليات. ولكنه يعني قدرة المجتمع ودولته وولاياته علي الحوار والإتفاق والتطبيق العادل، بما تضمنه الدستورية الديمقراطية من حقوق وحريات.
الأمل حيٌ لدي جماهير شعبنا، عاشقة الحرية والحقوق، في إتفاق دولتي السودان بالجنوب والشمال علي كلمةٍ سواء بشأن كافة الأجندة موضع الخلاف.
• أولا: تبني قوي الإجماع، الممثل الشرعي للمعارضة السودانية، دستور التجمع الوطني الديمقراطي الحاوي لإتفاقاتها مع الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تقود حكومة الجنوب في الفترة الراهنة؛
• ثانيا: إعتبار المجتمع الدولي لدور قوي الإجماع الكامل في المشاركة التامة في السياسة العامة، كفالة لدور الأقليات العرقية والإقتصادية والسياسية، التي تحتل مكانها الطبيعي بين قوي الإجماع، وتشارك في كافة قراراتها، وتلتزم بها للإنتقال الديمقراطي الدستوري في البلاد؛
• ثالثا: دعم القوي الإقليمية والدولية للقرار المدني في الشأن السوداني، بالكف عن تهميش المعارضة السودانية، ووضعها في مكانها اللائق بها في خريطة الوطن السياسية والإجتماعية والإقتصادية، وتقدير برامجها وإتفاقاتها مع القوي الجنوبية الديمقراطية، والإقتناع بأن قضايا الأوطان لا يجدي في حلها تفعيل التجزئية والتفتت بين الشعب الواحد في الوطن الكبير، بقدرما ينصلح حالها وتستقر ديمقراطيتها بضمان المشاركة الشاملة لكل أعراقها وجماعاتها المختلفة، ولو عاشوا في دويلاتٍ عديدة.
وغداً يومٌ جديد
_____________
الأيام: متابعات يونيو 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.